الحفيظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | السيرة النبوية |
خرّج أئمة الحديث رضي اللّه عنهم أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أخبر الصحابة بفتح مكة، وبيت المقدس، واليمن والشام، والعراق، وأن الأمن سيظهر، حتى ترحل المرأة من الحيرة إلى مكة لا تخاف إلا اللّه، وأن خيبر تُفتح على يد عليّ رضي اللّه عنه في غد يومه، وأنهم يقسمون كنوز ملك فارس وملك الروم، وأن بنات فارس تخدمهم. فوقعت كما أخبر، وبعض هذه الأمور وقعت في زمن الصحابة رضي اللّه عنهم كما أخبر صلى الله عليه وسلم، ووقع باقيها بعدهم..
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: لقد كان من فضل الله علينا أن أرسل لنا أفضل الرسل، وشرع لنا أفضل الشرائع، وأنزل علينا أحسن الكتب، ولقد أيد الله كل نبي بما يصدّق قولَه من المعجزات، ولقد تحدثنا في خطبة مضت عن شيء من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، ووعدنا بإكمالها، وها نحن نفي بذلك، فلقد كانت معجزات النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة جدًّا، منها الخاص ومنها العام، ولنأت على متيسر منها، فمن ذلك:
وهي من أظهر معجزاته ومن أوائلها حادثة الإسراء والمعراج، وقصتها: ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما واللفظ لمسلم عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُتيت بالبراق، وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، فركبته فسار بي حتى أتيت بيت المقدس، فربطت الدابة بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء، ثم دخلت فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فأتاني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، قال جبريل: أصبت الفطرة»، قال: «ثم عرج بي إلى السماء الدنيا، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. فقيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ [قال: وقد أُرسل إليه؟]. ففتح لنا، فإذا أنا بآدم، فرحّب ودعا لي بخير»، ثم ذكر صعوده في السماوات حتى فرضت عليه الصلوات الخمس ونزل إلى الأرض.
وفي رواية للبيهقي: فلما أصبح قصَّ على كفار قريش ما حدث له البارحة، فقال أبو جهل -يعني ابن هشام-: ألا تعجبون مما يقول محمد؟ يزعم أنه أتى البارحة بيت المقدس، ثم أصبح فينا. وأحدنا يضرب مطيته مُصْعِدةً شهرًا، ومُقْفِلةً شهرًا، فهذا مسيرة شهرين في ليلة واحدة! قال: فأخبرهم بعير لقريش: قال: "لما كنت في مصعدي رأيتها في مكان كذا وكذا، وأنها نفرت، فلما رجعت رأيتها عند العقبة".
وأخبرهم بكل رجل وبعيره كذا وكذا، ومتاعه كذا وكذا، فقال رجل من المشركين: أنا أعلم الناس ببيت المقدس، وكيف بناؤه؟ وكيف هيئته؟ وكيف قربه من الجبل؟ فإن يكُ محمد صادقًا فسأخبركم، وإن يك كاذبًا فسأخبركم.
فجاء ذلك المشرك فقال: يا محمد، أنا أعلم الناس ببيت المقدس، فأخبرني كيف بناؤه؟ وكيف هيئته؟ وكيف قربه من الجبل. قال: فرُفِعَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المقدس من مقعده، فنظر إليه كنظر أحدنا إلى بيته: بناؤه كذا وكذا، وهيئته كذا وكذا، وقربه من الجبل كذا وكذا. فقال الآخر: صدقت.
ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم: إخباره ببعض المغيبات التي وقعت في زمانه وفي نفس الوقت، فمن ذلك ما ذكره ابن إسحاق في سيرته أنه عليه الصلاة والسلام أخبر بموت كسرى في الوقت الذي قُبض فيه، وكذلك أخبر بموت الأسود العنسي في الوقت الذي تُوفي فيه فحُسب ذلك الوقت فلما جاء البريد فإذا هو في نفس الوقت والساعة.
ومن معجزاته أنه يبرئ من المرض ببركته أحيانًا، كما روى الحاكم وغيره من عدة طرق، أنه صلى الله عليه وسلم رد عين قتادة بن النعمان الأنصاري لما سقطت يوم أحد، فردها فكانت المردودة أحـدّ (أقوى) من العين الصحيحة.
وفي الصحيحين أن عين علي بن أبي طالب رضي الله عنه برأت من الرمد حين تفل فيها.
وفي الصحيح أن عبد الله بن عتيك الأنصاري أُصيبت رِجْله حين نزل من درج رافع بن أبي الحقيق لما قتله فمسحها بيده الشريفة فبرأت.
ومن ذلك إخباره ببعض المغيبات التي حصلت في زمنه وبعد زمنه، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث حذيفة رضي اللّه عنه أنه قال: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامًا، فما ترك شيئًا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء فأعرفه وأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه».
وقد خرّج أئمة الحديث رضي اللّه عنهم: أن النبي صلى اللّه عليه وسلم أخبر الصحابة بفتح مكة وبيت المقدس واليمن والشام والعراق، وأن الأمن سيظهر، حتى ترحل المرأة من الحيرة إلى مكة لا تخاف إلا اللّه، وأن خيبر تُفتح على يد عليّ رضي اللّه عنه في غد يومه، وأنهم يقسمون كنوز ملك فارس وملك الروم. وأن بنات فارس تخدمهم. فوقعت كما أخبر، وبعض هذه الأمور وقعت في زمن الصحابة رضي اللّه عنهم كما أخبر صلى الله عليه وسلم، وأن فارس نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعدها أبدًا، والروم ذات قرون كلما هلك قرن خلف مكانه آخر أبد الدهر، والمراد بالروم الفرنج والنصارى، فإن سلطنتهم وإن زالت عن الشام في عهد خلافة عمر رضي اللّه عنه وانهزم هرقل من الشام إلى أقصى بلاده لكن لم تزل سلطنتهم بالكلية، بل كلما هلك قرن خلفه قرن آخر.
اللهم اجعلنا لك شاكرين، لك ذاكرين، إليك مخبتين أواهين منيبين، أقول قولي...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين...
أما بعد: فلا يزال الحديث موصولاً عن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها إخباره أن المهدي يظهر في آخر الزمن، وأن عيسى عليه السلام ينزل، في آخر الزمان حَكَمًا مقسطًا، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ولا يقبل الجزية لا يقبل إلا الإسلام، ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الدجال يخرج قبل نزول عيسى ثم ينزل عيسى فيقتله بباب لُدّ.
وأن الأنصار يقلون حتى يكونوا كالملح في الطعام، فلم يزل أمرهم يتفرق حتى لم يبقَ لهم جماعة. ووقع كما أخبر.
وأنه يكون في ثقيف كذاب ومبير، أي مهلك، فرأوهما: المختار والحجاج.
وأن الموتتين أي الوباء والطاعون يكونان بعد فتح بيت المقدس، وكان هذا الوباء في خلافة عمر رضي اللّه عنه بعمواس من قرى بيت المقدس، وبها كان عسكره، وهو أول طاعون وقع في الإسلام مات به سبعون ألفًا في ثلاثة أيام. وأن فاطمة أول أهله لحوقًا به فماتت رضي اللّه عنها بعد ستة أشهر من وفاته صلى اللّه عليه وسلم، وأن أبا ذر يعيش وحيدًا، ويموت وحيدًا، فكان كما أخبر، وأن أسرع أزواجه لحوقًا به أطولهن يدًا، فكانت زينب بنت جحش رضي اللّه عنها أسرعهن لحوقًا به لطول يدها بالصدقة.
وأن الحسين بن علي رضي اللّه عنهما يُقتل بالطَفّ، مكان بناحية الكوفة على شط نهر الفرات، والآن اشتهر بكربلاء، فاستشهد الحسين رضي اللّه عنه في الطف كما أخبر.
وقال لسراقة بن جعشم: كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ فلما أُتِيَ بهما عمر رضي اللّه عنه ألبسهما إياه، وقال: الحمد للّه الذي سلبهما كسرى وألبسهما سراقة. وقال لخالد رضي اللّه عنه حين وجَّهه لأكيدر: إنك تجده يصيد البقر. فكان كما أخبر.
وفي حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه عند الشيخين: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز يضيء لها أعناق الإبل ببصرى»، وقد خرجت نار عظيمة على قرب مرحلة من المدينة، وكان ابتداؤها يوم الأحد مستهل جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة، هذا الخبر من الأخبار العظيمة أيضًا لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم أخبر بخروج هذه النار قبل ظهورها بمقدار ستمائة وخمسين سنة تقريبًا.
أخرج الدارمي في مسنده من حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في سفر فدنا منه أعرابي، فقال: يا أعرابي أين تريد؟ قال: أهلي، قال: هل لك إلى خير؟ قال: وما هو؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، قال: من يشهد لك على ما تقول، قال: هذه الشجرة (السَّمُرَة)، وهي بشاطئ الوادي، فأقبلت تخدّ الأرض حتى قامت بين يديه فاستشهدها ثلاثًا. فشهدت أنه كما قال، ثم رجعت إلى مكانها.
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديًا أفيح فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته، فلم ير شيئًا يستتر به، وإذا شجرتين بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: انقادي عليّ بإذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى، فأخذ بغصن من أغصانها فقال: انقادي عليّ بإذن الله، فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما قال: التئما عليَّ بإذن الله، فالتأمتا، فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً وإذا الشجرتين قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق.
أخرج الترمذي في جامعه من حديث ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بم أعرف أنك نبي؟ قال: إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة تشهد أني رسول الله فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: ارجع فعاد فأسلم الأعرابي.
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: قالت أمي: يا رسول اللّه خادمك أنس ادعُ اللّه له. فقال: «اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما آتيته». قال أنس:" فواللّه وحدثتني ابنتي أمينة أنه دُفن لصلبي مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة".
وغيرها من المعجزات الباهرة التي حصلت تأييدًا لنبينا صلى الله عليه وسلم، ومع تكاثر هذه المعجزات يتبين لنا عظيمة منزلة نبينا صلى الله عليه وسلم عند ربه، ولعلنا نفرد خطبة خاصة بحقوقه صلى الله عليه وسلم الواجبة علينا.
اللهم صلّ وسلم على معلم الخير للبشرية أجمع، اللهم انصر دينك وكتبك وسنة نبيك وعبادك الصالحين، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا... اللهم أعز الإسلام.. اللهم أنج المستضعفين... اللهم أنت الله لا إله إلا أنت... ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة...