البحث

عبارات مقترحة:

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

المعطي

كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

فتنة المال (الربا)

العربية

المؤلف عمر القزابري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المعاملات
عناصر الخطبة
  1. المال نعمة أو نقمة .
  2. فتنة المال وخطورتها .
  3. صور محرمة من التعاملات المالية .
  4. التحذير من الربا .
  5. الوعيد الشديد في الربا .

اقتباس

إن المال البريق الخادع الحاكم الآمر الذي انحنى أمام جبروته الكثير والكثير، بل وجعلوه أمامهم وإمامهم؛ من أجله يحبون ويعادون، ومن أجله يعصون الله، لا همَّ لهم إلا جمعه من أي مصادر كانت، لا يبالون أمن حلال أم من حرام... ومن أحرج المواضيع المالية التي عمت وطمت خصوصًا في هذا الزمان: موضوع الربا، الذي أجمعت الشرائع على تحريمه وتوعد الله المتعاملين به ..

الحمد لله المتفرد باسمه الأسمى، والمختص بالملك الأعز الأحمى، الذي ليس من دونه منتهى ولا ورائه مرمى، الظاهر لا تخيلاً ووهمًا، الباطن تقدسًا لا عدمًا.. وسع كل شيء رحمة وعلمًا، وأسبغ على أوليائه نعما عُما، وبعث فيهم رسولاً من أنفسهم أنفثهم عربًا وعجمًا، وأذكاهم محتدًا ومنما، وأشدهم بهم رأفة ورحمة حاشاه ربه عيبًا ووصمًا وذكاه روحًا وجسمًا وآتاه حكمة وحكمًا، فآمن به وصدقه من جعل الله له في مغنم السعادة قسمًا، وكذّب به وصدف عنه من كتب الله عليه الشقاء حتمًا، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى.. صلى الله عليه صلاة تنمو وتنمى وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا..

معاشر الصالحين: إن الموفق السعيد هو من وقف عند حدود الله، واستمسك بهدي الله وسار في حياته على مراد الله، ولا يتأتى ذلك إلا بالوقوف عند كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فذلكم العاصم من الضلالة، يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا: كتاب الله وسنتي، عضوا عليها بالنواجذ»، فالقرآن والسنة بيّنا وأوضحا ووجّها وحذرا وأنذرا وأخبرا وبشّرا، واتباع هذا هو العاصم من الفتن.

ومعلوم أيها الأحباب أنه ما من شيء أخطر على التزام المرء من الفتن؛ لذلكم يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه سلم: «إن السعيد من وُقي الفتن» أو «إن السعيد مَن جُنّب الفتن» أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

وسنتكلم اليوم إن شاء الله عن فتنة هي من أشد الفتن، بل هي فتنة هذه الأمة كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال» رواه الترمذي.

إن المال البريق الخادع الحاكم الآمر الذي انحنى أمام جبروته الكثير والكثير، بل وجعلوه أمامهم وإمامهم؛ من أجله يحبون ويعادون، ومن أجله يعصون الله، لا همَّ لهم إلا جمعه من أي مصادر كانت، لا يبالون أمن حلال أم من حرام.

إذًا ما أحوجنا في غمرة هذه الفتنة المستحكمة أن نرجع إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ننظر حكم الله، وحتى ننظر توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن المال أيها الأحباب في اعتبار القرآن هو من موازين البلاء، قال تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) [التغابن: 15].

أضل الكافرين وأوردهم موارد الخسار، قال الله: (وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا) [نوح: 21]، وأشغل المنافقين (شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا) [الفتح: 11]، وقد يكون سببًا في أن يغيّر الإنسان دينه ومبادئه، يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يصبح الرجل مؤمنًا ويمسى كافرًا، ويمسى مؤمنًا ويصبح كافرًا يبيع دينه بعَرَض من الدنيا» رواه مسلم.

والشيطان وهو أشد عدو للعبد قد يدخل من باب المال، قال الله: (وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) [الإسراء: 64].

والمال من أسباب طغيان العبد، قال الله: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى) [العلق: 6- 7]، وهو زينة الدنيا وخداعها (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً) [الكهف: 46].

والحرص عليه مما يفسد الدين، يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنمٍ بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه».

ومطامع النفس فيه لا تنقضي ما لم تُلجم بلجام القناعة والشكر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب» متفق عليه.

وهو مما يخشاه المصطفى صلى الله عليه وسلم على أمته، يقول عليه الصلاة والسلام: «ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بُسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم» متفق عليه.

والفقراء المستحقون للجنة يسبقون الأغنياء المستحقين لها، يسبقونهم دخولاً للجنة، يقول صلى الله عليه وسلم: «يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم» وهو 500عام رواه الترمذي.

وكل عبد يسأل يوم يلقى ربه عن صفة كسبه أم من حلال أم من حرام وفيما أنفق، قال عليه الصلاة والسلام: «لا تزول قدم عبدا يوم القيامة حتى يُسألَ عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه» رواه الترمذي.

وفي التكاثر من المال شغل عن الآخرة وأهوالها وما فيها من المواقف التي يشيب من هولها الولدان (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) [التكاثر: 1- 2].

والمال في ذاته لا يقرّب من الله شيئًا إنما يقرب الإنفاق منه والعمل الصالح، قال الله (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ) [سبأ: 37].

والمال لا يخلد صاحبه (يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ) [الهمزة: 3]، فالمال لغيرك وجمعه وجهده عليك، يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله» متفق عليه.

وإذا لامس المال الحرام الجسد لم يستجب الدعاء، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم «الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَا رَبِّ يَا رَبِّ , وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ , وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ , وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ , وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ» رواه مسلم .

قال ابن رجب رحمه الله: "هذا مثال لاستبعاد قبول الأعمال مع التغذية المحرمة والقلوب من صاحب المال الحرام نافرة ".

يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: "إن العبد ليخلو بمعصية الله فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر، وصاحب المال الحرام يتحسر ويتألم عند نزول الموت ولا تنفعه الحسرة ولا يغني عنه الألم ".

قال ابن الجوزي رحمه الله: "كم سمعنا عن صاحب مال أطلق نفسه في شهواتها ولم ينظر في حلال وحرام فنزل به من الندم وقت الموت أضعاف أضعاف ما التذ [أي ما تلذذ به] ولقي من مرير الحسرات ".

والشبهة في المال أخت الحرام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام» متفق عليه .

ومن تجاوز الحلال ووقع في الشبهات، فما أخلقه بأن يخالط الحرام المحض ويقع فيه، قال صلى الله عليه وسلم: «من اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان» رواه البخاري.

وقد يمد العبد بالمال استدراجًا له قال الله: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُودًا) [المدثر: 11- 12] وقال الله: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون: 55- 56].

وكم من معجب بماله هلك، قال الله (فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا) [الكهف: 34] فأهلك حرثه وذهب ماله.

وقارون أغنى أهل زمانه بغى وطغى فخسف به، قال الله (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) [القصص: 81] وما أكثر أصحاب هذا المنهج القاروني في زماننا هذا الذين طغوا بالمال ولم يراعوا فيه حق الكبير المتعال، الذين نسوا فضل الله عليهم وعظيم إحسانه إليهم، فلم يراعوا ذلك، وانطلقوا في الجحود والعناد والربا وازدراء العباد ينشرون الأذى والردى؛ يبيعون الخمور ويتاجرون في الحرام لا همّ لهم إلا الجمع والتكديس ومطاوعة إبليس..

وتلك والله طريق نهايته البوار وآخرها النار عياذا بالواحد القهار، فمن اغتر بالمال قد يسلبه كما ذكر الله تعالى في قصة أصحاب البستان في سورة القلم (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ) إلى أن قال الله (كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [القلم: 17- 33].

جعلني الله وإياكم ممن ذُكر فنفعته الذكرى وأخلص لله عمله سرًّا وجهرًا، آمين.. آمين والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي خلق الإنسان من طين وكتب شقاوته وسعادته ورزقه وأجله وهو في قرار مكين، وأشهد أن لا إله الله الخالق الرازق المحي المميت تبارك الله أحسن الخالقين.

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الناصح الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأزواجه وذريته وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

معاشر الصالحين: من أحرج المواضيع المالية التي عمت وطمت خصوصًا في هذا الزمان موضوع الربا، الذي أجمعت الشرائع على تحريمه وتوعد الله المتعاملين به بأشد الوعيد في الدنيا والآخرة، وجعل أكله من أفحش الخبائث وأكثر الكبائر، بل إن الوعيد الذي جاء في الربا لم يأتي مثله في معصية أخرى سوى الشرك..

قال الله جل في علاه (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 275].

يخبرنا سبحانه وتعالى في هذه الآيات الكريمة أن أكلة الربا لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع بسبب تخبط الشيطان له، ثانيا أنه يقوم قيامًا منكرًا.

يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونًا مخنوقًا" كما توعد سبحانه الذي يعود إلى أكل الربا بعد معرفة تحريمه بأنه من أصحاب النار الخالد فيها عياذا بالله، قال تعالى: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 275].

ثم قال تعالى (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة: 276]. يخبرنا تعالى أنه يمحق الربا أي يذهبه إما أن يذهب بكليته من يد صاحبه، أو يحرمه بركة ماله فلا ينتفع به، بل يعذبه به في الدنيا والآخرة ويعاقبه عليه يوم القيامة كما قال تعالى (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) [الأعراف: 100].

وأخبر سبحانه أنه لا يحب المرابي وحرمانه من محبة الله يستلزم أن الله يبغضه، وسمى الله آكلها كَفَّارًا على صيغة المبالغة أي مبالغا في كفر النعمة، ووصفه بأنه أثيم أي مبالغ في الإثم منغمس في المخالفة والتمرد على الله.

ثم قال تعالى مناديًا أهل الإيمان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) بالله ربا، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) بالله خالقا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) بالله رازقا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة: 278 - 279].

فهذه الآية العظيمة تضمنت جملة من التهديدات للمرابين أولاً أنه نادى عباده باسم الإيمان، فدل على أن تعاطي هذا النوع لا يليق بالمؤمن، ثانيا قال: (اتَّقُوا اللَّهَ)، فدل على أن الذي يتعامل بالربا لا يتقي الله، ثالثا قال: (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) أي اتركوا وهذا أمر بترك الربا والأمر يفيد الوجوب فدل على أن من يتعامل بالربا قد عصى أمر الله..

رابعا: وهنا مكمن الخطورة وهنا الوعيد الشديد الذي يمزق القلوب ويفتت الأكباد وهو أن الله سبحانه أعلن الحرب على من لم يترك الربا: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ).
قال ابن عباس رضي الله عنهما "أي استيقنوا بحرب من الله ورسوله" فبالله عليكم من يقدر على حرب الله، إنه الله جبار السماوات والأرض الحي القيوم فكيف تطيق حربه !!!

أيها الأحباب: لقد توعد الله آكلة الربا بالنار التي أعدها للكافرين، فقال جل شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [آل عمران: 130- 131].

وتعالوا بنا رحمكم الله إلى أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تبين خطر وفظاعة هذه المعصية..

عن جابر رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال هم سواء» رواه مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات» فقالوا: يا رسول الله وما هن؟ فقال: «الشرك بالله والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» رواه الشيخان.

وهنا إشارة ليس مقصود بها أكل الربا خاصة وإنما هو تعبير يُفهم منه التعامل بالربا فآخذ الربا سواء أكل به طعامًا أو اشترى به دابة أو بنى به منزلاً أو اشترى به سيارة أو ما شابه ذلك من أنواع الاستفادة فهو آكل للربا داخل في هذا الوعيد.

وروى الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله».

ومن بشاعة الربا صوّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصور أهلها في صورة تنفر منها أحط الطباع البشرية دناءة، وتسفُل فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الربا سبعون حوبًا» أي سبعون إثمًا «الربا سبعون حوبًا، أيسرها أن ينكح الرجل أمه» رواه ابن ماجه.

وأخرج أحمد والطبراني مرفوعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ‏ستة وثلاثين زنية».

وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى وسط النهر بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فَرُدَّ حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر، فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا» رواه البخاري.

فيا له من وعيد ما أفظعه وأشده، وتأملوا رحمكم الله فكما أن المرابي في الدنيا عاش يمتص دماء الناس ويرهقهم بالفوائد المحرمة عُوقب في الآخرة بكونه يسبح في نهر الدم، والجزاء من جنس العمل وزارع الشوك لا يجني به عنبًا.

والربا يا عباد الله من أسباب الذلة والصغار الانهزام الذي أصاب الأمة الإسلامية، فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ» وهو نوع من أنواع الربا «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاً لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» رواه أبو داوود.

بعض الناس يقولون: نحن لا نأخذ الربا وإنما نعطيها على شكل فوائد أو ما شابه ذلك، وهذا لا شك خطأ ووهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «الآخذ والمعطي في الربا سواء».

فاتقوا الله عباد الله واعلموا علم اليقين أن الدنيا بحذافيرها أهون عند الله من جناح بعوضة، فلا تخسروا ربكم بسببها؛ فرزقكم مكتوب وأجلكم محدود، أفيقوا من الغفلة واغتنموا المهلة فعما قريب إلى انقضاء، تزللوا بالأسحار، واسألوا ربكم سؤال الأبرار، أما لكم فيمن مضى معتبر، أين الملوك والرؤساء؟ أين الأثرياء والوجهاء؟ عفر التراب وجههم ومحا محاسنهم فلابد أن تسلفوا ما سلفوا..

وتذكر يا من يتعامل بالربا تذكر يوم توضع في قبرك، ويغطى القبر عليك، وتبقى أنت وحيدًا فريدًا غريبا لا أهل ولا مال، فكيف سيكون حالك ساعتها وقد كنت تحارب الله؟

من يسمعك؟ من ينفعك؟ من يمنعك؟ من يواسيك؟ من يذكرك؟ فما أحقر الدنيا التي من أجلها يعصى الله، فهل أعددنا الزاد وهل هجرنا الرقاد وهل تذكرنا يوم التناد.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) [الشورى: 47].

اللهم أصلح أحوالنا..