البحث

عبارات مقترحة:

البصير

(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...

الملك

كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...

الظاهر

هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...

المساجد بيوت الله

العربية

المؤلف مراد كرامة سعيد باخريصة
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. مكانة المسجد .
  2. المساجد في عهد السلف الصالح .
  3. وجوب احترام المساجد .
  4. جملة من آداب المساجد .

اقتباس

المساجد بيوت الله، وهي أحب البلاد إلى الله، وأنقى بقاع الأرض، وأطهر ساحات الدنيا؛ ولهذا أمر الله جل جلاله بتطهيرها لعبادته؛ لأن النفوس تتطهر فيها، والمؤمن يجد راحته ويناجي مولاه ويتوجه إليه بالعبادة فيها، قال -تعالى-: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحبُّ البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها" ..

المساجد بيوت الله، وهي أحب البلاد إلى الله، وأنقى بقاع الأرض، وأطهر ساحات الدنيا؛ ولهذا أمر الله -جل جلاله- بتطهيرها لعبادته؛ لأن النفوس تتطهر فيها، والمؤمن يجد راحته ويناجي مولاه ويتوجه إليه بالعبادة فيها، قال -تعالى-: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن:18]، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أحبُّ البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها".

إن المسجد في الإسلام له مكانة رفيعة، ومنزلة عالية، ففيه يتعبد المتعبدون، ويصلي المصلون، ويعتكف المعتكفون، ويتعلم المتعلمون، ويتلاقى فيه أهل الحي ويتعارفون، يأتي إليه العبد فتهدأ نفسه، ويطمئن قلبه، ويتسلل النور إلى فؤاده، فيخرج من المسجد منشرح الصدر، باسم الثغر.

إن الله -جل جلاله- أضاف المساجد إلى نفسه إضافة إجلال وتشريف، وتوعَّدَ مَن يمنع من ذكره فيها ويسعى في خرابها بخزي الدنيا وعذاب الآخرة قال -تعالى- (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة:114].

عباد الله: إن المساجد في عهد السلف الصالح -رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم- كانت تضج بالبكاء، وتزدحم فيها حلق العلم والعلماء، وتتعالى فيها أصوات التكبير والتسبيح والثناء، وتلهج فيها الألسنة الصادقة بالدعاء، يدخل إليها الداخل فيزداد إيمانه، ويشتد في الحق بنيانه؛ فأخرجت قادة الدنيا الذين غيروا وجه التاريخ من أمثال الخلفاء الراشدين، والقادة الفاتحين، والأنصار والمهاجرين، الذين كانوا عُبَّاداً للحجر، فأصبحوا قادة للبشر، وكانوا رعاة للغنم، فأصبحوا سادة للأمم، (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ) [التوبة:18].

كانت قلوبهم معلقة بالمساجد يأنسون بالجلوس فيها، وتتطيب قلوبهم بملازمتها، يعيشون فيها كالأسماك في البحار، إذا خرجت منها ماتت، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"، وذكَر منهم: "ورجل قلبه مُعلَّق بالمساجد".

كانت المساجد في عهدهم جامعةً للعلم، ومَحكمة للحق، ومركزاً للتجمُّع، ونقطة للانطلاقة، ومكاناً للعبادة، ومركزاً للقيادة، وبرلماناً للسياسة عقد فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألوية الجيوش، واستقبل فيه الوفود، وأبرم فيه المعاهدات، وأقام فيه الاجتماعات والمشاورات.

فعندما وصل -صلى الله عليه وسلم- مهاجراً من مكة إلى طيبة الطيبة كان أول مشروع قام به -صلى الله عليه وسلم- هو وضع حجر الأساس لبناء المسجد النبوي ليكون مسجده -صلى الله عليه وسلم- روضة من رياض الجنة، وميداناً من ميادين التجارة الرابحة، وسوقاً من أسواق الآخرة.

أما مساجدنا اليوم -إلا ما رحم ربي- فإنها بعيدة كل البعد عما كان عليه الحال في عهد أولئك؛ لأننا عمرناها بالبناء، ولم نعمرها بالعلم والتعظيم والثناء، وعمرناها بالزخارف والألوان، ولم نعمرها بالقرآن؛ فأصبحت المساجد تسر الناظرين، وتعجب المشاهدين في بنائها ومظهرها وروعة هندستها، إلا أنها في جوهرها ومخبرها لم تؤدِّ رسالتها، ولم تحقق مهمتها؛ فضعف دورها، وأفل نجمها، واختفت حلقاتها، وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد".

عباد الله: إن المسجد آخى بيننا، وجمع كلمتنا، ووحد شملنا، ولَمَّ شعثنا، فكان حقاً علينا أن نظهره في أحسن مظهر، وأن نعتني به أكثر من عنايتنا ببيوتنا ومنازلنا؛ فبيوت الله -سبحانه وتعالى- أولى بالاحترام والتعظيم والتقديس، قال -تعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف:31].

إن المسلم الذي يؤمن بالله ويعظم شعائر الله يجب عليه أن يعرف حق المعرفة أنَّ للمساجد حقوقاً، ولروادها آداباً يجب معرفتها والتمسك بها، والعمل بمقتضاها؛ فلا يجوز لأحد -بأي حال من الأحوال- أن يسئ الأدب في بيت من بيوت الله؛ لأن لبيوت الله حصانة شرعية تليق بها، وكيف لا يكون لها ذلك وهو بيت مالك الملك وملك الملوك جل جلالُه، وعز كماله؟!.

إن ملوك الدنيا لا يسمحون ولا يرضون إن ساء الأدب في بلاطهم وقصورهم وبيوتهم، ولا أن ترفع الأصوات بحضرتهم، ولا أن يكثر الضجيج في أماكن تواجدهم؛ ولا يرضون بحركة أو لفظة غير مسؤولة عندهم؛ فبيوت الله -سبحانه وتعالى- أولى بالاحترام والتعظيم والتقديس، قال -تعالى-: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) [النور:36-37].

الخطبة الثانية:

يجب على قاصد المسجد أن يراعي آدابه، وأن يتعلم أحكامه؛ ليفهم ما يوافق قدسيتها، وما يعد مناقضاً لمكانتها؛ فلا مكان في المسجد للغوغائيين والفوضويين والمشوشين والأطفال غير المميزين، ولا يجوز فيها رفع الصوت ولو في قراءة القرآن؛ لما فيه من إيذاء وتشويش على الآخرين، فكيف بالنغمات الموسيقية والرنات الغنائية؟!.

ينبغي لمريد المسجد أن يحسن الطهور، ويحرص على النظافة والتطيب والابتعاد عن الروائح الكريهة والمؤذية، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أَكَلَ ثوماً أوبصلاً فليعتزلنا وليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته".

ثم إذا دخل المسجد فليدخل برجله اليمنى، ويأتي بدعاء دخول المسجد: "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم. بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله. اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك".

ثم يصلي ركعتين تحية المسجد، ويجلس بأدب وسكينة ووقار.

وإذا دخل والصلاة قد قامت فلا ينبغي له أن يسرع ويتعجل في المشي ليلحق الركعة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن هذا؛ لأن فيه إزعاجا واضحاً كما هو مشاهد وملموس؛ إذا أراد الإمام أن يركع أسرع الكل وازدحموا على الصف حتى لا تفوتهم الركعة فيحدث الإزعاج!.

كما ينبغي الحرص على ملء الصفوف الأولى، وألَّا يجلس في مؤخرة المسجد وفي المقدمة متسع؛ فإن للصف الأول فالأول فضلاً عظيماً، وأجراً كبيراً.

وإذا أقيمت الصلاة فلْتُسَوَّى الصفوف، ولْيُسَدّ الخلل، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لأصحابه: "تراصوا واعتدلوا"، وكان يقول لهم -صلى الله عليه وسلم-: "سوُّوا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة".

هذه جملة عظيمة من آداب المسجد، فأرجو من الآباء أن يكرروها على أبنائهم في البيوت، وأرجو من المدرسين أن يُذكروا الطلاب في المدارس باحترام المساجد وتبجيلها وتعظيمها.