الحق
كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...
العربية
المؤلف | عبد الله الجار الله آل جارالله |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الصيام |
هَا هُوَ شَهْرُ الْخَيْرِ وَالْجُودِ قَدْ رحل، وَهَا هِيَ لَوْعَةُ الْفِرَاقِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ؛ فَإِنَّهُمْ وَدِّعُوا أَعَزَّ صَاحِبٍ، وَأَغْلَى حَبِيبٍ، وَلَكِنَّ سُلْوَانَهُمْ هُوَ رَجَاءُ تَجَدُّدِ اللِّقَاءِ الْمُؤَمَّلِ، وَقَبُولُ الْمَوْلَى -عَزَّ وَجَلَّ- مَا قَدَّمُوا فِيهِ مِنْ صَالِحِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ، وَأَنْ يُبَلِّغَنَا رَمَضَانَ لأَعْوَامٍ وَأَعْوَامٍ.
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا عِبَادَ اللهِ - أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي أَوَّلاً بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى وَطَاعَتِهِ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَا هُوَ شَهْرُ الْخَيْرِ وَالْجُودِ قَدْ رحل، وَهَا هِيَ لَوْعَةُ الْفِرَاقِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ؛ فَإِنَّهُمْ وَدِّعُوا أَعَزَّ صَاحِبٍ، وَأَغْلَى حَبِيبٍ، وَلَكِنَّ سُلْوَانَهُمْ هُوَ رَجَاءُ تَجَدُّدِ اللِّقَاءِ الْمُؤَمَّلِ، وَقَبُولُ الْمَوْلَى -عَزَّ وَجَلَّ- مَا قَدَّمُوا فِيهِ مِنْ صَالِحِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ، وَأَنْ يُبَلِّغَنَا رَمَضَانَ لأَعْوَامٍ وَأَعْوَامٍ.
سَلاَمٌ مِنَ الرَّحْمَنِ كُلَّ أَوَانِ | عَلَى خَيْرِ شَهْرٍ قَدْ مَضَى وَزَمَانِ |
سَلاَمٌ عَلَى شَهْرِ الصِّيَامِ فَإِنَّهُ | أَمَانٌ مِنَ الرَّحْمَنِ كُلُّ أَمَانِ |
لَقَدْ كُنْتَ يَا شَهْرَ الصِّيَامِ مُنَوِّراً | لِكُلِّ فُؤَادٍ مُظْلِمٍ وَجَنَانِ |
تَعَبَّدَ فِيكَ الْمُسْلِمُونَ فَأَقْبَلُوا | عَلَى ذِكْرِ تَسْبِيحٍ وَدَرْسِ قُرَانِ |
فَيَا أَسَفَا حُزْناً عَلَيْكَ وَحُرْقَةً | تَزِيدُ عَلَى الأَعْوَامِ كُلَّ أَوَانِ |
فَيَا شَهْرَنَا غَيْرَ مُوَدَّعٍ وَدَّعْنَاكَ، وَغَيْرَ مَكْرُوهٍ فَارَقْنَاكَ، كَانَ نَهَارُكَ صَدَقَةً وَصِيَاماً، وَلَيْلُكَ قِرَاءَةً وَقِيَاماً، فَعَلَيْكَ مِنَّا تَحِيَّةً وَسَلاَماً.
أيها المسلمون: إن ما يهمنا اليوم هو مَاذَا بَعْدَ رَمَضَانَ؟ هل بقي أَثَرُ رَمَضَانَ فِي النُّفُوسِ؟ هَلْ أَثَّرَتِ التَّقْوَى الْمَنْشُودَةُ فِي رَمَضَانَ عَلَى أَعْمَالِنَا وَأَخْلاَقِنَا وَسُلُوكِنَا؟ أَمْ أَنَّنَا وَدَّعْنَا الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ بِوَدَاعِ رَمَضَانَ؟! وَاغْتَرَرْنَا بِأَعْمَالِنَا الصَّالِحَةِ التِي أَدَّيْنَاهَا فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ الْعَظِيمِ؟.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتْرُكُوا طَاعَةَ الْجَبَّارِ مَعَ غُرُوبِ شَمْسِ رَمَضَانَ، بَلِ الْمُؤْمِنُونَ الصَّادِقُونَ بَعْدَ رَمَضَانَ عَلَى وَجَلِ وَخَوْفِ وَشَّفَقَةِ مِنْ أَنْ تُرْفَعَ أَعْمَالُهُمُ الصَّالِحَةُ فَلاَ تُقْبَلُ، فَهُمْ يَرْجُونَ اللهَ وَيَدْعُونَهُ وَيَسْأَلُونَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْهُمْ أَعَمَالَهُمْ قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه- "كُونُوا لِقُبولِ الْعَمَلِ أَشَدَّ اهْتِمَاماً مِنْكُمْ بِالْعَمَلِ، أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة: 27].
وكذلك فان الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ بَعْدَ رَمَضَانَ يجتهدون في الاِسْتِمْرَارُ فِي الطَّاعَةِ وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْخَيْرَاتِ وَتِلاَوَةِ الْقُرْآنِ، إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَ رَمَضَانَ، بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ رَبَّ رَمَضَانَ، وَرَبُّ رَمَضَانَ هُوَ رَبُّ الشُّهُورِ كُلِّهَا، فَلَيْتَ شِعْرِي مَا بَالُنَا نَكُونُ فِي رَمَضَانَ أَوَّابِينَ خَاشِعِينَ سَاجِدِينَ رَاكِعِينَ تَالِينَ لِلْقُرْآنِ ثُمَّ بَعْدَ رَمَضَانَ نَعُودُ فَنَنْغَمِسُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَنَهْدِمُ كُلَّ بِنَاءٍ جَمِيلٍ بَنَيْنَاهُ فِي رَمَضَانَ؟! قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) [النحل: 92].
ومن الإعمال الصالحة التي يحرص عليها المؤمن في هذه الأيام صيام الست من شوال قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر" قال الإمام النووي -رحمه الله -: قال العلماء: "وإنما كان كصيام الدهر، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين.."
اللهم اجعلنا في رمضان من المقبولين وفيما بعده من عبادك المخبتين الطائعين.
أَقُولُ ما تسمعون وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، رَبِّ رَمَضَانَ وَرَبِّ شَوَّالٍ وَرَبِّ الشُّهُورِ وَالسِّنِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، فَصَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ الْعَابِدِ الصَّوَّامِ الْقَوَّامِ فِي رَمَضَانَ وَكُلِّ الشُّهُورِ وَالأَعْوَامِ، أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ خَلَفٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ مِنْ تَقْوَى اللهِ خَلَفٌ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[النحل: 128].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إن العيد مظهر من مظاهر الدين، وشعيرة من شعائره المعظمة التي تنطوي على حكم عظيمه، ومعان جليلة، وأسرار بديعة لا تعرفها الأمم في شتى أعيادها.
فالعيد في معناه الشرعي شكر لله على تمام العبادة، لا يقولها المؤمن بلسانه فحسب، ولكنها تعتلج في سرائره رضا واطمئنانا، وتظهر في علانيته فرحا وابتهاجا، وتسفر بين نفوس المؤمنين بالبشر والأنس والطلاقة، وتمسح ما بين الفقراء والأغنياء من جفوة.
والعيد في معناه الإنساني يوم تلتقي فيه قوة الغني، وضعف الفقير على محبة ورحمة وعدالة من وحي الشريعة، عنوانها الزكاة والإحسان، والتوسعة.
والعيد في معناه الاجتماعي يوم الأطفال يفيض عليهم بالفرح والمرح، ويوم الفقراء يلقاهم باليسر والسعة، ويوم الأرحام يجمعها على البر والصلة، ويوم المسلمين يجمعهم على التسامح والتزاور، ويوم الأصدقاء يجدد فيهم أواصر الحب ودواعي القرب، ويوم النفوس الكريمة تتناسى أضغانها، فتجتمع بعد افتراق، وتتصافى بعد كدر، وتتصافح بعد انقباض.
العيد في الإسلام سكينة وقار وتعظيم للواحد القهار.
فاللهم بارك للمسلمين عيدهم ومكن لهم دينهم الذي ارتضيت لهم اللهم صلي على محمد وال آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وآجله، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرِ اللَّهُمَّ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، اللَّهُمَّ أحفظ علينا أمننا وولاة أمورنا، وَوَفِّقْهُمَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاجْعَلِ اللَّهُمَّ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنّاً سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.