الأول
(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | عبدالله بن صالح القصير |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التوحيد |
فالسلام -يا عباد الله- في واقعه أمان من المسلِّم، ودعاؤه بالرحمة والسلامة لمن يسلم عليه، ولذا كان إفشاؤه مشروعاً بين الكبير والصغير، والأمير والمأمور، والفاضل والمفضول؛ طلباً لإشاعة الأمان وتحقيق الاطمئنان بين المؤمنين والمسلمين حتى تشيع بينهم الوئام والمحبة والإكرام والحفاوة؛ فلا يترفع عنه عظيم لعظمه، ولا يتوانى عن بذله صغير لصغره، ولا صعلوك لتفاهة شأنه ..
الحمد لله المنان، الرحيم الرحمن، أحمده سبحانه يربي عباده بالتشريع كما يربيهم بالنعم، ويقبل توبتهم، ويستر عليهم، ويصرف عنهم النقم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك القدوس السلام، شهادة من قال ربي الله ثم استقام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سيد الأنام، الداعي إلى الجنة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأئمة الأعلام.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا ربكم على الدوام، وخذوا بالاً بكل خصلة تنشر بينكم المودة والوئام وتورثكم الجنة دار السلام، وكل ذلك موجود فيما هداكم الله له من ملة الإسلام.
أيها المسلمون: إن مما شرعه الله تعالى لعباده في دين الإسلام، مما يغرس بينهم المودة، ويشيع بينهم المحبة والألفة، من أحسنها وأقلها كلفة - إفشاء السلام على الخاص والعام من أهل الإسلام، ورد التحية بمثلها أو أحسن منها، مقابلة للإحسان بأفضل منه، ورعاية للجميل بما هو أكثر عائدة على البادئ به منه. قال -تعالى-: ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ) [النساء:86].
وصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم " . وجعل -صلى الله عليه وسلم- التسليم على المسلم عند ملاقاته حقًّا من حقوقه المتحتمة، فإذا التقى المسلمان فخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
كما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصحه، وإذا عطس فحمد الله فَشَمِّته -أي قل: يرحمك الله- وإذا مرض فَعُده، وإذا مات فاتبعه -يعني شيع جنازته إلى قبره ".
فالسلام -يا عباد الله- في واقعه أمان من المسلِّم، ودعاؤه بالرحمة والسلامة لمن يسلم عليه، ولذا كان إفشاؤه مشروعاً بين الكبير والصغير، والأمير والمأمور، والفاضل والمفضول؛ طلباً لإشاعة الأمان وتحقيق الاطمئنان بين المؤمنين والمسلمين حتى تشيع بينهم الوئام والمحبة والإكرام والحفاوة؛ فلا يترفع عنه عظيم لعظمه، ولا يتوانى عن بذله صغير لصغره، ولا صعلوك لتفاهة شأنه؛ فالكل مطالب ببذله وإفشائه، يتواطأ عليه لسانه وجنانه، وتسارع إلى تحقيق لوازمه ومقتضياته جوارحه وأركانه، فهو قول كريم يصدر من المسلم لأخيه المسلم، تؤيده سائر الأقوال، وتصدقه عموم الفعال والأحوال؛ ليكون دليلاً على صدق الإسلام، وبرهاناً على كمال الإيمان، وسبباً في توثيق المودة وإشاعة الإيمان والأمان، إذ المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً. ولا يؤمن أحد يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
ولذا قرن النبي -صلى الله عليه وسلم- التسليم على المسلم عند لقائه بإجابته دعوته، وإخلاص نصحه، وتشميته عند عطاسه، وعيادته عند مرضه، وتشييع جنازته بعد رحيله. ولما سئل صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: " تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " متفق عليه.
وفي البخاري عن عمار رضي الله عنه قال: ثلاثة من جمعهن فقد استكمل الإيمان: الإنصاف من النفس، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار. ولهذا أيضاً كان إفشاء السلام من الدعائم التي أرسى عليها النبي صلى الله عليه وسلم بنيان المجتمع المسلم أول مقدمه المدينة مهاجراً، كما أخبر بذلك عبد الله بن سلام رضي الله عنه فقال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس عنه، فلما رأيت وجهه علمت أنه ليس بوجه كذّاب، فسمعته يقول: " أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام ".
أيها المسلمون: وكيف لا يكون إفشاء السلام أماناً من المسلِّم للمسلَّم عليه، والسلام اسم من أسماء الله الحسنى، يذكره المسلم مثنياً به على ربه وداعياً لأخيه بالسلامة من الآفات والشرور في الدنيا والآخرة.
فالسلام اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، مأخوذ من السلامة، إذ هو سبحانه السالم من مماثلة المخلوقات، ومن النقائص والعيوب، فيما له من الأسماء والصفات وأنواع الكمالات، فهو سبحانه الأحق باسم السلام من كل من سمي به، فهو سلام في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيله وهم، وسلام في صفاته من كل عيب ونقص، وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة، بل هو سبحانه السلام من كل وجه وبكل اعتبار.
فالذي يذكر اسم الله السلام مثنياً به عليه، أو داعياً به لنفسه أو لغيره من قرابته وذويه، فهو ينزه الله تعالى عن الشبيه والمثال، ويثبت لله صفات الكمال ونعوت الجلال، وهذا من أعظم أسباب إجابة الدعاء، والسلامة من البلاء، والفوز بعظيم الرجاء.
فاتقوا الله -عباد الله-، وأفشوا السلام بينكم لعلكم تفلحون ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [الأعراف:180].
واعلموا -عباد الله- أن السلام هو تحيتكم في الدنيا وفي الآخرة. ففي الصحيحين: لما خلق الله آدم قال له: اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة، وانظر ما يحيونك به، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب فقال: السلام عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله. وقد نص الله عز وجل بأن السلام هو تحية أهل الجنة فيما بينهم، قال تعالى: ( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [يونس:10]. وهو تحية الله إليهم، كما قال سبحانه: ( سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ) [يس:58]. فأفشوا السلام بينكم في هذه الدار تُحيَّوا به في الجنة دار القرار مع الأبرار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.