البحث

عبارات مقترحة:

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

الإله

(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...

إجابة السائل على أهم المسائل

العربية

المؤلف عيسى بن عكاس
القسم كتب وأبحاث
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التوحيد - التوسل
إجابة السائل على أهم المسائل: احتوت هذه الرسالة على تحقيقٍ في ثلاث مسائل: 1- صفات الله تعالى، عن كلام الله تعالى وأنه غيرُ مخلوقٍ. 2- حياة الأنبياء في قبورهم. 3- التوسل والوسيلة، وبيان حُرمة الاستغاثة بالأنبياء والأولياء.

التفاصيل

إجابة السائل على أهم المسائل تحقيق في ثلاث مسائل ترجمة المؤلف مقدمة فصل فصل فصل  إجابة السائل على أهم المسائلعيسى بن عكاس تحقيق في ثلاث مسائل1- صفات الله تعالى2- حياة الأنبياء في قبورهم3- التوسل والوسيلة ترجمة المؤلفبقلم فضيلة الشيخ/ عبد العزيز بن عكاسرئيس الهيئات الآمرة بالمعروف في الأحساءهو عيسى بن عبد الله بن حسن بن أحمد آل عكاس؛ ينتمي نسبه لقبيلة سبيع. ولد رحمه الله في سنة الستين بعد المائتين والألف من الهجرة؛ وتوفي في رابع شوال سنة 1338 الثامنة والثلاثين بعد الثلاثمائة والألف.نشأ رحمه الله على أحسن ما ينشأ عليه أبناء الوقت من الحياء والنزاهة ومحبة مجالس الخير؛ فحفظ القرآن وهو ابن ثنتي عشرة سنة، واشتغل بطلب العلم على شيخه العلامة الشيخ أحمد بن علي بن مشرف العالم الشهير والشاعر المفلق الخطير؛ وحبب إليه العلم على صغره وضعف جسمه واحتياجه الدنيوي؛ ذلك لأن أباه رحمه الله أصيب بداء الفالج فاستمر مع شغل باله بطلب القوت لنفسه ولمن يمون من إخوانه؛ فأمده الله بحافظة تذكرنا حفظ الأوائل، فكان رحمه الله يحفظ الشيء من مرة واحدة ببصر نافذ وفكر ثاقب؛ على مناهج الرعيل الأول من السلف؛ وكان رحمه الله يجلس للطلبة فيمرون عليه دروسهم على اختلافها واختلاف فنونها؛ وهو لا ينبس ببنت شفة، حتى إذا انتهي آخرهم بدأ بالأول فأعاد درسه حرفيًا مع تقريره المشبع وهلم جرا حتى ينتهي آخرهم وربما بلغوا أربعة عشر تلميذًا.وله رحمه الله نظم ليس بالكثير في مناسبات تخطر أو جمع متفرق أو نحو ذلك من الفوائد العلمية. وكان متوسعًا في العلوم مع كونه لم يرحل عن بلده (الأحساء) حتى إذا أفاض في فن من الفنون حسبت أنه لا يعرف غيره. وكانت مجالسه كلها مجالس العلماء الأدباء، وله اليد الطولى في علم النحو، وولع بألفية ابن مالك حتى أنه يقول لطلبته: من سألته عما في ألفية ابن مالك فأجابني أطلقته على علم الحديث.ولو ذهبت نتتبع ما له من المطارحات والمفاكهات لطال بنا البحث وفي القليل ما يدل على الكثير. غفر الله له ورحمه وصب على ضريحه شآبيب الرحمة.وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا. مقدمةبقلم الأستاذ/ عبد الله بن محمد بن خميسبسم الله الرحمن الرحيمفي كل بقعة من بقاع العالم التي يستوطنها المسلمون؛ وفي كل جيل من أجيالهم؛ تقوم دعوة تنادي المسلمين بالرجوع إلى دينهم الصافي الأصيل؛ وتقف مجاهدة بلسانها وسنانها لدعم هذه الدعوة وظهورها، لعلمها أنها هي السبيل الوحيد لإعزاز المسلمين وقوتهم وحفظ كرامتهم, ونباهة قدرهم، بدليل أن هذه الطريقة السلفية التي يدعون إليها، هي التي أتى بها منقذ البشرية عليه الصلاة والسلام، وهي التي تلقاها عنه صحابته الكرام فمن بعدهم من سلف هذه الأمة؛ وهي التي جعلت من المسلمين آنذاك قوة جبارة ارتعدت لها فرائص الشرق والغرب وخلبت ألباب الأمم بسرعة انتشارها؛ وقوة تأثيرها، مع بساطتها وسماحتها ومرونتها، مما جعل الناس يدخلون في دين الله أفواجا؛ ويهرعون إلى هذا الدين الخالص النقي، الذي لم تشبه شائبة الدجل، ولم تر عليه مسحة الخرافة وزيادات المشعوذين.وقد ظل المسلمون طيلة عصورهم الزاهرة محتفظين بهذا المبدأ، متمسكين به، حتى جاء عصر الفرق والطوائف التي ألقت بذورها النزعات السياسية، والاتجاهات الطائفية، والنعرات الجنسية، ففرقت كلمة المسلمين وغيرت اتجاههم؛ وظلت كل طائفة ترشق أختها بنبال التضليل والتكذيب، وتكيل لها أوابد التفنيد والتهجين، وانضوى تحت لواء كل طائفة فئام من الناس توارثوا تعاليمها خلفًا عن سلف، وأمعنوا في التعصب لها والبغض لمناوئيها، وألفت في ذلك الكتب والردود، ورمي بعضهم بعضا بالكفر والفسوق، وكان كبش الفداء في ذلك وحدة المسلمين وجمع كلمتهم.