البحث

عبارات مقترحة:

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

العظيم

كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...

الجواد

كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...

وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض

العربية

المؤلف عبد الله بن محمد البصري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. فرح المؤمن لما ينفع المسلمين وكرهه لما يضرهم .
  2. ضعف أي عمل يهدم الإسلام وأن مآله المحق .
  3. أهمية التحرك العملي وتوحيد الجهود ولمّ الصف .
  4. أثر التغريب في القضاء على القيم والمبادئ الإسلامية .
  5. أهمية بذل المال في دعم المؤسسات الخيرية .
  6. القرآن هو سبيل الإصلاح .
  7. الحث على دعم حلقات تحفيظ القرآن .
اهداف الخطبة
  1. التحذير من الفكر التغريبي
  2. توضيح دور المؤسسات في مواجهة التغريب
  3. الترغيب في دعم الحلقات القرآنية

اقتباس

إِنَّ ممَّا يَبعَثُ الخَوفَ في نَفسِ الغَيُورِ وَيُقلِقُ رَاحَتَهُ، وَيُكَدِّرُ عَيشَهُ، وَيَزِيدُ مِن مَسؤُولِيَّتِهِ تِجَاهَ أُمَّتِهِ وَمُجتَمَعِهِ، مَا يَرَاهُ مِن تِلكَ الأَموَاجِ المُتَلاطِمَةِ, وَذَلِكَ الزَّبَدِ المُتَطَايِرِ هُنَا وَهُنَاكَ، ممَّا تَقذِفُهُ بِحَارُ التَّغرِيبِ القَذِرَةِ النَّتِنَةُ، الَّتي فُتِحَت عَلَى بِلادِنَا بِقُوَّةٍ؛ لِتَلتَهِمَ كَثِيرًا مِنَ المَبَادِئِ وَالقِيَمِ الإِسلامِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّ المُؤمِنَ يَرَى أَنَّ هَذَا الجُهدَ التَّغرِيبِيَّ الشَّيطَانيَّ لَن يَعدُوَ قَدرَهُ، خَاصَّةً إِذَا قَابَلَهُ جُهدٌ إِصلاحِيٌّ رَبَّانيٌّ..

 

 

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا جُزءٌ مِن هَذَا المُجتَمَعِ لا يَنفَكُّ عَنهُ، وَلَبِنَةٌ مِن لَبِنَاتِ بُنيَانِهِ الَّتي لا يَقُومُ إِلاَّ عَلَيهَا، وَهُوَ عُضوٌ مِن أَعضَاءِ هَذَا الجَسَدِ الوَاحِدِ، يَرتَاحُ لِرَاحَتِهِ وَتُؤنِسُهُ قُوَّتُهُ، وَيَألَمُ لأَلَمِهِ وَتُوجِعُهُ نَكبَتُهُ.

وَالمُؤمِنُ يَهتَمُّ لأَمرِ إِخوَانِهِ وَيَعنِيهِ شَأنُهُم، يَفرَحُ لما يُفرِحُهُم وَيُبهِجُهُ ما يَسُرُّهُم، وَيَحزَنُ لِحُزنِهِم ويَعُزُّ عَلَيهِ مَا يُعنِتُهُم، وَهُوَ يَعُدُّ كُلَّ صَلاحٍ لهم صَلاحًا لأَمرِهِ، وَيَرَى كُلَّ فَسَادٍ فِيهِم فَسَادًا لِشَأنِهِ.

وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ لا يُمكِنُ أَن يَعِيشَ في حِيَاتِهِ بَارِدَ القَلبِ, مُغمِضَ العَينَينِ, مَكتُوفَ اليَدَينِ، لا يَأمُرُ بِمَعرُوفٍ وَلا يَنهَى عَن مُنكَرٍ، وَلا يَدعُو لِخَيرٍ وَلا يَمنَعُ مِن شَرٍّ، وَلا يَدعَمُ إِصلاحًا, وَلا يُحَارِبُ إِفسَادًا، بَلْ لا تَرَاهُ إِلاَّ آمِرًا بِالمَعرُوفِ نَاهِيًا عَنِ المُنكَرِ، دَاعِيًا إِلى اللهِ مُصلِحًا، مُتَعَاوِنًا مَعَ إِخوَانِهِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى، مُحِبًّا لهم مِنَ الخَيرِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفسِهِ، قَائِمًا فِيهِم بِأَمرِ اللهِ وَشَرعِهِ، مُبتَغِيًا مَا عِندَهُ مِن أَجرٍ وَثَوَابٍ.

