القريب
كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...
العربية
المؤلف | علي بن يحيى الحدادي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان - أهل السنة والجماعة |
وقع كثير من الناس في البدع والمحدثات في الدين، بسبب الجهل بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة، وبسبب التقليد واتباع سنن أهل الكتاب، ولغير ذلك من الأسباب. ومن أبرز البدع التي تتكرر كل عام بدعة الاحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- في شهر ربيع الأول، ووجه كونها بدعة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحتفل بمولده، ولا الخلفاء الأربعة الراشدون احتفلوا بمولد نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، ولا أهل بيته ولا باقي أصحابه لم يحتفل منهم أحدٌ بمولده -عليه الصلاة والسلام-. وإنما ظهر الاحتفال بالمولد بعد انقراض القرون الثلاثة المفضلة المشهود لها بالخيرية.
الخطبة الأولى:
الحمد لله...
أما بعد:
فإنّ الله بعث محمداً -صلى الله عليه وسلم- هادياً وبشيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، ختم به النبيين، وجعله سيد ولد آدم أجمعين، وافترض على الثقلين من أمته طاعته واتباعه إلى يوم الدين، فأدَّى الرسالة، وبلّغ الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه من ربه اليقين.
وكان أعظم ما دعا إليه وأمر به وحث عليه هو أن يُعبَدَ اللهُ وحده فلا يُشرَك معه في عبادته أحدٌ سواه، كما دعا إلى ذلك النبيون من قبله عليهم الصلاة والسلام كما قال تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: 36].
وكان من أعظم اهتماماته -عليه الصلاة والسلام- الحثّ على لزوم سنته، واتباع هديه، واقتفاء أثره، واجتناب البدع والمحدثات في دين الله –تعالى-، ومن أدل الشواهد على ذلك أنه كان إذا خطب الناس قال في خطبته: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" (رواه مسلم).
وفي لفظ "وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار". يكرر هذا التحذير في خطبه وما أكثرها مع أنه لم تكن في زمنه -عليه الصلاة والسلام- بدع ولا محدثات ولكنه تمام النصح للأمة وكمال الحرص على لزوم السنة.
ومع ذلك فقد وقع كثير من الناس في البدع والمحدثات في الدين، بسبب الجهل بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة، وبسبب التقليد واتباع سنن أهل الكتاب، ولغير ذلك من الأسباب.
ومن أبرز البدع التي تتكرر كل عام بدعة الاحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- في شهر ربيع الأول، ووجه كونها بدعة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحتفل بمولده، ولا الخلفاء الأربعة الراشدون احتفلوا بمولد نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، ولا أهل بيته ولا باقي أصحابه لم يحتفل منهم أحدٌ بمولده -عليه الصلاة والسلام-. وإنما ظهر الاحتفال بالمولد بعد انقراض القرون الثلاثة المفضلة المشهود لها بالخيرية.
فلو كان الاحتفال بمولده خيراً لأمر الله به في كتابه الذي نزله تبياناً لكل شيء، ولو كان الاحتفال بمولده خيراً لحث عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الذي يقول: "إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم" (رواه مسلم).
ولو كان خيراً لسبق إليه أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فهم أعلم الناس بدين الله وأحرص الناس عليه، وهم أشد الناس محبة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد فدوه بأنفسهم وأموالهم وفارقوا لنصرته ديارهم وأوطانهم.
فاتقوا الله عباد الله وتذكروا قول الله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3]، فالدين قد كمُل قبل موت النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن أحدث في الدين ما لم يشرعه الله ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم- فكأنه يقول: إن الدين ليس بكامل، فأنا أتمم نقصه بهذه البدعة المحدثة، والعياذ بالله.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فإن من الناس من يعتذر عن الاحتفالات بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- ببعض المعاذير ومنها على سبيل المثال:
أن الاحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- هو تعبير عن الحب له والفرح به.
والجواب أن المحبة النافعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- هي التي ينشأ عنها طاعته واتباعه، وفعل أوامره واجتناب نواهيه كما قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الابتداع في الدين، فكيف تعصيه وتخالفه وتبتدع لتدلل على حبك له؟!
ومنها أن الاحتفال إنما هو ناشئ عن نية طيبة، وإرادة حسنة؛ كتذكير الناس بسيرته والاجتماع على ذكر الله، ونحو ذلك، وأنها مجالس ذكر ودراسة وسيرة.
والجواب أن القصد الحسن والنية الحسنة وإن أثيب عليها العبد، لكن لا يلزم منها أن كل ما يصدر عنها يكون صواباً مقبولاً عند الله –تعالى-، بل قد ينشأ عنها الظلم والعدوان والبدع والمحدثات، وغير ذلك؛ لأن القصد الحسن قد يتخلف عنه العلم المصحح للأقوال والأعمال .. كما قال ابن مسعود: "كم من مريد للخير لم يصبه!".
فالعمل الصالح يحتاج إلى نية حسنة، وإلى حسن اتباع للنبي -صلى الله عليه وسلم-. فالعمل بلا نية لا ينفع، وكذا النية إذا نتج عنها عمل مخالف للشرع لم يُعتبر ذلك العمل، بل هو عمل مردود على صاحبه كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (متفق عليه).
ثم إن واقع الاحتفالات بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يساعد هذا القول؛ فإنها في الغالب تشتمل على منكرات كثيرة، ومنها الاختلاط والرقص والغناء، وأعظم من ذلك الغلو في النبي -صلى الله عليه وسلم- بجعله ندّاً لله يوصف بما لا يوصف به إلا الله، أو يصرف له شيء من الدعاء والاستغاثة التي لا يجوز صرفها إلا لله تعالى. أو الزعم بحضوره -عليه الصلاة والسلام- لهذه الاحتفالات، وغير ذلك من الخرافات التي يغتر بها كثير من الناس.
ثم إن التذكير بسنته وسيرته لا يصلح أن يخصص له يوم في السنة، بل سنته ينبغي أن تُدرس كل يوم، وأن تُتَّبع في كل حين في العقيدة والعبادة والمعاملات وغيرها من أمر الدين.
ومن الشبهات أن كثيراً من العلماء أفتوا بجواز الاحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- والجواب عن هذه الشبهة أن يقال:
إن الله –تعالى- أمرنا أن نرجع عند الاختلاف والتنازع إلى الكتاب والسنة، وقد رجعنا إلى الكتاب والسنة فلم نجد فيهما أمراً بالاحتفال لا أمر وجوب ولا أمر ندب واستحباب، بل وجدنا فيهما النهي عن البدع والمحدثات.
والعالم مهما بلغ علمه إنما يُؤخَذ منه ما وافق الكتاب والسنة؛ فإذا خالفت فتواه كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- لم نتبعه على الخطأ.
ثم إن قول من أباحها مستدلاً ببعض الشبهات معارَضٌ بفتوى من منعها مستنداً إلى الأدلة المحكمة والحجج القوية التي لا يمكن الجواب عنها بالعلم والحجة بحال.
نسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
معاشر المؤمنين: صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين…