البحث

عبارات مقترحة:

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

العبد بين القرب والبعد

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. بين النشاط والفتور .
  2. التحذير من آثار الفتور .
  3. الغفلة نزيف العمر .
  4. درجات الغفلة .
  5. منازل المقربين .
  6. كيف ينال العبد محبة الله .
  7. علامات البعد عن الله .
  8. حال العبد وتقصيره وكرم الله وعفوه .

اقتباس

تمر على كل مسلم في حياته ساعات إقبال وساعات إدبار، ساعات إقبال يقترب فيها من ربه تعالى، وساعات إدبار يبتعد فيها عنه، والخوف من أن تكون ساعات البعد طويلة، والخوف كذلك من أن تعتريها المعاصي والموبقات.. أن تتحول ساعات الفتور إلى ساعة معصية، والخوف من أن يعاقب المبتعد بعقوبة الغفلة، والغفلة هي حالة خطيرة ومخيفة تصيب القلب فتفسده معظم حواسه الإيمانية، بل ربما كلها أحيانًا ..

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 71-72].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

تمر على كل مسلم في حياته ساعات إقبال وساعات إدبار، ساعات إقبال يقترب فيها من ربه تعالى، وساعات إدبار يبتعد فيها عنه.

وقد صح في المسند أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن لكل عابد شرة، ولكل شرة فترة، فإما إلى سنة وإما إلى بدعة، فمن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك».

فالشرة هي النشاط في العبادة والقرب من الله، والفترة هي الفتور والكسل عن العبادة، والبعد عن الله، والبعد درجات.

والخوف -أيها الإخوة- من أن تكون ساعات البعد طويلة، والخوف كذلك من أن تعتريها المعاصي والموبقات.. أن تتحول ساعات الفتور إلى ساعة معصية، والخوف من أن يعاقب المبتعد بعقوبة الغفلة، والغفلة هي حالة خطيرة ومخيفة تصيب القلب فتفسده معظم حواسه الإيمانية، بل ربما كلها أحيانًا..

كما قال سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف: 179].

وقال سبحانه: (أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [النحل: 108]، فكما ترون الآيات تنص على تعطيل الحواس تعطيلاً إيمانيًّا (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا) [الأعراف: 179]، وهذا العطل الذي يصيب الحواس هو بفعل العبد ذاته، ومنشأه الظلمة التي تغشى قلبه بسبب بعده عن الله تعالى.

فالغفلة خطيرة وسبب خطورتها أن الغافل حواسه معطلة لا يدري أنه مصاب بالغفلة، يمضي في حياته ضاحكًا يأكل ويشرب وينام ويحسب أنه على خير كما قال تعالى: (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 104].

بل قد يصاحب الغافل رضا خادع واطمئنان زائف يعميه عن حقيقة أمره، وهذا الشعور بالرضا والاطمئنان بالرغم من الغفلة واضح في قوله تعالى: (وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ) [يونس: 7]؛ فلأنهم رضوا بالحياة الدنيا واطمئنوا بها فإنهم لا يشعرون أنهم يعيشون عقوبة؛ لأن الغفلة أفقدتهم ذلك الشعور، أفقدتهم حواسهم، فحضورهم للمسجد في المناسبات فقط جمعة، أعياد، أما الفروض الخمس فيصلونها في البيت إن لم يؤخروها عن وقتها أيضًا.

ولا يدركون أن بعدهم عن بيوت الله بُعد عن الله، ولا يجدون في قلوبهم من ذلك البعد عن بيوت الله حرجًا ولا ضيق ولا حسرة، فالقلب الغافل قاسٍ لا يلين للأذان ولا للإقامة، ولا لسماع تلاوة الأئمة في المساجد من داعيه ولا لسماعه للمصلين وهم يرددون آمين، بل ربما زاد القلب ظلمة فيصاب الغافل بمصيبة بغض الصالحين وكراهية مجالسهم والضيق بمناسباتهم وبالتالي يجمع بجانب معصيته نفاق والعياذ بالله.

لكن ينبغي أن ندرك أن الغفلة درجات أيضًا كما هو شأن الإيمان وشأن الكفر والنفاق فهناك غفلة تخرج من الملة وهناك أخف مظاهرها المعاصي والثقل عن الطاعات، وهي التي تبقي العبد المسلم بعيدًا عن ربه بعد الجفاء، بعد المعصية.. نسأل الله السلامة.

وهذه الغفلة هي التي نعنيها في هذا المقام، في صحيح مسلم يقول صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إليَّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة».

تقرب تقربت، هذا القرب من الله تعالى الذي ورد في الحديث القدسي بماذا يتحقق؟ يتحقق بالتزام طاعة الله تعالى وذكره في كل حين، «ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي»، فهذا العبد يذكر الله في كل مكان وفي كل حين..

يذكره في نفسه خاليًا ما معه أحد ويذكره بصدق وإخلاص في الملأ، ويتحقق القرب من الله تعالى كذلك بالحرص على الارتقاء في محبته، وإنما تنال محبته بالتزام الفرائض والتزود من النوافل كما في الحديث القدسي «وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه».

قال: «حتى أحبه» وحتى هنا تفيد انتهاء الغاية، أي إلى أن يصل إلى منزلة المحبة الخاصة، فهناك قدر من محبة الله للعبد أعلى من محبته لباقي عباده، إنها المحبة الخاصة.. نسأل الله من فضله.

إنها محبته للسابقين في طاعته والقرب منه، الذين وصفهم سبحانه بأنهم هم المقربون (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) [الواقعة: 10- 11] أي أن غيرهم أدنى منهم في القرب من الله تعالى وهو التصنيف الذي ورد في آية أخرى بقوله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ) [فاطر: 32].. السابقون هو أول الناس في كل خير، هم المبادرون إلى ذلك..

وكما قال عثمان بن أبي سودة لما قرأ هذه الآية (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) [الواقعة: 10- 11] قال: "أولهم رواح إلى المسجد وأولهم خروجًا في سبيل الله".

والتقرب إليه تعالى يتحصل أيضًا بكثرة السجود، بل إن السجود هو أقرب ما يكون عليه العبد من ربه بنص الحديث، يقول صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء».

ولذلك قال تعالى (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق: 19] فهيئة السجود محبوبة عند الله قريبة منه؛ لأنها تحكي غاية الخضوع والتواضع وترك التكبر وكسر النفس بالله تعالى، فإذا سجد العبد فقد خالف هواه وبعد عنه، وإذا بعد عن هواه قرب من ربه ومولاه..

وهذا ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه يقول: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: «سل» فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: «أو غير ذلك»؟ قلت: هو ذاك، قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود».

السجود فيه قرب من الله تعالى وقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة، نسأل الله من واسع فضله.

فالتقرب إليه أيضًا يكون بحب عباده الصالحين وموالاتهم؛ لأن محبة الصالحين أوثق عرى الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: «أوثق عروا الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله» رواه الطبراني وحسنه الألباني.

بل إن حب الصالحين ومرافقتهم ومصاحبتهم ومجالستهم من وصايا رب العالمين؛ إذ يقول تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء: 69]، فرفقة الصالحين أحسن رفقة، بل هي من نعمة الله تعالى على العبد، ولذلك صح في الترغيب من حديث علي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ولا يحب رجل قومًا إلا حُشر معهم»، فانظر حولك إلى من تحب وصحّح شعورك أو ثبته، فإنك ستحشر مع هذا الذي تحبه.

ويتحقق القرب من الله كذلك بالبعد عن المعاصي، وعن مجالس العصاة، وأصحاب اللغط وفضول الكلام وبحفظ اللسان عن متابعتهم بالغيبة والكلام البذيء، وفي الوجه المقابل يتحقق القرب من الله تعالى بالقرب من مجالس الذكر..

في صحيح البخاري من حديث أبي واقد الليثي قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد [ أي: يحدث ] فأقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب واحد: فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس، وأما الآخر فجلس خلفهم [ أي: خلف الحلقة]، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ألا أخبركم عن الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه».

فال الذين يحسون بالضيق من مجالس الذكر التي يذكر فيها الله ورسوله، فيصرفون معرضين دائمًا بلا عذر ولا سبب يعرض عنهم جل وعلا.

ويتحقق القرب منه تعالى بدعائه، ولذلك قال سبحانه (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة: 186] فيلزم من دعائه القرب منه جل وعلا (إِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ) [البقرة: 186].

وهناك جلة من الأعمال التي ينبغي الحذر منها؛ لأنها تبعد عن الله تعالى.. في حديث مالك بن الحويرث الليثي قال صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فلما رقى عتبة قال: «آمين»، ثم رقى عتبة أخرى فقال: «آمين»، ثم رقى عتبة ثالثة فقال: «آمين»، ثم قال: «أتاني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد ! من أدرك رمضان فلم يغفر له؛ فأبعده الله، فقلت: آمين ! قال: ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار؛ فأبعده الله، فقلت: آمين ! قال: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك؛ فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين» صلى الله عليه وآله وسلم.

أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المقربين، وأستغفره؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من سار على نهجه واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن الشيطان يقعد بالعبد عن الطاعة لأتفه الأسباب، ويسوّغ له بعده عن ربه ويجلي له ما هو من جفاء ويقول له: لا عليك، أنت على خير !

وإن الإنسان إذا اعتاد على المجيء إلى المساجد قرّبته كل خطوة يخطوها إلى المسجد من الله وأبعدته عن الشيطان، وبالتالي صار قلبه مشرقًا بالإيمان محبًّا للطاعات كارهًا للمعاصي، بينما إذا قعد في بيته يصلي هناك بلا عذر شرعي، فإن قلبه بالرغم من صلاته في بيته يقسو بسبب بعده عن المسجد.

فالذي يحرص على صلاة الجماعة ليس كغيره، ومن قال إن أثر أداء صلاة الفريضة في البيت كما هو أثرها بالمسجد؟!

كان الصحابة يحرصون على الإتيان إلى المسجد حرصًا شديدًا، حتى إن الرجل ليهادى بين الرجلين من شدة المرض ما يمنعه ذلك من الصلاة، يقول ابن القيم: "حظ العبد من القرب من الله على قدر حظه من مقام الإحسان، وبحسبه تتفاوت الصلاة حتى يكون بين صلاة الرجلين من الفضل كما بين السماء والأرض وقيامهما وركوعهما وسجودهما واحد".

إن للبعد عن الله علامات، فالبعيد عنه يبتعد عن مواطن العبادة، ويقل ذكر الله على لسانه، وتقل صدقته ويغفل عن مواسم الطاعات، ويغيب قلبه في دهاليز الدنيا والأراضي والعقارات والصفقات فلا يأنس إلا بالحديث عنها.

وقد يعاند الصواب ويرفض الحق فيزيد بُعدًا إلى بعد، ولا يدري أنه بهذا البعد لا يضر إلا نفسه وتراه يجتهد في تعمير الدنيا وتخريب الآخرة فيطلب المال ولو بالحرام يرشي، يحتكر ، يغش.. يغش من أجل المال الحرام فيبني القصر وينسى القبر، ويدخل بما لذ وطاب وينسى يوم الحساب، ولكن الله كريم ما يزال يمهله ما يزال يمد في عمره لعله يرجع.

وقد صور ابن القيم العبد الجافي البعيد ومعاملة ربه له وقال: "لم يزل يتمقت إليه بمعاصيه حتى أعرض عنه، وأغلق الباب في وجهه ومع هذا فلم يؤيسه من رحمته، بل قال: متى جئتني قبلتك، إن أتيتني ليلا قبلتك، وإن أتيتني نهارا قبلتك، وإن تقربت مني شبرا تقربت منك ذراعًا، وإن تقربت مني ذراعا تقربت منك باعا، وإن مشيت إليَّ هرولت إليك ولو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا أتيتك بقرابها مغفرة، ولو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ومن أعظم مني جودًا وكرمًا.. عبادي يبارزونني بالعظائم، وأنا أكلؤهم على فرشهم إني والجن والإنس في نبأ عظيم أخلق ويعبد ،غيري وأرزق ويشكر سواي خيري إلى العباد نازل وشرهم إليّ صاعد أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إليَّ.. من أقبل إلي تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد ومن أراد رضاي أردت ما يريد ومن تصرف بحولي وقوتي ألنت له الحديد.. أهل ذكري أهل مجالستي وأهل شكري أهل زيادتي وأهل طاعتي أهل كرامتي وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي إن تابوا إليَّ فأنا حبيبهم فإني أحب التوابين وأحب المتطهرين لم يتوبوا إليَّ فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب ومن آثرني على سواي آثرته على سواه.. الحسنة عندي بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة والسيئة عندي بواحدة فإن ندم عليها واستغفرني غفرتها له وأنا الغفور الرحيم..".

هذا شأن الرب، وهذا شأن العبد يقيم أعذارًا لنفسه ويحمل ذنوبه على أقدار ربه، ثم يزعم محبته وهو بعيد عنه بلا حياء.

تَطوي المنازلَ عن حبيبكَ دائمًا

وتَظلُّ تبكيه بدمعٍ ساجِمِ
كَذبتْك نفسُك لستَ من أحبابه تشكو البعاد وأنتَ عينُ الظالم

فهلموا إلى رياض الطاعة ولنقترب من ربنا، فإن في قربنا منه سعادة الدنيا والآخرة وفي البعد عنه أكبر حسرة وأشد ندامة.

اللهم اكتبنا في السابقين المقربين..