البحث

عبارات مقترحة:

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

أهمية الدعاء

العربية

المؤلف عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. فضل الدعاء .
  2. آداب الدعاء .
  3. أسباب قبول الدعاء .
  4. حاجتنا للدعاءِ والأخذِ بأسباب إجابته .

اقتباس

والدعاءُ خيرٌ كلُّه، في العاجل والآجل، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ما مِن عبد يدعو الله بدعوة ليس فيها مأثمٌ ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يستجيب له دعوته، أو يصرف عنه من الشَّرِّ مثلها، أو يدَّخر له من الأجر مثلها" ..

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.

أمَّا بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ -تعالى- حَقَّ التقوى.

عباد الله: الدنيا طبعت على كدر، ولا يقضي الإنسان من خطر، ومن أمراض ومصائب، وأحداث وأحزان، وهموم وغموم، وظلم وفتن، وبغي وعدوان؛ ولكن الله -من رحمته ولطفه- جعل للناس وفتح لهم باباً للرحمة يتنفَّسُون فيه، ألا وهو الدعاء.

أيُّها المسلم: وقد تكفَّل الله لمن طرق باب الدعاء أن يجيب سؤاله، ويحقق طلبه، قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186]، وقال -جل جلاله-: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60].

وفي الحديث القدسي الذي يرويه نبينا عن رب العالمين قال: "يا عبادي، كلكم ضالٌّ إلا مَنْ هديتُه، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسونِ أكسُكُم؛ يا عبادي، كلُّكُم جائع إلا مَن أطعمْتُه، فاستطعموني أُطْعِمْكُم؛ يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم".

وقد دعا -جل وعلا- عباده الذين انغمسوا في المعاصي وأبرزوا ما يبغضه إلى الاستغفار والتوبة إليه: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء:110].

والدعاء له أهمية عظيمة في حياة المسلم، ولا يستغني المسلم عن الدعاء، فكم فُرِّجَ به من كَرْبٍ! وكم نُجِّي به مِن بلاء، وكُشف به من ضرر! وكم استُوجِبَ به مِن الرحمة والعفو من الله، والنعم الظاهرة والباطنة!.

أيُّها المسلم: إذا تأمل المسلمُ في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، رأى للدعاء أهميةً عظيمة، فمن ذلك أن الدعاء يردُّ القدَر، تقول عائشة -رضي الله عنها- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يرُدُّ القضاءَ إلا الدعاءُ، ولا يزيد في العُمُرِ إلا البِرُّ"، وفي الحديث، عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يغني حذرٌ عن قدَرٍ، والدعاء ينفع مما وقع ومما لم يقع، وإن البلاء لَينزل فيتلقاه الدعاء فيتعالجان إلى يوم القيامة".

والدعاء مخ العبادة وخلاصتها، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "الدعاء هو العبادة"، وفي رواية: "الدعاء مخ العبادة".

والدعاء طريق الأنبياء والمرسلين والتابعين لهم، قال -تعالى- عن أنبيائه: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء:90]، وقال عن صلحاء عباده: (كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات:17].

أيُّها المسلم: والدعاءُ خيرٌ كلُّه، في العاجل والآجل، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ما مِن عبد يدعو الله بدعوة ليس فيها مأثمٌ ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يستجيب له دعوته، أو يصرف عنه من الشَّرِّ مثلها، أو يدَّخر له من الأجر مثلها".

والدعاء -يا عباد الله- طريق النجاة والخلوص من المضايق، يقول الله -جلَّ وعلا-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) [الأنعام:42]، فيبتلي الله عباده ببعض ما يبتليهم به لينيبوا إليه، ويرجعوا إليه، وقد أخبر -جل وعلا- عن الكفار أنهم في شدائدهم يخلصون لله دعائهم، قال -جل وعلا-: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمْ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [يونس:22-23]، وقال -جل وعلا-: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [العنكبوت:65].

أيُّها المسلم: والدعاء -يا عباد الله- ربحٌ بلا ثمن، وغنيمة بلا عناء، وتجارة يملكها الغني والفقير؛ فالدعاء ممكن من كل غني أو فقير يدعو الله ويرجوه ويتضرع إليه.

أيها المسلم: إن للدعاء آدابا عظيمة، فمن آداب الدعاء:

أولاً: أن تخلصه لله قال -جل وعلا-: (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [غافر:65]، فالعبد يخلص دعاءه لربه، لا يدعو غير الله؛ لأن غير الله ليس مؤهلاً لذلك، إنما يدعو السميع القريب المجيب، قال -جل وعلا-: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف:55-56]، وقال: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) [الجن:18].

وقد ذَمَّ الله مَن دَعَا غيره، وأخبر أن دعاء غيره لا ينفع: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) [الأحقاف:5]، وقال: (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ) [فاطر:14].

أيها المسلم: فأخلِصْ لله دعاءك، أخلص لله دعاءك؛ فإن إخلاصك لله بالدعاء سبب لإجابته بتوفيق من الله.

أيُّها المسلم: من آداب الدعاء أن تقدم بين دعائك حمد الله وتمجيده والثناء عليه، والصلاة على محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا يقول: "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد"، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي من دعاء به أجابه، ومن سأله أعطاه"، وختْم دعائك بالصلاة على محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن هذا من أسباب قبول الدعاء، وجعْل دعائك بأسماء الله الحسنى، قال الله -تعالى-: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) [الأعراف:18].

أحسِنْ الظن بربك! فإن الله عند حسن ظن عبده به، يقول الله -جل وعلا- في الحديث القدسي: "أنا عند حسن ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني"؛ أَعْزِم المسألة، وادعُ الله أنت واثق بالإجابة، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقول أحدكم اللهم أغفر لي إن شئت، اللهم أرحمني إن شئت، ليعزم المسألة؛ فإن الله لا مكره له، وإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه".

أيُّها المسلم: ادعُ الله وأنت موقن بالإجابة، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ادعوا الله وأنتم موقونون بالإجابة؛ فإن الله لا يستجيب الدعاء من قلبٍ غافلٍ لاهٍ".

ألِحَّ بالدعاء، وأَكْثِرْ من الدعاء، واجعل دعاءك فيما بينك وبين ربك، (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً)، فكلما أكثرتَ من الدعاء وأكثرت من الإلحاح على ربك فذلك من أسباب قَبول دعائك بتوفيق الله -جل وعلا- لك.

أيُّها المسلم: تحرَّ أوقات الإجابة؛ فإن هناك أوقات يكون الدعاء مستجابا -بتوفيق الله- فيها، فمن ذلك آخر جوف الليل؛ سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر، ودبر كل صلاة"، وقال في يوم الجمعة: "فيها ساعة لا يوافق فيها عبد مسلم يصلي يدعو الله إلا أعطاه"، وأيضا -أيها المسلم- في دبر الصلوات قبل السلام فادعوا الله بما أحببت من خيري الدنيا والآخرة؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه".

وادعُ الله في سجودك؛ فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، ادعُ ربك تذللا، ادعُ ربك وأنت في مسكنة وذلة وافتقار وإظهار الحاجة لله، قال -جل وعلا-: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) [النمل:62].

أيها المسلم: إن هناك موانع قد تمنع من إجابة الدعاء فتخلص منها إن أردت لدعائك أن يستجاب بتوفيق الله؛ فأولا: أخبرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن أكل الحرام ولبس الحرام والتطلب للمكاسب الخبيثة أنه من أسباب منع الدعاء، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)"، ثم ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجل، "يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!".

فاحذر المكاسب الخبيثة مهما زينت لك، ومهما عظمت في نفسك، احذرها وابتعد عنها لكي يكون دعاؤك -بتوفيق الله- مستجابا.

ومن أسباب منع استجابة الدعاء أيضاً الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يُستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم"، فإياك أن تدعو بإثم، بكلام سيء، ودعاء بالعدوان وقطيعة رحم وظلم!.

ومن موانع الدعاء الاستعجال في الطلب، ادعُ الله ووكل الإجابة إلى ربك، فالله أعلم بحالك وحال ما يصلحك، فهو أرحم بك من رحمة أمك بك، فإذا دعوت الله فانتظر الإجابة، واعلم أن الدعاء بحد ذاته عبادة، فإن وُفقت في دعاء الله فاحمد الله على هذه النعمة، قال أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه-: إني لا أحمل هم الإجابة؛ ولكن أحمل هم الدعاء، فإذا وُفِّقْتُ للدعاء توفقت بالإجابة إن شاء الله.

فيا أيها المسلم: لا تستعجل، دعوت يوماً أو شهرا أو سنة فانتظر الإجابة، ثم أنت في دعائك لربك أنت في عبادة وطاعة لله، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "يُستجاب لأحدكم ما لم يعجِّل، يقول: دعوت فلم يُستجَب لي؛ فيتحسر ويدع الدعاء!".

يا أخي، اترك هذا، وادع الله دائماً وأبدأ، واعلم أن الدعاء عبادة، وإن فتح عليك باب الدعاء والتضرع بين يدي الله والإلحاح على الله فأنت في خير، وأنت في نعمة، المهم أن تكثر من الدعاء.

