البحث

عبارات مقترحة:

المؤمن

كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...

الحسيب

 (الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

عيد الفطر 1429هـ

العربية

المؤلف محمد بن سليمان الحماد
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - صلاة العيدين
عناصر الخطبة
  1. العيد يوم الجائزة .
  2. فرح المتعبدين وفرح الفاسقين .
  3. بعض مظاهر الفرح السيئة .
  4. الحث على الاستمرار في الطاعة .
  5. الترابط والاجتماع بين المسلمين .
  6. الولاء للمؤمنين والبراءة من المشركين .
  7. من شعائر الإسلام .
  8. موعظة للنساء .

اقتباس

يقول الحافظ ابن حجر في الفتح: "إن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين". فهل يليق أن نتقرب إلى الله بمعصيته؟!. يجب أن نفرح فرحَ المتعبّدين لا فرح الفاسقين الأشرين، وفرح المتعبدين يكون بأن تلهج ألسنتنا بذكر الله وحمده وسؤاله القبول وعفوه، يكون بتطهير قلوبنا من الشحناء والبغضاء ومن الحسد وشبهه، فرح المتعبدين يكون بالتواضع للمؤمنين، ويكون بالتلاقي على خيرٍ وتصافحٍ، ويكون بالتواصي بالحق والتشجيعِ على فعله وبالإصلاح بين الناس، ويزيّن هذا...

الخطبة الأولى:

معشر المسلمين والمسلمات: أطاب الله حياتكم وبارك لكم في عيدكم، وأعاده علينا جميعا وأنا وأنتم في زيادة مال وبنين وإيمان ويقين، آمين.

إخواني: إليكم هذه البشارة الطيبة: فعن سعيد بن أوس الأنصاري عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق ينادون: اغدوا -يا معشر المسلمين- إلى ربّ كريم، يمنّ بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أُمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، أطعتم ربّكم، فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلّوا نادَى منادي: ألا إنّ ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة، ويسمى في السماء: يوم الجائزة" رواه الطبراني، وفي رواية: "فإذا برزوا إلى مصلاهم قال الله: يا ملائكتي، ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ قالوا: إلهَنا وسيدَنا، أن توفّيه أجره، قال: فإني جعلت ثوابهم من صيامهم وقيامهم مغفرتي ورضواني، وعزتي لا يسألوني في جمعهم هذا للآخرة شيئًا إلا أعطيتهم، ولا لدنياهم إلا نظرت لهم، انصرفوا مغفورًا لكم". فأبشروا وأمّلوا خيرًا من ربكم.

يا أهل الإسلام: قد منّ الله عليكم ببلوغ هذا اليوم الذي به أتمَمتم نعمة الصيام من بين أناس قد توفاهم أو أناس قد أضلهم وأقصاهم، وهذا والله فضل من الله ورحمة، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[يونس: 58]. إنها فرحة العامل بأجره، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "للصائم عند فطره فرحتان يفرحهما: إذا افطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه" أخرجه البخاري ومسلم. ففرحنا يوم العيد عبادة، وإظهارنا للسرور فيه قُربة، يقول الحافظ ابن حجر في الفتح: "إن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين". فهل يليق أن نتقرب إلى الله بمعصيته؟!.

يجب أن نفرح فرحَ المتعبّدين لا فرح الفاسقين الأشرين، وفرح المتعبدين يكون بأن تلهج ألسنتنا بذكر الله وحمده وسؤاله القبول وعفوه، يكون بتطهير قلوبنا من الشحناء والبغضاء ومن الحسد وشبهه، فرح المتعبدين يكون بالتواضع للمؤمنين، ويكون بالتلاقي على خيرٍ وتصافحٍ، ويكون بالتواصي بالحق والتشجيعِ على فعله وبالإصلاح بين الناس، ويزيّن هذا كله مجانبةُ الإسراف في كل شيء، يكون بالمزاح المباح الذي لا غلظة فيه ولا كذب، يكون بإدخال السرور على النفس والأهل والأقارب باللعب والنزهة والعودة إلى بلاد الآباء والأجداد، يكون بصلة الأرحام والإحسان إليهم، يكون بالاستمرار على الطاعات والاستمرار على هجر المعاصي، ويجمع هذا قوله تعالى: (أَفَمَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ). هكذا يكون التعبد لله بالفرح، ومن رام غير ذلك مما ينافي شيئًا منه فلا أفرحه الله ولا أسعده.

ولتعلموا -رحمني الله وإياكم- أن الفرح لا يُذم لذاته ولا يُمدح، إنما بالأثر المترتب عليه؛ لذا ذكره الله في القرآن مرة في مقام المدح ومرة في مقام الذم، فأما المدح فقوله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)، وأما الذم فقوله تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ). يقول ابن الأنباري: "إنما عاب اللهُ الإنسانَ بقوله: (ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي) لأنه لم يعترف بنعمة الله ولم يحمده على ما صرف عنه؛ ولذا ذم فرحه لأنه صار بمعنى الكِبر عن طاعة الله، ووَصَفَه الله بأنه فرح فخور، وأما فرح الشهداء ففرحٌ لا كِبْر فيه ولا خُيلاء، بل مقرون بشكر الله على فضله، فهو مستحسن".

معشر الفرحين: إن الفرح الحقيقي لا يتأتى إلا لمن أحسن العمل في رمضان وظن أنه قد استثمره ليكون مهرا للجنان, وأصلح آخرته فإن الآخرة خير وأبقى، (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ[الرعد: 26]، شيء قليل زائل أو زاد كزاد الراعي، وحالهم حين يُزفون إلى الجنان وربٍ راضٍ غير غضبان لن يذكروا كمد الحياة ولأواءها، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا ابن آدم: هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط" أخرجه مسلم عن أنس بن مالك.

أيستوي حال أولئك وحال الظالمين الذين غرتهم الحياة الدنيا واطمأنوا بها فلما انقلبوا إلى آخرتهم لم يجدوا سوى الخراب والعذاب؟! (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً[الأنعام: 31].

إخواني: إن مما ابتلينا به في بلادنا وفي هذه الأيام الطيبة المباركة هذه الاحتفالات العامة التي رفرفت أعلامها، إذ هي والله لا تفيد مودة ولا أُنسًا دائمًا، إنما هي لهو بمثابة المُسكِّن للسُعال ويعقبه الحسرة والضيق والملل, وإلى متى ونحن إن أعيتنا حرارة الشمس طلبنا ظل السحاب الزائل، وإن صدّعت رؤوسنا عاجلناها بقضم حبة مسكنة؟!.

إن راحة النفس وأُنس الفؤاد يكون فيما أباحه الله وفعل ما يرضاه، فانظر -أخي الكريم, أختي الكريمة- في كل عمل تعمله إن كان يصلح سبيلا للجنة أو على أقل الأحوال لا يوصل إلى سخط الله فاعمله -واللبيب بالإشارة يفهم-، ولأن يبقى الرجل في بيته يلاعب أولاده ويلاطف أهله ولو ساعة من نهار خير والله لهم من غشيان تلك الاحتفالات التي يشينها الطرب والزمر والاختلاط المشكل وحضور بعض السفهاء من الشباب والشابات. وإني لأهيب بالشباب الطموح أن يجتهدوا لأسرهم وجيرانهم، ويُحدثوا لهم احتفالات تسعدهم وتفيدهم وتجمع كلمتهم رجالا ونساء، فهذا أعظم معنى من معاني العيد.

إن الفرح والسرور والسعادة والحبور هبة ومنَّة من الله، فمن أرادها فليُقبل على الله الشكور، فهو ربها ورب القلوب القوالب لتلك المشاعر، فأتمروا بأمره تَسعدوا، واجتنبوا نهيه تفلِحوا، وتمسّكوا بشرعِه وهدي نبيّه تُسَرُّوا وتطمئنوا، (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ).

أيها الأحبة: إن انتهى ميدان السباق الجماعي فإنه قد بدأ ميدان السباق الفردي، فالصوم لم ينته مع رمضان، بل قد رغبنا الله في صيام الست من شوال، وإنها مع صيام رمضان تعدل صيام السنة كلها، فلا يتركها والله إلا محروم, وكذا القيام فإنه إن توقف جماعةً فلا نتركه فرادى ولو ركعة واحدة بعد العشاء مباشرة أو قبل النوم، ليكتبنا الله من القائمين, وتعاهدوا كتاب ربكم واقسموا له من أيامكم وردًا لا تتركوه، فإن في ذلك سلامة من الفتنة والجهل. وإياكم أن تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا أي: غزلت لها صوفًا فلما لم يبق منه إلا القليل تركته وأهملته أو عادت عليه بالنقض، ومثلها من بنى بيتًا ثم لم يكمله فتركه حتى أفنته الرياح, واعلموا أنكم في شهركم قد غرستم غرسًا وشيّدتم قصورًا بدعائكم وصلواتكم، فتعاهدوها ولا تهملوها.

أيها الأحبة: ثمةَ حقيقةٌ يجب الإقرار بها، وهي أن العيد لله كما أن رمضان لله، بل الحياةُ كلها لله، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، فلا ينبغي أن نفرح بما يُسخط الله فنكون كمن قال الله عنهم ذامًا لهم: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ[محمد: 28].

معشر المسلمين والمسلمات: إن هذا اليوم يوم تجتمع فيه الأمة كلها على الفرح والسرور، ويعتليه معنى من معاني الوحدة، أفلا يسوغ لأمة دينها واحد وملكها واحد أن تجتمع على نهج واحد وسياسة واحدة على قلبٍ مفعم بالمودة والرحمة وكلمةٍ يشدُها التلاحمُ والحكمةُ؟! كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" أخرجه البخاري عن أبي موسى الأشعري. أفلا يسوغ لنا أن نطّرح الحدود والأقاليم ونجعل ولاءنا في الدين وفي الدين فقط؟!, لِمَ خَطَفَ الكفارُ منا هذه الربيبة فصار الواحد منهم يهوديا كان أو نصرانيا أو غير ذلك, إن استغاث لبى نداءه إخوانه في الملة في كل مكان، وأما المسلمون فلا بواكي لهم بل عساهم يسلمون من تخطئة بعضهم بعضا وتقتيل أبطالهم والاستعداء على رجالهم ومجاهديهم؟!, إن المؤمنين مأمورون بالولاء فيما بينهم: (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)،ومن أجمل معاني الولاء التراحم: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)، ومن أصدق معاني الولاء التواد: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، فأين التراحم بيننا اليوم معشر المسلمين؟!, وأين التواد والعفو والاعتذار والصفح والإيثار والتكافل؟! والله المستعان.

عباد الله: إن الولاء الخالص الذي يثمر القوة والمنعة للمسلمين لا يحصل إلا إذا حققنا ضده، وضده هو الشق الأول من كلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، فكما أنه لا توحيد إلا بالبراءة من الشرك وأهله، فكذا لا ولاء إلا بالبراءة من الكفر وأهله، وهذه هي ملة أبينا إبراهيم الملة السمحة، (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ).

وبغضنا للكفار -أيها الكرام- ليس من أجل ذواتهم أو من أجل جنسياتهم، لا، بل من أجل بغض الله لهم، ومن أجل عداء الله لهم، (مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ[البقرة: 98].

معشر الأفاضل والفاضلات: لقد نغص علينا فرحتنا بالعيد أعداؤنا القساة الذين لا يخافون الله ولا يرجون اليوم الآخر، فإن الأجانب منهم قد قرحوا أكبادنا كمدا لما نراه في إخواننا وأخواتنا وأطفالنا من تشريد وقهر وتعذيب وقتل، وأما الأقارب منهم فهم على أصناف: صنف سرقوا أوقاتنا وجرّحوا صيامنا وقيامنا بالكذب والسخافات وبالرقص والأغنيات وتفجير الغرائز والشهوات حتى نتج عنه أن صار شهر رمضان هو الأكثر في قضايا الفاحشة والله حسبنا ونعم الوكيل, وهذا الصنف لما سلط الله عليهم العلماء عاثوا في أعراضهم وأعلنوا لهم العداء والمنازلة, وتبا للبعوضة كيف تستعدي الأسد، لقد شن القذرون -أجلكم الله- من أرباب وملاك المجاري الفضائية, هجمة ضد من صدع بالحق ووقَّع بكل شجاعة وثقة عن الله تعالى بأنّ حق أشجار السُم أن تقطع بل وتحرق, أسأل الله أن يثيبه على توقيعه وأن يثبته على نهجه.

معشر المسلمين: احذروا الاستهزاء بمن اقتدى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ظاهرا أو باطنا، ولتعلموا ـ رحمني الله وإياكم ـ أن تصحيح الأخطاء لا يكون بالتشهير، وإن أَبَتْ بعضُ النفوس إلا السخرية بسلوك أو مظهر فلتتجنب مظاهر السُنّة والهداية. وأُحذر نفسي وإياكم مغبةَ ذلك بقول الله عن حال المجرمين: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ).

يا أهل العيد والمحفل: إن يوم العيد يوم من أيام الله، تظهر فيه شعيرة عظيمة من شعائر دينه، فكان لزامًا التذكير بشيء من مظاهر الإسلام وشعائره العظام؛ حتى نُعلنها ونظهرها ونتصف بها في حياتنا كلها.

فأعظم شعيرة هي تلك الصلاة المكتوبة المفروضة جماعة على الرجال في المساجد وعلى النساء في بيوتهن، وهي والله الصلة بين العبد وربه، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام، وبدونها لا يكون المرء مسلمًا، ومن حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاة يوم القيامة كما جاء في الحديث. الصلاة -ورب الكعبة- أنسٌ وراحة ونزهة للقلب وسعادة، وما حُرمها إلا محروم، وهي ترتيب للأوقات، ومن فرط فيها كان فوضويًا عابثًا بالحياة، وقد ذكر الله لنا حال أهل النار، وأظهر لنا في كتابه شيئًا من مناقشته لهم: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) [المدثر: 42 - 46] وقد أمرنا الله بالمحافظة عليها بقوله: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة: 238].

ومن شعائر الإسلام ومظاهره العظام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كلٌ بحسب طاقته وقدرته، ولا يعذر أحد بتركه كلّية، ففلاح الأمة في الدعوة والحسبة، (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104]، بل إن خيرية هذه الأمة بين الأمم مقرونة بهذه الشعيرة: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)، فيجب أن نعلنها وأن نظهرها بيضاء نقية، فنأمر ونعِظ ونذكّر وننهى ونمنع ونمسك على يد السفيه.

وللنهي عن المنكر ثلاث مراتب يعذرنا الله بحسبها: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده"، وهذا لا يكون إلا لرب الأسرة مع أهله وللرئيس مع مرؤوسيه وللأمراء والحكام ومن تولى ولايةً كأهل الحسبة، "فإن لم يستطع فبلسانه" أي: بالوعظ والتذكير والتخويف من الله، ويدخل فيها الكتابة لمن يقدر من المسؤولين وأولياء الأمور وفقهم الله وسددهم، ومن منا لا يستطيع ذلك؟! "ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"؛ بأن تكره المعصية وتتمنى زوالها ولا تبقى عندها إلا لعذر.

وإن عطلنا هذه الشعيرة وأهملناها وخَوَّفْنا أنفسنا, وخَوّفَنا الشيطان بأوليائه شاع الفساد في الأرض وحلت عقوبة الله تعالى، فعن حذيفة بن اليمان عن النبي: "والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم" رواه الترمذي وقال: "حديث حسن".

الخطبة الثانية:

أخواتي المسلمات: لقد خصكن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بحديثه في خطبة العيد، وعلى هذا سار من بعده.

فيا أخت الإسلام: إليك أنت ومن تكونين أنت؟! أنت الأم الرؤوم والزوجة الحنون والبنت البارّة والأخت الناصحة، أنت البيت والسكن، وأنت الراحة والاستقرار, إليكن تهفو قلوب الأزواج، وبمكركنَّ أسَرتُنّ الألباب، فإن الرجال وإن بَلغوا من القوة والشدة والحنكة والدهاء لا يحتملون طرفَ عينٍ واحدةٍ منكنّ كما قال النبي: "ما رأيت أذهب لذي اللب الحازم من إحداكن".

فاتقين الله في الرجال واحذرن أن تَفْتِنَّهم، وكنَّ لأزواجكنّ وأولادكن خير معين على طاعة الله، ولقد استغلّ الكفار وأذنابهم من المنافقين والمغرَّر بهم من أبنائنا هذه الجاذبية التي حباك الله إياها، فركَّزوا ضرباتهم عليك، يؤزّونك تارة باسم التحرير وتارة باسم استيفاء الحقوق، وهذه والله شعارات يتلمّع بها أولئك الضّلاَّل ليخدعوك، (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا). وقد ساعدهم في ذلك وأصغى إليهم كثير من بنات جنسك، وأرجو أن لا تكوني واحدة منهنّ، إنهم في الحقيقة يريدون جسمك ليعلبوا به كيف شاؤوا، كما فعلوا بالبنات فيمن حولك من الأمصار والدول، يريدون أن يُقطّعوا نياط قلبك الغضّ الضعيف بتحمّل المشاقّ، ويريدون أن يُزعجوا روحك بهمِّ المعاش وغمّ الوظائف، والغيورون من المسلمين لم يقفوا ضدّ هذه الدعاوى إلا حماية لك وانتصارًا لك.

أيتها المسلمة: حجابك حجابَك، لقد أكرمك الله ففرض عليك الحجاب فصرت إن ارتديت الحجاب الشرعي الساتر غير الفاتن محتسبة، فأنت في عبادة حتى تنزعيه، كأنما لهج لسانك بذكر الله أو خرجت صائمة, وهذه الشعيرة فرضها الله لحكمة عظيمة، أنت المستفيدة منها أولاً، وذلك حتى تُعرفي بسترك وعفتك، فلا يتجرأ أحد لخدش كرامتك ولا لإهانتك، قال تعالى: (يا أيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا[الأحزاب: 59].