أَلا وَإِنَّ ممَّا يَبعَثُ الخَوفَ في نَفسِ الغَيُورِ وَيُقلِقُ رَاحَتَهُ، وَيُكَدِّرُ عَيشَهُ وَيَذهَبُ بِلَذَّةِ حَيَاتِهِ، وَيَزِيدُ مِن مَسؤُولِيَّتِهِ تِجَاهَ أُمَّتِهِ وَمُجتَمَعِهِ، مَا يَرَاهُ مِن تِلكَ الأَموَاجِ المُتَلاطِمَةِ, وَذَلِكَ الزَّبَدِ المُتَطَايِرِ هُنَا وَهُنَاكَ، ممَّا تَقذِفُهُ بِحَارُ التَّغرِيبِ القَذِرَةِ النَّتِنَةُ، الَّتي فُتِحَت عَلَى بِلادِنَا بِقُوَّةٍ؛ لِتَلتَهِمَ بِشَرَاهَةٍ عَجِيبَةٍ كَثِيرًا مِنَ المَبَادِئِ وَالقِيَمِ الإِسلامِيَّةِ الشَّرعِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّ المُؤمِنَ- وَثِقَةً بِوَعدِ رَبِّهِ وَيَقِينًا بِنَصرِهِ لِمَن نَصَرَهُ- يَرَى أَنَّ هَذَا الجُهدَ التَّغرِيبِيَّ الشَّيطَانيَّ لَن يَعدُوَ قَدرَهُ، خَاصَّةً إِذَا قَابَلَهُ جُهدٌ إِصلاحِيٌّ رَبَّانيٌّ، يَتَّقِي المُؤمِنُونَ فِيهِ رَبَّهُم، وَيَبذُلُونَ مِن أَنفُسِهِم وَأَموَالِهِم، وَيَصدَعُونَ بِالحَقِّ مُخلِصِينَ للهِ الحَقِّ؛ قَالَ سُبحَانَهُ: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمكُثُ في الأَرضِ)[الرعد:17]، وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: (وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)[الإسراء:81], وَقَالَ تَعَالى: (بَلْ نَقذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ)، وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ).

 

إِنَّ الدِّينَ نُورُ اللهِ، وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلا بُدَّ، وَمَهمَا حَاوَلَ الأَعدَاءُ في الخَارِجِ وَالمُدَاهِنِينَ لهم في الدَّاخِلِ أَن يَضَعُوا لِوَاءً رَفَعَهُ اللهُ، أَو يُنَكِّسُوا عَلَمًا نَصَبَهُ اللهُ، أَو يَهدِمُوا بِنَاءً شَادَهُ أَو يَقتَلِعُوا جِبَالاً أَرسَاهَا، أَو يَطمِسُوا شموسًا أَنَارَهَا, أو يُهبِطُوا كَوَاكِبَ أَعلاهَا، فَلَن يَصِلُوا إِلى مَا أَرَادُوا.

وَمَا مُحَاوَلاتُهُم اليَائِسَةُ البَائِسَةُ لِلقَضَاءِ عَلَى الإِسلامِ إِلاَّ نَفخٌ مِن أَفوَاهٍ ضَعِيفَةٍ، لا تَعدُو أَن تَكُونَ أَذًى لأَهلِهِ: (يُرِيدُونَ لِيُطفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفوَاهِهِم وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ).

وَلَكِنْ، وَلأَنَّ اللهَ قَد رَبَطَ المُسَبَّبَاتِ بِأَسبَابِهَا, وَدَلَّ عَلَى النَّتَائِجِ بِمُقَدِّمَاتِهَا، فَإِنَّهُ لا صَلاحَ بِغَيرِ إِصلاحٍ، وَلا هِدَايَةَ دُونَ دَعوَةٍ، وَلا استِقَامَةَ دُونَ أَمرٍ وَنَهيٍ، وَلا غَلَبَةَ إِلاَّ بِبَذلٍ وَتَضحِيَةٍ، وَمِن ثَمَّ فَلا بُدَّ مِنَ التَّحَرُّكِ العَمَلِيِّ لإِنقَاذِ المُجتَمَعِ ممَّا يُرَادُ بِهِ، وَالسَّيرِ الجَادِّ في صَفٍّ وَاحِدٍ لِوَقفِ هَذَا الزَّحفِ المَاكِرِ, وَإِبطَالِ ذَلِكَ الكَيدِ الفَاجِرِ، الَّذِي يَجرِي لِلإِفسَادِ بِوَتِيرَةٍ مُتَسَارِعَةٍ يَومًا بَعدَ يَومٍ.

وَإِنَّ ممَّا ظَهَرَ وَانجَلَى وَلم يَعُدْ خَافِيًا عَلَى أَهلِ البَصِيرَةِ، ذَلِكُمُ التَّزامُنُ المَقصُودُ لِهَذِهِ الهَجَمَاتِ التَّغرِيبِيَّةِ الشَّيطَانِيَّةِ، مَعَ المُحَاوَلاتِ المُستَمِيتَةِ لإِضعَافِ الأَعمَالِ الخَيرِيَّةِ، وَتَحجِيمِ جُهُودِ المُؤَسَّسَاتِ الإِصلاحِيَّةِ، وَالوُقُوفِ في وُجُوهِ أَهلِ الخَيرِ وَمُحَارَبَتِهِم، وَوَصمِهِم مِن قِبَلِ أَعدَائِهِم بما هُم مِنهُ أَبرِيَاءُ، وَإِلصَاقِ التُّهَمِ بهم دُونَ دَلِيلٍ أَو بَيِّنَةٍ؛ كُلَّ ذَلِكَ قَصدًا لِتَفرِيقِ الكَلِمَةِ وَخَلخَلَةِ الصَّفِّ، وَبَذرًا لِلتَّنَازُعِ وَالتَّضَادِّ وَاختِلافِ الكَلِمَةِ، وَمِن ثَمَّ يَكُونُ الإِخفَاقُ وَالفَشلُ وَالسُّقُوطُ، ممَّا يَستَدعِي عَودَةَ المُسلِمِينَ إِلى مُؤَسَّسَاتِهِمُ الخَيرِيَّةِ لإِنهَاضِهَا مِن كَبَوَاتِهَا، وَالمُنَادَاةَ بِصَوتٍ عَالٍ لإِيقَاظِهَا مِن غَفَلاتِهَا.

إِنَّهُ لا بُدَّ مِن إِعلانِهَا صَرِيحَةً وَمِن بَابِ النَّصِيحَةِ، لا بُدَّ مِن رَفعِ الصَّوتِ وَالمُنَادَاةِ بِوُضُوحٍ: يَا أُمَّتَنَا وَيَا مُجتَمَعَنَا، يَا آبَاءَنَا وَيَا إِخوَانَنَا، يَا كُلَّ مَن تَجرِي دِمَاءُ الغَيرَةِ عَلَى دِينِهِ في عُرُوقِهِ، يَا كُلَّ مَن لَهُ حِسٌّ وَفِيهِ بَقِيَّةٌ مِن حَيَاةٍ، إِنَّ أَبنَاءَكُم وَبَنَاتِكُم مَعَ مَن عَزَّ وَغَلَبَ؛ فَإِمَّا أَن يَنجَحَ أَهلُ الخَيرِ في اجتِذَابِهِم وَالتَّأثِيرِ فِيهِم بما يُقَدِّمُونَهُ مِن بَرَامِجَ تُوَاكِبُ مُتَغَيِّرَاتِ الحَيَاةِ وَيَشعُرُونَ بِنَفعِهَا وَفَائِدَتَهَا، وَإِمَّا أَن يُسلَمُوا لأَهلِ الشَّرِّ فَيَقُودُوهُم لما لا يُرضِي اللهَ، وَيوقِعُوهُم فِيمَا لا تُحمَدُ عُقبَاهُ؛ فَمَاذَا أَنتُمُ فَاعِلُونَ لإِنقَاذِ أَبنَائِكُم وَبَنَاتِكُم مِن بَرَاثِنِ أَهلِ الشَّرِّ وَالفَسَادِ ؟!
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ مُؤَسَّسَاتِ الخَيرِ تَشكُو إِلى اللهِ عَجزَ العَامِلِينَ وَقِلَّةَ الدَّاعِمِينَ؛ فَأَينَ مَن يَرفَعُ لِوَاءَ الإِصلاحِ؟ أَينَ مَن يَحمِلُ الهَمَّ وَيَنهَضُّ بِالهِمَمِ؟ إِنَّهُم لم يَزَالُوا -بِحَمدِ اللهِ- مَوجُودِينَ، يَعمَلُونَ لَيلاً وَنَهَارًا وَلا يَكِلُّونَ، وَقَد أَخَذُوا عَلَى عَوَاتِقِهِم تَحوِيلَ الإِصلاحِ مِن عَمَلٍ فَردِيٍّ ضَعِيفٍ مُتَقَطِّعٍ، إِلى عَمَلٍ جَمَاعِيٍّ مُؤَسَّسِيٍّ قَوِيٍّ، يَقُومُ بِنَفسِهِ مُستَقِلاًّ عَن غَيرِهِ، وَيَرتَفِعُ عَن ذُلِّ السُّؤَالِ وَمَعَرَّةِ الاستِجدَاءِ في كُلِّ يَومٍ.

وَإِنَّ المُؤَسَّسَاتِ الخَيرِيَّةَ اليَومَ تَتَّجِهُ لِبِنَاءِ الأَوقَافِ وَزِيَادَةِ سُبُلِ الاستِثمَارِ، وَتَعمَلُ عَلَى إِيجَادِ المَصَادِرِ الثَّابِتَةِ لِلدَّعمِ، فَقَد ذَهَبَ وَقتُ الدَّعمِ المُتَقَطَّعِ وَوَلىَّ زَمَنُ الدَّفَقَاتِ الضَّعِيفَةِ، وَجَاءَ الزَّمَنُ الَّذِي يَجِبُ أَن يَكُونَ عَطَاءُ المُسلِمِينَ فِيهِ لِدِينِهِم وَدَعمُهُم لِدَعوَةِ الحَقِّ غَيثًا مُتَرَادِفًا وَهَتَّانًا مُتَوَالِيًا، جَاءَ زَمَنُ الصَّدَقَةِ الجَارِيَةِ، الَّتي قَالَ فِيهَا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثٍ، صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، أَو عِلمٌ يُنتَفَعُ بِهِ، أَو وَلَدٌ صَالحٌ يَدعُو لَهُ".

وَإِنَّ الحَاجَةَ إِلى تَكثِيفِ هَذِهِ الأَوقَافِ لِدَعمِ مَشرُوعَاتِ الإِصلاحِ, وَتَقوِيَةِ بَرَامِجِهِ لَتَزدَادُ بِازدِيَادِ طُرُقِ الإِفسَادِ, وَتَنَوُّعِ سُبُلِهِ وَإِصرَارِ أَهلِهِ عَلَى المُضِيِّ فِيهِ, كَمَا هُوَ الحَاصِلُ في العَالَمِ اليَومَ؛ وَقَد قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: " لَقَد رَأَيتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ في شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِن ظَهرِ الطَّرِيقِ كَانَت تُؤذِي النَّاسَ ".

فَانظُرُوا -يَا رَعَاكُمُ اللهُ- كَيفَ دَخَلَ هَذَا الرَّجُلُ الجَنَّةَ لِمُجَرَّدِ قَطعِهِ شَجَرَةً, وَإِزَالَتِهَا عَنِ الطَّرِيقِ وَقَد كَانَت تُؤذِي النَّاسَ، فَمَا بَالُكُم بِمَن يُسَاهِمُ في إِزَالَةِ الأَذَى الدَّائِمِ عَن إِخوَانِهِ, بَل عَنِ النَّاسِ جميعًا، بِدَفعِ أَذَى الكَفَرَةِ وَمَن لَفَّ لَفَّهُم مِنَ العِلمَانِيِّينَ وَالمُنَافِقِينَ, وَمُرَوِّجِي الشَّرِّ وَمُبتَغِي الفَسَادِ، وَهُوَ الأَذَى الَّذِي إِنْ تُرِكَ لَهُ المَجَالُ وَغُفِلَ عَنهُ، فَسَيَعُمُّ ضَرَرُهُ في الدَّارَينِ، إِفسَادًا لِلدِّينِ وَهَتكًا لِلأَعرَاضِ، وَنَشرًا لِلآفَاتِ وَنَقلاً لِلأَمرَاضِ، وَتَعرِيضًا لِلنَّاسِ لِعَذَابِ اللهِ وَمَقتِهِ، وَهُوَ مَا لا تَتَحَمَّلُهُ نَفسُ بَشَرٍ وَلا تُطِيقُهُ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ المَرحَلَةَ الَّتي تَمُرُّ بها الأُمَّةُ عَامَّةً وَهَذِهِ البِلادُ خَاصَّةً, تَتَطَلَّبُ مُضَاعَفَةَ الجُهُودِ مِن قِبَلِ الدُّعَاةِ وَالمُصلِحِينَ بِالتَّخطِيطِ وَالعَمَلِ، وَمِن قِبَلِ إِخوَانِهِم بِالمَالِ وَالإِنفَاقِ وَالعَطَاءِ.

وَإِنَّهُ لا أَحسَنَ قَولاً, وَلا أَفضَلَ فِعلاً, وَلا أَبرَكَ حَالاً وَمَالاً وَمَآلاً ممَّن يَدعُو إِلى اللهِ, أَو يُعَلِّمُ كِتَابَهُ؛ قَالَ سُبحَانَهُ: (وَمَن أَحسَنُ قَولاً مِمَّن دَعَا إِلى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسلِمِينَ), وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: " خَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ ". وَإِذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنَّا لا يَستَطِيعُ أَن يَبذُلَ وَقتَهُ في دَعوَةٍ، وَلَيسَ عِندَهُ مِنَ العِلمِ مَا يُسَاهِمُ بِهِ في إِصلاحٍ أَو هِدَايَةٍ، وَلا يَتَمَكَّنُ مِن ثَنيِ رُكبَتِهِ في حَلَقَةِ قُرآنٍ لِتَعلِيمِ كِتَابِ اللهِ، فَإِنَّ مَكَاتِبَ الدَّعوَةِ وَجَمعِيَّاتِ التَّحفِيظِ تُوَفِّرُ لَهُ الأَرضَ الخِصبَةَ وَالبِيئَةَ المُنَاسِبَةَ؛ لِيَبذُرَ بِمَالِهِ مَا يَجِدُ أَثَرَهُ في الدُّنيَا صَلاحًا لأُمَّتِهِ، وَيَجني ثِمَارَهُ في الآخِرَةِ أُجُورًا مُضَاعَفَةً؛ قَالَ سُبحَانَهُ: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَموَالَهُم في سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَت سَبعَ سَنَابِلَ في كُلِّ سُنبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ).

وَلَقَد آتَانَا اللهُ المَالَ, وَأَغدَقَ عَلَينَا مِنهُ وَابتَلانَا بِهِ، (وَمَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُم عَلَيهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).

نَعَم -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- مَا كَانَ اللهُ لَيَترُكَ النَّاسَ هَكَذَا مُختَلِطِينَ، لا يُعرَفُ مُؤمِنُهُم مِن فَاسِقِهِم، وَلا يَظهَرُ بَرُّهُم مِن فَاجِرِهِم، بَلْ لا بُدَّ مِنَ الابتِلاءِ وَالامتِحَانِ؛ لِيَظهَرَ مَن يُعِينُ أَهلَ الخَيرِ وَيَدعَمُ إِخوَانَهُ المُصلِحِينَ، وَمَن هُوَ الآخَرُ الَّذِي سَيُعِينُ الضُّلاَّلَ المُضِلِّينَ وَيَلتَحِقُ بِرَكبِهِم، فَيَفُتُّ بِذَلِكَ في عَضُدِ دَعوَةِ الحَقِّ، وَيَمنَعُ مَسَاجِدَ اللهِ أن يُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ وَيَسعَى في خَرَابِهَا، فَكُلٌّ سَيُنفِقُ مَالَهُ وَيَقضِي بِهِ حَاجَةً في نَفسِهِ، وَلَكِنْ شَتَّانَ بَينَ مَن يُنفِقُهُ في نُصرَةِ الحَقِّ لَيَرقَى، وَبَينَ مَن يُهلِكُهُ في البَاطِلِ لِيَشقَى، وَالقَضِيَّةُ تَوفِيقٌ مِنَ اللهِ لِمَن أَحَبَّ، أَو خُذلانٌ مِنهُ لِمَن كَرِهَ انبِعَاثَهُ: ( إِنَّ سَعيَكُم لَشَتَّى * فَأَمَّا مَن أَعطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالحُسنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاستَغنَى * وَكَذَّبَ بِالحُسنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسرَى * وَمَا يُغنِي عَنهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى)، (مَن عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفسِهِ وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا ثُمَّ إِلى رَبِّكُم تُرجَعُونَ).

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَالتَحِقُوا بِرَكبِ الصَّالِحِينَ المُصلِحِينَ؛ فَإِنَّهُ لا يُعقَلُ أَن يَخِفَّ أَهلُ البَاطِلِ لِدَفعِ بَاطِلِهِم وَرَفعِهِ، وَهُم لا يَرجُونَ أَجرًا وَلا يَطلُبُونَ ثَوَابًا، ثم يَتَثَاقَلَ أَهلُ الحَقِّ عَن إِظهَارِهِ وَنَصرِهِ وَهُم يَرجُونَ الفَوزَ بِالجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ، فَاحذَرُوا مِن خُذلانِ أَهلِ الحَقِّ, أَوِ التَّخَلِّي عَن نَصرِهِم وَدَعمِهِم، وَلا يَغُرَّنَّكُمُ البَاطِلُ مَهمَا عَلا زَبَدُهُ أَوِ ارتَفَعَ دُخَانُهُ، فَإِنَّمَا هِيَ دَنُيَا الغُرُورِ وَبُرُوقُ الأَمَانِيِّ، وَالنَّاسُ عِندَ اللهِ لا يَستَوُونَ: (لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ، أَصحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ) [الحشر:20]، (أَمْ نَجعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالمُفسِدِينَ في الأَرضِ أَمْ نَجعَلُ المُتَّقِينَ كَالفُجَّارِ) [ص:28]، (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَجعَلَهُم كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحيَاهُم وَمَمَاتُهُم سَاءَ مَا يَحكُمُونَ) [الجاثية:21]، (أَفَمَن كَانَ مُؤمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لا يَستَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُم جَنَّاتُ المَأوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخرُجُوا مِنهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُم ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ) [السجدة:18-21]، (قُل لاَّ يَستَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَو أَعجَبَكَ كَثرَةُ الخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولي الأَلبَابِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ)[المائدة:100].

 

 

 

 

الخطبة الثانية

 

أَمَّا بَعدُ،

فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لا يَخفَى أَنَّ القُرآنَ هُوَ سَبِيلُ الإِصلاحِ وَطَرِيقُ الهِدَايَةِ وَالفَلاحِ، وَأَنَّهُ الرُّوحُ الَّذِي تَحيَا بِهِ القُلُوبُ، وَالعِلاجُ الَّذِي تُشفَى بِهِ الصُّدُورُ؛ قَالَ تَعَالى: (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوعِظَةٌ لِلمُتَّقِينَ)، وَقَالَ جَلَّ وَعَلا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَد جَاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفَاءٌ لما في الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ * قُلْ بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ)، وَقَالَ سُبحَانَهُ: (إِنَّ هَذَا القُرآنَ يِهدِي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ)، وَقَالَ تَعَالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالمِينَ إَلاَّ خَسَارًا)، وَقَالَ عَزَّ شَأنُهُ: (وَكَذَلِكَ أَوحَينَا إِلَيكَ رُوحًا مِن أَمرِنَا مَا كُنتَ تَدرِي مَا الكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلنَاهُ نُورًا نَهدِي بِهِ مَن نَشَاءُ مِن عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهدِي إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ).

وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ شَأنَ القُرآنِ، فَإِنَّ عَلَينَا أَن نَجعَلَهُ منطَلَقَنَا لِصَلاحِ أَنفُسِنَا وَإِصلاحِ غَيرِنَا، وَأَن نَبدَأَ بِهِ مَنهَجَ التَّقوِيمِ وَالتَّغيِيرِ . وَإِنَّ ذَلِكَ لَمُوجُودٌ بَينَ أَيدِينَا في حَلَقَاتِ التَّحفِيظِ المُنتَشِرَةِ في كَثِيرٍ مِنَ الجَوَامِعِ وَالمَسَاجِدِ، فَلْنُبَادِرْ إِلى دَعمِهَا، وَلْنُسَارِعْ في دَفعِ مَسِيرَتِهَا، وَلْنَحرِصْ عَلَى تَطوِيرِهَا وَرِعَايَتِهَا، وَلا يَقُولَنَّ قَائِلٌ: وَمَا شَأنُنَا بِتِلكَ الحَلَقَاتِ؟ فَجَمعِيَّاتُ التَّحفِيظِ مَوجُودَةٌ وَالتُّجَّارُ مُتَوَافِرُونَ؟ فَيُقَالَ: بَل وَمَا الَّذِي يُخرِجُكَ مِن دَائِرَةِ المَسؤُولِيَّةِ عنها؟ وَمَا الَّذِي يَمنَعُكَ أَن تَكُونَ مِن دَاعِمِيهَا وَالمُحَافِظِينَ عَلَى بَقَائِهَا, أَو يَحُولُ بَينَكَ وَبَينَ أَن تَضرِبَ فِيهَا بِسَهمٍ وَتَكُونَ لَكَ فِيهَا مُشَارَكَةٌ؟
وَإِنَّهَا لَفُرصَةٌ عَظِيمَةٌ طُوبى لِمَنِ اهتَبَلَهَا، وَغَنِيمَةٌ سَعِدَ مَن حَرِصَ عَلَيهَا وَاغتَنَمَهَا، إِنَّهُ لَمَيدَانٌ يَتَسَابَقُ فِيهِ المُتَسَابِقُونَ وَشَرَفٌ يَتَنَافَسُ عَلَيهِ المُتَنَافِسُونَ، إِنَّهُ لَفَخرٌ لَكَ وَعِزٌّ أَن تَكُونَ مُنتَظِمًا في سِلكِ الخَيرِيَّةِ وَبِشَهَادَةِ خَيرِ البَرِيَّةِ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " خَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ" نَعَم " خَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ".

أَوَتَظُنُّ -أَيُّهَا المُسلِمُ- أَنَّ الخَيرِيَّةَ قَاصِرَةٌ عَلَى مُعَلِّمِ الحَلَقَةِ وَطُلابِهَا؟ لا -وَاللهِ- وَمَن ظَنَّ ذَلِكَ فَقَد حَجَّرَ وَاسِعًا مِن فَضلِ اللهِ؛ لَقَد قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى البرِّ وَالتَّقوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ )، وَقَالَ سُبحَانَهُ: ( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ، يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ سَيرحَمُهُمُ اللهُ، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ).

فَيَا أُمَّةَ الإِسلامِ وَالقُرآنِ، أَرغِمُوا الشَّيطَانَ وَأَعوَانَهُ، أَغِيظُوا أَعدَاءَ الدِّينِ مِن مُرِيدِي الإِفسَادِ، شَارِكُوا في أَعظَمِ المَشرُوعَاتِ وَأَكسَبِ التِّجَارَاتِ، سَاهِمُوا في أَربَحِ البُيُوعِ وَأَقوَى المُسَاهَمَاتِ، مَن لِكِتَابِ اللهِ إِن تَرَكنَاهُ؟ مَن لِلقُرآنِ إِن تَجَاهَلْنَاهُ؟ أَيَدفَعُ أَصحَابُ القَنَوَاتِ المَلايِينَ في عَرضِ المُسَلسَلاتِ وَالمَسرَحِيَّاتِ، وَيُغدِقُونَ المَالَ لِبَثِّ الفَسَادِ وَنَشرِ الكُفرِ وَالإِلحَادِ، ثم نَبخَلَ بِرِيَالاتٍ نَدفَعُهَا لِدَعمِ حِفظِ كِتَابِ اللهِ وَإِتقَانِ تِلاوَتِهِ وَإِصلاحِ القُلُوبِ بِهِ؟ إِنَّ المَالَ مَالُ اللهِ، نَعَمْ، إِنَّ المَالَ مَالُ اللهِ، أَنعَمَ بِهِ عَلَينا وَأَعطَانَا، وَمِن كُلِّ مَا سَأَلنَاهُ آتَانَا، ثم هُوَ بَعدَ ذَلِكَ يَستَقرِضُنَا لِيَجزِيَنَا: ( مَن ذَا الَّذِي يُقرِضُ اللهَ قَرضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقبِضُ وَيَبسُطُ وَإِلَيهِ تُرجَعُونَ).

وَاللهِ لَو تَحَرَّكَ في أَحَدِنَا عِرقٌ سَاكِنٌ أَو سَكَنَ فِيهِ مُتَحَرِّكُ، أَو سُدَّ شِريَانٌ أَوِ انفَجَرَ آخَرُ، أَو شُدَّت عَضَلَةٌ مُرتَخِيَّةٌ أَوِ ارتَخَى عَصَبٌ مَشدُودٌ، أَو فَقَدَ سمعًا أَو بَصَرًا، أَو مُنِعَ مِن شَرَابٍ أَو طَعَامٍ، أَو تَعَسَّرَ عَلَيهِ إِخرَاجُ فَضَلاتٍ، لَعَرَفَ قَدرَ نِعمَةِ اللهِ عَلَيهِ، زُورُوا المُستَشفَيَاتِ لِتَتَّعِظُوا، وَمُرُّوا بِأَقسَامِ الحَوَادِثِ لِتَعتَبِرُوا، وَمَن دَاخَلَهُ في نَفسِهِ شَكٌّ أَو غُرُورٌ، أَو أُصِيبَ بِنِسيَانٍ أَو أَخَذَتهُ غَفلَةُ، فَلْيَمُرَّ بِتِلكَ المَقَابِرِ الصَّامِتَةِ السَّاكِنَةِ، وَلْيَسأَلْ: أَينَ أَبُوهُ وَأَينَ جُدُّهُ؟ وَأَينَ مَن كَانَ يَملِكُ المَالَ وَيَعتَمِدُ عَلَى الجَاهِ؟ هَل نَفَعَهُم جَاهُهُم أَو أَغنَت عنهم مَكَانَتُهُم؟ هَل رَدَّ عَنهُم مَالُهُم أَو ذَبَّت عَنهُم خَزَائِنُهُم ؟

أَتَى عَلَى الكُلِّ أَمرٌ لا عَزَاءَ لَهُ

حَتى قَضَوا فَكَأَنَّ القَومَ مَا كَانُوا
 

أَيُّهَا الإِخوَةُ، كِتَابُ اللهِ يُنَادِيكُم فَاسمَعُوهُ، وَاللهُ يَدعُو إِلى دَارِ السَّلامِ فَأَجِيبُوهُ (إِنَّ الَّذِينَ يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقنَاهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرجُونَ تِجَارَةً لَن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُم أُجُورَهُم وَيَزِيدَهُم مِن فَضلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ )، ( وَاللهُ يَدعُو إِلى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهدِي مَن يَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ) أَلا فَأَنفِقُوا ممَّا في الجُيُوبِ، وَأَخلِصُوا لِعَلاَّمِ الغُيُوبِ، وَلا تَحتَقِرُوا شَيئًا وَلَو قَلَّ، فَرُبَّمَا سَبَقَ دِرهَمٌ مِئةَ أَلفِ دِرهَمٍ، وَالمَقبُولُ مَن قَبِلَهُ اللهُ، وَالمُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ اللهُ.