الخالق
كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...
العربية
المؤلف | عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أهل السنة والجماعة |
وإذا كانت النصوص الشرعية تحرِّمُ سَبَّ المسلم، وتحرم قذفه، وتحرم السخرية منه، ولَعْنَه؛ فكيف بإخراجه من دائرة الإسلام؟! فذاك أعظم خطراً وأشدّ؛ ولذا جاءت النصوص من الكتاب والسنة تحرم إطلاق الكفر على المسلم بمجرد الظن والهوى بغير علم وتمنع من ذلك؛ حتى يكون المسلم على بصيرة من دينه، ولا بد أن يُبَيَّنَ للمسلم أضرار التكفير وأخطاره، وضوابطه ..
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعدُ:
فيا أيُّها الناسُ: اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عباد الله: بعث الله محمداً -صلى الله عليه وسلم- ليُخرج به الناس من ظلمات الكفر والشرك إلى نور التوحيد والإيمان، ومن ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم والهدى، قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [المائدة:15-16]، وقال -جل وعلا-: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [آل عمران:164].
فإذا شرُف المرء بالإسلام، ودخل في الإسلام؛ فإنه لا يجوز إخراجه من دائرة الإسلام إلا بحجة قاطعة واضحة كوضوح الشمس رابعةَ النهار، فإن من دخل في الإسلام يقيناً فلا يجوز الحكم عليه بالخروج منه إلا بيقين جازم، لا بالظنون والشكوك، والأوهام والتخرصات، والهوى الذي يحكم به الإنسان لمجرد هواه، من غير بيِّنة من رب العالمين.
أيها المسلم: وإذا كانت النصوص الشرعية تحرِّمُ سَبَّ المسلم، وتحرم قذفه، وتحرم السخرية منه، ولَعْنَه؛ فكيف بإخراجه من دائرة الإسلام؟! فذاك أعظم خطراً وأشدّ؛ ولذا جاءت النصوص من الكتاب والسنة تحرم إطلاق الكفر على المسلم بمجرد الظن والهوى بغير علم وتمنع من ذلك؛ حتى يكون المسلم على بصيرة من دينه، ولا بد أن يُبَيَّنَ للمسلم أضرار التكفير وأخطاره، وضوابطه، وكيفية علاج هذه الظاهرة.
أيها المسلم: إن نصوص الكتاب والسنة جاءت باحترام أعراض المسلمين، واحترام دين المسلمين؛ حتى يكون المسلم على بصيرة من أمره، قال الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [النساء:94]، فنهاهم أن يطلقوا الكفر على من أظهر الإسلام حتى يتبين حقيقة الأمر، فإن مَن أعلن إسلامه وجب علينا قَبول إسلامه، والحكم عليه بالإسلام ظاهراً، إلى أن يأتي ما يناقض ذلك.
وقال -جل وعلا-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [الأحزاب:58]، ورميُه بالكفر من أعظم الأذى والإيلام له، وقال -جل وعلا- محذِّراً لنا أن نحكم على الأمور بلا علم ولا بصيرة: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) [الإسراء:36].
وسنة محمد -صلى الله عليه وسلم- منعت المسلم من إطلاق الكفر بمجرد الهوى والظنون والتخرصات، ففي الصحيحين، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رمى رجل رجلاً بالكفر فقد باء بها أحدهما، فإن لم يكن كذلك فقد رجع عليه"، أي: إذا قلتَ لإنسان يا كافر فإنه يبوء بها إما أنت أو هو! فإن كان ليس كذلك رجع ذلك الإثم عليك، فيخشى عليك بأن تكون كافراً بعد إسلامك.
وعن أبي ذر-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ومن دعا رجلاً بالكفر، أو قال عدو الله، وليس كذلك، إلا حار عليه"، فإذا قلت للإنسان يا كافر أو قلت يا عدو الله وليس كذلك، هو مسلم من أولياء الله، فإن إثم ذلك يرجع إليك، فيُخْشَى عليك -والعياذ بالله- من أن تقع في الإثم العظيم، فإن لفظ عدو الله لا تطلق إلا على من خالَف الإسلام؛ لأن المؤمن -وإن قصر وإن أخل بشيء- لا يستحق أن يقال عنه عدو الله، فإن العدو لله المناوئ لدينه، المبغض لشريعته؛ قل يا عدو نفسك، أو نحو ذلك، واحذر من إطلاق هذا اللفظ بلا روية، فإن ذلك إثم عظيم.