ومن أسباب قبول الدعاء اعترافك بذنبك وخطئك، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "أذنب عبدٌ فقال: اللهم إني ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي. قال الله: علم عبدي أن له رباً يغفر ويعاقب؛ غفرتُ لعبدي".

فيا أخي المسلم: اعترف بذنبك وإساءتك وتقصيرك، واسأل الله التوفيق والسداد، ادع الله أن يصلح ذريتك، وادع الله أن يختم لك بخاتمة خير، وادع الله أن يكفيك شر الأشرار وكيد الفجار.

واسأل ربك ما أحببت من خيري الدنيا والآخرة، فالله أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، واجعل همَّ دعائك أن تسأله الثبات على دينه، وأن تسأله أن يختم لك بخير، وأن تسأله الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يسأل بوجه الله إلا الجنَّة"، فالجنة أغلى السلع، فاسأل الله بقولك: اللهم إني أسألك بوجهك الكريم الجنة.

اسأل الله الجنة وما قرب إليها من الأقوال والأعمال، واستعذ به من النار وما قرب إليها من الأقوال والأعمال، وأكثر من الدعاء؛ فإن الله -جل وعلا- يسمع دعاءك، ويرى مكانك، ويعلم سرك وعلانيتك، يقول الله في الحديث القدسي: "يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرت غفرت لك، يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة".

فنسأل الله العون والتوفيق والتأيد، والثبات على الحق، والاستقامة عليه.

أقولُ قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنَّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنْ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.

أما بعد: فيا أيُّها الناسُ اتَّقوا اللهَ -تعالى- حقَّ التقوى.

أخي المسلم: وأنت تعلم حقَّاً كمال جود الله، وكمال فضله وإحسانه، وكمال كرمه وحلمه وإحسانه، إذاً؛ فارفع يديك إلى الله طالباً وراجياً؛ فإنك تسأل غنياً كريما قادرا، تسأل من يحب من عباده يسألوه، تسأل من يغضب مِن ترْك سؤاله، فكلما سألته، وكلما اضطررت إليه، وكلما افتقرت إليه ازددت به قربا، وازداد لك حبا وفضلا؛ وكلما أعرضت عنه، وكلما ابتعدت عن دعائه سخط عليك، وغضب عليك: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).

كلما احتجت إلى البشر، وكلما عظم التعلق بالبشر ازدادوا بغضاً لك، واستثقلوك، وكرهوك، وسئموا منك، وملُّوا منك، وقالوا: هذا ثقيل! وهذا...، وربك الكريم كلما دعوته وكلما تعلق قلبك به حباً وطمعاً ورجاءً في فضله كلما ازددت منه قرباً، وازداد لك حبا، وأعطاك من فضله وكرمه، فاسأله؛ فإنه قريب مجيب.

أخي المسلم: يا مَن ابتُليت بأنواع المعاصي والإجرام، اُدعُ الله أن يخلصك من هذا البلاء، وارفع إليه يديك أن يمنَّ عليك بالتوبة النصوح، ويخلصك من آثار الذنوب والمعاصي، اسألك ربك وارفع يديك إليه راجيا أن يحول بينك وبين هذه المعاصي والجرائم، واذكر قول يوسف: (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [يوسف:33-34].

أيها المسلم: ادعُ الله أن ينقذك من هذه القاذورات، وأن يخلصك منها، ويمنَّ عليك بالاستقامة على الطاعة، كلما وجدت من نفسك قلة اهتمام بالصلاة وعدم القيام بها بخير قيام فاسأل الله أن يوفقك ويجعك من المحافظين عليها، والملازمين لأدائها.

أيُّها المسلم: كلما ضاقت بك الحيل، وحلَّت بك المصائب والكربات، فلا ملجأ من الله إلا إليه، فادعوه، وتضرع بين يديه، وتذكَّرْ قوله عن نبيه ذا النون: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ...) [الأنبياء:87-88].

أيُّها المسلم: كلما ضاقت بك الحيل، وغلبتك الديون وحقوق الناس وعجزت عنها، فالجأ إلى الله أن يُفرج همك، ويقضي دينك، وأكثِر: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل والبخل والجبن، وغلبة الدَّيْن، وقهر الرجال.

كلما ضاقت بك الحيل، وفشلت في تجارتك وأحوالك، فاسأل الله التوفيق والسداد، واسأله العون على كل أحوالك؛ فالله قريب مجيب، وأنت فقير في ذاتك، وهو الغني عنك بذاته: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر:15].

أيها الأب الكريم: كلما حصل من أولادك من مخالفة لك، وقصور في التعامل معك، وكلما دعوتهم ونصحتهم فلم يستجيبوا لك، فإياك أن تدعو عليهم! فإن دعاءك مستجاب، اجعل عِوَضَ الدعاءِ عليهم دعاء الله لهم بالصلاح والهداية، واذكر قول الرجل الصالح: (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ) [الأحقاف:15]، ودعاء المؤمنين: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) [الفرقان:74]، وتذكر دعاء الخليل: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) [إبراهيم:40-41].

أيها الشاب المسلم: وأنت في زمن الفتن والمغريات والمصائب العظيمة، وأعداء الإسلام قد أجلبوا بخيلهم ورجِلهم على إفساد دينك، وتغيير أخلاقك وقيمك، وإفساد معتقدك، وتشيكك في الثوابت والمسلمات من دينك من وسائل الإعلام المختلفة، ومواقع مختلفة، فاسأل الله الثبات على الإسلام، وأكثِرْ من قول دعاء المؤمنين: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران:8]، وأكثِر من قولك: اللهم مقلب القلوب ثبِّتْ قلبي على دينك، اللهم مصرف القلوب اصرف قلبي إلى طاعتك.

أيها الزوجان الكريمان: كلما شعرتم بنزاع بينكما، أو تدخُّل أيدٍ خفية لإفساد العلاقة الزوجية، أو شعوذة المشعوذين، وحقد الحاقدين والمفسدين، فارجعوا إلى الله وادعوه ليلا ونهارا أن يفرج عنكما ما أنتما فيه، وأن يزيل عنكما تلك الغشاوة، وأن يؤلف بين قلبيكما، فالله قريب مجيب، وقد أخبرنا عنه الصادق: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ) [البقرة:102]، فأكثروا مِنْ دعاء الله، والالتجاء والاضطرار إليه، يفرج الله همكما، ويكشف ضركما، ويؤلف بين قلبيكما.

أيها الفتاة المسلمة: وأنت في زمن المغريات والمفسدات وقد أجلبوا الأعداء عليك بكل وسيلة ممكنة لإفساد الأخلاق والحياء والكرامة والحشمة، فعليك بتقوى الله، والالتجاء إلى الله أن يحفظ عليك دينك، ويصون كرامتك وعفتك وحياءك، وان يحفظك مما يريد أعداء الإسلام ودعاة التحرر، الذين موقفهم إفساد شابات المسلمين وشبابهم، فالجئي إلى الله، واسألي الله التوفيق والهداية والثبات على الحق، وإياكِ والإصغاءَ لآراءِ الأعداء المفسدين! اسألي الله الثبات على هذا الدين، والاستقامة عليه.

أيها المسلمون: يواجه المسلمين تحديات كثيرة من أعدائهم، فعلينا -جميعاً- أن نسأل الله أن يثبتنا على هذا الدين، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد أن هدانا، مع الأخذ بالأسباب التي تقي المسلم شرور أعدائهم، ومكايد أعدائهم، فلنتقِ الله جميعاً، وأن تكون علاقتنا بربنا علاقة قوية بدعائه والاضطرار إليه، بالمحافظة على هذه الصلوات الخمس، وملازمة أدائها، والطمأنينة بها؛ فإنه خير عون العبد على كل ما أهمه في أمر دينه ودنياه: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة:45-46].

إن أعداء الإسلام يحسدوننا على أمننا، واستقرارنا، واجتماع كلمتنا، وتوحد صفنا، وما أنعم الله به علينا من الخير والنعم العظيم، فعلينا أن نسأل الله شكر نعمته، وحسن عبادته، وأن ندعو ليلا ونهارا أن يجعل ما أعطانا مِن النِّعَم عوناً لنا على ما يرضيه، وأن يجعل أمننا ورخاءنا واستقرارنا واجتماع كلمتنا وتوحيد صفوفنا والْتِحَامنا مع قيادتنا أن يجعل ذلك سبباً لصلاح قلوبنا، وصلاح أعمالنا، وقيامنا بما أوجب الله علينا، هذا هو المطلوب منا.

فلندعو الله دائما وأبدأ، فالله قريب مجيب، يسمع دعاءنا، ويرى مكاننا، ويعلم سرنا وعلانيتنا، فنسأله أن يثبتنا على دينه، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إن هدانا، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، ومن تحول عافيتك، ومن فجاءة نقمتك، ومن سائر سخطك.

اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وشماتة الأعداء، وسوء القضاء، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، ومن تحول عافيتك، ومن فجاءة نقمتك، ومن سائر سخطك: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) [النمل:19].

واعلموا -رحمكم اللهُ- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

وصَلُّوا -رَحِمَكُم اللهُ- على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، والأئمة المهديين: أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.

اللَّهمّ...