البحث

عبارات مقترحة:

الرب

كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

أفلا تشكرون؟

العربية

المؤلف أحمد بن حسن المعلم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. مثَلُ القرية التي لم تشكر نعمة الله فأذاقها الله لباس الخوف والجوع .
  2. الأحداث والاختلالات التي يقوم بها الحاقدون على سيادة الأمن .
  3. من أوجه شُكْر نعم الله الذي تُستدامُ به النعمة .
  4. دعوة الطوائف الناشطة في حضرموت لتقوى الله .

اقتباس

ولا نقول إننا لم يمر بنا أذى ولم تنتقص منا نعمة، بل فقدنا نعماً، وذقنا شيئاً من النقم؛ ولكن مقارنةً بما حل بغيرنا فإننا نعتبر في نعمة عظيمة، وفي خير كثير، إلا أن كل ذلك مقارنه بغيرنا من المحافظات يعد شيئاً يسيرا.

الحمد لله؛ الذي لا تُعَدُّ نِعَمُهُ ولا تُحصَى، ولا تُحصر آلاؤه ولا تُستقصى، الحمد لله؛ لا تنفك آلاؤه، ولا تُعد ولا تحصى عطاياه، حمداً كثيراً، وشكراً لا نفاد له، والحمد والشكر من أسباب نعماه.

ثم الصلاة على المختار دائمةً

ما داوم الذكر والتسبيح أوَّاهُ

وأشهد أن لا إله ولا مجير سوى الله -عز وجل-، وأشهد أن نبي الهدى محمد قد برى فيما نقل -صلى الله عليه وسلم-.

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-.

أيها الإخوة عباد الله: لقد خص الله قريشاً من بين سائر العرب بخصائصَ كثيرةٍ، وأنعم عليها نعماً جسيمة لم تتوفر لغيرها من قبائل العرب؛ فجعلهم أهل بيته المحرم وسدنته؛ فعظمهم العرب لتعظيم البيت المحرم، شُرِّفوا بجوار هذا البيت وخدمته.

واستُجيبت فيهم دعوة أبيهم إبراهيم الذي قال في دعائه: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) [البقرة:126]، وقال: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم:37].

وأغدق عليهم الأموال بسبب التجارة التي هيأها الله -سبحانه وتعالى- لهم، وجعلهم يألفون رحلتي الشتاء والصيف في تجارتهم، رحلة في الشتاء إلى اليمن حيث يكون الجو مناسباً بعيداً عن البرد الشديد، ورحلة إلى الشام في الصيف حيث يكون جو الشام ملائماً للعيش فيه؛ فتدر عليهم تلك التجارةُ الأموال.

وجللهم -سبحانه وتعالى- بالأمان فكملت لهم السعادة، وكفل لهم المجد والسيادة على بقية العرب، وقد امتن الله -سبحانه وتعالى- عليهم بذلك في أكثر من موضع من كتابه، فقال -سبحانه-: (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص:57]، وفي قوله جل ذكره: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) [العنكبوت:67].

ولما جاءهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عند الله الذي أنعم عليهم هذه النعم، والرسول -صلى الله عليه وسلم- معروف لديهم بأمانته وصدقه ونسبه وحسبه، يعرفون صفاته الحميدة كلها، جاءهم ليدعوهم إلى أكمل الأمور، وينهاهم عن الأمور السيئة؛ فكذبوه وكفروا بنعمة الله عليهم فأذاقهم الله لباس الجوع الذي هو ضد الرغد والغنى، ولباس الخوف الذي هو ضد الأمن؛ وذلك بسبب كفرهم وعدم شكرهم لله -سبحانه وتعالى-: (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [النحل:33].

وقد جعل الله -عز وجل- تلك القرية -وهي مكة- جعلها مثالاً يعتبر به، وموعظة يتعظ بها، فقال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) [النحل:112-113].

ومادام أن الله -تعالى- قد ضرب تلك القرية مثلاً لنا، حيث كانت معهم تلك النعم العظيمة فجحدوها فنزلت بهم تلك العقوبات الأليمة؛ فالواجب أن نعتبر بها، ونقارن حالنا بحالها؛ حتى لا نسلك مسلك أهلها فيحِلّ بنا من العقوبة ما حَلَّ بها وبأهلها.

فنحن، في هذه المحافظة، قد ميزنا الله تعالى عن سائر المحافظات أثناء الأزمة والمحنة وأثناء الثورة، ميزنا الله عن سائر محافظات الجمهورية رغم بعض المنغصات.

ولا نقول إننا لم يمر بنا أذى ولم تنتقص منا نعمة، بل فقدنا نعماً، وذقنا شيئاً من النقم؛ ولكن مقارنةً بما حل بغيرنا فإننا نعتبر في نعمة عظيمة، وفي خير كثير، إلا أن كل ذلك مقارنه بغيرنا من المحافظات يعد شيئاً يسيرا.

وهناك كثير من أبناء المحافظات الأخرى يحسدوننا على ما نحن فيه من نعمة، وبعض ذوي النفوس الخبيثة أهل الحسد والكيد والحقد وأهل الاستكثار، هؤلاء لم يغبطونا فقط على ما نحن فيه من نعمة؛ بل حسدونا الحسد المقيت، وجعل بعضهم يفكر ويخطط لإخراجنا مما نحن فيه من نعمة الله، وجرنا إلى حيث يكون الناس في الفوضى والاختلالات الأمنية، وفقدان الخدمات، ونقص الغذاء، وغير ذلك؛ أو إلى أبعد مما هم فيه من الخير.

وما أظن بعض تلك الحوادث التي وقعت في هذه المحافظة من اغتيالات وتفجيرات وقتل للمتظاهرين، وإشعال الصراع بين أبناء المحافظة في الساحات مما نجم عنه جراحات؛ بل وقتل، كل ذلك وآخره قتل الشاب بارعيدة والحادث الكبير الذي ذهب ضحيته أكثر من عشرين شخصاً، كل تلك الدماء وتلك الاختلالات وذلك الفزع الذي سيطر على الناس في فترة معينة، ما أظنه إلا من تخطيط من يحسدنا ويحقد علينا ولا يبغي لنا الخير.

فكيف نُفشل خططه ونحافظ على نِعَمِ الله علينا؟ ما من شكٍّ أن أول شرط للحفاظ على النعم هو شكرها، يقول تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7]، فلا بد أن نشكر الله على نعمه التي أولانا إياها.

ولشكر النعم أوجه: فمن أوجه شكر النعم الاعتراف بها، وإن جحودها وإنكارها كفر لها قال تعالى: ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى:11]، قال الإمام الشوكاني -رحمه الله-: أمره -سبحانه- بالتحدث بنعم الله عليه، وإظهارها للناس، وإشهارها بينهم. اهـ.

والتحدث بنعمة الله شكر، ولن نعرف نعمة الله علينا إلا إذا نظرنا لمن هو أسوأ حال منا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "انْظُرُوا إلى من أَسْفَلَ مِنْكُمْ ولا تَنْظُرُوا إلى من هو فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ"، أي في الصحة والغنى، ونحو ذلك لن نعرف قَدْرَ نعمة الله علينا إلا إذا نظرنا لمن هو أسوأ حال منا.

ومن أوجه شكر النعمة لزوم الخضوع لله -سبحانه وتعالى-، والاستكانة له، وعدم البطر والإعجاب بالنفس عند ذلك؛ وقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا جاءه أمر، وفتح عليه فتح، وانتصر له جيش، وحلت نعمة بالمسلمين، خرَّ ساجداً لله -عز وجل-، فيضع أنفه على الأرض، وجبهته على التراب؛ اعترافاً بفضل الله، وتذللاً، وخضوعاً بين يديه، وهذا غاية التواضع، وغاية الاستكانة لله -سبحانه وتعالى-.

كما أنه عندما فتح الله عليه مكة وحقق له بذلك أعظم الأهداف حيث دخل بيت الله الحرام في سلطة الإيمان والإسلام وتحت سلطة الله وخرج من طاغوت الأوثان والشرك، ماذا صنع؟! دخلها وهو متواضع فوق دابته، مطأطئاً رأسه، حتى أن لحيته لَتكاد تمس سرج الدابة من شدة خضوعه وتواضعه -صلى الله عليه وسلم-.

وكذلك سليمان بن داوود عندما تحقق له ذلك الهدف والإنجاز العظيم، حيث أُحضر عرش بلقيس من اليمن إلى الشام ووُضع بين يديه في وقت يسير قال تعالى: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل:40].

ومن أوجه الشكر أن يجعل المسلم تلك النعم وسائل للازدياد من تحقيق عبادة الله -عز وجل-؛ لأن كل ما خُلق إلا لعبادة الله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56]، فإذا أنعم الله عليك فلتكن عوناً له لتحقيق عبادة الله -سبحانه وتعالى-، وأن يسخِّر تلك النعم لما فيه خير للعباد والبلاد، ويحذر كل الحذر من أن يسخرها في معصية الله، أو في الإضرار بالناس، أو في البغي والاستكبار عليهم، قال الله تبارك وتعالى مخاطباً قريش التي أنعم عليهم تلك النعم التي ذكرناها سابقاً قال: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [سورة قريش].

وفي المقابل: انظروا إلى ما فعل الله بقارون حينما جحد نعمة الله عليه، وبغى بها على الناس وعلى قومه وسخرها للإفساد في الأرض، قال تعالى: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) [القصص:76-78].

فكانت النتيجة: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) [القصص:81]، هذه نتيجة الجحود والنكران والاستكبار والاستعلاء على الناس، وعدم شكر الله وتسخير نعمائه في مرضاته -سبحانه وتعالى-.

فعلينا -عباد الله- أن نحافظ على بقايا النعم التي نحن فيها، ونعمل على تثبيتها وتوسيعها واستعادة ما فقدناه منها، بجد وإخلاص وتجرد، والله لا يضيع أجر مَن أحسن عملاً.

أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على سيد الأولين والآخرين، وقائد الغر المحجلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الطيبين، وصحابته الأكرمين، وخلفائه الراشدين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

وأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله -سبحانه وتعالى-.

عباد الله: إن نعمة الأمن التي فقدنا كثيراً منها وبقي منها بقية مازال غيرنا يحسدنا عليها، فإن أطرافاً كثيرة تراهن على ما تبقَّى من تلك النعمة وجر البلاد إلى مربع العنف، وأن يُلْبِس أهلها ثوب الخوف والجوع، ولكل طائفة من أولئك الناس منطلقهم، وبعضهم يريد أن يحقق من وراء ذلك أهداف ومصالح سياسية، وبعضهم له ثاراته مع أطراف أخرى خارج هذه المحافظة، وربما بعضهم داخلها له ثارات مع أطراف أخرى، يريد أن يصفي حساباته على حسابنا وحساب أمننا وحياتنا، وعلى حساب معيشتنا في هذه البلاد، وبعضهم ينطلق من انحراف فكري وغلو ديني فيفسد من حيث يريد أن يصلح.

وأخسر أولئك صفقة الهمج الرعاع الذين تسخرهم تلك القوى لتحقيق مآربها من غير أن يكون لهم في الأمر ناقة ولا جمل إلا حطام حقير من حطام الدنيا، يُنثر لهم كما ينثر العلف للدواب والحب للطير حتى يقع في شباك الصياد. وعموم الأمة هم الذين يدفعون الثمن من أمنهم ورزقهم ودمائهم وتعليم أبنائهم وسكينتهم واستقرارهم وسائر جوانب حياتهم،

وأقول لجميع تلك الطوائف التي تتخذ من حضرموت مسرحاً لنشاطها ولمكايداتها ولتصفية حساباتها، أقول لهم: اتقوا الله! اتقوا الله! اتقوا الله في هذه البلدة الآمنة المطمئنة المسالمة! لا تُدخلوها في بطون العقوبات التي تجلبونها بأعمالكم السيئة، وأفكاركم المنحرفة، وحساباتكم الخاسرة، وثاراتكم الممقوتة، وعصبياتكم الجاهلية، اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد! واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله! اتقوا لعنة التاريخ! اتقوا سوء العقوبة، ودعوات المظلومين، وأنات الأرامل، ودموع اليتامى، وزفرات المفجوعين!.

انظروا إلى ما يحدث في سوريا، انظروا إلى ما قد حدث في باكستان وأفغانستان والصومال والعراق وفي ليبيا وفي غيرها؛ بل واليوم في محافظات أخرى من محافظاتنا في أبين وصعدة وحجة وفي غيرها من الأماكن والمواطن، انظروا إلى ذلك كله، واحمدوا الله أن عافانا مما ابتلاهم به، فلا ترفعوا معافاة الله عنا، ولا تكشفوا ستر الله عنا، لا تجرونا إلى حيث وصل القوم، واتقوا الله فينا! ولا تكونوا كأشقى ثمود الذي تعاطى فعقر، والذي قام إلى الناقة فعقرها فدمدم الله على الجميع، فنسأل الله العافية!.

وأقول أيضاً للقوى المتنفذة هنا في هذه الأرض الطيبة التي رتعت في مراعيها وأكلت من خيراتها ولقيت الكثير من كرم أهلها وسماحتهم، أقول لهم: إن من لم يشكر الناس لن يشكر الله، فواجب عليكم شكر هذه البلاد وأهلها، وإذا لم تشكروها بالعطاء فامنعوا عنها الأذى، كفوا أذاكم عنها وعن أهلها، كونوا ككرام الناس الذي يتحدث عنهم المتنبي بقوله:

إذا أنتَ أكرمْتَ الكريمَ مَلَكْتَهُ وإنْ أنتَ أكْرَمْتَ اللئيمَ تَمَرَّدا

فلا تكونوا من لئام الناس.

وأقول لآبائي وأبنائي وإخواني أهل هذه البلاد: أنتم الضحية لأهواء أهل الأهواء، ونزوات أهل المطامع والشهوات، وأهل الغلو والانحرافات، وأهل الجهل والحماقات، أنتم الضحية لهؤلاء جميعاً ما لم تستفيقوا من نومكم، وما لم توحدوا صفوفكم، وما لم تتحملوا مسئولياتكم، ما لم تقولوا كلمة الحق، وتقولوا للمصيب أنت مصيب، وللمخطئ أنت مخطئ، ما لم تصلحوا أموركم بأهل الحلم والحكمة والإخلاص الذين يعملون لوجه الله، ويخلصون لهذه الأرض المباركة بعد إخلاصهم لله -عز وجل-، لأرضهم هذه لحضرموت، لأن الشاعر يقول:

لا يصْلحُ الناسُ فوضى لا سَراةَ لهُمْ وَلَا سَراةَ إذا جُهَّالُهم سادوا
والبيتُ لا يُبْتَنى إلا بأعمدةٍ وَلا عمادَ إِذا لمْ تُرْسَ أوتادُ
فإنْ تجمَّعَ أوتادٌ وأعمِدةٌ وساكنٌ أدركوا الأمرَ الذي كادوا
تهدى الأمورُ بأهلِ الرأيِ ما صلحت فإنْ تولَّوا فبالأشرارِ تنقادُ

نعم؛ فعلينا أن نتجرد -أيها الإخوة- من أهوائنا وأنانياتنا وعصبياتنا، وعلينا أن نوحد صفوفنا، وأن نشيع المحبة والمودة وحسن الظن وحسن الثقة فيما بيننا، ونعمل معا لإخراج بلادنا والحفاظ عليها من أن يصيبها ما أصاب غيرها من البلاد.

بذلك -إن شاء الله-، وبدعائنا لله -عز وجل- أن يحفظنا ويرحمنا ويعافينا مما ابتلى به غيرنا، بذلك كله -إن شاء الله- نخلص ونخلِّص بلادنا من هذه الشرور وتلك الفتن، من السيول الهادرة والطوفان الجارف الذي يخشى أن يمر علينا وأن يعصف بنا ويزيل ما بقي من خير في بلادنا.

نسأل الله أن يحفظنا في أمننا واستقرارنا، وفي ديننا قبل كل شي وأخلاقنا وفي سائر أمورنا.