البحث

عبارات مقترحة:

المقدم

كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

الشام بين الماضي والحاضر

العربية

المؤلف منصور محمد الصقعوب
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - الأديان والفرق
عناصر الخطبة
  1. في التاريخ عبرة للمعتبر ومنهل للناهل .
  2. ضرورة دراسة التاريخ وتاريخ الفرق والمذاهب .
  3. فِعال اليوم هي امتداد لفِعَال الأمس .
  4. بشارات فتح الشام .
  5. فضائل الشام في الكتاب والسنة .
  6. حرص الصحابة على أرض الشام .
  7. أعلام أهل العلم من بلاد الشام .
  8. خيانة النصيرية لأهل السنة قديمًا وحديثًا .
  9. دورنا تجاه إخواننا في بلاد الشام .

اقتباس

الحرب على بلاد الشام برغم مشقتها وشدتها بوابة خير بإذن الله على أهل السنة, ولا نشك في حكمة الله تعالى, وإن انتصار المسلمين هناك سيغيّر كفة الصراع, ويهدّد مصالحهم وأمن اليهود والنصارى, ولكن لئن تخلى عنهم العباد فرب العباد لا يخذل عباده إذا صدقوا, ولئن أخّر نصرتهم فذاك لحكمة وهو أعلم, ولئن كان في الحرب ضحايا فإن يقيننا أن الله يهيئ الأمة لنصرة قادمة منطلقها من هناك, ولن يصلح آخر الأمة ويرفع ذلها, إلا ما أصلح أولها..

عباد الله: التاريخ فيه عبرة للمعتبر, ومنهل للناهل, ومن أراد معرفة المستقبل فليقرأ الماضي, فالحوادث تتشابه, والوقائع تتوافق، والأمم قد تتغير أبدانها لكن طباعها وسماتها تتشابه وتتقارب.

وأمة الإسلام اعتراها من القصور ما اعتراها حين غفلت عن تاريخها بما فيه من عزٍّ ونكبات, وهزائم وانتصارات, وما أحوج أبناء المسلمين إلى أن يطلعوا على تاريخهم, ليعرفوا حقيقة الصراع بينهم وبين عدوهم, ويتبينوا أمر الفِرَق التي تنتسب لهم وهم من معتقداتهم براء, ومن جرائمهم وطرائقهم بُعداء.

وحين نذكر شيئاً من تاريخنا فليس ذلك لمجرد الاطلاع, وتقضية الوقت, كلا فالخطبة أشرف من ذلك, وإنما لنعرف أن فِعال اليوم هي امتداد لفعال الأمس, فالحافر توضع على الحافر, وإن تغيرت الأشخاص واختلفت بعض المقاصد.

نتحدث اليوم أيها الكرام عن حاضرة من حواضر الإسلام, وبقعة من أشرف بقاعه, جمعت التاريخ والعراقة, والشرف والفضيلة, موئل الرسالات, ومكان المحشر والمنشر, بلاد مباركة قال الله عنها (وَنَجَّينَاهُ وَلُوطًا إِلى الأَرضِ الَّتي بَارَكنَا فِيهَا لِلعَالمِينَ) [الأنبياء: 71] هي أرض الشام.

وحين نتكلم عن الشام، فإننا نتحدث عنها قبل الحدود التي فصّلت عرى أمة الإسلام, فيدخل في الشام فلسطين وسوريا والأردن ولبنان إلى شمال الجزيرة العربية.

أرض الشام كانت قبل الإسلام حاضرة النصارى وعاصمتهم, وحين وقع النزاع بين الفرس والروم كان المسلمون يحبون أن تكون الغلبة للروم؛ لأنهم أهل كتاب, والمشركون يحبون أن تكون الغلبة للفرس لأنهم أهل أوثان مثلهم, فصارت الغلبة للفرس وملكوا بلاد الشام فأنزل الله حينها (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم: 1- 5]، ووقع ما أخبر الله به فغلبت الروم بعد سنين واستعادوا أرض الشام.

ولم يزل النبي صلى الله عليه وسلم منذ أول الإسلام يبشّر أمته بأنهم سيملكون أرض الشام, ويهيئهم لها, ويرغّبهم في فتحها, لما كان الصحابة يحفرون الخندق عرضت لهم فيه صخرة عظيمة شديدة، لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها ألقى ثوبه وأخذ المعول، فقال: «بسم الله، ثم ضرب ضربة فكسر ثلثها، وقال: الله أكبر أُعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة، ثم ضرب الثانية فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن، وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا».

ولقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتحها في حياته, فبعث بعض أصحابه إلى مؤتة وهي على طرف الشام, وبعث جيشاً مرة أخرى لدومة الجندل وهي على حدود الشام.

وقد جعل لأهلها ميقاتاً قبل أن تُفتح لعله بأنها ستكون أرض إسلام, فقال كما في الصحيح: «وميقات أهل الشام الجحفة»

ومما قاله صلى الله عليه وسلم فيها: «طوبى للشام»، فقلنا: لأي ذلك يا رسول الله؟ قال: «لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها» رواه الترمذي وحسنه وصححه الألباني.

وقال لعبد الله بن حوالة رضي الله عنه: «سَيَصِيرُ الأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ»، قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ. فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِالشَّامِ، فَإِنَّهَا خِيَرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ، يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيَرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ، وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ» رواه أبو داود.

بل قال صلى الله عليه وسلم: «إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم» أخرجه أحمد بسند حسن، وقال: «عقر دار المؤمنين الشام» رواه النسائي.

ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم والشام لم تزل في أيدي النصارى, وحين وقعت الفتوح سعى الصحابة لفتح تلك الأرض المباركة, وضربوا صور الشجاعة هناك، فأعزهم الله على عدوهم بجهادهم في سبيل ربهم, وبعد تمنع فتح الله الأرض، فصارت أرض الشام منذ ذلك الحين بلداً من بلاد الإسلام, ولما أراد أن يخرج منها قيصر خرج من حمص، وهي عاصمة الروم، فنظر إليها مودعاً، وقال: السلام عليك يا أرض سورية تسليم الوداع.

وتوالى الصحابة على أرض الشام, لأهلها داعون ولأرضها فاتحون، وكان لحمص من ذلك النصيب الوافر, فدفن خالد بن الوليد فيها وباسمه الآن يسمى حي الخالدية, وعمرو بن معد يكرب، وسمي باسمه باب عمرو, وظلت حمص منيعة على الأمراء حتى سُمِّيَت الكويفة تشبيهاً لها بكوفة العراق؛ لكثرة نزاعها للأمراء, فمن تغلب عليها ملك الشام.

وحين جاء الأمويون جعلوا من بلاد الشام عاصمةً لهم, ولم تكن بلاد الشام بعيدة عن التأثير في عهد العباسيين, وكانت تلك البلاد حواضر علمٍ ومواطن صلاح وأماكن جهاد, عاش فيها المسلمون أعزة حين كان الجهاد يجري في نفوسهم, وفي تلك البلاد عاش جملة من الصحابة, وخرّجت تلك البلاد من علماء الإسلام ما لا يحصى, ضمّ ثراها رفاتَهم, وما ابن قدامة المقدسي وغيره من المقادسة, والأوزاعي، وَابن تَيمِيَّة، وَابن القَيِّمِ، وَابن كَثِيرٍ وغيرهم إلا نماذج لتلك الأعلام.

وفي تلك الأزمان نبتت في البلاد نابتة نشاز, وبذرة هي السمّ الزعاف, وهي طائفة النصيرية, وهم حركة باطنية تنسب إلى محمد بن نصير البكري النميري, وأصحابها يُعدون من غلاة الشيعة, وعندهم من الضلالات ما يزيدون به على الرافضة الاثنا عشرية في إيران وغيرها, عاشوا في تلك البلاد منذ وجدوا أقلية منبوذة شاذة في عقيدتها وعبادتها وسلوكها, كانوا يحتمون بالتقيّة إن عجزوا, ويطعنون في الظهر إن قدروا، وذكرت كتب التاريخ من جرائمهم بالمسلمين ما لا يتخيله العقلاء ولا يتوقعه الأعداء، كانوا مع كل غازٍ لبلاد الشام ضد أهل السنة, وإذا قدروا فتكوا بهم, وذكر ابن كثير وغيره أنهم كانوا إذا تمكنوا من أهل السنة قتلوهم وهتكوا الأعراض، ووقفوا على رأس الواحد منهم وقالوا: اسجد لإلهك المهدي, كانوا عوناً للتتار على بلاد الإسلام، وسنداً للمحتل المستعمر على أهل السنة.

وحين سقطت الدولة العثمانية واحتلت فرنسا الشام كتب النصيرية لهم يظهرون لهم الولاء، فأقامت لهم فرنسا دولة صغيرة وسموهم بالعلويين تمويهاً وتغطية لحقيقتهم الرافضية والباطنية، وحين أراد الاستعمار أن يرحل خشي هؤلاء النصيرية أن تذهب دولتهم, فاستماتوا في التودد للمستعمر, الذي لم يجد خيراً منهم لحرب الإسلام وإفساد البلاد وإلحاق الأذى بالمسلمين، فسلمهم البلاد بأكملها عن طريق حزب البعث الاشتراكي العلماني, ومنذ تلك الفترة وأهل السنة يذوقون منهم الأمرين, وما أحداث حماه التي راح ضحيتها أكثر من أربعين ألفًا إلا واحدة من جرائمهم ضد أهل السنة

وقبل ست وثلاثين سنة تدخل الجيش ليسحق سنة لبنان وفلسطين، وقتل منهم الآلاف, ولأن الجريمة ضد أهل السنة سكت اليهود في فلسطين والمارونيون النصارى في لبنان, وقال رئيس إسرائيل حينها: إن إسرائيل لا تجد سبباً يدعوها لمنع الجيش السوري من التوغل في لبنان, فهذا الجيش يهاجم الفلسطينيين, يجب علينا ألا نزعجهم أثناء قتلهم الفلسطينيين, ووقتها طلب الفلسطينيون المحاصرون في لبنان فتوى من علماء الإسلام تبيح لهم أكل جثث الموتى بعد أن أكلوا القطط والكلاب من الجوع.

وأحداث اليوم على أن فيها جانباً سياسياً إلا أنها تتمة لجرائم النصيرية في بلاد الشام, وما زالت تلك البلاد منذ أشهر تعيش قتلاً وإجراماً يفوق الوصف ضد أهل السنة بالدرجة الأولى, لاسيما في المدن السنية التي ليس للنصيرية فيها موطئ قدم معتبر كحمص ودرعا وغيرها, يناصرهم في ذلك الإجرام رافضة إيران ولبنان, الذين أعلنوا بفعالهم وأقوالهم استعدادهم التام للوقوف معهم.

كل هذا لتعلم أيها المبارك أن التاريخ يعيد نفسه, وأن مثل هذه الطوائف ليست إلا حرباً على الإسلام, وضررها عليه أشد من ضرر اليهود والنصارى, ولئن عاش بعض المسلمون في فترة مخدوعين من زيف الشعارات إلا أن الأحداث جلّت بوضوح حقيقة الصراع وحقد الروافض والنصيرية وتناصرهم ضد أهل السنة, ولكن ومع كل هذا فعندنا مسلّمة قرآنية لا تتبدل (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30].

اللهم صل على محمد....

الخطبة الثانية:

عباد الله: إذا كانت بلاد الشام قد اعتراها من التقصير والمعاصي ما اعتراها, فإن الثناء من المصطفى صلى الله عليه وسلم ثابت, لكنه لأقوامٍ ظلوا على الدين الحق, وهم موجودون, ولئن أريد لتلك البلاد النكوص عن درب الريادة حين سُلط عليها النصيرية والدروز والنصارى واليهود أيضاً, فإن ذلك أمر هو إلى أن يزول قريب, وكم غيرت الأحداث هناك من نفوس, وأحييت من قلوب.

ويبقى السؤال: أمام أحداث اليوم ما دورنا نحن تجاه إخواننا هناك, هل يليق بالمسلم بل هل يليق بمن لديه ضمير أن يرى تلك الهجمة ثم هو بارد القلب لا يقدم ما يقدر عليه تجاه إخوانه.

إن التاريخ سيسجل أن أمة تفوق المليار تقف أمام مشاهد القتل عاجزة عن نصرة إخوانها, كل هذا وقع حين غُيِّبت عن المسلمين عقيدة الجهاد ومبدأ القوة والقتال, تلك التي لأجلها كان العدو يحسب لهم الحساب.

ومع هذا فما زال في الحيلة بقية, وفي الوسائل ما يمكن أن تسلكه لنصرة الإخوة في العقيدة هناك.

فالدعاء سلاح نافذ, فلا تتركه في صلواتك, ولا تستكثره في قنوتك, فسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم قنت شهراً في جميع الصلوات الخمس، يدعو على من قتلوا سبعين من الصحابة،
والدعم بالمال وقد فتحت أبوابه درب نصرة يقدر عليها الجلّ، فأين أنت من مساعدة الجوعى هناك ممن لم يبقَ لهم ما يأكلونه.

وعيش القضية وتثبيت الناس هناك وشحذ عزائمهم مطلب مهم، ويكفي منه أنه يشعرهم بأخوة إخوانهم، والوسائل كثيرة, وعالي الهمة لا يحول دونه باب.

وبعد أيها المبارك: فالحرب على بلاد الشام هي برغم مشقتها وشدتها بوابة خير بإذن الله على أهل السنة, ولا نشك في حكمة الله تعالى, وأعداء الإسلام حين تخلوا عن نصرتهم فإنهم يعلمون أن انتصار المسلمين هناك سيغيّر كفة الصراع, ويهدّد مصالحهم وأمن اليهود والنصارى, ولكن لئن تخلى عنهم العباد فرب العباد لا يخذل عباده إذا صدقوا, ولئن أخّر نصرتهم فذاك لحكمة وهو أعلم, ولئن كان في الحرب ضحايا فإن يقيننا أن الله يهيئ الأمة لنصرة قادمة منطلقها من هناك, ولن يصلح آخر الأمة ويرفع ذلها, إلا ما أصلح أولها.