وحينئذ وجد العدو فيهم ثغرة واسعة فولج منها وأخذ في توهينهم، وإذكاء نار الفتن والبغضاء فيما بينهم، حتى جعلهم لحمًا على وضم، وأصبحوا غثاء كغثاء السيل، كما أخبر نبيهم عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا، وإلى أن يثوبوا إلى رشدهم، ويرجعوا إلى أصل دينهم في عهده الزاهر، وهو ما كان عليه نبيهم عليه الصلاة والسلام وصحابته وسلف هذه الأمة الذي أخبر عنه عليه الصلاة والسلام في حديث (الفرق)، وأنها كلها في النار إلا ما كان عليه هو وأصحابه.قلت آنفًا: أنه لم يخل زمان ولا مكان من قائمين لله بالحجة، وداعين إلى صراطه المستقيم، وهو طريق الفرقة الناجية، طريق السلف الصالح، وفي ذلك مصداق لما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم. الحديث.وقد ظلت هذه الدعوة تنتقل من جيل إلى جيل، ومن مصر إلى مصر، وينداح نورها، وتقوى شوكتها حينًا، ويدركها الفتور والضعف حينًا آخر، وقد كان لها في مستهل القرن الثامن فورة عارمة، على يدي علم من أعلام الملة، ومجاهد من رجال السنة، هو شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، ثم تلميذه ابن القيم، مما جعلها تقوى وتنتشر، ويتبين لكثير من المسلمين حقيقة هذه الدعوة وفضلها فينصاعوا إليها، ويتفانوا في سبيلها، رغم ما لقيه ابن تيمية وأتباعه من عنت وإرهاق، وبؤس وتنكيل ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ ولكنه صبر وصابر، حتى أظهره الله على من ناوأه، وترك لأهل هذه الدعوة سلاحا ماضيًا انتضاه من دائرة الوحيين.وقد كانت هذه الدعوة معدومة في جزيرة العرب، حتى لقد ركب الناس رؤوسهم، وعبدوا الأحجار والأشجار من دون الله، إلى جانب سيل من الخرافات متلاطم، حتى تداركها الله بالمجدد العظيم، والزعيم الإسلامي الكبير، شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب؛ فأعادها في بضع سنين بيضاء نقية لا شائبة فيها ولا كدر، وقد ناله ما نال صنوه ابن تيمية من التكذيب والكيد والدس واستعداء الحكام وإثارة حفائظهم، ولكنه المجاهد الصبور الذي يعتبر كل ما ناله في سبيل إنهاض هذه الدعوة مفخرة وأجرًا، حتى انتشرت هذه الدعوة، ليس في جزيرة العرب فحسب، بل في عموم أقطار العالم، ولا تزال في الظهور والانتشار حتى تعود بالمسلمين عموما إلى دينهم الخالص إن شاء الله.ومن أجل ذلك لم يتردد قادة الفكر وحملة الأقلام في العالم الإسلامي – وفي القرن العشرين على الأخص قرن تحفز الأمة الإسلامية لإعادة مجدها وسؤددها - لم يترددوا في أن هذه الدعوة هي السبيل الوحيد لإنهاض المسلمين وإعلاء كلمتهم مما جعل الدكتور طه حسين يرفع عقيرته قائلا (ولولا أن الترك والمصريين اجتمعوا على حربها، وحاربوها في دارها بقوى وأسلحة لا عهد لأهل البادية بها، لكان من المرجو جدا أن توحد كلمة العرب في القرن الثاني عشر والثالث عشر للهجرة كما وحد ظهور الإسلام كلمتهم في القرن الأول، ولكن الذي يعنينا من هذا المذهب أثره في الحياة العقلية والأدبية عند العرب، وقد كان هذا الأثر عظيما خطيرًا من نواح مختلفة، فهو أيقظ النفس العربية ووضع أمامها مثلا أعلى أحبته وجاهدت في سبيله...»([1]).ويقول: «قلت: إن هذا لمذهب جديد قديم معًا، والواقع أنه جديد بالنسبة إلى المعاصرين، ولكنه قديم في حقيقة الأمر، لأنه ليس إلا الدعوة القوية، إلا الإسلام الخالص النقي المطهر من شوائب الشرك والوثنية؛ هو الدعوة إلى الإسلام كما جاء به النبي خالصًا لله وحده؛ ملغيًا كل واسطة بين الله وبين الناس، هو إحياء للإسلام العربي، وتطهير له مما أصابه من نتائج الجهل، ومن نتائج الاختلاط بغير العرب»([2]).ويقول الأستاذ الكبير الزيات: «إن العقيدة الخالصة والفطرة السليمة لا تزالان في الحجاز وفي هضبات نجد» ويقول أيضا – في مجلة الرسالة – ما معناه «ولولا أن محمد علي وأضرابه خضدوا من شوكة هذه الدعوة لانتشلت المسلمين في هذا العصر مما هم واقعون فيه».ويقول الأستاذ محمد قاسم «كان الوهابيون في عقيدتهم ومذهبهم على طريقة أهل السنة والجماعة؛ والأساس الأصيل لمذهبهم هو توحيد الله... أما آدابهم فهي على صفاء ونقاء إذ يحرمون الموائع المسكرة وكل المواد المخدرة، ويحرمون جميع أنواع الفجور والفسق والعدول عن الحق والانصاف والعمل بالحيل والخداع والاغتصاب والمقامرة، أما في شهامة التعصب الحقيقي للدين فإنهم يغارون على كل صغيرة مخلة بالدين)([3]).أما الأستاذ منح هارون فيقول في رده على (كونت ويلز): "ولما اتسعت حركات السعوديين في ذلك الحين، وأخذت تهدد العراق والشام والحجاز واليمن، لم تر السلطة العثمانية أو السياسية الغاشمة بدًا من أن تعمل لصرف قلوب العرب عن هذا الأمير (المراد به الأمير عبد العزيز ابن مؤسس الدولة السعودية) الطامح لاسترداد مجد العرب.فأوعزت إلى بعض عمالها من المشائخ فأخذوا يدسون على الشيخ ابن عبد الوهاب أقوالا ما أنزل الله بها من سلطان، ويتخذون من المسائل الخلافية بين مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وبين المذاهب الإسلامية الأخرى وسيلة للطعن على الوهابيين الذين ألصقوا بهم هذا الاسم تضليلاً للرأي العام الإسلامي، واتهامهم بأنهم ذوو مذهب جديد غير معترف به مع أنهم لم يخرجوا في شيء عن مذهب الإمام أحمد الذي هو مذهب السلف الصالح، ولم يقولوا شيئًا مبتدعًا في الدين، وكل ما قاله الشيخ ابن عبد الوهاب قال به غيره ممن سبقه من الأئمة الأعلام ومن الصحابة الكرام، ولم يخرج في شيء عما قاله الإمام أحمد وابن تيمية".وقال أبان العالم الألوسي في كتابه (جلاء العينين): (إن ابن تيمية لم يقل شيئا إلا وهو مأخوذ من الكتاب والسنة، ومن أقوال أئمة المذاهب كالشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي؛ فلم يكن ابن تيمية مبتدعًا ومثله ابن عبد الوهاب، على أننا لو نظرنا في آراء علماء المسلمين المحققين اليوم وفي كل زمن في جميع الأقطار الإسلامية لوجدناها متفقة مع رأي من يسميهم الناس وهابيين... إذن فعلماء المسلمين المحققون كلهم وهابيون)([4]).أما عمر أبو النصر فيقول في كتابه (ابن سعود) عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما هذا نصه: والواقع أن دعوة ابن عبد الوهاب ليست غير دعاية صالحة موفقة لنبذ البدع والمفاسد التي لحقت بالدين الإسلامي، والتي عمل بعض المشائخ على الترويج لها وذيوعها وانتشارها بين الناس.وإذا ذهبنا نبحث الدعوة في مصادرها ونتولاها بالنقد والبحث والتحقيق... وجدنا أنها لا تختلف عن مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وهي دعوة قد عادت بالنفع العظيم على الحجاز ونجد، إذ أماتت كثيرًا من البدع، وقضت على ألوان من الضلالات.وليس للوهابيين مذهب خاص يدعى باسمهم بخلاف ما يقول بعض الحاملين عليهم؛ وإنما مذهبهم مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وليس فيما يطلبونه ويدعون إليه ما ينافي السنة ولا يتفق مع القرآن الكريم وهم ينكرون هذا التضليل الذي يحاوله بعض الشيوخ وغير الشيوخ، وهذا الإغراق في إقامة القباب حول الأضرحة والقبور والصلاة فيها وإقامة المباخر وطلب الشفاعة من أصحابها، والإسلام ينكر هذا وينهى عنه وليس في الإسلام وسيط بين الإنسان وربه، وليس هناك من يشفع عنده إلا بإذنه. وقد كتب شيخ كبير من شيوخهم سئل عن عقيدة الوهابية يقول: (أننا ندعو الناس إلى إقامة الصلوات في الجماعات على الوجه المشروع؛ وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت، ونأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، وهذه هي كل شعائر الإسلام، وما عداها فباطل وتضليل...)([5]).ويقول الأستاذ مصطفى الحفناوي عن (وليمز) و (ارمسترونج) من كتاب لهما عن ابن سعود: «كذلك لما شاع الفساد في بلاد المسلمين قام في جزيرة العرب محمد بن عبد الوهاب يحارب البدع ويدعو إلى جمع الصفوف؛ لإعادة مجد الإسلام وعبادة الله بقلب سليم، ولكنه كغيره من المصلحين اضطهد واتهم بالإلحاد والزندقة»([6]).أما الكاتب الإسلامي الكبير محمد كرد علي فيقول في كتابه (القديم والحديث): (وما ابن عبد الوهاب إلا داعية هداهم من الضلال، وساقهم إلى الدين السمح، وإذا بدت شدة من بعضهم فهي ناشئة من نشأة البادية، وقلما رأينا شعبًا من أهل الإسلام يغلب عليه التدين والصدق والإخلاص مثل هؤلاء القوم، وقد اختبرنا عامتهم وخاصتهم سنين طويلة فلم نرهم حادوا عن الإسلام قيد غلوة)([7]).وقد كتب عن هذه الدعوة كثيرون من المسلمين وغير المسلمين وألفت فيها الكتب ونشرت عنها الفصول والمقالات وبلغت أقصى الشرق والغرب، وقام كثير من علماء المسلمين باحتضانها والدعوة إليها في السر والعلن.وأمامي الآن نبذة وضعها العالم الأحسائي الكبير السلفي العلامة الشيخ عيسى بن عكاس إجابة على ثلاثة أسئلة وردت إليه من أحد الأقطار العربية المجاورة كانت هذه الإلماعة التي مرت بها توطئة لتقديمها لحضرات القراء وهذه النبذة تتضمن تقرير ثلاثة أصول من أصول أهل السنة والجماعة خالفهم فيها كثير من الطوائف الذين ابتلوا بتحريف هذا الدين وتشويهه، وأصبح لكل منهم مذهب وطريقة يدعو إليها ويكيل السب والشتم لمن يخالفها؛ مما جعل الدين الإسلامي سخرية بين الأمم الأخرى في غمرة هذه المعارك وهذه الأصول هي:1- صفات الله سبحانه.2- حياة الأنبياء في قبورهم.3- الاستغاثة بالأنبياء والأولياء والصالحين.فلو تدبرت الصراع القائم بين أتباع السلف الصالح من أهل السنة والجماعة، وبين أتباع الخلف من المؤولين والمحرفين لوجدت هذه المسائل الثلاث تحتل حيزًا كبيرًا من مسافة الخلف بينهم.فالسلف – في المسألة الأولى – يثبتون لله ما أثبته لنفسه وما أثبته رسوله من غير تشبيه ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل ويسعهم ما وسع أئمة هذا الدين، وهداته، الذين بذلوا في سبيله المهج والأرواح ولم تأخذهم في الله لومة لائم، والذين أظهر الله بهم الدين، وأعلى كلمة المسلمين.أما أولئك فعلى طرفي نقيض بين معطلة لله من صفاته الكاملة التي أثبتها لنفسه؛ وبين ممثلة ومشبهة لله تعالى، وكلها طرق برئ الإسلام منها، بل أتت إليه بما لم ينزل الله به سلطانًا، وما لم يعرفه رجاله الذين يغارون عليه أعظم من غيرتهم على أنفسهم، ولكنه الهوى والضلال والتقليد الأعمى للمشائخ بدون تدبر ولا تبصر ولا تفهم لحقيقة الدين ونصوصه.وأما مسألة حياة الأنبياء في قبورهم، فأهل السنة والجماعة على خلاف هذا، لأنه لم يرد في القرآن ولا في صحيح السنة ما يؤيد هذا أو يشهد له، وهما عمدتنا ومنها نأخذ ديننا، وما داما سكتا عن هذا فمن أين انتحل من يقول خلاف هذا ما انتحله؟ وهل يلجأ إلى قول كائن من كان ويترك القرآن والسنة؟؟ لكن أهل الخرف والدجل أبوا إلا أن يثبتوا للأنبياء حياة جثمانية مستقرة في قبورهم، وأنهم يأكلون ويشربون وينكحون إلى غير ذلك؟!ولو جاز لنا أن نتغاضى عن عدم ورود شيء من هذا في الكتاب أو السنة فهل يقبل العقل هذا أو يصح لنا أن نهيل التراب على جثمانه المطهر وهو حي؟ ولماذا لم يلجأ إليه الصحابة حينما عرضت لهم كثير من المشاكل؟ بل لقد صرح القرآن بموته: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ على أن العقل لا يتنافى مع النقل، فالإسلام جاء بما تحار فيه العقول لا ما تحيله العقول!!أما المسألة الثالثة وهي الاستغاثة بالأنبياء والأولياء والصالحين فقد فتن فيها من فتن وابتلي بها كثير من الناس، وأصبحت ثغرة في الإسلام، وفتقا بغير رتق.وقد تبناها سدنة القبور، وأحلاس القباب الذين جعلوها مصدرًا لرزقهم وأداة لإعظامهم واحترامهم، فقد حاكوا لها كثيرًا من الحكايات، واختلقوا لها كثيرًا من الأحاديث، وابتكروا كثيرًا من الطرق التي يجتذبون بها السواد الأعظم إليهم، ضاربين بالنصوص الوعيدية التي جاءت تنعى على من يعمل هذا العمل صنيعه عرض الحائط!أما أهل السنة والجماعة فيقفون حيث أوقفهم كتاب الله وسنة رسوله، وحيث وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته من بعده وسلف هذه الأمة الصالح: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾. وقد عالج المصنف رحمه الله هذه المسائل الثلاث علاجًا كافيًا شافيًا، وجاءت أدلته صريحة، مدعمة بالنصوص القاطعة والحجج والبراهين التي تدفع الخصم وتلقمه حجرًا.والمقام وإن كان يحتاج من المصنف البسط ودرء ما عساه يتشبث به الخصم من احتمالات وفروض. إلا أن فيما دونه لمن سيقف عند الحق والمنطق أكبر برهان وأعظم دليل، أما المتعنت فنحيله إلى كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والمجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأولاده وأحفاده الذين اغترفوا علمهم من معين الوحيين ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾.عبد الله بن محمد بن خميسبسم الله الرحمن الرحيموبه نستعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيمالحمد لله المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، الذي لم تحط بصفات كماله العبيد، أحمده على أن منّ علينا بنعمة التوحيد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة توجب من فضله المزيد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خاتم الأنبياء، والشفيع في اليوم الشديد، - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه صلاة وسلامًا أدخرهما ليوم الوعيد.أما بعد، فإنه لما كان في سنة ثمان وتسعين بعد الألف والمائتين من الهجرة النبوية ورد علينا رسالة أرسلها المكرم «الشيخ قاسم بن محمد بن ثاني» أيده الله، والرسالة المذكورة مشتملة على ثلاث مسائل وأجوبتها، لمحمد بن عبد الله الفارسي، وقد جمع في أجوبته بين غث وسمين؛ وحق صحيح، وباطل صريح.المسألة الأولى في صفات الله جل وعلا، والمسألة الثانية في حياة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته، وكذلك سائر الأنبياء. والمسألة الثالثة في الاستغاثة بالأنبياء والأولياء وأنهم يتصرفون في أمور الخلق؛ وفي العالم.ثم إن الشيخ قاسماً المذكور طلب منا إبراز ما نعتقده في هذه المسائل الثلاث: وندين الله به باطنا وظاهرًا. فلما رأيته قد طلب منا ما يجب علينا أداؤه استخرت الله سبحانه، وأخذت في تبيين ذلك على قدر الوسع بطريق الاختصار، لأن خير الكلام ما قل ودل، ولم يطل فيمل، وأنا طالب ممن وصلت إليهم هذه النبذة من إخواننا أن ينظروها بعين التجاوز، فما نقص كملوه، أو عيب أصلحوه، جمع الله قلوبنا على التقوى، وجنبنا المراء والهوى؛ وهذا أوان الشروع في المقصود، بعون الله الملك المعبود.فأقول وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم:أما ما نعتقده في المسألة الأولى، وهي صفات الله جل ذكره، وتقدست أسماؤه، فنحن نعتقد كالذي تعتقده الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة: أهل السنة والجماعة، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره.ومن الإيمان بالله، الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بالله سبحانه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسمائه وآياته، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سمي له، ولا كفء له، ولا ند له؛ ولا يقاس بخلقه؛ سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا. فإنه سبحانه وتعالى أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا وأحسن حديثًا من خلقه.فمذهبنا مذهب السلف إثباتا بلا تمثيل، وتنزيهًا بلا تعطيل، وهو مذهب أئمة الإسلام كمالك والشافعي والثوري والأوزاعي وابن المبارك؛ والإمام أحمد؛ وإسحاق بن راهويه. وهو اعتقاد المشايخ المقتدى بهم كالفضيل بن عياض؛ وأبي سليمان الداراني؛ وسهل بن عبد الله التستري وغيرهم، فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة نزاع في أصول الدين؛ وكذلك أبو حنيفة t فإن الاعتقاد الثابت عنه موافق لاعتقاد هؤلاء؛ وهو ما نطق به الكتاب والسنة.فإن المعاني المفهومة من الكتاب والسنة لا ترد بالشبهات، فيكون ردها من بباب تحريف الكلم عن مواضعه؛ بل هو آيات بينات دالة على أشرف المعاني وأجلها؛ قائمة حقائقها في صدور الذين أوتوا العلم والإيمان؛ كما قامت حقائق صفات الكمال في قلوبهم كذلك؛ فكان الباب عندهم بابًا واحدًا قد اطمأنت به قلوبهم؛ وسكنت إليه نفوسهم؛ فأنسوا من صفات كماله ونعوت جلاله بما استوحش منه الجاهلون المعطلون، وسكنت قلوبهم إلى ما نفر منه الجاحدون، وعلموا أن الصفات حكمها حكم الذات، فكما أن ذاته سبحانه لا تشبه الذوات، فصفاته لا تشبه الصفات.فما جاءهم من الصفات عن المعصوم تلقوه بالقبول، وقابلوه بالمعرفة والإيمان والإقرار؛ فهو سبحانه وتعالى في صفات الكمال لا يماثله شيء؛ فهو حي قيوم، سميع بصير، عليم خبير، رؤوف رحيم، خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش وكلم موسى تكليما، وتجلى للجبل فجعله دكا، لا يماثله شيء من الأشياء في شيء من صفاته، فليس كعلمه علم أحد، ولا كقدرته قدرة أحد، ولا كرحمته رحمة أحد، ولا كاستوائه استواء أحد، ولا كسمعه وبصره سمع أحد ولا بصره، ولا كتكليمه تكليم أحد، ولا كتجليه تجلي أحد، ولا كحبه حب أحد، ولا كبغضه بغض أحد، ولا كرضائه وسخطه رضاء أحد ولا سخطه، ولا كإرادته إرادة أحد، بل نعتقد أن الله سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.* * *وقد أجمع سلف الأمة وأئمتها على أن الله تعالى فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه، والعرش وما سواه مفتقر إليه، وهو غني عن كل شيء، لا يحتاج إلى العرش ولا إلى غيره، فمن قال: إن الله ليس له علم ولا قدرة ولا كلام، ولا يرضى؛ ولا يغضب؛ ولا استوى على العرش فهو معطل ملعون، ومن قال علمه كعلمي، أو قدرته كقدرتي، أو كلامه مثل كلامي، أو استواؤه كاستوائي أو نزوله كنزولي؛ فهو ممثل ملعون، فالممثل يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدمًا، والكتاب والسنة فيهما الهدى والسداد، وطريق الرشاد، فمن اعتصم بهما هدي، ومن تركهما ضل.ولو أخذنا ننقل من الآيات والأحاديث الواردة في هذا الباب، وأقوال العلماء المقتدى بهم لأفضى بنا ذلك إلى التطويل. وفي هذا القدر كفاية إن شاء الله، وبالله التوفيق. فصلومن الإيمان بالله الإيمان بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وأن الله تكلم به حقيقة، وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد - صلى الله عليه وسلم - هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره؛ ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله؛ أو عبارة، بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله سبحانه حقيقة، فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدءًا لا من قاله مبلغًا مؤديًا، وهو كلام الله حروفه ومعانيه، ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف وبالله التوفيق. فصلوأما المسألة الثانية، وهي مسألة حياة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد موته، وكذلك سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنهم في قبورهم أحياء يصلون ويحجون وينكحون فلم يرد ذلك في القرآن، ولم يخرج أحد من العلماء المقتدى بهم حديثًا صحيحا في ذلك، والذي ثبت في القرآن والسنة حياة الشهداء، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾، وأن حياتهم حقيقة لظاهر الآية.قال الجزولي: وحياتهم – يعني الشهداء – غير مكيفة ولا معقولة للبشر، يجب الإيمان بها على ما جاء به الشرع، ويجب الكف عن الخوض في كيفيتها. إذ لا طريق للعلم بها إلا من الخبر، ولم يرد فيها شيء يبين المراد. أ.هـ.ونبينا - صلى الله عليه وسلم - قد توفاه الله وقبضه إليه، واختار - صلى الله عليه وسلم - الرفيق الأعلى، ومن شك في موته فهو ضال مخالف لما أجمعت عليه الأمة. وكثير من الناس – خصوصًا في هذه الأزمنة – يزعمون أنه - صلى الله عليه وسلم - حي كحياته كما كان على وجه الأرض بين أصحابه. وهذا غلط عظيم، فإن الله سبحانه أخبر بأنه ميت؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لو كان في قبره حيًا مثل حياته على ظهر الأرض لسأله أصحابه عما أشكل عليهم...قال عمر t: ثلاث وددت أني سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهن: الجد والكلالة وأبواب من الربا فهلا جاء إلى قبره يسأله عما أشكل عليه؟ومعلوم ما صار بعده - صلى الله عليه وسلم - من الاختلاف العظيم، ولم يجيء أحد إلى قبره - صلى الله عليه وسلم - ليسأله عما اختلفوا فيه.وأما سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فمن الدليل على أنهم ليسوا أحياء قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لو كان موسى حيًا ما وسعه إلا اتباعي».وأما استدلال من قال بحياة الأنبياء بزعمه أن بعض الخواص رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة بعد موته فقد قال في المواهب: قال شيخنا ردًا على من زعم رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - يقظة بعد موته: لم يصل إلينا ذلك عن أحد من الصحابة، ولا عمن بعدهم. وقد اشتد حزن فاطمة رضي الله عنها عليه - صلى الله عليه وسلم - حتى ماتت كمدًا بعده بستة أشهر وبيتها مجاور لضريحه الشريف، ولم ينقل عنها رؤيته في المدة التي تأخرتها عنه.وقال في المواهب أيضا – بعد أن ذكر من زعم رؤيته عليه الصلاة والسلام وساق من ذلك الحكايات الكثيرة، كلها محمولة على المنامات والخيالات. قال:وبالجملة فالقول برؤيته - صلى الله عليه وسلم - بعد موته بعين الرأس يقظة يدرك فساده بأوائل العقول، لاستلزام خروجه - صلى الله عليه وسلم - من قبره ومشيه في الأسواق، ومخاطبته للناس ومخاطبتهم له، وخلو قبره من جسده المقدس فلا يبقى فيه منه شيء بحيث يزار مجرد القبر ويسلم على غائب!!أشار إلى ذلك القرطبي رحمه الله قال: هذه جهالات لا يقول بشيء منها من له أدنى مسكة من المعقول، والملتزم بشيء من ذلك مختل مخبول.وقال الحافظ في فتح الباري – بعد أن ذكر من زعم رؤيته النبي - صلى الله عليه وسلم - في يقظة بعد موته قال: وهذا مشكل جدًا. ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابته ولأمكن الصحبة إلى يوم القيامة. اهـ.أما أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فالذي ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنها طرية لا تبلى على طول المدى، وعود الروح إلى الجسد ثابت في الصحيح لسائر الموتى، لأجل سؤال الملكين في القبر فضلا عن الأنبياء. وهذا العود للأرواح في الأجساد لا يلزم منه تسمية الموتى أحياء، إذا لو قلنا بذلك لم تختص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالحياة بعد الموت دون غيرهم وبالله التوفيق. فصلوأما المسألة الثالثة؛ وهي مسألة الاستغاثة بالأنبياء والأولياء وأنهم يتصرفون في أمور الخلق وفي العالم، وقول من قال: إن ذلك جائز ومستحسن حتى بعد موتهم كحياتهم، وتجويزه قول: يا رسول الله أو يا فلان» عند الشدائد، فهذا الكلام مردود بكتاب الله وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا يشكل فساده على من له أدنى مدخل في دين الإسلام، لأن الاستغاثة وهي طلب الغوث، وهو إزالة الشدة عن المكروب؛ وهي من الدعاء، والدعاء هو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو كشف ضر، وهذا لا يطلب إلا من الله. ولهذا أنكر الله على من يدعو أحدًا من دونه ممن لا يملك ضرًا ولا نفعًا كقوله تعالى: ﴿قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ الآية، والآيات في ذلك كثيرة.وقد أمر الله بدعائه في مواضع من كتابه كقوله تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ إلى قوله: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ الآية، وقوله: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ الآية.فالدعاء بنوعيه: دعاء المسألة ودعاء العبادة لا يصلح إلا لله، لأن الداعي يرغب إلى المدعو ويخضع له ويتذلل وغير ذلك. وضابط هذا أن كل أمر شرعه الله لعباده وأمرهم بفعله يكون لله عبادة، وإذا صرف أحد من تلك العبادة شيئا لغير الله فهو مشرك، مصادم لما بعث الله به رسوله مثل قوله تعالى ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ﴾.فليعلم أن المنتسب إلى الكتاب والسنة في هذه الأزمان قد يمرق من الإسلام بأسباب: منها الغلو في بعض المشايخ، فكل من غلا في نبي، أو رجل صالح وجعل فيه نوعًا من الألوهية مثل أن يقول: يا سيدي فلان انصرني أو أغثني أو ارزقني، أو أنا في حسبك ونحو هذه الأقوال فكل هذا شرك وضلال، فإن الله سبحانه وتعالى إنما أرسل الرسل وأنزل الكتاب ليعبد وحده لا شريك له ولا يدعى معه إله آخر، لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة.ومن أنواع الشرك: طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم، فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا فضلا عن الاستغاثة به أو سؤاله أن يشفع له إلى الله.وأما قول القائل: إن للأنبياء والأولياء تصرفات في حياتهم وبعد مماتهم على سبيل المعجزة والكرامة، ويستغاث بهم في الشدائد والبليات، وبهم تكشف المهمات، فيأتون قبورهم، وينادونهم في قضاء الحاجات، مستدلين على أن ذلك منهم كرامات؛ وجوزوا لهم الذبائح والنذور، وأثبتوا لهم فيها الأجور. فهذا الكلام فيه تفريط وإفراط؛ بل فيه الهلاك الأبدي؛ والعذاب السرمدي، لما فيه من مشابهة الشرك المحقق، ومعارضة الكتاب المصدق، ومخالفة لعقائد الأئمة، وما أجمعت عليه الأمة، وفي التنزيل ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾.فقولهم: إن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد مماتهم، يرده قوله تعالى: ﴿أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾ وقوله ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ وقوله ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ﴾ ونحو ذلك من الآيات الدالة على أنه متفرد بالخلق والتدبير، والتصرف والتقدير، وليس لغيره فيه شيء فالكل تحت ملكه وقهره؛ تصرفا وملكا، وإحياءً وإماتة، وخلقا، وقد ذكر الله في آيات من كتابه أنه لا خالق غيره، ولا ملك لما سواه، كقوله تعالى ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ وقوله ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾.وأما القول بالتصرف بعد الممات فهو أشنع وأبدع من القول بالتصرف بالحياة، قال جل ذكره ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾، وقال: ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ وفي الحديث «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» فهذا يدل على انقطاع عمل المؤمن من زيادة أو نقصان. فدل ذلك أنه ليس للميت تصرف في ذاته، فضلا عن غيره.فالحاصل أن الاستغاثة في الشدائد لا تصلح إلا لله، كالمرض وخوف الغرق، والضيق والفقر؛ وطلب الرزق ونحوه، وأنها من خصائص الله سبحانه، لا يطلب فيها غيره؛ فمن اعتقد أن لغير الله من نبي أو ولي، أو ملك أو روح، أو غير ذلك تأثيرًا في كشف كربة، أو قضاء حاجة، فقد وقع في وادي جهل خطير، فهو على شفا حفرة من السعير، وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - أن يستغاث به وإنما يستغاث بالله فيما رواه الطبراني.ففي هذا دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كره أن يستعمل هذا اللفظ في حقه، وإن كان فيما يقدر عليه في حياته، حماية لجناب التوحيد وسدًا لذرائع الشرك، وأدبا وتواضعًا لربه، وتحذيرًا للأمة من وسائل الشرك في الأقوال والأفعال. فإذا كان قد نهى - صلى الله عليه وسلم - أن يستغاث به في حياته، فكيف يجوز أن يستغاث به بعد وفاته، وتطلب منه أمور لا يقدر عليها إلا الله تعالى، كما جرى على ألسنة كثير من الناس من الاستغاثة بمن لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورًا، ويعرضون عن الاستغاثة بالرب العظيم القادر على كل شيء الذي له الخلق والأمر وحده؛ وله الملك وحده، لا إله غيره ولا رب سواه. قال الله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾، وقال سبحانه: ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا﴾ إلى غير ذلك.فأعرض هؤلاء عن القرآن، واعتقدوا نقيض ما دلت عليه هذه الآيات المحكمات، وتبعهم على ذلك الضلال الخلق الكثير، والجم الغفير. فاعتقدوا الشرك بالله دينا، والهدى ضلالا. فإنا لله وإنا إليه راجعون.فما أعظمها من مصيبة عمت بها البلوى، فعاندوا أهل التوحيد وبدّعوا أهل التجريد، فإن الاستغاثة بما ليس من شأنه النفع ولا الضر، من نبي أو ولي أو غيرهما على وجه الإمداد فيه إشراك مع الله، إذ لا قادر على الدفع غيره، ولا خير إلا خيره.والمقصود أن أهل العلم ما زالوا ينكرون هذه الأمور الشركية التي عمت بها البلوى، واعتقدها أهل الأهواء، فلو تتبعنا كلام العلماء المنكرين لهذه الأمور الشركية لطالت هذه النبذة، والبصير النبيل يدرك الحق من أول دليل، فمن قال قولا بلا برهان، فقوله ظاهر البطلان، مخالف لما عليه أهل الحق والإيمان، والله المستعان وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.([1]) الحياة الأدبية في جزيرة العرب صفحة 37.([2]) المصدر نفسه ص35.([3]) تاريخ أوربا ج2 ص128.([4]) كتاب ابن سعود ترجمة كامل صموئيل عن الانكليزية صفحة 223 و 224.([5]) ابن سعود صفحة 20 و 21 لعمر أبي النصر.([6]) ابن سعود ترجمة الحفناوي صفحة 21.([7]) (القديم والحديث) صفحة 137، وقد اعتمدنا في بعض هذه النقول على كتاب الأستاذ العطار (محمد بن عبد الوهاب).

المرفقات

2

إجابة السائل على أهم المسائل
إجابة السائل على أهم المسائل