الآخر
(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | سامي بن خالد الحمود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | فقه النوازل |
ولا تزال فضائح الجيش الأمريكي التي يرتكبها جنود الاحتلال في العراق بحق النساء العراقيات تتوالى بشكل مستمر فمن جرائم سجن أبي غريب إلى ممارسات الجنود في الخارج، وكان آخرها جريمة الاغتصاب التي فاقت وحشيتها وخستها وبشاعتها كل الحدود ..
أما بعد:
عباد الله: ماذا أقول؟ وبأي كلام أبدأ؟ وعن أي جرح من جراحات أمتنا أتحدث؟
لا تزال الأمة في غفلة وغمرة، في الوقت الذي لا تزال فيه المآسي مستمرة، بدءاً بفلسطين الحبيبة التي تقدم الشهيد تلو الشهيد، جراء عمليات القصف اليهودي، والتوغل في قطاع غزة، وخاصة في اليومين المنصرمين.
وفي العراق، لا يزال المحتل النجس يجثم بجنوده على أرض الإسلام، ويستبيح الأرض والدماء.
نعم، واللهِ، أخجل من خضوعي | ومن هذا التذلُّلِ والخُنوعِ |
نعم، واللهِ، أخجل من سكوتي | على ظُلْمٍ من الباغي فَظيعِ |
وأخجل من بَني الإسلام لمَّا | أراهم في زماني كالقطيعِ |
نرى في الأَسْر أُولى قبلتينا | ونسمع صرخةَ الطفلِ الرضيعِ |
ونُبصر غَزَّةَ الأَمجادِ تُصْلَى | بنار الظلمِ والفَتْكِ الذَّريعِ |
يحاصِر أهلَها خوفٌ وجوعٌ | وما أقساه من خوفٍ وجوعِ |
وفي أرضِ العراقِ نرى خريفاًَ | من المأساةِ يعصف بالرَّبيعِ |
وتلعب بالقوانين الأعادي | وما للحقِّ فيها من شفيع |
قوانينٌ تصون حقوق كلبٍ | وترفع قَدْرَ كذابٍ وضيعِ |
ولا تزال فضائح الجيش الأمريكي التي يرتكبها جنود الاحتلال في العراق بحق النساء العراقيات تتوالى بشكل مستمر فمن جرائم سجن أبي غريب إلى ممارسات الجنود في الخارج، وكان آخرها جريمة الاغتصاب التي فاقت وحشيتها وخستها وبشاعتها كل الحدود.
عبير، الفتاة العراقية التي تبلغ من العمر خمسة عشر ربيعا، كانت الفتاة تشكو لأمها تعرضها للمضايقات من الجنود الأمريكيين الذين كانت سيطرتهم على بعد خمسة عشر متراً من منزلها في المحمودية.
نقلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن أحد الجيران أن قوة أمريكية مؤلفة من خمسة عشر إلى عشرين عنصرا داهمت منزل الفتاة، وقام الجنود بقتل والدها ووالدتها وأختها هديل، ضرب الجنود رأس والدها حتى تناثر مخه في أركان الغرفة، وخُنِقت والدتها إلى أن ماتت، وقُتلت أختها هديل والتي تبلغ من العمر سبع سنوات، ثم قاموا بسحب الفتاة إلى غرفة مجاورة، ونزعوا ثيابها بالقوة، وضربوها على رأسها، ثم تناوب أربعة منهم على اغتصابها، مما أدى إلى إصابتها بحالة إغماء شديد ونزيف، كما أثبته الطب الشرعي بعد تشريح الجثة، ثم قام الجنود بعدها بحرق الجثث من أجل إخفاء آثار الجريمة، ولما هرع الجيران إلى المنزل، فوجئوا بالقوات الأمريكية وهي تحرق العائلة السنية.
إنا لله وإنا إليه راجعون.. لقد ماتت الفتاة.. ماتت الفتاة المسلمة، صاحبة العرض الرفيع ذليلةً كسيرة، ماتت هي تحاول إخفاء عارها المنتهك.. ويا ليت شعري بماذا كانت تفكر في تلك اللحظات وهي تنازع الروح.
أيها المسلمون: إن هتك عرض هذه الفتاة التي تم اغتصابها قبل موتها وبعد موتها هو إذلال وإهانة لجميع الشعوب العربية والإسلامية.
وليس لنا عزاء لهذه الفتاة ولغيرها من المضطهدين سوى الله جل جلاله.. إن عين الله التي لا تنام، وإن بطش ربك لشديد، وإن عدالته ستنتقم من الظالمين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وأمام هذه الجريمة البشعة لم نسمع سوى بعض أصوات الاستنكار الضعيفة.. فقد استنكرت هيئة علماء المسلمين في العراق الجريمة وقالت: إن الممارسات الدنيئة لقوات الاحتلال تبين حقيقة الوجه الأميركي القبيح. ودعت جميع المنظمات الإنسانية إلى الوقوف بوجه البطش الأميركي الذي تجاوز كل الحدود.
عباد الله: لم يعد العالم يحتاج لدليل على أن الإدارة الأمريكية قد سقطت في الامتحان الأخلاقي في العراق، مثلما سقطت في الامتحانين العسكري والسياسي، فهي تزعم أنها تقدم دروساً في الديمقراطية وحقوق الإنسان والأخلاق، وجنودها يغتصبون العراقيات ويعذبون المعتقلين، ويدمرون المدن والقرى فوق رؤوس أصحابها. وهذا هو الإرهاب بعينه، لو كانوا يعلمون.
(لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ).
عباد الله: وهذه صفحة أخرى من الصفحات السوداء لحماة حقوق الإنسان المجرم، وأدعياء العدل والديمقراطية.
حميدان التركي طالب الدكتوراه السعودي، الفاضل الشريف المتدين، ابتعث لدراسة الدكتوراه في الولايات المتحدة الأمريكية قبل سنوات، وغادر إلى هناك وزوجته وأبناؤه الخمسة، وفي أواخر العام قبل الماضي اعتقل حميدان بتهمة مخالفة أنظمة الإقامة والهجرة، حيث اقتحمت مجموعة من مكتب التحقيقات الفدرالية البيت بطريقة بشعة، ثم اعتقلت خادمتهم الاندونيسية، وأفادت بأن تعامل العائلة كان طيباً للغاية، ونفت تعرضها لأية تحرشات جنسية، أطلقت السلطات الأميركية سراح حميدان بالكفالة، وواصلت التحقيقات مع الخادمة بنفس طويل.
وبعد أشهر، اعتقل حميدان وزوجته مرة أخرى، ووجهت له تهمة إساءة التعامل مع الخادمة، واحتجازها في منزلهم، واحتجاز أوراقها الثبوتية، وتعرضها لتحرش جنسي.. وتغيرت أقوال الخادمة، فقالت: إنه فرض علي الحجاب، ومنعني من اتخاذ صديق لي من الرجال!! في مناقضة لكل الاعترافات التي أدلت بها مسبقاً.
ثم طلبت السلطات الأمريكية بمنتهى الظلم كفالة مالية باهضة جداً، 400 ألف دولار مقابل إطلاق سراح حميدان، و150 ألف دولار لإطلاق سراح زوجته.
وقامت السلطات بإحضار زوجة حميدان للمحكمة بدون السماح لها بوضع حجاب وجهها ولا غطاء الرأس، في عنصرية مقيتة، وامتهان بغيض لقيم الإسلام، وانتهاك لمبادئ الديموقراطية الغربية ذاتها والتي تضمن للإنسان حريته الشخصية.
وتوالت جلسات المحكمة الجائرة، حتى كانت جلسة الأسبوع الماضي حيث قضت محكمة دينفر الأمريكية بإدانة الطالب السعودي حميدان التركي بـتهمة (الاختطاف من الدرجة الأولى)، و(التآمر على الاختطاف من الدرجة الأولى)، و(التحرش الجنسي من الدرجة الرابعة)، والحكم بسجنه مدى الحياة.
ونحن مع حزننا واستيائنا الشديد لما أصاب هذا الشاب الفاضل البريء، لا نزال نعلق آمالنا بالله ودعائه بالفرج، ثم نؤمل في حكومتنا المباركة وسفارتها هناك، وكافة المنظمات وجمعيات حقوق الإنسان أن يكتب الله علي يديها الفرج لأخينا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه..
الحقيقة -عباد الله- أن هذا الحكم الأمريكي الجائر، المبني على الأباطيل والأكاذيب، ليس في الحقيقة تصفية حساب مع هذا الطالب المبتعث، إنما هو تصفية حساب عنصري مقيت مع ما يمثله هو وزوجته من مبادئ الإسلام.
ليست القضية خوفاً على الخادمة أو حمايةً لحقوقها، في مجتمع تغص شوارعه بالدعارة والتسول!! بل القضية أن هذا الشاب غير مرغوب فيه لتدينه والتزامه هو وزوجته، التي أغاظ دعاة الحرية أنها ترتدي النقاب، ولو كانت ترتدي المايوه ذا القطعتين أعاذها الله منه لما حوكمت، بل لربما كرمت ونشرت صورها في صحفهم أنها نموذج للمسلمة المعتدلة غير المتشددة.
إنهم يكيلون بمكيالين، ولو أن هذا الطالب تحرش بـ«مونيكا لوينسكي»، كما فعله رئيسهم السابق، لم يحكم عليه بهذه العقوبة.
إنها حلقة من حلقات الكذب والتزوير الذي لا يختلف عن كذبهم بوجود أسلحة دمار شامل في العراق، وكذبهم بتحرير الشعوب ونشر الحرية، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
في سجن غوانتانامو، المئات من الأبرياء، اعتقلتهم القوات الأمريكية مع من هب ودب، ونقلتهم إلى هذا السجن البغيض، مضت على بعضهم خمس سنوات، وهم يقبعون في السجن، لم توجه إليهم أية تهمة، ولم يقدم أي منهم لأية محاكمة، في ظروف اعتقال بشعة، ووسائلَ تعذيب متحضرة، ابتكرتها آلة القمع الأميركية بما لا مثيل له في العالم.
وفي الآونة الأخيرة يموت ثلاثة منهم من أبناء هذه البلاد، ويزعم السجان المجرم أنهم قد انتحروا.
بل يخرج قائد المعتقل ليقول بكل صفاقة: "إنهم ماكرون يتمتعون بالقدرة على الابتكار، إنهم لا يقيمون أي اعتبار للحياة".. وتخرج نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركية لتقول: "إن انتحارهم ليس عملاً ناجماً عن اليأس بل عملاً حربياً غير متوازن ضدنا، وخطوة دعائية جيدة لشد الأنظار".
سبحان الله.. أية غطرسة، وأية حماقة يتعامل بها هؤلاء الظلمةُ مع السجناء والأسرى؟
نحن لا نصدقهم بأن هؤلاء الشباب قد انتحروا، ولكن لو فرضنا أنهم انتحروا، أيحسُدونهم حتى على الموت؟ أيشكون من انتحارهم، وأنه عمل عدواني ودعائي يجرح مشاعر السجانين الذين يزعمون حماية حقوق الإنسان؟
(وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ).
عباد الله: ومع هذه المآسي والمحن التي تنزل بالمسلمين في كل مكان، نقول: هل استشعرنا حقا ما يجب لأمتنا علينا؟ هل استشعرنا أننا ببعدنا عن الله، وبتركنا لدين الله نؤخر نصر الأمة ونطيل معاناة إخواننا؟
إن العودة لله تعالى تتطلب منا أن نبدأ بأنفسنا، وأهلينا، ومن حولنا، مع القيام بواجب النصرة لإخواننا بما نستطيع.. وتتطلب منا الصلاح والإصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يشيع الخير في الأمة من جديد.
اللهم صل على محمد...