البحث

عبارات مقترحة:

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

القلب وأثره على الثبات على الدين

العربية

المؤلف عقيل بن محمد المقطري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. مبدأ الثبات على دين الله.
  2. القلب السليم أشرف الأعضاء .
  3. القلوب سريعة التغير والتحول .
  4. ضعف الإيمان وعوامل زيادته .
  5. لابد من الأسباب التي تعينك على ثبات قلبك .
  6. العوامل المعينة على الثبات على الدين .

اقتباس

القلب هو سيد المواقف بلا منازع، فبقدر ما يملؤه العبد بالإيمان كان انعكاس الأثر على الجوارح، ومن أعظم ما يثبت الإيمان كتابُ الله تعالى الذي من تدبره وجد حلاوة الإيمان، ومر بذهنه على الشبهات وردودها الربانية فتنتزع فتيلها من القلب والعقل، إضافة إلى اليقين التام بموعود الله بالنصر ..

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 7071].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فإن ثبات المسلم على دينه في وقت الفتن من أهم المهمات الملقى على عاتق العبد؛ وذلك لأن الثبات مهم على دين الله عز وجل، والثبات على دين الله تعالى يؤتي أكله ولو بعد حين، فمثله كمثل تلك الشجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وقد ألمح القرآن العظيم إلى هذه القضية في آيات كثيرة وركز على الاهتمام بمبدأ الثبات على دين الله حتى لا تزل أقدام بعد ثبوتها، والثبات عمل من أعمال القلوب التي متى استقر هذا القلب وثبت على الإيمان وثبت على دين الله عز وجل فلا تضره الفتن مهما تعاظمت ومهما تكاثرت، بل كلما نزلت فتنة تجلت لهذا القلب بوجهها الكالح فعرفها، وتنحى عنها وازداد ثباتاً على دين الله تعالى، إن الجوارح وإن كان يتصل بعضها ببعض ويعين بعضها بعضاً إلا أن القلب هو سيد هذه الجوارح كلها بل هو سيد هذا الجسد كله.

عن ابن عباس قال ما رأيت شيئًا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» فإن الاتصال وثيق بين هذه الجوارح لكن القلب هو سيد المواقف في الفتن، فهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أُشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نُكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادًا كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرب من هواه».

إذاً فالقلب هو سيد المواقف كلها، وهو الذي يميز ويزن هذه الفتن التي تعرض عليه، فإما أن يتقبلها وذلك قلب قد أُشرب بالهوى، وقلب قد اعتلاه الران، وقلب قد أصابه المرض فهو يتشرب بهذه الفتن، وأما الآخر فهو يمجّها ولا يقبلها فهو قلب صافٍ نظيف قلب فيه الإيمان مفعم، فيه التوكل على الله، فيه إجالة النظر في كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

إن هذه القلوب هي محل نظر الله سبحانه وتعالى، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» والقلب السليم يورث أعمالاً سليمة وأعمالاً صالحة لذلك كان العمل أيضاً محل نظر الله تعالى؛ لأنه مرتبط بالقلب، فالعمل الصالح يورثه ذلك القلب السليم والعمل السيئ الفاسد يورثه ذلك القلب المريض الذي أُشرب بالهوى وأُشرب بالفتن، ولذلك فإن الاعتناء بهذه القلوب حتى تثبت على المبدأ وتثبت على دين الله عز وجل من الأهمية بمكان، ولذلك فإن القلب الذي أُشرب بالهوى وصار دينه وديدنه وإلهه ومعبودة هواه يطمسه الله تعالى، قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية: 23]. فالقلب المنحرف يطبع الله عليه؛ لأنه صيّر الهوى إلهاً يُعبَد من دون الله تعالى، ولذلك فالله تعالى بالمقابل يختم على قلبه، فيصير لا يفرّق بين حق وباطل، يصير هذا القلب يتشرب ويشرأب عنقه للفتن من حيث أتت يتقبلها ويمشي وراءها، ويسعى إليها سعياً، إن القلوب كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء». ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم مصرف القلوب صرّف قلوبنا إلى طاعتك».

