العربية
المؤلف | حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | فقه النوازل - أهل السنة والجماعة |
إن المسلمين في كل مكانٍ وقد تداعَت عليهم قُوَى الشرِّ والعُدوان، وأحاطَت بهم الكُروبُ من كل جانب، وتكاثَرَت عليهم الفتنُ من كل حدْبٍ وصوبٍ، عليهم أن يُجدِّدوا التوبةَ إلى الله -جل وعلا-، وأن يلجَؤوا إليه فهو الجبَّار، وأن يتضرَّعوا إليه ويطَّرِحوا بين يديه: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) ..
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: أُوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-؛ فمن اتقاه جعل له من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرَجًا، ومن كل بلاءٍ عافية.
إخوة الإسلام: لقد ابتُلِي المسلمون في بعض البُلدان ببلاءٍ عظيمٍ: ظلمٍ واضطهادٍ وقتلٍ وتعذيبٍ وتشريدٍ، إراقة دماءٍ وسفكِ أرواحِ أبرياء، ولا حول ولا قوةَ إلا بالله العظيم، والله المُستعانُ وإليه المُشتكَى.
إن على المسلمين المُضطهَدين في كل مكانٍ أن يعلَموا أن النصرَ مع الصبر، وأن الفرجَ مع الكَرب، وأن مع العُسر يُسرًا، يقول -جل وعلا-: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص: 5، 6].
إن المسلمين في كل مكانٍ وقد تداعَت عليهم قُوَى الشرِّ والعُدوان، وأحاطَت بهم الكُروبُ من كل جانب، وتكاثَرَت عليهم الفتنُ من كل حدْبٍ وصوبٍ، عليهم أن يُجدِّدوا التوبةَ إلى الله -جل وعلا-، وأن يلجَؤوا إليه فهو الجبَّار، وأن يتضرَّعوا إليه ويطَّرِحوا بين يديه: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) [الأنعام: 63، 64]، فهو سبحانه القاهرُ فوق عباده، وهو -عزَّ شأنُه- العزيزُ القادِرُ الذي يُجيرُ ولا يُجارُ عليه: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 45]، (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) [إبراهيم: 13، 14].
إن الرجوعَ الحقيقيَ إلى الله -جل وعلا- وإلى دينه هو السبيلُ لنَيْلِ الخيرات، وهو السببُ المانِعُ عن الشُّرُور والمَثُلات، إن التوبةَ الصادقةَ إلى الله -جل وعلا-، والمُتابعةَ الصادقة لرسوله -صلى الله عليه وسلم- في كل شأنٍ ذلك هو السبيلُ الأوحَد لرفع العقاب بأنواعه، والظلمِ بشتَّى صُوره: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [الأعراف: 128، 129].
نعم، هكذا سنةُ الله أن العبادَ متى استقاموا على شرعِ الله استقامَت لهم الدنيا على أحسنِ حالٍ، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96].
شُكِي إلى الحسن البصري ما يقوم به الحجَّاجُ من ظلمٍ؛ فقال: "إن الحجَّاجَ عقوبةٌ من الله لم تكُ، فلا تستقبِلوا عقوبةَ الله بالسيف، ولكن استقبِلوها بتوبةٍ وتضرُّعٍ واستِكانةٍ وتوبوا تُكفَوه". اهـ.
إخوة الإسلام: إن على حُكَّام المسلمين في جميع البُلدان أن يستيقِنوا أن الحفاظَ على نظام الحُكم لا يكون بالظلمِ ولا بالاضطهاد، ولا بالأَثَرة والاستبداد، ولا بالرُّكون للجهود البشرية والقُدرات الإنسانية بعيدًا عن اللُّجوءِ إلى الله -جل وعلا- والتمسُّك بدينه وشرعه؛ فحِفظُ الحكم لا يكون ولن يكون أبدًا بالبُعد عن منهج الإسلام وثوابِته العِظام.
فمن تدبَّر كتابَ الله وجدَه ينسِبُ الخلافةَ والتمكين والمُلكَ لله وحده: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 26]، فمن صلَح وأصلَحَ أصلَحَ الله له المُلكَ الذي يحكمُه، ومن فسدَ وأفسَدَ أُفسِد عليه حُكمُه ولو كان من أمهر الناس وأذكاهم وأقواهم: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ) [البروج: 17- 20].
فيا حُكَّام المسلمين: عُودوا إلى القرآن الكريم، وطبِّقوه في كل شأنٍ، والتزِموا بسنة نبي الإسلام -عليه أفضل الصلاة والسلام-، احتكِموا إلى الوحيَيْن، تمسَّكوا بهما، دعُوا عنكم القوانينَ الوضعيَّةَ والدساتيرَ البشرية، احذَروا من كيدِ الأعداء ومُخطَّطاتهم وإملاءاتهم، قال -جل وعلا- فيهم: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [النساء: 89].
واعلموا -أيها الحُكَّام- أن الله وحدَه هو الذي يرفعُ ويخفِض، وهو الذي يُعِزُّ من يشاء ويُذِلُّ من يشاء وفقَ حكمته البالغة، قال ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة أربعمائةٍ وثلاثين للهجرة: وفيها خُوطِبَ أبو منصورِ بن جلال الدولة بالملِكِ العزيز -وهو مُقيمٌ بواسط-، وهذا العزيزُ آخرُ من ملَكَ بغداد من بني بُويْه، فلما طغَوا وتمرَّدوا وبَغَوا، وتسمَّوا بملِكِ الأملاك سلَبَهم الله ما كان أنعمَ به عليهم، وجعلَ المُلكَ في غيرهم، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].
أيها المسلمون: إن من سَبَرَ أحوالَ المسلمين في عهودهم كلها في الحاضِرِ والماضي علِمَ أن الشرَّ والضررَ والهوانَ والذلَّ والعارَ بدول المسلمين يحصُلُ حينَ يضعُفُ تعلُّقهم بالوحيَيْن، وحين يستبدِلونها بالأهواء النفسية والآراء البشرية، ألم يقُل الله -جل وعلا-: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 41]؟!
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الوليِّ الحميد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يُبدئُ ويُعيدُ، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: أُوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-؛ فهي وصيةُ الله للأولين والآخرين.
أيها المسلمون: إن الراعِيَ والرعيَّة لا يجمعُهم إلا كتابُ الله -جل وعلا-، والاعتصامُ بحبلِه، والاهتداءُ بهديِهِ، ومتى حادُوا عن ذلك فلن يجِدوا للاستقرار سبيلاً، ولا للرخاء طريقًا؛ بل أمرُهم حينئذٍ في سَفَال، وأحوالُهم حينئذٍ غيرُ مُستقرَّة، وبُلدانهم لن تجِد للأمن سبيلاً: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].
ونبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "وما لم تحكم أئمَّتُهم بكتابِ الله ويتخيَّروا مما أنزلَ الله إلا جعلَ الله بأسَهم بينهم". أخرجه ابن ماجه بسندٍ صحيحٍ.
ثم إن الله -جل وعلا- أمرنا بأمرٍ عظيم، ألا وهو: الصلاة والسلام على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيدنا ونبيِّنا محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمةِ المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الآلِ والصحبِ أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم إنا نسألُكَ بأنا نشهدُ أن لا إله إلا أنت الأحدُ الصمدُ الذي لم يلِد ولم يُولَد، نسألكَ -يا حيُّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام- أن ترفعَ عن إخواننا المسلمين الظلمَ والعُدوان، اللهم ارفع عن إخواننا المسلمين الظلمَ والعُدوان، اللهم ارفع عن إخواننا المسلمين الظلمَ والعُدوان، اللهم اجعل لهم من كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل همٍّ فرَجًا، ومن كل بلاء عافية، اللهم مكِّن لهم في الأرض على الدين، اللهم مكِّن لهم في الأرض على الدين.
اللهم إنا نعوذُ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطَن.
اللهم أصلِح أحوالنا وأحوالَ المسلمين، اللهم أصلِح أحوالنا وأحوالَ المسلمين، اللهم أصلِح أحوالنا وأحوالَ المسلمين، اللهم مُنَّ على المسلمين بتوبةٍ تُصلِح بها أحوالَهم، اللهم مُنَّ عليهم بعودةٍ إلى هذا الدين تُصلِحُ بها دنياهم وأُخراهم، يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء الإسلام والمسلمين، اللهم لا تِبقِ لهم راية، واجعلهم لغيرهم عبرةً وآية يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.