السبوح
كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...
العربية
المؤلف | الشيخ د عبدالرحمن السديس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
في معارج الكشوفات والتفنان استقر إنسان هذا الزمان في عصر الثورة التقنية المذهلة التي أسفرت عن وسائل الاتصال السريعة المتطورة؛ فخولت الإنسان أن يتواصل مع من شاء في أي شبرٍ من المعمورة شاء وفي أي لحظةٍ شاء في بثٍّ مباشرٍ مفصلٍ يحمل الصوت والصورة معًا.. وما ذاك إلا دليل عظمة الخالق البارىء المصور ..
الحمد لله أعز إلها بديعًا دياناً.. أحمده -سبحانه- على آلائه الجلى مما تناءى وتدانى، وأشكره على ما خص من نعم تتوالى ولا تتوانى..الحمد لله الذي سخرنا في الأرض والسما وما بينهما.. سبحانه علمنا بالقلم.. علم الإنسان ما لم يعلم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تكون لعرف الجنة برهانا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله.. أندى البرية أرومةً وجلالا، وأوثقها حجة وأبلغها بيانا.. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الألى.. لم يثنوا دون المعالي عنانا وصحبه بدور الحق الساطع عيانا، ومن اقتفى أثرهم بإحسان يرجو من المولى رحمةً ورضوانا.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله -تعالى- حق التقوى؛ فإنها الذخر الأبقى والسعادة التي لا فوقها مرقى: (... وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197].
لا يُدْرَكُ الحسبُ العالي بغير التُّقى فاحذر واتّقِ الله
وابغِ الكرامةَ في نيلِ الفخارِ فأكْرَمُ الناسِ عند اللهِ أتْقَاها
أيها المسلمون: في معارج الكشوفات والتفنان استقر إنسان هذا الزمان في عصر الثورة التقنية المذهلة التي أسفرت عن وسائل الاتصال السريعة المتطورة؛ فخولت الإنسان أن يتواصل مع من شاء في أي شبرٍ من المعمورة شاء وفي أي لحظةٍ شاء في بثٍّ مباشرٍ مفصلٍ يحمل الصوت والصورة معًا.. وما ذاك إلا دليل عظمة الخالق البارىء المصور -سبحانه- الذي هدى العقول والأفكار فصنعت واخترعت وطورت وأبدعت (عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [ العلق:5].
أيها المؤمنون: ومن جديد الابتكارات المعاصرة وعزيز الاكتشافات الحديثة آلات ووسائل قد عم بين الخليقة انتشارها وجلت منافعها وآثارها.. وكذا أخطارها وأضرارها.. كم أظفرت من المنى والأرب متى التزم فيها الحجى والأدب، وكم نشرت من هدىً وصلةٍ واستقامةٍ ومعروفٍ وحكمةٍ وبرٍّ وإغاثة ملهوف يسرت بلوغ الأخبار ونتائج الأفكار، وفي لمح الأبصار مهما شط المزار، قربت البعيد وجددت العهيد، وغدت للعالم أجمع قطب رحى التخاطب ومزار الاتصال والتواصل.
آيات فخرٍ تجلى نورها فغدت | مذكورةً بلسان العرب والعجم |
ما صور الله للأفذاذ أفئدةً | إلا ليرفع أهل الجد والفهم |
ولكنها في مقابل ذلك إن أساء حاملها وانحرف وللإثم بها اجترح واقترف أصبحت بوتقةً للشرور والنقم.. فكم أوقعت في مصائد المصائب وألقت كثيرًا من مستخدميها بين أنياب الغوائل والنوائب.. رباه رباه.. كم نكأت بجهل مستخدميها جروحًا لم تندمل وجرت أخطر افتضاح ووجل.. وقصارى القول من يسمع يخل، من يسمع يخل.. تلكم -يارعاكم الله- هي وسائل الاتصالات الحديثة بما فيها الهواتف المحمولات والحاسوبات وأجهزة التقنات وشبكات المعلومات
لها منظرٌ في العين أبيضٌ ناصع | ولكنه في القلب أسودٌ سافع |
إخوة الإيمان: ومع تهافت الناس على أرقى تقنات تلك الوسائل وأحدثها إلا أنك تلفي فئامًا منهم في استخدامها منبتاً يعيش جلها ذريعًا في حسن استعمالها وأمتاً وخطرًا محدقًا كالسبنتا من جفاف الروح وضعف القيم وعجز الهمم دون التحديثات التي استهدفت كثيرًا من قضايانا العقدية والفكرية والثقافية والأمنية كان رافدها هذه الوسائل والتقنات المعاصرة.. ولن يُرتقَى بالوعي الشرعي والأدبي والثقافي في ذلك إلا إذا قُوِّمَتْ العقول وشُذِّبتْ الثقافات وهُذِّبتْ التعاملات والانطباعات إيذاء تلك المستجدات المتوالدات..
وما أحرانا أن نسدي للعالم الإسلامي دررًا من كنوز شريعتنا الغراء عبر بصائر وإلماحاتٍ ووقفاتٍ ثنيات علها تكون تذكرةً لأخلاقيات تلكم الوسائل وإيقاظًا وتذكيرًا إلى حسن استخدامها وإيعاظا.. مع النظر في واقعنا حيالها وأحوالنا تجاهها تطلعًا واستشرافًا لخيرٍ يعم وتحذيرًا من شرورٍ وبوائق تغم كي يؤجَرَ مستعملوها ويغنموا ولا يأثموا ويغرموا.. ومن المولى نستلهم الأجر والتوفيق والهدى لأقوم سبيلٍ وطريق.
إخوة الإسلام: إن أولى هذه الآداب والبصائر: إخلاصٌ للمولى -جل وعلا- وحمدٌ وشكرٌ للمنعم المتفضل -سبحانه- على هذه النعم الجلى، والادكار والاعتبار بما سلف من الأحوال والأعصار.
البصيرة الثانية: ألا تستعمل هذه التقنات إلا في حاجتها وعند وقتها شرعًا وعرفاً؛ فلا يهتف المتصل بمخاطبه إلا في الأوقات المناسبة ويدع الاتصال في الأوقات الأخرى غير المناسبة التي جاء الشرع الحنيف ببيانها والعرف بحسبانها -كساعات البكور وأوقات الظهيرة وما تأخر من الليل- حتى لا يؤذي مشاعر المسلمين ويقطع عنهم راحتهم وخلوتهم.. إلا لمضطرٍ وطارئ.. فلا تفتأ هذه الوسائل ضجيجًا وإزعاجاً ولا تبرح عبثًا وإحراجا؛ فكم من مريضٍ طريح ونائمٍ مستريح ومشغولٍ بريح أرقه وأزعجه رنين هذه الأجهزة والفحيح.. والله -عز وجل- يقول: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [الأحزاب:58].. ومن ابتلي فليحلم ويصبر، والله مع الصابرين.
الدرة الغالية الأدبية الثالثة الأبية: التزام التحية الشرعية (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ....) [الأحزاب:44] قبل المبادرة بالخطاب والكلام.. وكم يغفل عن هذا الخلق القويم فئامٌ من الناس.. يقول -صلى الله عليه وسلم-: " أوَ لا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم " أخرجه مسلم في صحيحه، أو يستبدلونها بتحايا وافدةٍ وعباراتٍ نمطيةٍ نافذة.. يلي ذلك مباشرةً تعريف المتصل بنفسه وفصله مفصحًا عن غرضه وأربه بوقارٍ واحترام دون تمويهٍ وإلغاز ومواربةٍ وإعجاز وإثارةٍ واستفزاز ليطمئن المخاطب وتنزاح الوحشة بين المتصلين ويبدأ المتصل بنعم ونعمة عين.
معاشر المسلمين: ورابعة درر البصائر والأخلاق التي تضمن الأحداق: الإيجاز في الحديث والاختصار، وأن يكون الاتصال هادفًا لطيفاً مدبجًا بالعقل وريفاً.. دون ما يُشاهَد ويُرَى ويُسمَع ويُروَى من هذرٍ وإملالٍ وقيلٍ وقال وإهدار وقتٍ نفيس وإثقالٍ بما قد يورث الأوزار الثقال ويكون سببًا في ضياع الجهد والمال.. أنسي هؤلاء قول الحق -تبارك وتعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]، أولم يستشعروا قوله -عليه الصلاة والسلام-: " إن الله يرضى لكم ثلاثًا ويكره لكم ثلاثا... " إلى أن قال -عليه الصلاة والسلام-: " ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال " أخرجه مسلم في صحيحه.. وفي الأثر الجلي عن الإمام علي -رضي الله عنه وأرضاه- قال: " اللسان معيارٌ أطاشه الجهل وأرجحه العقل "، وفي دروس الحكم: " اعقلْ لسانك إلا عن حقٍّ توضحه أو باطلٍ تدحضه ".
أمة الإسلام: ومما يستوقفنا -خامسًا وهو من السلوكيات المقيتة التي لا يتورع عنها فئامٌ من الناس ممن تجافوا عن المروءة والنبل والشهامة والفضل، ولا يفقهون شناعتها ونكارتها-: التمادي في استغفال الآخرين بفتح مكبر الصوت على الملأ أو تسجيل مكالمةٍ أو تلطُّفٍ خادعٍ دون علم المتصل وإذنه.. وهذا الفعل وضيعٌ بغيضٌ شرعًا وأدبًا لتضمنه الخيانة والنميمة والتجسس وتتبع العورات والفضول في التعرف على الأسرار والخصوصيات.. وكم تشتت أسرٌ وتصرّمتْ علاقات بسبب سوء هذه التصرفات، وقد ورد الوعيد الشديد في ذلك.. يقول -صلى الله عليه وسلم-: " من استمع إلى حديث قومٍ وهم له كارهون صُبّ في أذنيه الآنك يوم القيامة " أخرجه البخاري.
إخوة العقيدة: أما الوقفة السادسة فهي مع محظورٍ شرعي يحتف بهذه الوسائل والتقنات: ألا وهو تلكم النغمات غير الشرعية التي ضمنها جم غفير أجهزة اتصالاتهم.. وما كان أغناهم بالمباح عن ذلك، بل منهم -هداهم الله- من يتوقح بإسماع غيره ذلك المنكر ويتبجح بكل صفاقةٍ ورعونةٍ ودون مسكة ارعواء أو ذرة حياء.
وسابعة الوقفات المهمات التي ألمت بالمقلقلات وأطلت بالمؤرقات وحاسة المسلمين في لذيذ مناجاتهم وخشوعهم وأنسهم بالله وخضوعهم: ترك الهواتف المحمولة مفتوحة أثناء الصلاة فترتفع منها أصوات المعازف في بيوت الله.. في بيوتٍ حفها التطهير والتعظيم والرفع والتفخيم: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ... ) [النور:36]..
وواأسفاه واأسفاه أن يلج هذا الإثم مواطن الخشوع والإنابة والتسبيح والعبادة، وواجباً لمسلمٍ أمَّ بيت الله وقصد حرم الله يرجو ثوابه ويخشى عقابه لا يبالي أن يغلق هاتفه قبل وقوفه بين يدي الله -سبحانه- وفي بيته وحرمه -عياذاً بالله-.. ومن استحكمت فيه هذه الجسارة فقد باء بالوزر والخسارة: (... وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ...) [الحج:30].
أحبتنا الأكارم: ومما نستظفر به ثامنًا في أخلاقيات هذه الوسائل: أنها تستعمل من البعض دون تحرجٍ أو خجلٍ حيال قيادة المركبات مما جر مآسي ونكبات؛ حيث أكدت الدراسات والإحصاءات أن أهم أسباب حوادث السير وإزهاق الأرواح وإشاعة الأتراح الانشغال بالهواتف المحمولة وصاحبها لا يزال مستخفًّا مذموماً وبأفظع المخالفات موصوماً.. فعلى الجهات المختصة سن الأنظمة الواقعية حيال هذا السلوك المشين الذي يحمل في طياته كوارث بشرية ومخاطر اجتماعية محققة.. نسأل الله العافية والسلامة.
أيها الآباء والأمهات.. أيها التربويون والتربويات: ولئن زلفنا إلى البصيرة التاسعة فإنه يقال: لما كانت تلك الوسائل والتقنات مظنة أخطار وأضرار وأصبحت طوع بنان المراهقين والمراهقات وكل صغيرٍ غرير وحدبٍ طرير.. وجب على أولياء الأمور متابعة أبنائهم ومحمولاتهم وأجهزتهم بين الفينة والأخرى، وتعهدهم بعطفٍ وأبوةٍ وحبٍ وحنانٍ بالنصح والإرشاد بالمرحمة.
قبل الملحمة تلقاء تلك الأجهزة والتقنات.. فكم من فرطاتٍ وويلاتٍ ولهالب أسفر عنها تفريط الآباء هنالك وحاق الندم ولات ساعة مندم.. أخرج الشيخان من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: " قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كلكم راعٍ ومسئولٌ عن رعيته: الرجل راعٍ في أهله ومسئولٌ عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسئولةٌ عن رعيتها "..
الله الله في رعاية البنين والبنات سلوكًا بهم في معال الغايات ورقيًّا بهم في مدارج الكمالات.
معاشر المسلمين والمسلمات: وعاشرة تلك البصائر وخاتمتها: الحذر من استغلال تلك الوسائل والتقنات في المسالك الوبيئة والأغراض المحطمة الدنيئة بنشر الرذيلة وهدم الفضيلة.. وذلك عبر الهواتف المحمولة المزودة بآلات التصوير الحديثة؛ فيسعى منحط السلوك عديم المروءة ميت الضمائر بكل خبثٍ وحيلةٍ ومكرٍ وغيلةٍ لإيقاع المحصنات الغافلات المخدوعات العفيفات في شراك التصوير الخادش ليتخذوا ذلك -وبئس ما اتخذوا- مطيةً للتشهير والاستفزاز والمساومة والوقحة والابتزاز لما يعصر الغيرة عصرًا ويذيب أفئدة المؤمنين عصرا..
ويالله! كم هؤلاء الأغمار الجاهلون عن وعيد الله ذاهلون: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور:19]..
وقل مثل ذلك فيما يسمى في مواقع التخاطب مع الغير وما يعرف بغرف الشات والماسنجر والبلوتوثات التي تحطم الشرف والعرض على نواتئ الصخور الصلبة من قبل السباع البشرية الضارية والذئاب المسعورة الشانية..ويسلك في ذلك الصنف الصديد الطعن في أعراض البرآء والبريئات عبر مواقع ومنتديات الشبكة العنكبوتية العالمية وما يسمى بالإنترنت إمعانًا في كيدهم والنيل من شرفهم والطعن في أعراضهم.. والله من ورائهم محيط.
وبمغرورق الأسى واللهف يقال: إن تلك الفواجع وهاتيك المواجع متى استحكمت في مجتمع واستمرأها فعلى الدنيا العفاء وسطروا على أنقاضها عبارات الفناء، والله وحده المستعان وإليه المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ألا فاتقوا الله عباد الله، واحذروا سخط المولى في هذه الوسائل والتقنات المعاصرة، واغنموا منافعها وإيجابياتها تحقق لكم فوائدها وعوائدها المأمولة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن العظيم وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم وبهدي سيد المرسلين..
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان حليمًا غفورا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ولي التوفيق لأقوم سبيلٍ وسند، سبحانه قضى أن كل إنسان بكسبه مرتهن.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله.. أخشى البرية في السر والعلن، وعلى آله وصحبه منابع الفضل والسنن وكل بالثناء قمن، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الزمن وغردت ورقاء بفنن.
أما بعد:
فياعباد الله: اتقوا الله -تبارك وتعالى- واستثمروا مننه في مرضاته، وليغدوا كلٌّ بالطاعات في نجاته.
إخوة الإسلام: وبعد أن برح الخفاء واستفحل من هذه الوسائل الداء حق وصف الدواء وبيان الآثار البلجاء.. ففي غمرة الانكباب المحموم على هذه الوسائل فإن هذه التقنات المذهلة تتطلب خططاً مدروسة واعية ومناهج محكمة واعدة وإفاقة حازمة عاجلة ترشد استعمالها واستثمارها واستغنامها، وتوازن بواقعية صارمة في أضرارها وآثارها..
وعلى ضوء ذلك المنهاج تزرع في نفوس الأمة الإيمان المزدهر العميق، الذي يكسر من هذه التقانات شرتها ويحد من غلوائها، بل ويصد من بلوائها.. وأن تستثمر تلك الأجهزة وسائل مهمة ناجحة في خدمة الدين ونشر إشراقاته، ونحل العالمين نوره وجمالياته، والاضطلاع بواجب الدعوة والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من خلال مواقع الهواتف المحمولة وشبكات المعلومات الثابتة والمنقولة، والمنتديات والمواقع الإسلامية المأهولة، التي تقدم الحلول الشرعية لنوازل العصر ومستجداته، والفتاوى الموثوقة المؤصلة، والفوائد العلمية المعجلة.. وأن يستفاد من وسائطها المتعددة في تحصين شباب الأمة دون الانزلاق في بؤر الشهوات التي تعصف بهم، والشبهات التي تخلص بهم إلى مراتع التكفير والتنطع والغلو والتخريب، والعولمة والانفتاح والتغريب، وأن نغرس فيهم إيماناً يأتلق بنور الاعتدال والوسطية، والثبات والبصيرة.. لله در أقوام استثمروا هذه الوسائل في إيجابياتها ومصالحها، وحاذروا شرورها وسلبياتها، ودرئوا مفاسدها وقدائحها، وسامح الله أقواماً غفلوا عن استثمارها في أحسن ما وجدت له فاستغفلوها في أسوأ ما صنعت له (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) [الليل:4].
إن على المجتمعات والجامعات والجمعيات والمؤسسات الساعية لنشر الإسلام وحقائقه، استثمار هذه النعم بشتى ضروب الدين ومجالات الحياة، على نحو مبدع متميز، وأن يكون طموحهم وآمالهم أن هذا القرن بوسائله وتقاناته هو قرن الإسلام غير منازع، وهو عصر المسلمين غير مدافع، وما ذلك على الله بعزيز ما صحت العزائم واطرحت الهزائم (... وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف:21].
معاشر الأحبة.. وما كان لهذه القضية المهمة أن تنكبنا عن أحوال أهالينا وإخواننا وأسرنا في محافظتي أمجل والعيص وما جاورهما من بلادنا العزيزة، حيث لا غنى لهم عن رفدكم ودعمكم وصادق مشاعركم ودعائكم في جوف الأسحار، أن يكشف الله كربتهم ويزيل غمتهم ويخفف لوعتهم ويردهم إلى دورهم سالمين آمنين، وغير خاف عن الجميع أن التسلح بالإيمان بالله والصبر على قضاءه وقدره واحتساب أجره والإنابة إليه واستغفاره وصدق اللجوء إليه ودعاءه هو عدة الأزمات، مع عدم التهويل والإثارة اعتزازاً بالثقة بالله ثم بولاة الأمر وعدم الانجراف وراء الإرجافات والشائعات المغرضة، فلا هلع ولا فزع ولا جزع وإنما توكل وصبر ورضا وتوكل وبثواب الله طمع.
على أن الجهد الرائد المشكور لولاة الأمور وفقهم الله ورجال الأمن والدفاع المدني الساهرين على رعايتهم وعنايتهم ُمرْضٍ بحمد الله بالارتياح والسرور، والرضا والابتهاج والحبور، وبلسم دون وطأة الخَلَقِ والوجوم.. ضاعف الله لهم الأجر والمثوبة وبارك لهم آلاءه الهانية، ونعمه النامية وحفظنا وإياهم من الكوارث وشرور الحوادث إنه خير مسئول وأكرم مأمول.
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المسداة والنعمة المهداة، نبيكم محمد بن عبد الله، كما أمركم بذلكم المولى جل في علاه فقال تعالى قولاً كريماً (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]
صلى عليه إله العرش ما طلعت شمس | وما لاح نجم في دجى الظلم |
وآله أمناء الله من شهدت | بقدرهم سور القرآن بالعِظَم |
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسملين.. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا اللهم وفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وأيد له البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه..اللهم وفقه وولي عهده ونائبه الثاني إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد.. اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لاتباع كتابك وتحكيم سنة رسولك صلى الله عليه وسلم اللهم اجعلهم ذخراً لدينك اللهم اجعلهم رحمة على عبادك المؤمنين يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، برحمتك نستغيث فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأصلح لنا شأننا كله.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.. اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.. اللهم ادفع عن الغلا والوبا والربا والزنى والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين على الصهاينة المغتصبين المحتلين، يا حي يا قيوم.. اللهم احفظ المسجد الأقصى، اللهم احفظ المسجد الأقصى، اللهم احفظ المسجد الأقصى من عدوان المعتدين ومن كيد الصهاينة المغتصبين المحتلين، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسن وقنا عذاب النار.. ربا تقبل منا إنك أن السميع العليم وتب علينا إنك أن التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.