إن الإيمان ليخلق في القلب كما قال صلى الله عليه وآله وسلم، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الإيمان ليخْلَق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب الخلق، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم» إذا لم يتعاهده الإنسان بالتسقية والتقوية فإنه يضعف شيئاً فشيئاً من خلال الممارسات ومن خلال المجالسات حتى ينحرف بعض الناس عن دين الله، حتى يرتد بعض الناس عن دين الله ويرجع يتهجم على دينه وعلى سلوكياته وعلى ثوابته؛ لأن قلبه انتكس نتيجة أنه لم يعتن بهذا القلب، ولهذا فإن السنن تجري وفق سنن الله تعالى لابد من عمل الأسباب التي تعينك على ثبات قلبك، فإن أنت أتيت هذه الأمور التي ستعينك على ثبات قلبك فإنك ستثبت على دين الله عز وجل، وإن أنت تركتها وتنحيت عنها فيوشك أن يضمحل إيمانك، وتقل أعمالك ولا تشعر بلذة وتقلق نفسك نتيجة إرغامها على طاعة الله عز وجل تقلق هذه النفس؛ لأنها تميل إلى الدعة وإلى الراحة وتميل إلى تلبية رغباتها وملذاتها وشهواتها، فلابد إذاً من العمل بالوسائل التي تعينك على أن تثبت على دين الله عز وجل، وهذه العوامل كثيرة جداً لكنني أقتصر على بعضها:

1- الإدمان على قراءة القرآن الكريم وتدبره وقراءة تفسيره، وذلك مما يعين المرء على الثبات. كيف لا؟ والقرآن الكريم ينزل على قلبك بلسماً وبرداً وسلاماً كيف لا؟ والقرآن الكريم كلام الله تعالى الصادق الوعد الذي لا يخلف الميعاد، فالقرآن الكريم هو طب لهذه القلوب (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]، فالإدمان على قراءة القرآن من خلال المرور على الآيات التي تذكر ما حدث في الأمم السابقة نتيجة أنها اعوجت عن دين الله عز وجل تعينك على الثبات، قراءة القرآن حين تتلو الآيات التي تذكر الجنة والنار والثواب والعقاب وزوال هذه الدنيا وحقارتها يعين القلب على الثبات على دين الله عز وجل، ولهذا فإن الله عز وجل نزّل هذه الآيات تثبيتاً لقلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) [الفرقان: 32]، لذلك فإن قراءة القرآن وتدبره من أهم الوسائل التي تعين المرء على أن يثبت على دين الله عز وجل، خصوصاً أننا نعيش في مجتمعنا المسلم في حال انهزام وفي حال الوهن على العبد المؤمن أن يحافظ على ثوابته، وأن يحافظ على ثباته وعلى إيمانه وأن يحافظ على دينه.

2- القرآن العظيم يرد على الشُّبَه التي يطرحها أعداؤنا، فما من شُبهة يطرحونها إلا وتجد لها الجواب في كتاب الله عز وجل حين فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مكة وانقطع عنه، زعم المشركون أن الله تعالى قد قلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قالوا: لقد قلاك ربك وتركك، يا محمد أين الوحي؟ الوحي فتر الوحي، قلاك ربك وهجرك، فأنزل الله تعالى: (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) [الضحى: 1- 3]، فأقسم الله تعالى بالضحى وبالليل إذا سجى وهي من آيات الله عز وجل العظمى أنه ما تركه وما قلاه وما هجره، ولكن ذلك أمر يجري وفق إرادة الله عز وجل ليأجر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بما يلقاه من أذى المشركين والتضييق عليه والكلام عليه والهجوم عليه .

ولما زعم المشركون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما يتلقى التعليمات من أحد أحبار اليهود، قالوا: إنما يعلمه بشر فأنزل الله تعالى تثبيتاً له قوله سبحانه: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) [النحل: 103] بمعنى أن الله تعالى بيّن بأن هذا كلام باطل؛ لأن هذا الكلام الذي أنتم تقولونه كلام ليس بعربي، فكيف يأتي محمد بالكلام العربي إن كان الذي يعلّمه أعجمي، فبطلت حجتهم، لذلك فالقرآن العظيم يعين القلب ويعين المسلم على أن يثبت على دين الله عز وجل . وما أكثر الشُّبَه التي يبثها أعداؤنا ضد ديننا وضد إيماننا وإسلامنا وربنا ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم الجواب عليها تجده في كلام الله تعالى. فالعناية العناية بكلام الله، والقراءة المتأنية المتدبرة لكلام الله تعالى تعين القلوب على الثبات على دين الله عز وجل .

ثانياً: من الأمور المعينة على الثبات أيضاً: تدبر قصص القرآن العظيم وما حصل للأنبياء والصالحين والدعاة إلى الله عز وجل، وأخذ الدروس والعبر منها معين على الثبات على دين الله عز وجل؛ وذلك لأن الله تعالى قال في محكم كتابه: (وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) [هود: 120].

هذه الآيات ما ذكر الله عز وجل من قصص موسى وإبراهيم ونوح عليهم السلام وغيرها من القصص ثبَّت الله تعالى بها فؤاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك كان من جملة ما ذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن الأعمش قال سمعت أبا وائل قال سمعت عبد الله رضي الله عنه قال: قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسمًا فقال رجل: إن هذه لقسمة ما أُريد بها وجه الله، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه، ثم قال: «يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر» لما أوذي النبي صلى الله عليه وآله وسلم تذكر ما حصل لموسى عليه السلام فثبت ولم يضطرب قلبه ولم يتضجر، ولم يعترض على قضاء الله تعالى وقدره، حين تقرأ ما حصل لإبراهيم حين تآمر عليه القوم (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ) [الأنبياء: 68- 70]، حين تقرأ مثل هذه الآية ماذا يورث عندك؟ يورث عندك تهوين المصائب، لقد فعل بنو إسرائيل بإبراهيم ما بوسعهم بإنزال التنكيل به، ولكنه مع هذا ثبت على دينه، وكان آخر ما قال كما ذكر ابن عباس رضي الله عنه: "حسبي الله ونعم الوكيل" هذه القصص من تدبرها ورثت عنده ثباتاً على الأمر وثباتاً على دين الله عز وجل .

ثالثاً: من الأمور المعينة على الثبات الالتزام بشرع الله تعالى والعمل الصالح الذي يتوافق مع سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعدم الاكتراث بما يحصل من الكلام من الناس، مهما كان وقعه على القلب، فلا يبالي الإنسان بكلام الناس، ذلك هو الثبات بعينه، وإلا فانظروا إلى أحوال الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وماذا كان يقول فيهم المشركون كانوا يقولون فيهم صابئة، وكانوا يقولون فيهم الكلام القوي الذي يهز الجبال، ومع هذا ثبتوا على دين الله عز وجل لهذا يقول الله عز وجل: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم: 27]، قال قتادة: يثبتهم في الدنيا بالأعمال الصالحة وفي الآخرة بالمرور على الصراط فلا يقعون في النار عياذاً بالله تعالى من ذلك . ويقول سبحانه: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً) [النساء: 66- 68]، أي عملوا ما يوعظون به أي ما يوجهون به من الأوامر والنواهي افعل كذا ولا تفعل كذا لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً أي على دين الله عز وجل يثبتهم الله تعالى بسبب أنهم فعلوا بتوجيهاته سبحانه وفعلوا بمقتضى دين الله عز وجل، فالعمل الصالح والامتثال للآيات القرآنية والأحاديث النبوية مما يعين الإنسان على الثبات على دين الله تعالى.

رابعاً: من الوسائل والأمور المعينة على الثبات على دين الله عز وجل الدعاء، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يديم الدعاء لله عز وجل، وكان من دعاء المؤمنين (… رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 250] وكان من دعاء المؤمنين (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8]، وكان أكثر دعائه: «يا مقلب القلوب ! ثبت قلبي على دينك». فقيل له في ذلك؟ فقال: «إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ»، إن كثيراً من الناس لا يبالي بالثبات وإن أعماله ما هي إلا روتين يومي يؤديه لا يشعر بلذته ولا يشعر بالحرج إذا حصل له نوع من التقصير في أدائه للأعمال التي تقربه من الله عز وجل، ولهذا كان الناس متفاوتين في هذا الجانب .

خامساً: من الوسائل المعينة على الثبات على دين الله عز وجل: ذكر الله عز وجل، فإن من صفات المؤمنين أنهم يذكرون الله عز وجل كثيراً، قال الله تعالى يصف عباده المؤمنين (… وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب: 35]، والله تعالى يقول في محكم كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأنفال: 45]، ما هو الرابط بين الثبات والذكر؟ الذكر هو الذي يعين الإنسان على أن يثبت في وقت الفتن، وفي مواجهة أعداء الله تعالى بجميع المجالات، سواء كان ذلك في المجال الفكري أو العقدي أو الإعلامي، فذكر الله تعالى يعين الإنسان على أن يثبت في مواجهة أعداء الله تعالى فلا يتزعزع ولا يقع في الفتنة ولا يقع في شراك مخططات أعداء الله تعالى.

سادساً: من الوسائل المعينة على الثبات الحرص على أن تسلك في الطريق الصحيح الذي رسمه الله تعالى ورسمه رسولك صلى الله عليه وآله سلم فإياك إياك أن يكون تدينك تقليداً إياك إياك أن تتعبد لله تعالى في أمر لا تعرف أهو مشروع عند الله تعالى أم غير مشروع لأن من عبد الله تعالى حسب ما يفعل الناس وحسب التقليد وحسب ما يقال له دون أن ينظر في الأدلة، هل على هذا العمل دليل من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أم لا، يعيش مثل الريشة في مهب الريح، فإن أي واحد من الناس يمكن أن يأتي يشككه في معتقده، وفي ثباته، وفي دينه، لكن حين يكون تدينه وفق قال الله، قال رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، لا يستطيع أحد أن يقف في وجهه، ولا يستطيع أحد أن يشكك، ولا أن يجعلك متذبذباً، فعليك أن تسلك الطريق الصحيح، وأن تتدين لله تعالى بالدين الصحيح الذي شرعه والذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

سابعاً: من الأمور المعينة على الثبات على دين الله عز وجل أن تربي نفسك تربية إيمانية صحيحة، فإن التربية الإيمانية التي تعتني بالفكر وتعتني بالعقل، وتعتني بالسلوك وتعتني بالعقائد، وتعتني بالعبادة من الأمور التي هي غاية في الأهمية المعينة على الثبات على دين الله عز وجل، ومن هنا يظهر أهمية مكوث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث عشرة سنة في مكة المكرمة وهو يربي أصحابه على الثبات، يربي أصحابه على المعتقد الصحيح على الخُلق السليم، على العبادة الصحيحة، على الصبر على الثبات على المبدأ حتى كان أصحابه يأتون إليه يقولون له: يا رسول الله لقد أنزل بنا أعداؤنا من البلاء ما لا نطيق فادع الله لنا، استنصر لنا، فعن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: «كان الرجل فيمن قبلكم يُحفَر له حفرة في الأرض، فيُجعل فيه فيجاء بالمنشار فيُوضع على رأسه، فيُشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون» فكان صلى الله عليه وآله وسلم يربيهم على هذه المبادئ الصحيحة التي تعينهم على أن يثبتوا على دين الله عز وجل، على ألا يتشكك أحد منهم في دينه في يوم ما، ولهذا لما سأل هرقل أبا سفيان: هل ارتد أحد من أتباعه سخطةً على دينه؟ قال له: لا. قال: فكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب فإنه لا يرتد الإنسان عن دينه أبداً .

ثامناً: من الأمور المعينة على الثبات: الثقة بنصر الله تعالى، إن الأمة اليوم تعيش في حالة إحباط نتيجة هجمات أعدائها عليها، نتيجة تأخر نصر الله تعالى عنها؛ لأنها لم تفعل الأسباب التي تعينها على أن يتنزل عليها النصر نتيجة وجود ثلة كانت سبباً رئيساً في إحباط همم هذه الأمة، كانت سبباً في ذل هذه الأمة، كانت سبباً في تأخر نزول نصر الله على هذه الأمة، فإيقان المسلمين بأن دين الله عز وجل غالب وأنه سينتصر وأن نصر الله تعالى آتٍ من الأمور المهمة والمعينة على الثبات على دين الله عز وجل، ولهذا فإن الله تعالى قد ذكر أناساً قاتلوا في سبيل الله تعالى وحين قالوا: متى نصر الله؟ قال الله تعلى لهم (… أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة: 214]، (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 146] فالعمل الدءوب الذي فيه مثابرة وفيه صبر معينٌ على الثبات ونصر الله تعالى قادم وآتٍ لا شك في ذلك ولا ريب، فالإيقان بأن نصر الله عز وجل قادم كما قال سبحانه في محكم كتابه (…وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40] .
إن الله تعالى قد وعد أن يُظهِر هذا الدين كما قال صلى الله عليه وآله وسلم، فعن تميم الداري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل؛ عزًّا يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر»، وكان تميم الداري يقول: "قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرًا الذل والصغار والجزية"، إن الله تعالى قد وعد بأن يظهر هذا الدين (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف: 9] سيظهر هذا الدين والبشارات تلوح في الأفق فها هي فئات من الغرب تدخل في دين الله تعالى أفواجاً، وهذه دول الغرب تتراجع تراجعاً ملحوظاً، وتنتكس انتكاسة بعد أخرى، والأمر كما قال العلامة ابن خلدون رحمه الله تعالى: إن سقوط الدول لا يكون فجأة ولا يكون ما بين عشية أو ضحاها، إن هذه الدول كما قامت في سبعين سنة أو ثمانين سنة تحتاج إلى مثلها من أجل أن تسقط، وإلى أن تتلاشى على وجه الأرض، فلا بد إذاً من الثبات على دين الله عز وجل، ولا بد من العمل الدءوب، ولا بد من الاستمرار على الأعمال الصالحة، وعلى الثقة بنصر الله عز وجل، أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يثبتنا على دينه.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

التاسع: من الأمور المعينة على الثبات على دين الله تعالى: معرفة حقيقة الباطل وأن الباطل دولته ساعة، وأن دولة الحق إلى قيام الساعة. إن دين الإسلام لا يمكن أن ينمحي من على وجه الأرض، بل سيظل مستمراً كما قال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك» فمعرفة حقيقة الباطل، وأنه آيل إلى الزوال مهما ظهر، ومهما تغطرس ومهما حاز من المكاسب، فإن مآله إلى زوال، قال تعالى: (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) [آل عمران: 197]، فلا يغتر المسلم بما يحصل من الانتصار ومن تحقيق المكاسب لأعدائنا بمختلف أشكالهم وأصنافهم لا يغتر بذلك، بل عليه أن يعمل جاهداً على إزالة هذه الغربة التي أُصيب بها المسلمون في هذه الآونة المتأخرة، والدين آيل إلى الغربة والاغتراب، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها» هذه الغربة التي بدأت بقلة، التي بدأت بالمحاصرة وبالبلاء والعذاب، آلت في النهاية إلى الظهور وإلى النصر، وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما ينطق عن الهوى، فها هو اليوم تعود غربته إليه ويقل أتباعه وأنصاره، ويكثر أعداؤه، وينزل فيه البلاء من الأقربين قبل الأبعدين، لكن هذا البلاء آيل إلى الزوال والتلاشي بإذن الله تعالى، فما عسى أن يكسب أولئك الذين يسعون لكسب ود الغرب وتنفيذ مخططاتهم ما عساهم أن يكسبوا وما عساهم أن يبلغوا من العمر، ولن تعدم هذه الدنيا من أناس ثابتين صابرين على دين الله عز وجل، فلا بد إذاً من معرفة حقيقة الباطل، وأنه آيل إلى الزوال بإذن الله تعالى قال تعالى: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ) [الرعد: 17].

وإن الله تعالى قد رسم منهجاً في كتابه الكريم وفي سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم لتوضيح سبيل المجرمين، فقراءة القرآن والاطلاع على سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما يعين المسلم على كشف مخططات أعداء الله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام: 55] فسبيل المجرمين إذا تبلورت واتضحت في ذهن المسلم هان عليه الخطب، وهانت عليه الفتن، وثبت على أمر الله تعالى.

عاشراً: التأمل في نعيم الجنة وذكر الموت من الأمور المعينة على الثبات على دين الله تعالى، لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يمر في مكة وهو لا يملك للمسلمين شيء في حال ضعف واستضعاف، فكان يأمرهم بالثبات وبالصبر على البلاء، مر على عمار بن ياسر وعلى أسرته وهم يعذبون فينظر إليهم فلا يجد لهم حيلة ولا سبيلاً، لم يجد لهم أن يقول لهم: «صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة» يأتي إليه الصحابة رضي الله عنهم وهو متوسد ببردة بجوار الكعبة كما في حديث خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له: ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا؟ قال: «كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون» يا رسول الله ائذن لنا في القتال، لكنه كان في حال قلة، في حال استضعاف، لا يجوز لهم أن يرموا بأيديهم إلى التهلكة، لا يجوز لهم أن يهيجوا أعداءهم عليهم يقول لهم: «لا، لم يُؤذن لي بعد» عليكم بالصبر عليكم بالثبات على دين الله تعالى، فإن تذكر الإنسان ما له من الأجر عند الله تعالى أعانه ذلك على أن يثبت على دين الله تعالى. هذه عشرة كاملة من الأمور والوسائل التي تعين المرء على الثبات على دين الله تعالى، وهي من الأهمية بمكان.. يا مقلب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك، اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.

والحمد لله رب العالمين .