الحسيب
(الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
إنها قنوات فضائية خُصت للشرك بالله تعالى، وعبادة الشياطين، وكَرست برامجها للسحر والشعوذة والكهانة، يَدَّعي ضيوفها علم الغيب، وامتلاك النفع والضر، ويمارسون سحرهم وكهانتهم وتنجيمهم على الملأ، ولا أحد يوقفهم، ولا رادع يردعهم، والمقدمون لهم ينعتونهم بالعلم والولاية والمشيخة، ويخلعون عليهم ألفاظ التبجيل والوقار، ويزعمون أنهم إنما كرسوا أوقاتهم لخدمة الناس، وحل مشاكلهم، وإزالة همومهم وغمومهم!!
الحمد لله العليم الخبير؛ خلق خلقه ليعبدوه، وتابع عليهم نعمه ليشكروه، نحمده ولا نجحده، ونشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفجره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ تفرد بالخلق والأمر والملك والتدبير، فلا نفعَ ولا ضُرَّ إلا بأمره، ولا أحد يعلم الغيب غيره (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ) [الرعد:9]، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ لما سمع جارية ترتجز وتقول: " وفينا نبي يعلم ما في غد" أنكر عليها ذلك، ونهاها عما تقول، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وسلوه الثبات على دينكم؛ فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه سبحانه يقلبها كيف يشاء، إن شاء أقامها وإن شاء أزاغها، وكان من دعاء نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام: " اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" .
أيها الناس: من أعظم النعم التي ينالها الإنسان أن يُهدى إلى العقيدة الصحيحة، وأن يعلم أصول دينه وفروعه، وأن يدرك ما يضره وما ينفعه، وأن يميز بين الوحي وبين الخرافة، فيؤمن بما جاء به الوحي ولو كان غيبا، وينبذ ما نتج عن الخرافة ولو شاهد له أثرا. والإيمان بالغيب هو الإيمان بدين الإسلام؛ ذلك أن أركان الإيمان الستة كلها غيب، والقرآن لا يكون هداية إلا لمن آمن بالغيب (ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة:2-4].
وعلم الغيب خصيصة من خصائص الربوبية، لا يعلمه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولكن الله تعالى يكشف ما شاء من غيبه لمن شاء من عباده (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) [آل عمران:179] وفي الآية الأخرى (عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) [الجنّ:26-27] .
كما أن النفع والضر من الله تعالى لا يملكهما أحد من الخلق مهما علت منزلته، أو عظمت قوته، أو كثر جمعه (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأنعام:17].
ونصوص الكتاب والسنة دالان على هذين الأصلين الكبيرين, أن الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه، وأن النفع والضر بيده عز وجل، وآيات القرآن الكريم تثبت علم الله تعالى للغيب، وتنفيه عما سواه سبحانه؛ مما يدل على أنه من خصائص ربوبيته عز وجل؛ ففي آية الأنعام (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ) [الأنعام:59] وفي آية يونس (فَقُلْ إِنَّمَا الغَيْبُ لله) [يونس:20] وفي آية النمل (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلا اللهُ) [النمل:65] ونوح عليه السلام قال لقومه (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ الله وَلا أَعْلَمُ الغَيْبَ) [هود:31] وهكذا قيل لمحمد عليه الصلاة والسلام أن يقول لأهل مكة.
والجن الذين يعتقد كثير من البشر أنهم ينفعون ويضرون من دون الله تعالى، وأنهم يعلمون الغيب أخبر الله تعالى عنهم أنهم ما علموا بموت سليمان عليه السلام وقد استعبدهم واستعملهم، ومات بينهم، ولو علموا الغيب لعلموا بموته، وكفوا عن خدمته (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ المَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي العَذَابِ المُهِينِ) [سبأ:14] .
ولما قص الله تعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام خبر نوح عليه السلام مع قومه ذيل ذلك بقوله عز وجل(تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا) [هود:49] وفي قصة يوسف ختمها الله بقوله سبحانه (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) [يوسف:102].
وأما الضر والنفع فقد خوطب النبي صلى الله عليه وسلم فيه بقول الله تعالى (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا) [الجنّ:21] وخوطب من اعتقدوا أن معبوداتهم تنفعهم أو تضرهم من دون الله تعالى بقوله سبحانه (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلا) [الإسراء:56] وقال النبي عليه الصلاة والسلام لابن عباس رضي الله عنهما: " واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف " رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وجمع الله سبحانه هذين الأصلين العظيمين في آية واحدة خاطب بها رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام فقال جل جلاله (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف:188].
