البحث

عبارات مقترحة:

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

المقيت

كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

وبدأ العام الدراسي

العربية

المؤلف محمد أحمد حسين الزيداني
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. الاعتبار بتعاقب الليالي والأيام .
  2. استقبال عام دراسي جديد .
  3. الاستعداد للآخرة .
  4. كلمة للمعلمين والمربين والآباء .
  5. مسؤولية بناء الأجيال .

اقتباس

ما تزال أمّتُنا الإسلامية في انتظار أجيالها البانية المؤمنة الصادقة عامًا إثر عام، ولقد طالت بها سنوات الانتظار حتى ملّها الانتظار وملَّتْه، وحتى أصبحت حديث السخرية من أعدائها، أفما آن للآباء والمعلمين وكافة المربين أن يضعوا حدًّا لطول انتظار الأمة، وسخرية أعدائها بها؟!.

أما بعد: فيا أيها المسلمون، في دورة اللحظات والأيام وفي توالي الشهور والأعوام تتجدّد أمام نواظرنا معالم العبر، وتهز أعماقنا أيادي العظات، فأين منا الناظرون المتبصرون؟! وأين منا المتأثرون المتذكرون؟! (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق:37].

إذا كان لنا بالأمس موعد وداع لعام دراسي راحل، فلنا غدًا موعد آخر لاستقبال عام دراسي حالّ، وإن غربت بالأمس شمس نهاية المودَّع، ففي الغد تشرق شمس بداية الآتي، وهكذا تمضي بنا الحياة، ونبقى بين موقفَي وداع الزمان واستقباله، وشروقه وغروبه، وبدايته ونهايته، نبقى أغراضًا لسهام المنايا، وما كثرة صرعى المنايا عن اليمين منا والشمال ومن الأمام والخلف إلا دليل صدق على قرب إصابتها المقتل منا.

ألا أيها الغرَضُ المصاب، أيها المرمَى الذي أصبح سؤالَ سهامِ المنية، أدرك نفسك قبل أن يكون موتك الجواب، وقبل مفارقة الأحباب، ومعاينة الحساب، وسكنى التراب، (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجمعة:8].

أيها المسلمون: إن الاستعدادَ الكبير من أغلب الناس لاستقبال أول أيام الدراسة وما يصحبه من تغيير في جداول وأنماط حياة كثير من الأسر ليدعونا بلسان الصدق إلى أن نتعلم كيف نستعدّ صادقين للآخرة، وكيف نجتهد لتذليل كافة العقبات والصعاب في سبيل بلوغ الغاية السعيدة التي يريدها لنا الله، يعلّمنا كيف يجب أن يكون استعدادنا جازمًا للتغلّب على كلِّ نوازع الشرّ، ويعلمنا كيف يجب أن ننظر إلى أحوالنا بإنصاف، وكيف نصحّح أخطاءنا، وكيف نضع حدًا لكل تافه ومحتقر في حياتنا.

أيها الإخوة المؤمنون: إذا كان أول أيام الدراسة هو الصفحة النقية الأولى من كتاب العام يهتمّ النجباء لأن يسجّلوا فيها ما ينفعهم ويفيدهم، وما يُعلي منازلَهم ودرجاتِهم في النهاية، ألا يليق بنا أن نمحو بالتوبة إلى الله ما سوّدت المعاصي من صفحات أعمارنا! ألا يليق بنا أن نبدأ حياتَنا صفحاتٍ بيضاءَ نقيةً في سجلات أعمارنا؟! ألا يليق بنا أن نكون ذلك النجيب الذي لا يسجّل إلا ما ينفعه، ويعلي مكانته، ويرفع درجاته، لنلقى الله بيض الوجوه؟ (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [آل عمران:106-107].

أيها الناس، وغدًا تستأنف الطرقات سيرها بأكبادنا إلى المدارس، وغدًا تسيل الطرقات بأحفاد نبينا العظيم محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى دُور العلم، وغدًا تسيل الطرقات بأمل أمة الإسلام ومستقبلها المشرق -إن شاء الله- إلى دُور التربية، وغدًا تسيل الطرقات بأبطال الغد، بكبار الغد، بحلم الغد، إلى دور المعرفة.

أيها المعلمون والمربون: تيقَّنُوا وأنتم تستقبلون الطلاب كلّ يوم أنكم تُحَيُّونَ أملَ أمتنا وفجرَها الوضَّاء، ووجه صباحها المنير، ومستقبلها الحافل بالبناء والعطاء.

وإنه لَيَكْفِيكُم شرفًا أن تدركوا طبقات المجتمع، وأنْ تُدرِكُوا أنّ على أيديكم تنال الأمة مناها، وتبلغ من العزّ ذروته، وفي كلّ خير قمّته، إذا صدقتم أمانةً في الأمانة، ورعايةً في الرعاية.

