البحث

عبارات مقترحة:

المقيت

كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

الحق

كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...

واجب المؤمن نحو النبي صلى الله عليه وسلم

العربية

المؤلف عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. الإيمان بالنبي الكريم وبفضله وبرسالته الخاتمة وعمومها وطبيعتها .
  2. بعض حقوق النبي الكريم وواجباتنا تجاهه .
  3. وجوب تعظيم النبي الكريم والتحذير من الغلو والابتداع في هذا الباب .

اقتباس

إنَّ نعمةَ بعثةِ الرسول الكريم نعمةٌ عظيمة، ومِنَّةٌ كبيرة، والواجب نحو هذا الرسول عليه الصلاة والسلام واجبٌ كبيرٌ، وهذه وقفة -عباد الله-، بل وقَفَات، في بيان الواجب علينا نحو رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه. ما الواجب على مَن آمَن به -صلوات الله وسلامه عليه-؟ وما هي الحقوق التي على الأمة نحوه صلى الله عليه وسلم؟ ..

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: عباد الله؛ اتقوا الله، فإن من اتَّقَى اللهَ وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.

معاشر المؤمنين: إنَّ نِعَم الله -جل وعلا- كثيرة لا تحصى، عديدة لا تستقصى، وإن من أجَلِّ نعمه -سبحانه- أنْ بعث فينا رسولا كريما، وناصحا أمينا، ومعلما مشفقا، ومربيا ناصحا، صلوات الله وسلامه عليه.

أرسله بشيرا ونذيرا، ورحمة للعالمين، ومحجَّةً للسالكين، وضياء يهدي به الله إلى طريقه المستقيم، (... قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرَاً * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ...) [الطلاق:11]، (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128]، (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الجمعة:2].

عباد الله: إنَّ نعمةَ بعثةِ الرسول الكريم نعمةٌ عظيمة، ومِنَّةٌ كبيرة، والواجب نحو هذا الرسول -عليه الصلاة والسلام- واجبٌ كبيرٌ، وهذه وقفة -عباد الله-، بل وقَفَات، في بيان الواجب علينا نحو رسولنا الكريم -صلوات الله وسلامه عليه-. ما الواجب على مَن آمَن به -صلوات الله وسلامه عليه-؟ وما هي الحقوق التي على الأمة نحوه -صلى الله عليه وسلم-؟.

عباد الله: فمِن الإيمان به اعتقادُ أنه مُبلغٌ عن الله، كما قال الله تعالى: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [النور:54]، واعتقاد أنه -صلى الله عليه وسلم- بلَّغَ دينَ اللهِ وافيا تامَّاً كاملاً بلا زيادةٍ ولا نقصانٍ، (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [المائدة:67]، ولم يمــُتْ -عليه الصلاة والسلام- حتى أنزل الله -جل وعلا- في ذلك تنصيصا وتبيينا قوله -سبحانه-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينَاً) [المائدة:3].

ومن الإيمان -عليه الصلاة والسلام- اعتقاد أن الدين الذي بلغه والشريعة التي جاء بها هي شريعة الإسلام، دين الله -جل وعلا- الذي لا يقبل الله دينا سواه، قال الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران:19]، وقال -جل وعلا-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].

ومن الإيمان به -عليه الصلاة والسلام- اعتقاد أنه خاتم النبيين، فلا نبي بعده، كما قال الله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب:40]، وفي سنن أبي داود، من حديث ثوبان، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى يخرج دجَّالون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي ولا نبي بعدي وأنا خاتم النبيين".

ومن الإيمان به -عليه الصلاة والسلام- اعتقاد عموم رسالته، فهو -عليه الصلاة والسلام- رسول للعالمين، ورحمة للناس أجمعين، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107]، بل إنه -عليه الصلاة والسلام- مبعوث للثقلين الإنس والجن، قال الله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) [الأحقاف:29].

ومن الإيمان -عباد الله- اعتقادُ فضله وكماله في عبادة الله، والقيام بأعباء الرسالة على التمام والكمال، فهو -صلى الله عليه وسلم- أفضل الناس طاعة لله، وأكملهم عبادة وتقوى وإيمانا وتحقيقا للعبودية، قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن أعلمكم بالله وأتقاكم لله أنا"، ولهذا وصفه الله تعالى في القرآن بقوله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:21].

ومن حقوقه -عليه الصلاة والسلام- على أمته محبته -صلى الله عليه وسلم-، وتقديم محبته على النفس والنفيس، والوالد والولد والتجارة وغير ذلك، جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"، وفي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله والله لأنت أحب من كل شيء إلا من نفسي، قال:" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه"، قال عمر: والله لأنت الآن أحب إلي حتى من نفسي، قال:" الآن يا عمر".

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أولى بك من نفسك، ويجب أن تقدم محبته على محبتك لنفسك، وأن تقدم طاعته على طاعتك لنفسك، واقرأ هذا في القرآن: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [الأحزاب:6]، ومعنى الآية أنه -عليه الصلاة والسلام- أولى بك من نفسك، فمحبته مقدمة على محبتك لنفسك، وطاعته -عليه الصلاة والسلام- مقدمة على طاعتك لنفسك، وهو مقدم في المحبة -عليه الصلاة والسلام- على النفس والوالد والولد والتجارة وغير ذلك من محاب الناس، قال الله تبارك وتعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:24].

وليست محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- مجرد دعوى تُدَّعَى، فإن الدعاوى يسيرة على كل لسان، سهلة على كل إنسان، وإنما العبرة -عباد الله- بتحقيق المحبة حقا وصدقا، ولذلك علامة مبينة في القرآن، قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران:31]؛ ولهذا -عباد الله- فإن حقيقة محبة الرسول -عليه الصلاة والسلام- طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر، وأن لا يُعبد الله إلا بما شرع -عليه الصلاة والسلام-.

ليست من محبة النبي -عليه الصلاة والسلام- إحداث البدع، وإنشاء المخترعات والأهواء، ولو كان المراد بها التعبير عن محبة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد قال -عليه الصلاة والسلام- في حديثه الصحيح الثابت: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".

وليس من محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- الغلو فيه، ورفعه عن درجة العبودية والرسالة، بالإضفاء عليه شيئا من خصائص الله تبارك وتعالى، سواء في الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات، ولما سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- بعض الغلو حذَّر من أشد التحذير، في أحاديثَ كثيرةٍ ونصوص متكاثرة، سمع رجلا يقول: ما شاء الله وشئت، فغضب -عليه الصلاة والسلام-: "بل ما شاء الله وحده، أجعلتني لله ندًّا؟"، وسمع امرأة تقول: وفينا رسول الله يعلم ما في غد، فغضب -عليه الصلاة والسلام- وقال: "لا يعلم ما في غدٍ إلا الله"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله"، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين".

وجاء عنه في هذا المعنى أحاديث كثيرة -عباد الله-، فليست من محبته في شيء الغلو فيه -صلى الله عليه وسلم-، بل إنه في لحظاته الأخيرة وأنفاسه الأخيرة سمعته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها يقول-: "لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، قالت عائشة -رضي الله عنها-: يُحَذِّرُ مِمَّا صَنَعُوا.

عباد الله: ومن الإيمان به وحقه على أمته -صلى الله عليه وسلم- نصرته، وتعزيره، وتوقيره، قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الفتح:8-9]، وتعزيره -عليه الصلاة والسلام-: نصرته، وتوقيره: محبته واحترامه -صلى الله عليه وسلم-.

وقد جاء -عباد الله- ذكر النصرة في القرآن مقرونا بالاتباع، قال الله تبارك وتعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف:157]، وبهذا يعلم أن النصرة -عباد الله- لابد فيها من اتباع وائتساء واقتداء بالرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-، وأن يكون نهج الإنسان في النصرة نهج المهاجرين والأنصار ومن اتبعهم من السلف الأخيار، فليست النصرة أهواء تتبع، أو أمور تحدث وتنشأ، وإنما هي دين الله، والتزام بقيود الشريعة وآداب الإسلام فيما يأتي الإنسان ويذر، فبهذا ينال العبد الفلاح في الدنيا والآخرة.

نسأل الله -جل وعلا- بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلى، أن يجعلنا أنصارًا لله ولرسوله ودينه حقا وصدقا، وأن يوفِّقنا لمحبة نبيه الكريم محبة مقدمة على محبة النفس والنفيس والوالد والولد، وأن يوفقنا لاتباعه والاقتداء به -صلى الله عليه وسلم-، وأن يحشرنا في زمرته وتحت لوائه، إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

الخطبة الثانية:

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله أصحابه أجمعين.

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله تعالى، وراقبوه في السرِّ والعلانية مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه، واعلموا -رعاكم الله- أن هذه الدنيا ميدان للآخرة، ومزرعة تقدم غيها الأعمال، وصالح الطاعات وسديد الأقوال، فـالكيِّس من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.

وصلوا وسلموا ..