البحث

عبارات مقترحة:

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

المهيمن

كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

المظاهرات والتخريب

العربية

المؤلف ماجد بلال
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. الفضل الكبير لإبعاد الأذى عن خَلْق الله .
  2. أسس الشريعة في احترام الطرقات وتحريم الإيذاء .
  3. مقارنة بين الشباب العابث والشباب البنَّاء المُخلِص .
  4. من مظاهر استهتار الشباب العابث .
  5. فتوى العلماء بتحريم المظاهرات .
  6. حفظ نِعَم الله بشكره وطاعته وعدم الإفساد .
  7. الأخذ على أيدي السفهاء بالحق .

اقتباس

إنَّ هذا التصرُّفَ من هؤلاء الشباب لَهُوَ نوع من التَّفَلُّتِ مِن أَحكَامِ الشَّرعِ، وَالتَّحَلُّلِ مِن قُيُودِ الأَنظِمَةِ، وَمُخَالَفَةِ القَوَانِينِ العَامَّةِ، وَالخُرُوجِ عَلَى الآدَابِ المُتَّبَعَةِ، وَإنه لنوع من العَبَثِ وَالتَّخرِيبِ. وقد أفتى العلماء في هذا البلد بتحريم المظاهرات لما يحصل بها من التخريب والإفساد. وإنَّ ما يفعل شبابنا اليوم لَهُوَ نوعٌ من المظاهرات، خاصة وأن الحكومة -مشكورة- قد خصصت أماكن خاصة لإظهار البهجة والاحتفال ..

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ، فَقَالَ: وَاللهِ لَأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ؛ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ" رواه مسلم. نِيَّتُه الصالحةُ بعدم أذيته للمسلمين أدخلته الجنة بفضل الله.

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ" رواه البخاري. آذَتْ هِرَّةً فدخلت النار، فكيف بمن يؤذي المسلمين؟.

وكيف ببعض شبابنا -هداهم الله- وما يفعلونه اليوم من مظاهراتٍ، وتفحيط، وتلاعب بالأرواح، وتكسير للسيارات، وتخريب للممتلكات، ورفع للأصوات والأغاني، وتراقص في الشوارع، وإغلاق للطرقات، ونهب للمحلات، وإيذاء للمسلمين والمسلمات، بهمزٍ ونبزٍ وتَطَفُّلٍ وَمُلاحَقَةٍ لِلنِّسَاءِ، وضرب للمارة والعمالة؟.

هذا، وقد أسست الشريعة الإسلامية أسساً عظيمة في احترام الطرقات وتحريم أذية المسلم وحرمته. فأما حقوق الطرقات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ" رواه مسلم.

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ!"، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا. قَالَ: "فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا". قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: "غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ" رواه البخاري.

وعن حذيفة بن أسيد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم" رواه الطبراني وصححه الألباني.

وعن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ". قال بعض أهل العلم: منه تغيير بعض اللافتات التي ترشد الناس طريقهم، والكتابة عليها. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وأما عن تحريم أذية المسلمين، فيقول الله -تبارك تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب:58]. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ" رواه مسلم.

وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ: "أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟" قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟" قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟"، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: "أَلَيْسَ ذُو الحَجَّةِ؟"، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟" قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ "أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الحَرَامِ؟" قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟" قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ" رواه البخاري.

وعن أبي هريرة -رضِي اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟". قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ. فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة بِصَلَاة وَصِيَام وَزَكَاة وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا. وَأَكَلَ مَالَ هَذَا. وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرح فِي النَّار" رواه مسلم.

وأما ما يفعله بعض الشباب من التراقص في الشوارع، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالَ: "أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ" رواه البخاري. أين هم من أسود الصحابة؟ ولقد جهَّز النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جيشا للشام وسلم قيادته لأسامة بن زيد، وكانت سنُّهُ آنذاك ست عشرة سنة، وفي الجيش كبار الصحابه: أبو بكر وعمر!.

أين هم من ابن مسعود؟ إذ يقول -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ شَبَابٌ. أين شبابنا اليوم من ابن عمر الذي اشترك في غزوة الخندق وقد كان عمره خمس عشرة سنة؟ أين هم من عمير بن أبي وقاص في غزوة بدر؟ استصغره النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فبكى عمير، فأجازه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وما في وجه عمير شعرة واحدة؟.

لا تذهب بعيداً، هل يستوي هذا الصنف مع جنودنا المرابطين على الثغور؟ أولئك الجنود المُخلِصُونَ، الجنود الَّذِينَ استَلَذَّوا في سَبِيلِ حماية الوطن وأمنه الغبار والهجير، استَعذَبُوا الجوع والألم، شَرَّقُوا وَغَرَّبُوا، تركوا أهليهم وبيوتهم يُقَارِعُونَ المتربصين، وَيُصَارِعُونَ المَوتَ، مُدَافِعِينَ عَن حِمَاكَ، ذَائِدِينَ عَن حُدُودِكَ، تَلفَحُ وُجُوهَهُم سَموم الصَّحرَاءِ، وَيُحرِقُ أَجسَادَهُم تُوَقَّدُ الرَّمضَاءِ، ثُمَّ مَضَى كَثِيرٌ مِنهُم في سبيل الله ولقي ربه مفلحا شهيدا بإذن الله.

هَل يستوي أولئك بهؤلاء الشباب الذين اتخذوا الأمر لَهوًا وَلَعِبًا، وَغَفَلَةً، وَتَروِيعًا لِلآمِنِينَ، وَإِزعَاجًا لِلسَّاكِنِينَ، وَتَخرِيبًا لِلمُقَدَّرَاتِ، وَاعتِدَاءً عَلَى المُمتَلَكَاتِ، وَسَرِقَةً وَسَطوًا وَنَهبا؟ (هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النحل:75].

ليس من البطولة أذية المسلمين والتطاول عليهم، فلقد وصف الله المؤمنين بأنهم أذلَّة على المؤمنين، متعاطفين على بعضهم البعض، أعزة على الكافرين في ساحات الوغى والقتال. إن هذا التصرف من هؤلاء الشباب لهو نوع من التَّفَلُّتِ مِن أَحكَامِ الشَّرعِ، وَالتَّحَلُّلِ مِن قُيُودِ الأَنظِمَةِ، وَمُخَالَفَةِ القَوَانِينِ العَامَّةِ، وَالخُرُوجِ عَلَى الآدَابِ المُتَّبَعَةِ، وَإنه لنوع من العَبَثِ وَالتَّخرِيبِ.

وقد أفتى العلماء في هذا البلد بتحريم المظاهرات لما يحصل بها من التخريب والإفساد. وأن ما يفعل شبابنا اليوم لَهُوَ نوعٌ من المظاهرات.

عباد الله: إِنَّ اللهَ لم يُسَخِّر لِعِبَادِهِ النِّعَمَ إِلاَّ لِيَشكُرُوا، قَالَ -سُبحَانَهُ-: (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمعَ وَالأَبصارَ وَالأَفئِدَةَ لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ) [النحل:78]، وَقَالَ -تَعَالى-: (كَذَلِكَ سَخَّرنَاهَا لَكُم لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ) [الحج:36].

وَعَن أَبي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " يَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يَومَ القِيَامَةِ: "يَا ابنَ آدَمَ، حَمَلتُكَ عَلَى الخَيلِ وَالإِبِلِ، وَزَوَّجتُكَ النِّسَاءَ، وَجَعَلتُكَ تَربَعُ وَتَرأَسُ، فَأَينَ شُكرُ ذَلِكَ؟".

إِنَّ حَقًّا عَلَى العِبَادِ أَن يُوقِنُوا أَنَّ مَا أَعطَاهُمُ اللهُ إِنَّمَا هُوَ ابتِلاءٌ وَامتِحَانٌ، وَأَنَّهُ لا بُدَّ لَهُم مِن أَن يَشكُرُوا فَيُؤجَرُوا، قَالَ -سُبحَانَهُ- عَن نَبِيِّهِ سُلَيمَانَ -عَلَيهِ السَّلامُ-: (قَالَ هَذَا مِن فَضلِ رَبِّي لِيَبلُوَني أَأَشكُرُ أَم أَكفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشكُرُ لِنَفسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنيٌّ كَرِيمٌ) [النمل:40]، (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَريَةً كَانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتِيَهَا رِزقُهَا رَغَدًا مِن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بما كَانُوا يَصنَعُونَ) [النحل:112].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ نِعَمَ اللهِ تُحِيطُ بِنا في هَذِهِ البِلادِ مِن كُلِّ جَانِبٍ، وَالآلاءُ تَحُفُّ بِنا مِن كُلِّ نَاحِيَةٍ، نراها تَهطُلُ دَفَّاقَةً مِن فَوقِنا، وَتَنبُعُ ثَرَّةً مِن تَحتِ أَرجُلِنا، وَتَرِدُ إِلَينا مِن يَمِينٍ وَشِمَالٍ، وَتُصَبِّحُنا وَتُمَسِّينا جَوًّا وَبَرًّا وَبَحرًّا، نتَقَلَّبُ فِيهَا قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِنا، قَد أَحدَثَ اللهُ لَنا مِنَ النِّعَمِ مَا لم يَكُنْ لأَسلافِنا، وَزَادَ لَنا في الفَضلِ بِمَا حُرِمَهُ السَّابِقُونَ، وكبار السن من السامعين يشهدون، أَمنٌ وَإِيمَانٌ، وَرَاحَةٌ وَاطمِئنَانٌ، وَسَكِينَةٌ وَرِضًا وَصَلاحٌ، وَشِبَعٌ وَرِيٌّ وَرَاحَةُ بَالٍ، وَقَبلَ ذَلِكَ وَبَعدَهُ صِحَّةٌ في الأَبدَانِ، وَسَلامَةُ في العُقُولٍ، وَعَافِيَةٌ مِنَ البَلاءِ، وَهُدُوءٌ وَاستِقرَارٌ، في نِعَمٍ لَو تَأَمَّلَهَا مُتَأَمِّلٌ وَعَدَّهَا، ثُمَّ تَخَيَّلَ لَو أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا أَو مُلحِدًا، أَو يَعِيشُ في خَوفٍ وَقَلَقٍ، أَو يَبِيتُ لَيلَهُ مُتَقَلِّبًا من سَقَمٍ وَعِلَّةٍ، لَكَدَّرَ عَلَيهِ ذَلِكَ التَّخَيُّلُ صَفوَهُ؛ فَكَيفَ لَو عَاشَهُ حَقِيقَةً وَوَاقِعًا؟.

وَإِنَّ هَذَا الغَلاءَ الَّذِي ظَهَرَ فِينَا، وَذَلِكُمُ القَحطَ الَّذِي انتَشَرَ في بِلادِنَا، وَتِلكُمُ الشَّحنَاءَ الَّتي أُلقِيَت في القُلُوبِ، وَقِلَّةَ البَرَكَاتِ مَعَ كَثرَةِ الأَموَالِ.. إِنَّهَا لَنَذِيرُ خَطَرٍ، وَمُذَكِّرةٌ لَنَا بِوُجُوبِ الرُّجُوعِ وَضَرُورَةِ التَّوبَةِ إِلى اللهِ مِمَّا بَدَا عَلَينَا مِن تَقصِيرٍ في شُكرِ نِعمَهِ، وَاستِغلالٍ لها فِيمَا يُغضِبُهُ وَيُخَالِفُ أَمرَهُ، وَتَبدِيدٍ لها في تَكَاثُرٍ وَمُفَاخَرَاتٍ.

وَإِنَّهُ، وإِنْ كَانَ لا يَستَطعِمُ الرَّخَاءَ إِلاَّ مَن ذَاقَ البُؤسَ، وَلا يُدرِكُ حَلاوةَ الغِنى إِلاَّ مَن قَرَصَهُ الفَقرُ، وَلا يُقَدِّرُ النِّعَمَ إِلاَّ مَن أَبكَتهُ النِّقَمُ، غَيرَ أَنَّ مَن أَعطَاهُ اللهُ عَقلاً مِنَ الشَّبَابِ، وَمَنَّ عَلَيهِ بِقُوَّةِ المُلاحَظَةِ وَدِقَّةِ التَّميِيزِ، لا ينتظر حتى يغير عليه؛ بل السعيد من اتعظ بغيره.

ألا ترى ما يدور حولك في بلدان مجاورة فتحمد ربك على النعمة؟ حكى أجدادنا أنهم كانوا يهاجرون إلى بُلدانٍ مجاورةٍ كانت غنية، وترسِل الصدقات إلينا، ثم دار الزمن، وانقلبت النعمة، وتغير الحال، وصار العكس، والله المستعان.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزقًا لَكُم وَسَخَّرَ لَكُمُ الفُلكَ لِتَجرِيَ في البَحرِ بِأَمرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمسَ وَالقَمَرَ دَائِبَينِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِن كُلِّ مَا سَأَلتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعمَةَ اللهِ لا تُحصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:32-34].

(أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ * وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [القصص:57-60].

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال:53].

لك الحمد يا رب العزة والجلال، اللَّهُمَّ إِنِّا نعُوذُ بِكَ من كفر نعمتِك َوزوالها، وَمِنْ تَحَوَّلِ عَافِيَتِكَ، وَمِنْ فَجْأَةِ نِقْمَتِكَ، وَمِنْ جَمِيعِ سَخَطِكَ وغضبك، ومن أليم َعِقَابِكَ.

الخطبة الثانية:

إن الشاب الصالح َلا يُخَالِفُ وَلا يَعصِي، وَلا يُحدِثُ بَلبَلَةً وَلا يَبعَثُ فَوضَى، وَلا يُفسِدُ صَالِحًا وَلا يُخَرِّبُ عَامِرًا، بل هو مُحَافَظَ عَلَى مُقَدَّرَاتِ الوَطَنِ.

أيها الأب المبارك: امنع ابنك قدر استطاعتك من الخروج في هذه الفوضى حتى لا يحصل ما أنت في غنى عنه، كم من ابن خرج في جموع التجمهر ولم يعد أو عاد كسيرا أو معاقا، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم! امنعه حتى لا تكون شريكا له في الاثم: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا) [النساء:5].

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟ قَالَ: "تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ" رواه مسلم.

أَلا فَمَا أَحرَانَا أَن نَتَّقِيَ اللهَ وَنَعمَلَ بِطَاعَتِهِ! شُكرًا لَهُ وَاعتِرَافًا بِفَضلِهِ، وَأَن نُقِيمَ السُّنَنَ، وَنُضَاعِفَ القُرُبَاتِ، وَنَرفُضَ البِدَعَ، وَنُحَارِبَ المُحدَثَاتِ، وَأَن نَحذَرَ مِن كُفرِ نِعَمِهِ بِالعُكُوفِ عَلَى مَا لا يَرضَاهُ؛ وَأَن نَتَعَاوَنَ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى وَنَتَنَاهَى عَنِ الإِثمِ وَالعُدوَانِ، ذَلِكُم أَنَّنَا في مُجتَمَعٍ وَاحِدٍ هُوَ كَالسَّفِينَةِ، وَالحَيَاةُ بَحرٌ مُتَلاطِمُ الأَموَاجِ، وَأَيُّ خَرقٍ لِهَذِهِ السَّفِينَةِ مِن أَيٍّ مِن رُكَّابِهَا، فَإِنَّمَا هُوَ إِيذَانٌ بِغَرَقِهَا وَلَو بَعدَ حِينٍ، أَلا فَلْنَلزَمِ الشُّكرَ فَإِنَّهُ قَيدُ النِّعمِ، وَضَمَانَةُ بَقَائِهَا، وَسَبَبُ ازدِيَادِهَا.

لِنَتَّقِ اللهَ فِيمَا رَزَقَنَا، وَلْنُحافِظْ على مَا وَهَبَنَا، لِنَأمُرْ بِالمَعرُوفِ، وَلْنَنهَ عَنِ المُنكَرِ، وَلْنَأخُذْ عَلَى أَيدِي سُفَهَائِنَا بِالحَقِّ، وَلْنَأطِرْهُم عَلَيهِ أَطرًا، فَإِنَّهُ لَيسَ بَينَنَا وَبينَ اللهِ نسب ولا حسب، "ومَن بطَّأَ به عمله لم يسرع به نسبه"، "إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم"، (مَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ) [النحل:97]، يقول الله: "يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ" صحيح مسلم.

وَحَقِيقَةُ الشُّكرِ هِيَ الاعتِرَافُ بِالفَضلِ وَالنِّعَمِ بَاطِنًا، وَذِكرُهَا، وَالتَّحَدُّثُ بها ظَاهِرًا، وَصَرَفُهَا فِيمَا يُحِبُّ اللهُ وَيَرضَى (وَأَمَّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى:11]، (اِعمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكرًا وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ:13]، (وَاشكُرُوا للهِ إِنْ كُنتُم إِيَّاهُ تَعبُدُونَ) [البقرة:172].

عباد الله صَلُّوا...