البحث

عبارات مقترحة:

الملك

كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...

الإله

(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

آفات اللسان

العربية

المؤلف محمد أحمد العامري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. بديع خلق الله للسان .
  2. نعمة اللسان ووجوب حفظه .
  3. بعض آفات اللسان .
  4. أسباب عدم حفظ اللسان .

اقتباس

لو نظرت إليه لعجبت لحجمه وشكله, لكن لو تذكرت فعله لعرفت ماذا يفعل, لو استمعت إلى صوته وعبارته، بهرتك تلك الأصوات، وتلك العبارات, من أصوات جميلة، ومرتفعة وقوية؛ ذلك اللسان خلقه الله لكل ناطق من الحيوان, وجعل لكل حيوان لغة ومنطقاً وصوتاً يميزه عن غيره, لكنه...

الخطبة الأولى:

(تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا) [الفرقان: 61].

أحمده -تعالى- وأستعينه وأستهديه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 102-103].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].

(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2-3].

اللهم إنا نسألك أن تؤلف على الخير قلوبنا, وأن تلم شعثنا، وأن ترفع رايتنا، وأن تنصرنا على عدوك وعدونا، يا قوي يا جبار.

أما بعد:

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- على قبرين, فقال: "إنها ليعذبان" أي في القبر "وما يعذبان في كبير, أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة" [رواه البخاري ومسلم].

أي بين الناس سعياً في نشر الخلاف والمشاكل بين الناس، ليتقاتلوا ويختلفوا.

روى الإمام أحمد قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الرجل ليدنو من الجنة حتى ما يكون بينه وبينها قيد ذراع فيتكلم بالكلمة، فيتباعد منها أبعد من صنعاء" [روه أحمد، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وقد وثق" وضعفه الشيخ الألباني].

فاللسان من النعم العظيمة التي حار الأطباء في خلقه العجيب, بل في كل ما خلق الله من العقل, والعين, والبصر, واليد، فلو قبضها الله فمن الذي يبسطها غيره؟! ولو سلب منك البصر فمن يعيده إليك؟! ولو سلب منك اللسان من يعطيك مثلها ؟!

وللنظر إلى فعل البشر اليوم في العمليات التجميلية ماذا يفعلون؟! وماذا عساهم أن يصنعوا؟! (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ) [لقمان: 11].

اللسان عضو صغير، لكنه يقود إلى الجنة أو إلى النار.

ولو نظرت إليه لعجبت لحجمه وشكله, لكن لو تذكرت فعله لعرفت ماذا يفعل, لو استمعت إلى صوته وعبارته بهرتك تلك الأصوات، وتلك العبارات, من أصوات جميلة، ومرتفعة وقوية.

ذلك اللسان خلقه الله لكل ناطق من الحيوان, وجعل لكل حيوان لغة ومنطقاً وصوتاً يميزه عن غيره, لكنه جل وعلا يميز كل الأصوات على اختلافها وتنوعها وتباينها, يسمع الى النملة على صغر حجمها, ويسمع إلى الفيل على قوة وضخامة بدنه, ويسمع أصوات من في البحار, وأصوات من في الأودية والجبال والقفار، خلق الإنسان ويسمع ما يقول, وخلق الحيوانات، وميز بين أصواتها, حتى عجز الإنسان أن يحصيها, لكنه يسمعها جميعاً جل وعلا، ويعرف ما تريد, فقد تستوي عند البشر أصوات العصافير, أو أصوات الدواب, أو أصوات الناس، لكن الخالق يميز بينهم, يجتمع الملايين في موطن واحد في يوم عرفة، فيرفعون أصواتهم ويخفضونها، لكنه تعالى يسمع كل الأصوات، ويفهم كل اللغات، ومن لم يكن له صوت يرفعه، ولسان ينطق به، فهو أبكم لا يتكلم إلا بقلبه، فالله -جل وعلا- يعرف حاجته، ويعلم مسألته: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14].

هذا اللسان دليل على وحدانية الله -عزوجل-؛ لأنه من آياته العظيمة: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) [الروم: 22].

خلق الله اللسان؛ ليعبر عما في القلب, فالله جعل لكل قوم لهجة ولساناً، حتى اللغة الواحدة فيها من اللهجات العدد الكثير، قال تعالى آمراً عباده بحسن استعمال اللسان في المعروف: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

واللسان -عباد الله- له آفتان جامعتان: الكلام شيطان ناطق, والسكوت شيطان أخرس.

وتفصيل تلك الآفات يتجلى في الأمور التالية:

قد يكفر الإنسان بلسانه، فيخرج من دين الله إلى الكفر، بسبب كلمة لا يلقي لها بالاً، قال عليه الصلاة والسلام: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يتبين فيها, يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة" [رواه أحمد، والحاكم، وهو حديث صحيح].

لذلك قال عليه الصلاة والسلام لمن استوصاه: "امسك عليك لسانك".

بهذا اللسان دخل المسلم الدين, وبه قد يخرج منه، قال معاذ -رضي الله عنه-: "يا رسول الله! أو نحن مؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟" [رواه أحمد، والترمذي، وهو حديث صحيح].

أي إلا بسبب هذا اللسان.

كم من رجل قال كلمة  كفر، فكتب الله عليه بها سخطه وغضبه إلى يوم يلقاه.

ومن أنواع الكفر باللسان: الاستهزاء والسخرية بهذا الدين, واسمع إلى ما جرى في غزوة تبوك التي كان فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- قائداً: قام أناس يسيرون في قافلة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقالوا بألسنتهم عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء" أي أبو بكر, وعمر, وعثمان, وعلي, وأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- "أرغب بطوناً, ولا أجبن عند اللقاء".

أي أن الصحابة لا يهمهم إلا الطعام, وكذلك هم جبناء في القتال.

فهذه كلمة سخروا بها ممن رضي الله عنهم، فأنزل الله على النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو على ناقته: (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة: 65 - 66].

انتصاراً لأولياء الله, وأخذ الحق للصالحين.

فيا من استهزأ بعالم, أو داعية, أو مصلح, أو رجل فيه خير: اعلم أن الله ناصر عبده، مؤيد جنده، وينتصر لمن سخرت منه.

ثم إن هؤلاء القوم الذين تكلموا في صحابة رسول الله لحقوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لما سمعوا الآية، فطلبوا منه أن يستغفر لهم، فكان جوابه: (أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ) أي كنتم تسخرون وتضحكون.

كيف سيلاقي الله من إذا رأى الصالحين سخر من لباسهم أو من لحيتهم أو سواكهم؟! كيف سيجد الله من يرى المرأة المتحجبة التي  تحجبت طاعة لله، وحبا لرسول الله، فحفظت نفسها, ولم تدنس شرفها، فيقول: انظر إلى هذه الخيمة المتحركة! وكيف سيقابل الله من سخر من كتاب الله؟! أو سخر من محمد بن عبد الله؟! أو سخر بأي شيء من دين الله؟ كمن يسخر بتعاليم الدين, أو يسخر بأي شيء جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ومن الاستهزاء بالدين: الاستهزاء بأحكامه, كمن يبلغه حكم الله، فيقول: كيف هذا؟! هذا لا يصلح, أو هذا غير صحيح, وهذا قول قديم, ورجعية، وتخلف! كلمة يهوي بها في نار جهنم سبعين خريفاً: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) [النساء: 65].

لذلك أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه إذا وجدوا في قلوبهم شيئاً من الشك مما قد يدور في خلجات النفوس، أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم, ومن وسوسته ونفثه ونفخه، إذ أن هذا لا يستقيم مع الايمان.

أيها المؤمنون: إن الإعلام من صحف, ومجلات، وإذاعات، ومنشورات، وما فيه من مسلسلات, وأغاني, يوجد في بعضها من الكفر ما يكون سبباً في دخول جهنم.

أليس من الاستهزاء بالدين في بعض المسلسلات أن يؤتى برجل ملتحٍ يلبس ثوباً فيوسم بالغباء والسذاجة، وأنه لا يفهم ولا يعرف شيئاً؟!

أليس هذا سخرية بمحمد -عليه الصلاة والسلام-؟! ألم يكن ملتحٍ؟! ألم يكن مؤمناً؟! لما هذه السخرية إذاً؟ ولما هذا الاستهزاء؟

فرب كلمة كتبها مؤلف, أو كلمة قالها مذيع، أو معلق تخرجه من الدين،  ولهذا فقد سمع أن أحد المعلقين في بعض المباريات الرياضية يصف لاعباً، فيقول: "هذا معبود الجماهير" أستغفر الله! أيكون لاعب كرة معبوداً للجماهير؟ أيعبد من دون الله أحد؟! "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب" [رواه البخاري ومسلم].

ومن آفات اللسان: الغيبة، قال الإمام مالك -رحمه الله-: "أعرف أناساً لا عيوب عندهم تكلموا في أناس، فأوجد الناس لهم عيوباً، وأعرف أناساً عندهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس، فسكت الناس عن عيوبهم".

من تكلم في الناس تكلموا فيه.

قيل الغيبة، هي: خيانة اللسان.

وهي من صفات الفساق، قال صلى الله عليه وسلم: "من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة" [رواه البخاري ومسلم].

من ستر مسلماً في عرضه, أو ماله, أو جسده، أو بيته، أو أهله، أو بدنه، أو في أي شيء قد يستنقص منه، ستره الله، ومن ستر جاره, أو مرؤوسه في العمل, أو موظفيه، أو أصدقائه، وإخوانه ومقربيه، ستره الله, وقال في مقابل ذلك فيمن يتتبع عورة المسلم ليفضحه: "يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته" [رواه أحمد، وأبو داود، وهو حديث صحيح].

الغيبة -يا عباد الله- آفة لا يحيا بعض الناس إلا بها, فبعضهم إذا كان غنياً يسم الناس بالفقر, أو شجاعاً يصف الناس بالذلة والجبن, فيكشف الله عورته، ولو أوصد نوافذ بيته، أو أغلق الأبواب، ولو فعل الأفاعيل.

ومن الناس من هو كالذباب لا يقع إلا على العورات، والأوساخ وأقذر الأمور.

عباد الله: تتبع العورات قد يكون باللسان، وقد يكون بكلمة عابرة تلقى على امرأة مسلمة لا يلقى لها بال، فتغضب الله.

ومن آفات اللسان: كثرة الكلام في الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: "وكره لكم قيل وقال" [رواه البخاري ومسلم].

وقال: "من كان يؤمن بالله واليوم والآخر، فليقل خيراً أو ليصمت" [رواه البخاري ومسلم].

بعضهم لا يستطيع أن يصمت لحظة عن الكلام, فهو في الشارع يتكلم، وفي العمل يتكلم من غير فائدة، لذلك قال سلمان الفارسي -رضي الله عنه-: "أكثر الناس ذنوباً يوم القيامة، أكثرهم كلاماً في معصية الله -عز وجل-" [أورده أبو نعيم في الحلية، وابن أبي شيبة في مصنفه، وهو ليس من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل هو موقوف على سلمان].

أسأل الله أن يحفظ ألسنتنا, وأن يحفظ بيوتنا, وأن يحفظ أعراضنا.

قلت ما سمعتم، فاستغفروا الله إنه الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى, والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى.

أما بعد:

الغيبة، والنميمة, وشهادة الزور, وتتبع للعورات, والاستهزاء بالدين, والكلام في الصالحين, والاعتراض باللسان على أحكام الله, كل ذلك من آفات اللسان.

لكن السؤال لماذا؟ وما هي أسباب زلة اللسان؟ ولماذا الإنسان يقع في هذه الآفات؟ ولماذا الكاذب يكذب؟ ولماذا المغتاب يغتاب؟ ولماذا النمام يقع في النميمة؟ ولماذا يقف شاهد الزور عند القاضي في الدنيا، فيشهد شهادة كاذبة، وهم جميعا يعلمون في أنفسهم أنهم غير صادقين؟

إن من أظهر الأسباب التي تجعل الإنسان لا يضبط لسانه، هي: ضعف عظمة الله في قلبه, فالذي يعرف قوة الله، وبأسه, وعلمه، وسعة سمعه جل وعلا، وأنه السميع العليم البصير, الذي يرى مكانك، ويسمع كلامك, ويعلم ما ينطق به لسانك, كل من لا يعرف ذلك، أو غفل عنه، يقع في آفات اللسان.

وفي المقابل: كيف يكذب من يعلم أن الله يسمع كلامه؟! وكيف يشهد الزور من يعلم أن الله -جل وعلا- يسمع شهادته في الدنيا، وسيحاسبه عليها في الآخرة؟! كيف سيغتاب؟! كيف سيقع في النميمة من يعرف ويعلم عظمة الله -جل وعلا-؟!

لذلك كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يخافون من الله، ويعرفون قدرته، قالت عائشة -رضي الله عنها-: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء! إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفي علي بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي تقول: يا رسول الله أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، فما برحت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ) [المجادلة: 1] [رواه ابن ماجة، والنسائي، وأحمد، وهو حديث صحيح].

فما أعظم سمع الله -تعالى- لكل شيء!.

عبد الله: استشعر معية الله لك، ومعك وعليك: (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة: 7].

ما تكون وحدك إلا والله يسمع كلامك، ويرى مكانك، ويعلم بحالك.

أيها المؤمنون: من أسباب الغيبة والنميمة، والكذب، وشهادة الزور: سوء التربية، أو ضعفها، فالأب، والأم، قد يربون أبناءهم من الصغر على الكلام البذيء, والكذب, والغيبة، بل قد يربيه أبوه على أن الكذب شطارة! وأنه سياسة وفحولة وذكاء!.

وبعضهم يقول له: إذا أرت أن تأخذ حقك افعل أي شيء، اكذب, اشهد زورا, قل أي شيء, كن رجلاً!.

وقد يسمع الطفل الصغير أباه يكذب، أو أمه، أو أستاذه، أو صديقه، والتلفزيون يربيه على الكذب، والبائع والحكومات تكذب، فكيف سيكون هذا الطفل صادقاً؟ هل ستنبت الأرض لنا صادقين؟! إذا لم يكن الأب صادقاً، والأم صادقة، والتعليم والتربية، والإعلام، والحكومات صادقة؟ من أين سيخرج لنا صادقون؟

وإذا كان المجتمع صادقاً فمن أين سيخرج بذيء اللسان، لكن مجتمعنا فيه فساد؟

انظر في بعض الصحف, وبعض الأفلام الساقطة، تجد بعض الكلمات المنحرفة البذيئة والقذرة، عوضا عن أنها كاذبة، بل فيها من البهتان والفجور، وكأن الأمر سهل ويسير!.

انظر إلى الكلمة التي قالها أبو ذر لبلال، وكلاهما من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، بلال مؤذن النبي -عليه الصلاة والسلام-، أسود البشرة, وأمه سوداء، هكذا خلقهم الله، قال أبو ذر لبلال: "يا ابن السوداء" فذهب بلال إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يشكو أبا ذر، فقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "إنك امرؤ فيك جاهلية" [رواه البخاري ومسلم].

فكم فينا من الجاهلية؟!

نحن ركبت الجاهلية من رؤوسنا إلى أقدامنا.

إذاً، كان أبو ذر فيه جاهلية؛ لأنه قال: يا ابن السوداء، فكم في إعلامنا من جاهلية، وفي مدارسنا، وشوارعنا، فالبائع والمشتري يكذب بعضهم على بعض, والمدرس -إلا ما رحم الله- يكذب, والأب يكذب، كم نعيش من جاهليات؟

انظر إلى خطورة اللسان، قالت عائشة للنبي -صلى الله عليه وسلم-: حسبك من صفية كذا وكذا! تعني أنها قصيرة، فقال: "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته" [رواه أبو داود، وأحمد، وهو حديث صحيح].

أي دنسته وأفسدته.

كيف لو مزج كلامنا بمياه الدنيا؟ وكيف لو مزج كلامنا وكلام إعلامنا وحكامنا وحكوماتنا، وشوارعنا، ومدارسنا، وصحفنا، وقنواتنا، وكبراءنا بالبحار؟!

لهانت جميع مشاكل الدنيا من انحباس حراري، وغيرها أمام هذه الفاجعة.

لقد أذهب كلام الفاسقين من مغنين وأفاكين، وغيرهم الحياء، فلوثوا الفطر، ودنسوا الكلمات الطيبات، حتى منع القطر من السماء، ومنعت خيرات الأرض, ومنع الزرع ثمرته, ولولا البهائم والدواب لما أمطرنا، وأصبنا بالذلة والمهانة، أتعرفون لماذا؟

(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) [الروم: 41].

وتفوهت به قنواتهم، وسطرته صحفهم، ونطقت به ألسنتهم، ليذيقهم بعض الذي عملوا.

هذا ببعض ما نعمل، وليس في كل ما نعمل! فكيف لو أذاقنا الله -تعالى- بكل أعمالنا.

اللهم ارحمنا برحمتك، واسترنا بسترك.

اللهم احفظ ألسنتنا، وطهرها من الكذب والغيبة والنميمة، وشهادة الزور.

اللهم طهر إعلامنا من الكذب.

اللهم إنا نسألك ألسنة صادقة، وإعلاماً صادقاً، ورجالاً صادقين.

اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا.

اللهم إنا نسألك قلبا خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وجسداً على البلاء صابراً، إنك ولي ذلك، والقادر عليه.