من يصنع الجيل إلا أنتم؟ ومن يبني الحضارةَ إلا أنتم؟ فهنيئًا لكم. بصدقكم ينال الجيل منكم مبتغاه، ويبلغ بنيان الحضارة أعلاه، وَلِمَ لا؟ والطالب في الحصة الثانية أكثر غنى منه في الأولى، وفي الثالثة أكثر غنى منه في الثانية، وهو في الغد أكثر غنى منه اليوم.

أيها الآباء: تذكَّرُوا وأنتم تزوّدون أولادكم إلى المدارس زادًا حسِّيا طعامًا وشرابًا وكسوة ووسيلة أن عليكم أيضًا أن تزوّدوهم زادًا معنويا، توجيهًا إلى الخير، ودعوةً إليه، وحثًا لهم على كل أسباب البر، ليشبوا على مكارم الأخلاق، وجميل الصفات، مطيعين لله ولرسوله، متقربين إلى الله.

أيها الآباء: أيها المعلّمون: إن العناية برياحين القلوب والأكباد مسؤولية جسيمة، وإن الرعاية لأحفاد الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- أمانة عظيمة، وأنتم جميعًا مشتركون في المسؤولية، أنتم جميعًا على قمة هرم الرعاية للجيل، وأنتم جميعًا على قمة هرم المسؤولية عنه، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "أَلا كلُّكم راعٍ، وكُلُّكُم مسؤول عن رعيته"، وفيه: "والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيته" متفق عليه.

أحسنوا البذر في حقول قلوب وعقولِ الناشئة لتحسن الثمرة وتطيب، ليكن أولادكم وطلابكم الصورة الحسنة لاهتمامكم، اجعلوا استثمار الجيل في الخير همكم الأول، تذكروا أن صدق رعايتكم للجيل تنجب النصر والظفر للأمة، احرصوا على صلاحهم، فإن العضوَ الصالح في ذاته صالح في مجتمعه وفي صفوف أمته، وسبب حيّ في إصلاح سواه، واعلموا أنه ما قام بنيان نفس إلا على عمود نصح وتوجيه ووصية، فأين منكم ذلك؟! وعندما يصبح الولد أو الطالب ضحية سوء التربية والإهمال تعظم جريمةُ الأب والمعلم.

أيها الآباء: أيها المعلمون: أثروا بالأجيال الأمة، إنها بهم الغِنى فأغنوها بهم، وإنها بهم القوة فزيدوها بهم، وإنها بهم الجمال فزيّنوها بهم، ألبسوها بهم تاج الظفر، أعيدوا بهم أفراحها من جديد، اخلعوا بهم عن وجهها حجاب الحزن، أزيلوا بهم عن أعماقها أسباب الضعة والضعف والهوان، انتزعوا الأجيال من بين ثنايا التجهيل والتضييع والتمييع انتزاعا، أضيئوا بهم الشمس، اتقوا الله فيهم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال:27].

أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم...

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمد معترف بفضله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم.

أما بعد: فيا إخوة الإسلام: ما تزال أمتنا الإسلامية في انتظار أجيالها البانية المؤمنة الصادقة عامًا إثر عام، ولقد طالت بها سنوات الانتظار حتى ملّها الانتظار وملَّتْه، وحتى أصبحت حديث السخرية من أعدائها، أفما آن للآباء والمعلمين وكافة المربين أن يضعوا حدًّا لطول انتظار الأمة وسخرية أعدائها بها؟!.

هل يعلم هؤلاء جميعًا أنَّ عليهم أولاً أن يُشعِلوا فتيل الحِرص في قلوبهم استثمارًا لطاقات الناشئة، وتنميةً لمواهبهم، وشحذًا لهممهم، وغيرةً على أجيال المسلمين وتاريخهم، ألا يدركُ المربّون جميعًا أن حضارتنا كمسلمين قائمة على العلم، وأن كلمة الوحي الأولى نزولاً على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- هي: (اقْرَأْ)؟! قال الله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق:1-5]، هل ندرك -أيها المسلمون- سر هذا الافتتاح القرآني والتوجيه الرباني؟!.

ما أروع المعلّمين وهم يستقبلون في معاقل التربية طلاب العلم بصدور الانشراح وقلوب البهجة والارتياح! للمرح الباني من ألسنتهم نصيب، وللفرح الهاني في أعماقهم وجيب، الجدُّ لهم عنوان، والإخلاص لهم ميدان، يقوّمون سلوك طلابهم، ويهذّبون أخلاقهم، ويعطرون سيرهم.

وما أجلّ المربين جميعًا وهم يخرِجون للدنيا العقول الواعية، والأفكار النيرة، والقلوب الصافية! ما أسعد الأمة بشبابها المتعلمين، وبرجالاتها الصادقين!.

ألا فاتقوا الله أيها المسلمون، فنحن جميعًا في دائرة التربية والتعليم نسير.

وصَلُّوا وسلِّموا على المعلم الأول، مُخرِج الأمة من الظلمات إلى النور، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب.