العزيز
كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان |
عباد الله: لقد حملنا نفوسنا هموماً كثيراً تتعلق بالدنيا، هموم السنين والأزمنة، وهموم الغلاء والرُّخْص، وهموم الشتاء قبل أن يجيء، وهم الصيف قبل أن يجيء، هموم متلاحقة، فماذا أبقينا في قلوبنا من هم الآخرة وأهوالها وأحوالها؟ وفي الدعاء المأثور: "اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا".
الحمد لله حمد الشاكرين، أحمده سبحانه على نعمه المتوالية وعطاياه المتتالية، ونعمه التي لا تعد ولا تحصى, أحمده جلا وعلا وأثني عليه الخير كله، لا نحصي ثناء عليه هو سبحانه كما أثنى على نفسه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد:
أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله تعالى، ثم اعلموا -رحمكم الله- أن من الأمور العظيمة النافعة للعبد في هذه الحياة التفكرّ في آيات الله، والتأملَّ في عجائب مخلوقاته؛ فإن ذلك -عباد الله- يزيد الإيمان ويقوي اليقين، ويُعْظمُ الصّلة برب العالمين (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) [آل عمران: 190 – 191]
عباد الله: ومن آيات الله العظيمة، اختلافُ الأحوال ليلٌ ونهار، حرٌّ وبرد، شتاء وصيف، ربيع وخريف، ولله الحكمة البالغة في ذلك، وتأمَّل -رعاك الله- نعمة الله على عباده في دخول الشتاء على الصيف والصيف على الشتاء، كيف يكون بالتدرُّج والمهلة، ولو كان دخول أحدهما على الآخر مفاجأةً لأضرَّ بالأبدان وأهلكها، ولأفسد النبتات وأتلفها، فما أعظمها من نعمة وما أجلها!
عباد الله: ولله آيات عظيمة تكثر في الشتاء: كالرعد والبرق، والصواعق والمطر والبَرَد, يقول الله تعالى: (ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) [الرعد: 13] وثبت في المسند وسنن الترمذي وغيرهما عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أقبلت يهودُ على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: "يا أبا القاسم: نسألك عن أشياء إن أجبتنا فيها اتبعناك وصدَّقناك وآمنا بك، قال: فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على نفسه، قالوا: الله على ما نقول وكيل، فسألوه أسئلة وقالوا في جملة أسئلتهم: أخبرنا عن الرعد ما هو قال: "الرعد ملك من الملائكة مَوْكولٌ بالسحاب بيديه، أو في يده مخراقٌ من نار، يزجر به السحاب، والصوت الذي يسمع منه زجره السحاب إذا زجره حتى ينتهيَ إلى حيث أمره الله".
قالوا: صدقت. ويقول الله -جلا وعلا- في شأن المطر والبرد: (ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار * يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار) [النور: 43 – 44]
عباد الله: والبرد الشديد من زمهرير جهنم، كما أن الحرَّ الشديد من سمومها، في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اشتكت النار إلى ربها، فقالت يا رب أكل بعضي بعضاً؛ فجعل لها نفسين نفساً في الشتاء ونفساً في الصيف، فشدة ما تجدون من البرد وشدة ما تجدون من الحر من سمومها".
فهلا ذكرنا -عباد الله- ذلك بالنار؟!، ومن يتحمل البرد والحر الشديد في الدنيا؟ فكيف بحر جهنم وزمهريرها، أجارنا الله وإياكم منها.
عباد الله: لقد حملنا نفوسنا هموماً كثيراً تتعلق بالدنيا، هموم السنين والأزمنة، وهموم الغلاء والرُّخْص، وهموم الشتاء قبل أن يجيء، وهم الصيف قبل أن يجيء، هموم متلاحقة، فماذا أبقينا في قلوبنا من هم الآخرة وأهوالها وأحوالها؟ وفي الدعاء المأثور: "اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا".
عباد الله: ومع دخول الشتاء هل تذكَّر أهلُ الجِدَةِ واليسار إخوانهم الفقراء، وذوي الحاجة ممن يفترشون الأرض ويلتحفون السماء؟ ممن لمس البرد الشديدُ أجسامَهم، واخترقت شدتُه عظامهم، ألا اتقينا حر جهنم وزمهريرها بالعطف على هؤلاء؟!
وفي الحديث: "اتقوا النّار ولو بشقِّ تمرة"، والتمرة -عباد الله- لحافٌ يفيد هؤلاء في البرد، كما أن الغطاء لحاف، والثوب الدافئ لحاف، والمعطف لحاف، فتصدق يا من وسع الله عليه، ولو بشيء يسير، فربما يكون في نظرك حقير، وهو عند ذلك الفقير المحتاج كبيرٌ عظيم، ولا تحقرن من المعروف شيئا.
عباد الله: والشتاء غنيمة باردة للعباد والمطيعين، فنهاره قصير يسهل صيامه، وليله طويل يهون قيامه، يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "الشتاء غنيمة العابدين"، وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "مرحباً بالشتاء، تتنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام".
وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "نعم زمان المؤمن الشتاء، ليله يطول يقومه، ونهاره قصير يصومه"، هذه مشاعر السلف -رحمهم الله- في الشتاء فرحٌ وغبطةٌ همة ونشاط، جِدٌّ واجتهاد فيما يقرِّب إلى الله.
وأما أحوال كثير من الناس في هذا الزمن، ففي تضيع الفرائض والواجبات، وغَشَيان المحرمات والمكروهات، والاجتراء على حدود ربِّ الأرض والسموات، والسهر الطويل في الليل على ما يُغضِبُ الله ويُظلِمُ القلوبَ، ويُضعِفُ نور الإيمان.
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، ورُدَّنا إليك ربنا ردًّا جميلا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، واجعل لنا إلهنا في تعاقب الليالي والأيام عبرة ومُدَّكرًا، وفي توالي الشهور والفصول والأعوام عظة ومعتبرًا، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلّم تسليماً كثيرا.
أما بعد:
أيها المؤمنون -عباد الله-: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه، وتقوى الله -عباد الله- أن يعمل العبد بطاعة الله على نور من الله يرجو ثواب الله، وأن يترك معصية الله على نور الله يخاف عقاب الله.
عباد الله: وإن مما ينبغي علينا أن نتذكّره في هذا الزمان: أن المسلم عظيم الصلة بالله الواثق بربه -جلا وعلا-، إذا خاف من الأعداء ومن مداهمتهم لا يزيده ذلك إلا صلةً بالله -عز وجل- والتجاءًا إليه، ورجوعاً إليه سبحانه بامتثال أوامره، والبعد عن نواهيه، وقد ثبت في السنة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خاف عدوًّا قال: "اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم".
فالمسلم في أموره كلها وأحواله جميعها ملتجئٌ إلى الله، معتصم به سبحانه (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) [آل عمران: 101] ومن السنة -عباد الله- أن يقول المسلم في مثل هذا المقام: "حسبنا الله ونعم الوكيل"، كما قال الصحابة -رضي الله عنهم-، وفي ذلك يقول الله -جلا وعلا-: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) [آل عمران: 173]
ومعنى حسبنا الله: أي كافينا الله، والله -جلا وعلا- كافي من توكل عليه، واعتمد عليه، ولجأ في أموره كله إليه، فنسأل الله -جلا وعلا- ألا يَكِلَنا إلا إليه، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
فصلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على النبي المصطفى محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) [الأحزاب: 56]
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلَّى علي واحدة، صلى الله عليه بها عشرا" اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين -أبي بكر وعمر وعثمان وعلي-، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين, اللهم انصر من نصر دينك, اللهم انصر إخواننا في كل مكان.
اللهم انصرهم في فلسطين وفي كل مكان, اللهم انصرهم نصراً مؤزراً, اللهم أيدهم بتأييدك، واحفظهم بحفظك يا ذا الجلال والإكرام, اللهم وعليك باليهود المعتدين الغاصبين فإنهم لا يعجزونك, اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين, اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه على البر والتقوى، وسدده في أقواله وأعماله، وألبسه ثوب الصحة العافية، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة.
اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة ورأفة على عبادك المؤمنين, اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولها.
اللهم إنا نسألك الهدى والسداد, اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ماعلمنا منه وما لم نعلم, اللهم وإنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.
اللهم أجرنا من النار, اللهم أجرنا من النار, اللهم أجرنا من النار, اللهم كل قضاء قضيت لنا خير يا رب العالمين, اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصرنا وأزواجنا وذريتنا وأموالنا، واجعلنا مباركين أينما كنا.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله، دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلنه, اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك أنت الغفور الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.