وهذان الأصلان العظيمان في دين الإسلام يجب أن يدين بهما المسلم، ولا يشكَ في شيء منهما، ولا يقولَ أو يعمل أو يعتقد ما يخالفهما، وأيُّ إخلال بهما أو بأحدهما فهو إخلال بتوحيد العبد وإيمانه، وقد يخرجه من الإيمان إلى الكفر، ومن التوحيد إلى الشرك.
وكل طريق يتوصل بها إلى علم الغيب، أو يزعم صاحبها أنه ينفع الناس أو يضرهم فهي طريق ضلال وشرك بالله تعالى، ومنازعة له سبحانه في ربوبيته، وصاحبها يسعى في تعبيد البشر لغير ربهم وخالقهم ومدبرهم جل جلاله.
وفي مقدمة ما يُخِّل بهذين الأصلين العظيمين وينقضهما: السحر والتنجيم، والكهانة والعرافة، وقراءة الكف والفنجان، ومعرفة الحظ، والخط بالرمل، والضرب بالحصى، ونحو ذلك مما يقوم به دجالون يفسدون عقائد الناس، ويسلبون أموالهم، ويزرعون الشكوك والوساوس في قلوبهم، ويخرجونهم من نعيم الإيمان والطمأنينة إلى شقاء الشكوك والظنون، وينقلون قلوبهم من تعلقها بالله تعالى إلى تعلقها بالبشر وبالشياطين وبالأوثان.
وطرق الباطل كثيرة، وأساليب أهل الضلال في نشره عديدة، ومدَّعو علم الغيب والنفع والضر من السحرة والكهان موجودون في القديم وفي الحديث، ويحتالون على الناس بشتى الوسائل لنشر باطلهم، بيد أن الداهية الكبرى، والبلية العظمى: أنهم في هذا الزمن استطاعوا الوصول إلى الناس في بيوتهم، والنفاذ عبر الشاشات إلى نسائهم وأولادهم، والخلوة بهم في غرفهم ومجالسهم؛ لإفساد عقولهم، وإزاغة قلوبهم، وتدمير عقائدهم. إي والله الذي لا يحلف بغيره إن هذا لواقع، وكم من قلبٍ موحد لله تعالى نقلوه إلى شركهم، وكم من أسرة دمروها بسحرهم وشعوذاتهم.
إنها قنوات فضائية خُصت للشرك بالله تعالى، وعبادة الشياطين، وكَرست برامجها للسحر والشعوذة والكهانة، يَدَّعي ضيوفها علم الغيب، وامتلاك النفع والضر، ويمارسون سحرهم وكهانتهم وتنجيمهم على الملأ، ولا أحد يوقفهم، ولا رادع يردعهم، والمقدمون لهم ينعتونهم بالعلم والولاية والمشيخة، ويخلعون عليهم ألفاظ التبجيل والوقار، ويزعمون أنهم إنما كرسوا أوقاتهم لخدمة الناس، وحل مشاكلهم، وإزالة همومهم وغمومهم!!
أيشرك بالله تعالى في ربوبيته على رؤوس الأشهاد، ولا يحرك ذلك ساكنا في الناس!! فأين هي الغيرة على التوحيد؟! وأين تعظيم الله تعالى وقد أُعلن الشرك بربوبيته عبر الشاشات، ونازعت الشياطينُ ربنا عز وجل بعضَ خصائصه، فما أحلم الله تعالى على عباده؟ وما أشد أذى الخلق لربهم جل جلاله؟!
قنوات آثمة تبث ضلالها على الهواء مباشرة طيلة اليوم والليلة وضيوفها شياطين في إثر شياطين، لا يكلون ولا يملون، والمتصلون بهم من جهلة المسلمين، فماذا يقولون فيها؟ وماذا يفعلون؟ وماذا يعرضون؟
لقد رأيت في إحداها ولبئس ما رأيت!! وسمعت ويا لفظاعة ما سمعت!! رأيت ساحرا رافضيا باطنيا- والفرق الباطنية هي أكثر الناس تعاطيا للسحر والكهانة- ينتمي هذا الساحر الرافضي إلى النجف قد ألقى على طاولته أحجارا يزعم أن النفع والضُرَّ فيها، ومن التلبيس والإضلال يدعي هذا الأفاك أن كل هذه الأحجار مذكورة في القرآن والسنة، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يستعملها، وأنها من الطب النبوي، وأن تأثيرها فوري.
وتتصل به امرأة فقدت زوجها منذ عام فيتقمص هذا الساحر الخبيث صفة الرب ويقول (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) [طه:46] تعالى ربنا جل جلاله عن شرك هذا الكذاب الأشر، ثم يخاطب شياطينه عن طريق حجر من أحجاره، فيخلع عليهم صفات الربوبية، ويطلب منهم إرجاع هذا الزوج إلى زوجته، ثم يخبرها عن مكانه، وأنه يراه الآن، وأنه سيعود في غضون أيام.
ويتصل به آخر يريد تخليص معاملة إدارية عقارية فيعود إلى أحجاره وشياطينه يخاطبها بما أراد، ويعده بإنجازها فورا.
وتتصل به أخرى تسأله الصحة والرزق، فيضمن لها توسيع رزقها،وعافيتها من مرضها بعد أن يخاطب أحجاره وشياطينه.
وفي قناة أخرى شيطان آخر يرسم أشكالا ويكتب فيها طلاسم، ثم يطلب من المتصل أن يرسم مثلها، ويعلق هذه الورقة في بيته لتحميه طلاسمها وأسرته من الشرور.
وحدَّث أحدُ المشايخ المهتمين بهذا الموضوع: أنه شاهد ساحرا يقول لإحدى المتصلات: رزقك عندي.. حياتك عندي.. علاقتك مع زوجك عندي.. كل شيء عنك عندي.
ويحدث عن كاهن آخر أنه يقول لإحدى المتصلات: لماذا تزوجت فلاناً، المفروض أنك من أول يوم تطلقين.
وقالت له متصلة عن مشاكل لها مع زوجها فقال لها: لو يجتمع أهل الأرض كلهم لكي يصلحوا زواجك فلن ينجح.
واتصلت به امرأة تحكي أن زوجها كثير الانشغال بأُمه, فقال لها وفي يده طلسم: اكتبي هذا الحجاب وضعيه تحت فراش زوجك, وإن عاد إلى أُمه عودي إليَّ.
وكاهنة أخرى يتصل بها كثير من الفتيات، تسألها الواحدة منهن: هل ستتزوج أم لا؟ وكم سترزق من الولد؟ فتسألها الكاهنة عن عمرها ولون بشرتها، ثم ترمي بحجر، فتخبرها من ستتزوج؟ وكم ترزق من الولد؟
ويهزئون بالقرآن ويدنسونه؛ وذلك حينما قال أحدهم لإحدى المتصلات: اكتبي الآيات معكوسة، وآخر يقول لمتصلة أخرى: اجمعي فضلات الطيور واطحنيها واكتبي بها سورة الواقعة. ويقول هذا الأفاك الأثيم: إن المريض الذي فيه جن لا يُقرأ عليه القرآن، المريض يحتاج إلى طلاسم.
إنه -يا عباد الله- إفساد للعقائد، وشرك بالله تعالى، وعبادة للأوثان والشياطين، واستهزاء بالقرآن الكريم، وتدمير للأسر والبيوت، وإفساد للنساء والفتيات، وتعليق لقلوب المرضى بغير الله تعالى، وحث على القطيعة والعقوق، وصدق الله العظيم إذ يقول: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ) [البقرة:102] .
أيها الإخوة المؤمنون:ما نقلته على مسامعكم ما هو إلا شيء قليل، ونزر يسير، من شرك كثير، وإفساد عظيم؛ يبث إليكم، ويصل إلى بيوتكم عبر هذه القنوات الفاجرة المفسدة.
ولم أنقله إليكم بهذا التفصيل رغم ما فيه من الكفر والفسوق والدجل إلا لتعلموا خطورة الأمر؛ ولكيلا يتصدر من اتخذوا من تخذيل الناس عادة لهم، فيتهمون كل ناصح بالتهويل والمبالغة؛ فلقد بلغ السحر والكهانة بيوتكم، ووصل إلى نسائكم وأولادكم عن طريق البث الفضائي الخبيث، فاحذروا ثم احذروا ثم احذروا، اللهم بلغت، اللهم فاشهد.
(وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود:88] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم....
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين؛ جعل للحق أنصارا، وجعل للباطل أعوانا؛ ابتلاء للعباد وامتحانا، نحمده ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ) [البقرة:194] .
أيها الناس: من حيل هؤلاء الدجالين المجرمين من السحرة والكهان والعرافين: أنهم يدعون المتصلين بهم إلى قراءة القرآن، ويحددون لهم سورا وآيات يقرءونها بأعداد معينة، وأقسم بالله العلي العظيم ولا أحنث في يميني أنهم لا يعرفون القرآن، وإنما شياطينهم تلقي ذلك على ألسنتهم لخداع الناس وإضلالهم، ودليل ذلك أنهم لا يقرءون الآيات وإنما يذكرون سورها وأرقامها للمتصلين بهم، وفلتت من بعضهم مع الحماسة والانفعال فلتات حاولوا فيها ذكر أول الآيات التي يوصون بقراءتها، فإذا هم يكسرونها ولا يقيمونها، ويلحنون فيها، ويخطئون خطأ لا يخطئه أطفال المسلمين، وهي آيات من قصار السور، فهل هؤلاء يعرفون القرآن أو يقرءونه؟ وهل هم أهل مشيخة وولاية؟!
وقد يتساءل بعض الناس: لماذا تدعوهم شياطينهم إلى التزين بالقرآن، وخداع الناس به، ودعوتهم إلى قراءته، والشياطين والسحرة والكهان هم أعداء القرآن؟!
وجواب ذلك: أنهم يسوقون بضاعتهم الرديئة في بلاد المسلمين، ولو كانوا عند اليهود والنصارى لسوقوها بالتوراة والإنجيل أو بما يؤمن به من يستهدفونهم. ولو أنهم اقتصروا على طلاسمهم وخزعبلاتهم لأحجم عنهم أكثر من يتصلون بهم، ولكنهم تقمصوا ثياب المشيخة، وادعوا الولاية، ولا بد لهذه الهيئة من قرآن.
وماذا يضير شياطينهم من القرآن وتلاوته إذا كانوا يصرفون زبائنهم من المسلمين عما يدعو إليه القرآن من الإيمان والتوحيد إلى ما يناقض ذلك من الشرك والتعلق بغير الله تعالى؟!
وهل ينفع من وقع في الشرك شيئا أن يقرأ القرآن ألف مرة، أو يردد بعض سوره أو آياته حسب ما يملي عليه الساحر أو الكاهن؟!
أليس الشيطان قد علم أبا هريرة رضي الله عنه فضل آية الكرسي؛ مقابل أن يطلقه أبو هريرة ولا يرفع أمره للنبي عليه الصلاة والسلام.
أيفعل الشيطان ذلك، مقابل إطلاقه من عقوبة على خُدعة خدعها أبا هريرة رضي الله عنه، ولا يفعلها فيما هو أكبر من ذلك، وهو إغواء موحدين من بني آدم، وجرهم إلى الشرك بالله تعالى، والله لا يمانع الشيطان من قراءة القرآن إذا كانت قراءته والدلالة عليه خُدعة يستخدمها الساحر والكاهن لجرِّ زبائنهم إلى ما يريدون، وربح الشيطان في إضلال المسلمين بهذه الخدعة أعظم من خسارته بقراءتهم للقرآن.
إن هذا الوباء بالغ الخطورة، ويزداد يوما بعد يوم، وهو يفتك بعقائد الناس وقلوبهم، ويدمر أسرهم وبيوتهم، ولا بد أن يتداعى الغيورون من الأمراء والعلماء وأهل الرأي والمسئولية وسائر الناس إلى مكافحته، وحماية المسلمين من شره.
إنه يجب على من بيده أمر و نهي في الأقمار الاصطناعية أن يوقفوا بث هذه القنوات على الأقمار العربية.
وواجب على شركات الاتصالات أن تلاحق أرقام الاتصال بتلك القنوات فتحول بينها وبين المتصلين.
وواجب على كل من له علم ورأي وعقل ومعرفة أن يُحذِّر الناس من شر هذه القنوات المفسدة.
وواجب على رب الأسرة أن يحصن أهله وولده بالإيمان والتوحيد، وأن يطهر بيته، ويحفظ أسرته من وباء البث الفضائي الخبيث، فإن عجز عن إلغائه فلا أقل من ترشيده، بحجب هذه القنوات الشيطانية من أجهزة منزله. وما يدريه لو أن بعض بناته دلتها زميلتها على هذه القنوات لضائقة مرت بها، أو لأمر أهمها تريد مشورة فيه، والبنات في ذلك ضعيفات جدا، فدُلت على ساحر أو كاهن ينقل سحره إلى بيته وأهله، فيدمر بيته، ويخسر أسرته في غفلة منه.
وماذا لو جرب أحد الأولاد ورسم هذه الطلاسم التي يعرضونها على أنها تجلب الرزق أو تدفع الشر، وعلقها في غرفته، فمارس السحر بنفسه، وجلبه إلى أهله، فهي قنوات لا تكتفي بعرض السحر، والدجل على الناس به، ولكنها تعلم مشاهديها كتابة الطلاسم والشركيات.
ولا يحل لأحد الجلوس أمامها ومشاهدتها، ولا الاتصال بضيوفها، فمن اتصل بها ليسأل الساحر كشف ضره، أو جلب النفع إليه، مع إيمانه بقدرته على ذلك، فقد أشرك بالله تعالى في ربوبيته، ومن اتصل بكهنتها فسألهم عن شيء فصدقهم بما يقولون فقد كفر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام، ومجرد سؤالهم ولو لم يصدقهم يمنع قبول صلاته أربعين يوما، كما دلت على ذلك الأحاديث.
نعوذ بالله تعالى منها ومن القائمين عليها، ونسأله سبحانه أن يحفظنا ونساءنا وأولادنا والمسلمين أجمعين من شر السحرة والكهان والشياطين، إنه سميع مجيب. والحمد لله رب العالمين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد....