الرقيب
كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | سعد بن ناصر الغنام |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
إن الأحداث الجارية والأوضاع الراهنة تفرض علينا حديثًا عن أصل من أصول العقيدة، بل أصل متين، وركن أصيل من أركان العقيدة، ألا وهو الولاء والبراء، الولاء لأهل الإسلام، والبراء من أهل الكفر والطغيان، تمر المنطقة الإسلامية بأحداث عظام، إخواننا في سوريا يذبحون من قِبل بشار النصيري وزمرته الخبيثة، تتفرج على برك الدماء، والمجنون الآخر المرتد هو من سبقه بإجماع العلماء مجنون ليبيا ..
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة، بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أخوة الإسلام: إن الأحداث الجارية والأوضاع الراهنة تفرض علينا حديثًا عن أصل من أصول العقيدة، بل أصل متين، وركن أصيل من أركان العقيدة، ألا وهو الولاء والبراء، الولاء لأهل الإسلام، والبراء من أهل الكفر والطغيان، تمر المنطقة الإسلامية بأحداث عظام، إخواننا في سوريا يذبحون من قِبل بشار النصيري وزمرته الخبيثة، تتفرج على برك الدماء، والمجنون الآخر المرتد هو من سبقه بإجماع العلماء مجنون ليبيا، آلاف من الدماء تذبح وينحر المسلمون والأمة ساكتة متخاذلة، تنتظر من عدوها أن ينتصر لها.
إندونيسيا تمزَّق إلى تيمور النصرانية، السودان يمزَّق إلى جنوب السودان، قضية القضايا فلسطين المسلوبة، العراق المحتلة، أفغانستان المحتلة، ومع ذلك يوالون أعداء الله -عز وجل-، هم يتخلون عن أذنابهم ليتساقطوا ويحاكموا ومع ذلك لا يعتبرون.
إخوة الإسلام: الولاء والبراء أصل من أصول العقيدة، قال تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) [آل عمران: 28]، هذا الإكراه في حال الضرورة من أجل دفع الأذى الذي لا يتحمل لا بأس، أما موالاتهم وما سيأتي من أنواع الموالاة، فهذه ردة وكفر صريح إذا وقع على المسمى الذي يوجب الردة والكفر.
وقال -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) [المائدة: 54-56]، آية ملغومة ومملوءة بمعانٍ تحتاج إلى خطبة.
إذًا بيّن -عز وجل- أن موالاة أعداء الله ردة، من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بأناس يوالونه -عز وجل-، أعزّة على الكافرة أذلة على المؤمنين، الحب والتودد، الله أكبر، يجاهدون في سبيل وليست لهم نوايا غير سبيل الله، لا يخافون لومة لائم، ذلك فضل الله، وفضل الله لا يذكر في الدنيا الفانية: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58]، ذكر الله -عزّ وجلَّ- هنا من فضله تحقيق الولاء والبراء، لذلك قال بعدما نفى الولاية عن الكفار: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ).
وقال -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ -تأمل مؤامرة اليهود والنصارى، تأمل التنسيق من أجل الأمة- وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ).
وقال -سبحانه وتعالى-: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ -بدأ بالقرابات الأصول والفروع، باللغة الاجتماعية القرابة من الدرجة الأولى- أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ) بأن يكون ولاؤه لله، كيف يوالون أعداء الله، مثل النصارى: (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) [مريم: 89-95].
(بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) [النساء: 138، 139].
انظر شاة إيران المنبوذ البائس، انظر طاغية مصر الذليل الحقير الذي مارس ألوانًا من الذلة، ها هو الآن يرفضه التاريخ، أسأله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا وإياك العبرة.
وقال -صلى الله عليه وسلم- كما روى أحمد عن جرير بن عبد الله "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بايعه على أن ينصح لكل مسلم، ويتبرأ من كل كافر". حديث حسن.
روى الطبراني عن ابن عباس عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله". حديث حسن وصححه بعض أهل العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، ولا يوالي إلا لله، ولا يعادي إلا لله، وأن يحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله".
يقول الشيخ عبد اللطيف عبد الرحمن آل شيخ -رحمه الله- من أئمة الدعوة (من الرسائل المفيدة)، حتى لا يأتي أحد وينزل الردة على أي إنسان، هناك صور من الموالاة تقتضي الردة، وصور تقتضي الكبيرة والفسق، يقول: "إن مسمى الموالاة الذي ورد في الآيات يقع على شُعَب متفاوتة منها ما يوجب الردة وذهاب الإسلام بالكلية، ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات". إذًا موالاة الكفار تقع على مسميات كثيرة من الولاء، منها ما يوجب الردة والكفر، ومنها ما يكون فسقًا وكبيرة، ثم شرع -رحمه الله- فيما يوجب الردة ابتداءً والكفر الأكبر، قال: "أولها: الرضا بالكافرين، وعدم تكفيرهم، أو الشك في كفرهم أو تصحيح مذهب من مذاهبهم، يكفر إجماعًا عند العلماء".
من رضا بكفرهم وهم على الفسق والضياع، وصحح مذهبهم وشك في كفرهم ويقول: لا أدرى هل هم كفار أم لا! فهذا يكفر؛ لأن الله يقول: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ) [المائدة: 73]، وهم النصارى -عليهم لعنة الله-، أوجده الجهل والصداقة والالتفاف عند الشاشات الملوثة التي تروج الفساد باسم التسامح والديمقراطية.
ومن صور موالاة الكفار التي تقتضي الردة: "التولي العام واتخاذهم أعوانًا وأنصارًا وأولياء، أو الدخول في ملتهم". قال تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 28]؛ لأن الله -عز وجل- بيّن عداوتهم: (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً) [التوبة: 10]، (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) [التوبة: 47]، (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء: 89]، لا شك في كفر هؤلاء.
قال ابن كثير في تفسيره: "من اتخذ الكفار أعوانًا وأنصارًا وظهورًا يواليهم على دينهم، ويظاهرهم على المسلمين، فليس من الله في شيء، أي قد برئ من الله وبرأ الله منه رسوله صلى الله عليه وسلم بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر". ذكر هذا في تفسيره -رحمه الله تعالى- وابن جرير وشيخ المفسرين.
ومن موالاتهم: الركون إليهم؛ قال تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) [هود: 113]، قال القرطبي: "الركون حقيقته الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به"، وقال الله تعالى عن نبيه: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا) [الإسراء: 74]، شيء قليل وليس اعتمادًا كاملاً، كاد من شدة الإيذاء والظروف التي يمر بها يركن إليهم شيئًا قليلاً: (إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ).
ومن صور الولاء: مداهنتهم ومجاملتهم على حساب الدين، قال تعالى: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) [القلم: 9]، ما عندهم مشكلة، دينهم مطاط، دينهم ضائع، دينهم مجموعة من الأفكار البشرية: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [سورة الكافرون]، وبعضهم يستحي الآن من قول: كافر: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) [التغابن: 2]، قسمة إلهية، وشرعة ربانية، ليست قسمة ليبرالية مأخوذة من الغرب.
وأيضًا مجالستهم والدخول عليهم وقت استهزائهم بالآيات، قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء: 140].
قال ابن جرير -رحمه الله-: "دلالة واضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع، من المبتدعة والفسقة، عند خوضهم في باطلهم". مثل ما تفعله بعض القنوات الفاجرة في برامج السخرية بالدين وأهله بدعوى نبض المجتمع.
وأيضًا من الموالاة: التشبه بعقائدهم مثل الأعياد، وأخلاقهم وألبستهم الفاجرة العارية، كل هذا من الموالاة في التشبه.
ومن صور الولاء السكن معهم بلا ضرورة شرعية أو حاجة؛ يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "لا تتراءى نارهما"، أي لا يجوز مجامعة المشركين ولا السكن معهم إلا للضرورة، لأنهم أنجاس: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) [التوبة: 28].
ومن صور مولاتهم: استقدامهم لبلاد المسلمين -خاصة الجزيرة العربية- بلا ضرورة شرعية، فإن هذا تقوية لشوكتهم ودعم لقضاياهم ومخالفة لحديث رسول الله: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"، وقال: "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب"، فلا يجوز لمسلم أن يأتي بخادمة أو سائق كافر إلا للضرورة، والضرورة قد تكون في حق الجميع أو الأغلب.
والحديث عن العمالة واستخدام الكفرة حديث يحتاج إلى خطبة وآثارها ودمارها، ولكن ليس هذا مقامها الآن.
ولذلك كل قضية مما ذكرت تحتاج إلى ضوابط وإلى تنزيل صحيح، لكن من القضايا الأولى الدخول في ذمتهم وتوليتهم الموالاة العامة، والركون الكامل إليهم والاعتماد عليهم، كل هذا من الردة والكفر، أما باقي الصور تحتاج إلى ضبط وتحتاج إلى قيود ليس هذا محل تفصيلها.
لذلك قال -عز وجل-: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال: 73]، يا الله!! ما أجمل القرآن ما أوضح القرآن!! قال المفسرون: "عندما يختلف المسلم مع الكافر ولا يتضح الفرق بينه وبين الكافر يفتتن المسلمون الجهلاء من نساء وأطفال وسذج بأن الكفار ما هم عليه هم الحق، فتتشرد أخلاقهم وعقائدهم، عندما لا يتميز الكافر والمسلم"، هم يوالون بعضًا ويخططون في الناتو وغيره من أجل القضاء على المسلمين ومن أجل المصالح، وليست المبادئ.
