الأعلى
كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الصلاة |
إن هذه الأفعال من سلفنا الصالح لتدل على مكانة صلاة الجماعة في قلوبهم، وسبب ذلك ما علموا من الكتاب والسنة في فضل الجماعة، والترغيب فيها، والتحذير من تركها، فقدَّمُوها على أمور الدنيا مهما كانت، ومن فاتته صلاة الجماعة منهم كفَّروا عن ذلك بعمل كثير، أو صدقة عظيمة، فأين من فرَّطوا في الجماعة كثيراً عن هؤلاء الصالحين؟ وأين من هجروا المساجد؟! وأين من يؤخرون الصلاة عن وقتها؟! وأين من يتركونها بالكلية؟! ..
الحمد لله رب العالمين؛ رحِمَ عبادَهُ ففتح لهم أبواب الخيرات، ودَلَّهُم على مواردِ الحسَنات، وحذَّرهم مما يوجب السيئات، نحمده فهو أهل الحمد، ونشكره فنِعَمُهُ تزيد بالشكر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ جعل الصلاة عماد الدين، وفرقاناً بين المؤمنين والمنافقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلَّغ رسالة ربه، ونصح لأمته، وجاهد في الله تعالى حتى أتاه اليقين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأَسْلِموا له وجوهكم، وأقيموا له دينكم، وعلقوا به قلوبكم، وحافظوا على صلاتكم؛ فقد أمركم بها ربكم، ووعدكم عليها أعظم الثواب: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون:9-11].
أيها الناس: أجر الصلاة كثير، ومقامها في الدين كبير، وشأنها عند الله تعالى عظيم؛ إذ فرضها على النبي -صلى الله عليه وسلم- مباشرة، ولم يرسل بها الملَك ليبلغها للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وجعلها تُكَرَّرُ في اليوم والليلة خمس مرات، وشرع بناء المساجد لأجلها، وحض على الجماعة فيها، وذم المتخلفين عنها: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة:43] والركوعُ مع الراكعين محَلُّه المساجِد حيث صلاة الجماعة.
وبلغ من شأن الجماعة وأهميتها أن الله تعالى أمر بها في كتابه أهل الغزو وهم قُبَالة العدو: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) [النساء:102]، قال ابن المنذر -رحمه الله تعالى-: ففي أمر الله تعالى بإقامة الجماعة في حال الخوف دليل على أن ذلك في حال الأمن أوجب.
وذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- أن الله سبحانه في هذه الآية أمرهم بها أولاً، ثم أمرهم بها ثانياً، ولم يرخص لهم في تركها حال الخوف.
وجاءت سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- لتؤكد على أن صلاة الجماعة في المساجد من الشعائر الإسلامية الظاهرة؛ كما في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال:إِنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّ من سُنَنِ الْهُدَى الصَّلَاةَ في الْمَسْجِدِ الذي يُؤَذَّنُ فيه.
وفي رواية قال -رضي الله عنه-: "مَن سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ على هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فإن اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ من سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ في بُيُوتِكُمْ كما يُصَلِّي هذا الْمُتَخَلِّفُ في بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ". رواه مسلم.
وجاء رَجُلٌ أَعْمَى فقال: يا رَسُولَ الله، إنه ليس لي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُرَخِّصَ له فَيُصَلِّيَ في بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ له، فلما وَلَّى دَعَاهُ فقال: هل تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟ فقال: نعم، قال: فَأَجِبْ. رواه مسلم.
وفي رواية لأبي داود قال: لَا أَجِدُ لك رُخْصَةً، وفي رواية أخرى قال: أَتَسْمَعُ حَيَّ على الصَّلَاةِ حَيَّ على الْفَلَاحِ؟ فَحَيَّهَلًا. قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: وإذا لم يُرَخَّص للأعمى الذي لم يجد قائداً فغيره أولى.
بل همَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعاقِب المتخلفين عن الصلاة في المساجد بالتحريق، كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فَقَدَ نَاسًا في بَعْضِ الصَّلَوَاتِ فقال: "لقد هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ أُخَالِفَ إلى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عنها فَآمُرَ بِهِمْ فَيُحَرِّقُوا عليهم بِحُزَمِ الْحَطَبِ بُيُوتَهُمْ" رواه مسلم.
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: وفي اهتمامه بأن يُحَرِّق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم أبين البيان على وجوب فرض الجماعة؛ إذ غير جائز أن يحرِّق الرسول -صلى الله عليه وسلم- مَن تخلف عن ندب، وعمَّا ليس بفرض.
وقال الصنعاني -رحمه الله تعالى-: والحديث دليل على وجوب الجماعة عيناً لا كفايةً؛ إذ قد قام بها غيرهم فلا يستحقون العقوبة، ولا عقوبة إلا على ترك واجباً أو فعَل محرماً.
والمؤذن حين ينادي بالصلاة في الناس فيقول: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، فهو يدعو الناس إلى الله تعالى، وفي القرآن أمر بإجابة الداعي إلى الله تعالى، في قوله سبحانه: (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ الله وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الأحقاف:31].
والتخلف عن الجماعة سبب لضعف المسلم عن الطاعة، وفتور همته، ولين عزيمته، فيتسلط الشيطان عليه، وينال منه ما لا ينال من أهل المساجد، بل إن التخلف عن الجماعة سبب لتأخير الصلاة عن وقتها، وجمع الفرض مع غيره بلا عذر، وهذا يقوده إلى ترك الصلاة بالكلية؛ إذ تصبح ثقيلة عليه.
والتخلف عن الجماعة يجعل الصلاة ثقيلة عليه ولو صلى لوحده، وهذا يجده أكثر الناس، فقضاء الصلاة الفائتة عندهم أشق من أدائها مع الجماعة في المساجد، والسُّنَّة دلت على هذا المعنى؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من ثَلَاثَةٍ في قَرْيَةٍ ولا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إلا قد اسْتَحْوَذَ عليهم الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ"، قال الراوي: يَعْنِي بِالْجَمَاعَةِ: الصَّلَاةَ في الْجَمَاعَةِ. رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
وفي حديث آخر: "إن الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ، فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ! وَعَلَيْكُمْ بِالْجَماعَةِ وَالْعَامَّةِ والْمَسْجِدِ" رواه أحمد.
وعلى هذه النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة بنى العلماء أحكامهم وأقوالهم في التأكيد على صلاة الجماعة، والتشديد على هجر المساجد، والتحذير من التخلف عن الجماعة، وقد نقل ابن القيم -رحمه الله تعالى- إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- على وجوب صلاة الجماعة، وساق آثارهم في ذلك، وأكَّدَ على أنه لم يأت عن أحد منهم -رضي الله عنهم- ما يخالف ذلك.
وقال الإمام البغوي -رحمه الله تعالى-: اتفق أهل العلم على أنه لا رخصةَ في ترك الجماعة لأحد إلا مِنْ عُذْرٍ.
وعند الحنفية، قال الكاساني -رحمه الله تعالى-:عَامَّةُ مَشَايِخِنَا أنها وَاجِبَةٌ، ثم ساق الأدلة من الكتاب والسنة على ذلك، وأكده بتَوَارُثِ الْأُمَّةِ ومواظبتهم عليها وَعَلَى النَّكِيرِ على تَارِكِهَا.
وقال ابن نجيم الحنفي -رحمه الله تعالى-: وَالرَّاجِحُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ، ونقل عن أئمتهم بِأَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ لِأَحَدٍ في تَرْكِهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ، حتى لو تَرَكَهَا أَهْلُ مِصْرٍ يُؤْمَرُونَ بها، فَإِنْ ائْتَمَرُوا وَإِلَّا يَحِلُّ مُقَاتَلَتُهُمْ، ونقل عن آخرين بِأَنَّهُ يَجِبُ التَّعْزِيرُ على تَارِكِهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَيَأْثَمُ الْجِيرَانُ بِالسُّكُوتِ.
وفي مذهب الشافعية نقل المزنيُ عن الإمام الشافعي -رحمهما الله تعالى- قوله: فَلَا أُرَخِّصُ لِمَنْ قَدَرَ على صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ في تَرْكِ إتْيَانِهَا إلَّا من عُذْرٍ.
فحري بمن وفقه الله تعالى للخير أن يحافظ عليها في المساجد كما أمر الله تعالى بها، وأن لا يشغله عنها شاغل مهما كان؛ فإنها من سنن الهدى التي شرعها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي من شعائر الإسلام الظاهرة التي أُمرنا بتعظيمها، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ) [الحج:32]. ومن ضيعها فهو لما سواها من دينه أضيع، نسأل الله تعالى العافية.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآَصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور:38]
بارك الله لي ولكم في القرآن...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ الله هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المزمل:20].
أيها المسلمون: المحافظة على الصلاة في الجماعة من صفات المؤمنين الذين قال الله تعالى فيهم (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) [المعارج:34-35].
والتثاقل عن الصلاة، والتخلف عن الجماعة سمة أهل النفاق، كما قال الله تعالى في وصفهم: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى) [النساء:142]، وفي آية أخرى: (وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى) [التوبة:54].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ على الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ ما فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا"، وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وما يَتَخَلَّفُ عنها إلا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كان الرَّجُلُ يُؤتي بِهِ يُهَادَى بين الرَّجُلَيْنِ حتى يُقَامَ في الصَّفِّ. رواه مسلم.
ولأجل ذلك كان السلف الصالح يَعُدُّون فوات الجماعة مصيبةً عظيمة، ويعملون أعمالاً صالحة كثيرة لعلها تكون عِوَضَاً عمَّا فاتهم من أجر الجماعة؛ كما روى نافع -رحمه الله تعالى- قال: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا فاتته صلاة في جماعة صلى إلى الصلاة الأخرى، فإذا فاتته العصر يسبح إلى المغرب، ولقد فاتته صلاة عشاء الآخرة في جماعة فصلى حتى طلع الفجر.
وعن نعيم بن حماد -رحمه الله تعالى- قال: جاء ضِمَامُ بنُ إسماعيل إلى المسجد وقد صلى الناس وقد فاتته الصلاة، فجعل على نفسه أن لا يخرج من المسجد حتى يلقى الله -عز وجل-، قال: فجعله بيته حتى مات.
وأحدهم خرج إلى بستان له فيه نخل، فرجع منه وقد صلى الناس صلاة العصر، فقال: إنا لله، فاتتني صلاة الجماعة. فتصدق ببستانه على المساكين.
إن هذه الأفعال من سلفنا الصالح لتدل على مكانة صلاة الجماعة في قلوبهم، وسبب ذلك ما علموا من الكتاب والسنة في فضل الجماعة، والترغيب فيها، والتحذير من تركها، فقدَّمُوها على أمور الدنيا مهما كانت، ومن فاتته صلاة الجماعة منهم كفَّروا عن ذلك بعمل كثير، أو صدقة عظيمة، فأين من فرَّطوا في الجماعة كثيراً عن هؤلاء الصالحين؟ وأين من هجروا المساجد؟! وأين من يؤخرون الصلاة عن وقتها؟! وأين من يتركونها بالكلية؟! لماذا لا يأخذون العبرة من أسلافهم الصالحين في المحافظة على عمود الدين، وشعار المسلمين، وعلامة المؤمنين؛ ليكونوا من المفلحين.
إن الصلاة هي صِلة العباد بربهم تبارك وتعالى، فإذا قطعوا صلتهم به -عز وجل- أو أضعفوها فماذا يرجون؟ وإلى مَن يلجؤون؟ ومَن يسألون؟.
إنَّ نِعَم ربنا علينا تتابع، ولا يبقيها ويزيدها إلا شكر لله تعالى عليها، والصلاة مسلك من مسالك الشكر عريض، وامتلاء المساجد بالمصلين علامة على شكر الناس لرب العالمين.
إن المخاطر السياسية والاقتصادية والأمنية تحيط بنا من كل جانب، وإن أعداء الإسلام من أهل الكتاب والمبتدعة والمنافقين يتربصون بنا الدوائر، ولا نجاة لنا إلا بالله العلي الأعلى، ولا حافظ لنا سواه -جلَّ في علاه-، وأعظم ما يَصِلُنا به -سبحانه- صَلَاتُنا، فإذا فقدنا صِلتنا به بتضييع صَلاتِنا فمَن يحفظنا؟ ومَن ينجينا؟ ومن يدرأ السوء والمكاره عنا؟!.
وقد جاء في الحديث: "احْفَظِ الله يَحْفَظْكَ، احْفَظِ الله تَجِدْهُ تُجَاهَكَ" أي: احفظ الله تعالى في طاعته يحفظك، فهل حفظ الله تعالى في طاعته من فرَّط في عمود الإسلام، وضيَّع صلاة الجماعة؟! هل حفِظنا الله تعالى في صلاتنا فأقمناها كما رضيها لنا حتى يحفظنا؟! وهل أمرنا بها من قصَّروا فيها من أهل وولد وجيران وأصحاب؟! وربنا سبحانه يقول: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه:132].
فلنتبْ إلى الله تعالى من تقصيرنا، ولنراجعْ ديننا، ولنُقِمْ صلاتنا في مساجدنا كما أمرنا بذلك ربنا؛ لنفلح في الدنيا والآخرة.
وصلوا وسلموا على نبيكم...