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من رمى رجلا بالكفر أو الفسق وليس كذلك إلا ارتد عليه"، وأخبر أن لعن المؤمن كقتله، وأن تكفيره كقتله؛ فلْيَحْذَر المسلم من ذلك، قال أسامة بن زيد -رضي الله عنه- خرجنا في سرية في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فصبحنا الحرقة من جهينة، فأتيت رجلا فقال: لا إله إلا الله، فطعنته، فكان في نفسي.
فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته فقال: "أبعدَ ما قال لا إله إلا الله قتلتَه؟!"، قلتُ: يا رسول الله! إنما قالها خوفاً من السلاح! قال: "هلَّا شقَقْتَ عن قلبِه، كيف لك بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟"، قال: فما زال يؤنبني حتى تمنيت أني لم أسلم إلا في ذلك اليوم؛ لأنه أنَّبَه على أنه قتل رجلا قال لا إله إلا الله، إذ هذه الكلمة تُوجب عصمة الدم والمال والعرض؛ حتى يتبين ما يناقضها حقيقةً بلا شكوك ولا أوهام.
أيها المسلم: إن للتكفير أخطاراً عظيمة، وتترتَّبُ عليه أمورٌ عظيمة، فقِفْ عند حَدِّك أيها المسلم! ولا تحكم إلا بحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، فإنَّ أثرَ التكفير يضر بالفرد، والجماعة المسلمة، وبالإسلام عموماً، فضرره على الفرد إذا حكمت عليه بالكفر فمعناه أنك حكمت برِدَّتِه، وحكمتَ عليه بالخلود في النار، وفرَّقْتَ بينه وبين امرأته، ولم تجعل له ولاية على أولاده؛ ولا ميراثَ له، ولا صلاةَ عليه، ولا تدفنه في مقابر المسلمين، ولا يجوز التوارث بينه وبين أبنائه وزوجته؛ لأنك حكمت عليه بالكفر، فيترتب على هذا الحكم أمور كثيرة، فكيف ترضاها أيها المسلم بلا دليل ولا روية؟ إن ذلك خطر عظيم؛ ثم إنك إذا واجهته بالكفر من قبل أن تدعوه إلى الله تقنطه من رحمة الله، وتجعله يصر ويعاند ولا يقبل منك ما تدعوه إليه.
وأما ضرره على الجماعة المسلمة فإنه يشتت، الكلمة ويفرق الصف، ويغرس العداوة والبغضاء في النفوس، ويخالف ما دعت الشريعة إليه من التعاون والتآلف والتناصر، وإصلاح الأخطاء، وتقويم ما اعوجَّ من السلوك؛ ويُغلق باب التناصح والدعوة إلى الله بالتي هي أحسن، إذ الداعي إلى الله لا يهمه التكفير، وإنما مبدأه الإصلاح والتأصيل، والترغيب في الإسلام، وبيان محاسنه وفضائله، ودعوة الناس إليه هذا، هو المطلوب منه أولا، أما أن يواجه الناس بالتكفير من قبل أن يبلِّغ حجة الله ويقيم عليهم الحجة فهذا أمر خطير تترتب عليه مفاسد عظيمة.
وأما ضرره على الإسلام عموما فإن هؤلاء الذي يكفِّرون الناس بلا حجة يشوِّهون سمعة الإسلام، ويُظهرون أن دين الإسلام دين الإرهاب، وسفك الدماء، وانتهاك الأعراض، ونهب الأموال، ويشوهون صورة الإسلام بما يحدثونه من هذا؛ إذ هذه الكلمة تسبب لهم عدم احترام الدماء والأموال والأعراض حيث حكموا بالكفر، فرتبوا على هذا الكفر ما يقصدون وما يريدون، وهذا أمر خطير؛ بل هذا مذهب الخوارج الذين حذرنا منهم نبينا -صلى الله عليه وسلم- إذ أخبرنا أننا نحقر صلاتنا عند صلاتهم، وقراءتنا عند قراءتهم، ولكنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.
ولقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَئِن أدركتُهم لأقتلنَّهُم قتل عاد"، يجتهدون في الصلاة والتلاوة والتهجُّد، لكن ضاقت صدورهم من سعة رحمة الله وفضله، فكفَّروا المسلمين بمجرَّد الخطأ، ورتَّبوا على هذا أمورا عظيمة، سلُّوا سيوفهم على أهل الإسلام، وأمسكوها عن أعداء الإسلام، فما رفعت الخوارج راية للإسلام، وما غزت في سبيل الله، ولكن شرهم على أهل الإسلام قديماً وحديثاً.
أيها المسلمون: إن منهج أهل السنة والجماعة المتبعين لكتاب الله وسنة محمد -صلى الله عليه وسلم- منهجهم أنهم لا يكفرون بمجرد المعاصي ما لم يستحل المشرك المعصية، هم ينهون عن الشر، ويحذِّرون من كبائر الذنوب، ولكنهم لا يكفرون بمجرد المعاصي، إنما يحذرون منها، وينهون عنها، ويتوعدون صاحبها، لكنهم لا يكفرون بمجرد الخطأ؛ بل يحترمون المسلمين فلا يكفرونهم، وإن فسَّقُوهم، لكن لا يكفرون بمجرد المعصية.
وأمر آخَر، أن هذا التكفير أمر ليس بأهواء الناس وآرائهم، ولكنه حكم شرعي لا يُستَمَدُّ من رأي الهوى، وإنما هو حكم شرعي دل الكتاب والسنة عليه، فلا يطلق إلا بأحكام الشرع، وله أسباب وموجبات وموانع متى تحققت الأسباب والموجبات وانتفت الموانع، وإلا فالأصل أن تمسك لسانك عن الحكم بما لا تحيط به علما، ولا يتصدر ذلك إلا أهل العلم البصيرين في دين الله، الذين يعلمون ويفهمون ويدركون الأحكام الشرعية؛ حتى تكون أحكامهم أحكاماً مستمدة من كتاب الله لا أحكاماً مبنية على الهوى.
ولا بد من التثبت من القول حتى يكون حكمك على يقين، كما قال الله: (فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات:6]، قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: وعلى المسلم الناصح نفسه ألا يُقدِم على التكفير بمجرد فهمه أو استحسان عقله، من غير أن يبني ذلك على حجة، فإنه يكون بذلك مخطئاً ومخالفاً للمنهج القويم.
أيها المسلم: كيف نعالج هذه الظاهرة؟ ظاهرة التكفير التي يتبناها بعض من قصُر علمه وقصر فهمه، وإن كان فيه خير وصلاح! لكن قصور العلم وقلة الإدراك قد توقعهم في هذه المصائب، قد يكون الحال غَيرة لله، ولكن الغيرة التي لا تقوم على دليل قد تكون أمراً خطيراً، فعلاج هذه الظاهرة توعية المجتمع المسلم سواء كانوا من المعلمين والمعلمات وخطباء المساجد، أو من وسائل الإعلام المختلفة، أن نوضح لهم خطر هذا المنهج، وضرره، ومساوئه، ومفاسده في الحاضر والمستقبل.
وأن تكون التوعية والتربية الصالحة على الخير لا على هذا الأمر الخطير؛ لنكون على بصيرةٍ من أمرنا، وأن نعالج الأفراد الذين وقعوا فيما وقعوا فيه، بأن نزيل عنهم الشبهة والغشاوة التي طرأت عليهم، ونوضح لهم الحق، وأنَّ الداعي إلى الله يكون همه وغايته إقامة الحجة والدعوة إلى الله، والترغيب في الإسلام، وهذا هو المطلوب منه، وأما التكفير فله شأن آخر.
فمعالجة العموم بالتوعية الصادقة، والنصيحة الهادفة؛ والأفراد بمناقشة كل فرد، وإزالة كل شبهة علقت بذهنه؛ حتى يكون على بصيرة من أمره. فكم من أناس انخدعوا واغتروا بدعاة ضلال وفساد ظنوا أنهم على خير وأنهم محقون! ولكنهم في بعض الأمر مسيئون لهم فساءت أفهامهم، وقَلَّ إدراكهم، فلا بد من معالجة الأفراد بالتوجيه، وإقامة الحجة، وإزالة كل الغشاوة التي علقت بأذهانهم.
أيها المسلمون: إن المؤمن حقاً يكون همُّهُ وغايتُه الدعوةَ إلى الله، وتبيينَ محاسنِ الإسلام وفضائله، وترغيب الناس فيه، ودعوتهم إليه؛ بأن يكون عاملاً بما يدعو إليه سابقاً الناس بالعمل بما يدعوهم إليه، فيكون قدوة صالحة، فإذا كان كذلك يرجى له بتوفيق الله أن يبارِكَ الله في مساعيه في الدعوة إلى الله، وإصلاح الخلق، وإنقاذهم من مخالفة الشرع، لا أن نجعل التكفير والتبديع والتفسيق شعاراً لنا من غير أن نقدم المنهج الصحيح، من غير أن ندعو إلى المنهج الصحيح، من غير أن نقيم الحجة، من غير أن نتصل بالناس، من غير أن نوضح لهم الحق.