إذًا (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)، وانظر الآن إلى فساد شبابنا ترى الكفرة على ظهورهم، أرقام وأسماء ساقطة يدخلون بها حتى بيت الله -عز وجل-، لما محيت هذه العقيدة لا أصبح هناك فرق بين مسلم وكافر، ما تقيمه هوليود يصب هنا في العقول السخيفة والبيوت المنهارة.
والعجيب -أيها الإخوة- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-تعجب من حب مغيث لبريرة، بريرة لا تريد مغيثًا -رضي الله عنه-، فكرهت، فجاء مغيث إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وسأله أن يشفع له عند بريرة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- مربٍّ ومصلح اجتماعي وقائد، وعندما كلمها رسول الله قالت: يا رسول الله: أمر تأمرني به أم شفاعة؟! قال: "بل شفاعة"، قالت: لا أريده يا رسول الله، والمغيث متعلق بها، ويقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: "ما تعجبون من حب المغيث لبريرة". سبحان الله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ) [التوبة: 23، 24].
وكما قال ابن القيم -رحمه الله-:
أتحب أعداء الحبيب وتدعي | حبًّا له ما ذاك في إمكان |
وكذا تعادى جاهدًا أحبابه | أين المحبة يا أخا الشيطانِ |
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
شبهات حول موضوع الولاء والبراء: بعضهم وربما من الذي يكون له جمهور يقول: إن الولاء والبراء مرتبط بإظهار العداوة من الكفار، فإذا صاروا ضد مصالحنا وضد أهدافنا فهم أعداؤنا، أما أن لهم دينًا آخر ولهم ملة أخرى، فهذا ليس السبب للبراءة منهم!!
إذًا لم تعد هناك عداوة دائمة ولا صداقة دائمة، إنما هي مصالح دائمة، لقد صرح -عز وجل- بأن إبراهيم -عليه السلام- قدوة لهذه الأمة: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة: 4]، ما قال حتى تفسحوا المجالس، حتى توسعوا، حتى نحقق إمبراطوريات، أبدًا، بل قال: (حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)؛ لأن الولاء لله وحده، والذي يجرؤ على الله هو عدوه، لذلك لعن الله اليهود والنصارى، لماذا؟! اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لعنهم الله. والآيات في هذا كثيرة.
(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة: 8]، ما قال تحبونهم وتوالونهم وتوادونهم؛ لذلك قال ابن تيمية وغيره: قال ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "البر والصلة لا يلزم التحاب والتواد المنهي عنه في قوله: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [المجادلة: 22]". أعطيهم الصدقة طمعًا في إسلامهم، أزورهم في مرضهم، والرسول -عليه الصلاة والسلام- زار اليهودي في مرضه، لكن لا أجلس معه وأسهر معه على السفاهة.
طمعًا في إسلامه، وإخواننا يترجمون هذا إلى واقع في مكاتب الدعوة للجاليات، يخرجون من هؤلاء الكفرة مفهوم ذاكرتهم من الفحش، بالتعامل اللطيف، وليس المحبة القلبية، ولذلك قال العلماء بإجماع: "لا يجوز محبة الكافر بالقلب، أما التعامل من الخارج يجوز". حتى الرسول كان يمارس التعامل من الخارج، مرة كما ورد في البخاري قال: "بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ"، ثم لما دخل تودد معه وكلمه بطريقة لطيفة وكذا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: حِينَ أَبْصَرْتَهُ قُلْتَ: "بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "شر الناس من يُتقى لفحشه".
إذًا المسألة صلة طمعًا في إسلامه وتقديم صورة حقيقية عن الإنسان، أما المداهنة والارتماء في أحضانهم، فهذا أمر آخر، لذلك قال العلماء: "الحب والبغض القلبيان لابد أن تكون كاملة، تحب أهل الإيمان وتبغض أهل الكفر والعصيان"، كلا بحسبه، مما يحب جملة الرسل والأنبياء والصديقين والشهداء ومن يمثل الإسلام يحب من جميع الوجوه، ومن يكره جملة الكفر والنفاق، ومنهم من يحب من وجه ويبغض من وجه ممن خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا؛ لذلك لما لعن أحد الصحابة وقد شرب الخمر وجلد، فقال أحد الصحابة: لعنه الله؛ ما أكثر ما يؤتى به، فقال رسول الله: "لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله".
إذًا -يا أيها الإخوة- المسألة خطيرة، وأصل من أصول لا إله إلا الله "الحب والبغض"، عقيدة من عقائد المسلمين، وشرط من شروط لا إله إلا الله، وأي شرط.
أسأله -سبحانه وتعالى- أن ينصر الدين وأهله، وأن يذل الكفر وأهله.