إنه لا يجوز أن أحكم على نفسي بحكم وأرى الآخرين على باطل من غير أن أقدم لهم النصيحة الهادفة، والدعوة الصادقة التي أنقذهم بها من ظلمات الجهل إلى نور العلم والهدى، نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله: وإذ سمعنا التحذير من تكفير المسلمين والتحذير من الحكم عليهم بالكفر فليس هذا تمييعا للقضايا، ولا تساهلا، ولا إغلاقَ باب الردة، ولا السكوتَ عمَّن تكلم بالكفر وقاله؛ ولكن المهم أن تكون الأحكام منطلقة من مبدأ صحيح من كتاب ربنا، وسنة رسولنا -صلى الله عليه وسلم-.
إن المسلم يعرف أن هناك أشخاصاً قد وقعوا في الأخطاء بتأويل وشبهات عرضت لهم، وأمور ابتُلوا بها، فهم بأمس الحاجة إلى أن تزول عنهم الشبهة، وأن يُخلَّصوا من هذه الشبهة والتأويل الخاطئ؛ ليكونوا على بصيرة من أمرهم، فكم من عمل هو في حد ذاته كفر ولكن العامل به قد لا يكون كافراً، قد يكون متأولاً عرضت له شبهة أو أمورٌ ما أدركها وتصوَّرها، فنحن مسؤولون عن تقويم الأخطاء، وإصلاح الأخطاء، ولا يهمنا ذلك الإنسان؛ لأن همنا إصلاح الأخطاء، وتقويم ما اعوجَّ من السلوك.
فإذا بينَّا الحق، وأوضحنا الحق، فإن من خالَف ذلك الحقَّ فالحكم عليه بأحكام الشرع؛ لأن الإسلام جاء بالدعوة إلى الخير، والتحذير من الشر، وبيان أسباب الخير، وأسباب الانحراف عن الهدى، فعلى المسلمين جميعاً تقوى الله بأنفسهم، والتمسك بهذا الدين، والعمل به، والثبات عليه، ودعوة الخلق إليه بالتي هي أحسن، قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125].
قضية التكفير كم فرَّقَت الأمَّةَ في القرون الخالية! كم زلَّت بها أقدام ما كانت لِتَزِلَّ، وضلَّت بها أفهام ما كانت لتضِلَّ، وذلك بالتباس الأمر على بعض الناس؛ حتى ظن الكفر فيما ليس بكفر، والتبس الأمر، وترتب على سوء الظن أمور خطيرة، فَلْنَتَّقِ الله في أنفسنا، ولْنُحاسِبْ أنفسَنا فيما نقول من الأقوال؛ فإن الأقوال السيئة تُضعِف إيماننا.
إذا قلتُ لشخصٍ: يا عدو الله! فمعناه أني حكمت عليه بأنه يبغض الله، ويحارب دينه! وقد لا يكون كذلك، فاحذر -أيها المسلم- من فلَتات اللسان بالأقوال التي تُحْسَبُ عليك، وتُخِلُّ بِدِينِكَ. أسأل اللهَ أنْ يُوَفِّقَ الجميعَ لما يحبه ويرضاه.
واعلموا -رحمكم اللهُ- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعة ضلالةٌ؛ وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذّ شذَّ في النار، وصَلُّوا على نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- امتثالاً لأمر ربكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ؛ وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين؛ وعنَّا معهم، بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانك، يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلح وُلاةَ أمرِنا، ووفِّقْهُم لما فيه صلاح الإسلامِ والمُسلمين.
اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدَ الله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللهم كن له عوناً ونصيراً، اللهم أمدَّهُ بالقوة والسلامة والصحة والعافية، إنك على كل شيء قدير.
اللهم وفِّقْ وليَّ عهده سلطانَ بنَ عبدِ العزيز لكلِّ خيرٍ، وَأَعِنْهُ على كُلِّ خَير؛ اللهم وفِّق النائب الثاني وأعِنْه على مسؤوليته، اللهم اجعلهم قادة خير، ودعاة هدى، إنك على كل شيء قدير.
اللهم وفق المسلمين أجمعين لما تحبه وترضاه، اللهم احقن دماءهم، واحم أعراضهم، وصُنْ بلادهم، ودُلَّهُم على ما فيه خير لهم، في حاضرهم ومستقبلهم، واكفهم شَرَّ أعدائهم، وشَرَّ نُفُوسِهم، إنك على كل شيء قدير.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِن الخَاسِرِينَ) [الأعراف:23].
اللهم أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِلْ علينا الغيثَ، واجعل ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتك، وبلاغاً إلى حين؛ اللَّهمَّ أغِثْنَا، اللّهمَّ أغثنا، اللهمَّ أغثنا، اللهم سُقْيا رحمة لا سقيا بلاء ولا هدم ولا غرق، إنك على كل شيء قدير، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذابَ النَّارِ) [البقرة:201].
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكرْكم، واشكروه على عُموم نعمه يزدْكم، ولذكرُ الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون.