الرفيق
كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...
العربية
المؤلف | عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - التاريخ وتقويم البلدان |
الأزمات تسارع للتفريق بين البلدان والشعوب لأتفه الأسباب، فترى الإعلام والغوغاء يثيرون الفتن بين الشعوب بإثارة المشكلات العنصرية والبلبلة التي تفرق ولا تجمع وتهدم ولا تبني، إشاعة تُنشر وكذبة تسبّب بإحداث مشكلة، والتعدي على السفارات ونشر سيئ الشعارات والإهانات، ثم ترى عنصرية واحتقارًا مقابلاً، وكأن الأمة جاهزة فيما بينها للاختلاف والأزمات على جميع المستويات بسبب الأراجيف والشائعات. إن بلاد المسلمين بحاجة إلى جمعِ كلمتهم على الحق ..
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، والتزموا وصية ربكم، وَكُونُوا عِبَادَ الله إخوانًا.
فالمؤمنون أمة واحدة، ربهم واحد، وعبادتهم واحدة، ألّف الإسلام بين قلوبهم، ونزع العداوة من صدورهم، وزين الإيمان في قلوبهم، ووقاهم حميّة الجاهلية، دعوتهم توحيد واتحاد، وحياتهم إخاء وتعاون فيما لا يغضب الله، قبلتهم واحدة، وبيوت الله تجمعهم، وحكم الله يشملهم، والمفاضلة بينهم بتقوى الله والعمل الصالح، بوحدة الكلمة ملكوا العباد وسادوا البلاد، وسعد بهم الأشقياء، وبعدْلهم ضعف الجبابرة وانتصف الضعفاء، كانوا في الحق كالبنيان المرصوص، فعز دينهم، وحُفظت أوطانُهم، وصِينت أعراضهم.
ولذلك كان أولَ ما فعله في المدينة لإقامة الدولة أن آخى بين المهاجرين والأنصار؛ لأن المسلمين بجماعتهم مسؤولون عن حماية الحق ودرء الفتنة وإقامة المثل والأخلاق، متكاتفون يدلون على الخير، ويحاربون السوء، ينشرون السنة ويقمعون البدعة، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وهم مجتمعون، أصل عظيم يجب أن يكون نصب أعين كل والٍ وعالم وإعلامي في أي مكان، يجب أن نكون يدًا واحدةً على يد من يريد مسح عقيدة الأمة، وتبديل شريعتها وتشويه منهجها، وزعزعةَ أمنِ الأوطان، والترويج للفتنِ في البلدان.
نقول ذلك ونحن نرى الأزمات تسارع للتفريق بين البلدان والشعوب لأتفه الأسباب، فترى الإعلام والغوغاء يثيرون الفتن بين الشعوب بإثارة المشكلات العنصرية والبلبلة التي تفرق ولا تجمع وتهدم ولا تبني، إشاعة تُنشر وكذبة تسبّب بإحداث مشكلة، والتعدي على السفارات ونشر سيئ الشعارات والإهانات، ثم ترى عنصرية واحتقارًا مقابلاً، وكأن الأمة جاهزة فيما بينها للاختلاف والأزمات على جميع المستويات بسبب الأراجيف والشائعات.
إن بلاد المسلمين -إخوتي- بحاجة إلى جمعِ كلمتهم على الحق، ولا بد عند الاختلاف من علو صوت العقل والحكمة والاحتكام إلى ميزان العدل، وسلوك مسلك الإنصاف، وترك الفرقة والتنازع، إننا نحتاج إلى النوايا الطيبة والتعاون الجاد الصادق من أجل إقامة مجتمعنا وأوطاننا وبث العدل، ونشر العلم، ومكافحة الجهل، وتثبيت الحق.
نترك الخلاف ونوحّد الرأي ونقف صفًا واحدًا في مواجهة المتغيرات، ونثبت على نهج الوحدة القائم على التوحيد الذي يجمعنا وتحقيق الحرية الحقة التي تنبذ الظلم.
إن رهان الشر على أمتنا المسلمة كان ولا يزال وسيظل متوجهًا إلى محاولة زعزعة الصفوف والنيل من دينها ووحدتها، وهذا ما حذرها ربها منه: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46]، ومن يذكي مثل هذه الأزمات مستفيد من اختلافنا والتفريق بيننا من يهودٍ ورافضةٍ، يكسبون ويفرحون بهذا الخلاف بين أمتنا، لتنشغل عن مؤامراتهم واعتداءاتهم على المستضعفين.
أيها المسلمون: إن الاختلاف في وجهات النظر لا يجوز أن يؤدّي إلى صراعات وإفساد بين الشعوب؛ فالاختلافات لا تحلّ المشاكل، بل تزيدها تعقيدًا، إنها فتنة جَهْلاء، وضلالة عَمْياء، لا يستفيد منها إلا الأعداء، ومن الخطأ وليس من المصلحة أن يوجّه كلٌّ منا أصابع الاتهام إلى بعضنا بعضًا، إنها دعوةٌ إلى اجتماعٍ للكلمة لا يَذِلُّ فيها مظلوم، ولا يَشْقَى معها محروم، ولا يعبثُ في أرضها باغٍ، ولا يتلاعبُ بحقوقِها ظالم، ولا يستغلُّ أزمتها منافق، ولا يُنالُ من عالم.
وبوحدة الكلمة تستطيع أية أمة أن تواجه الأزمات بعد توفيق الله لها.
كونوا جميعًا يا بَنِيَّ إذا اعْتَرَى | خَطْبٌ ولا تتفـرّقوا آحادا |
تأبى الرماحُ إذا اجتمعن تكَسُّرًا | وإذا افترقْنَ تكسَّرت أفرادا |
عباد الله: إن جل الخلاف الذي فرّق الأمة يبدأُ من داخلها، وهو يرجع إلى طغيان الهوى وحب الغلبة والرغبة في الاستبداد وتتبع الزلات وإشهار الهفوات، وتصديق الشائعات مع من يقتاتون بذلك من رجالٍ في الإعلام يعمدون للإثارة بِنشرِ الأكاذيبِ وتسويقِ الباطل، وهذا كلُّه يُولِّدُ غفلةً شنيعة ويوجدُ الانقسامات بين الشعوب، وهي المهلكة الحالقة، لا أقول: "تحلق الشعر، بل تحلق الدين" كما في الحديث.
أيها الإخوة، إن الأمة لا تصاب من الخارج، ولا تحيط بها الشدائد، ولا تلحقها النكبات وتحيط بها الفتن، إلا بعد أن تصاب من الداخل، فالحصن الحصين للأمة في الأزمات يكمن في الإيمان بالله وحده وصدق التوكل عليه وحسن الاعتماد عليه وتفويض الأمور إليه والاستمساك بشرعه، ثم في تآزر المجتمع وتماسكه والتفافه حول قادته ودعاته وعلمائه، ولقد رأينا أن الأزمات يخفّ أثر وقوعها، ويقل خطرها على التمسك واجتماع الكلمة، حين ينبري العقلاء لتهدئتها وبيان الحق.
باجتماع الكلمة وألفة القلوب تتحقق مصالح الدين والدنيا، ويتحقق التناصر والتعاون والتعاضد، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103]، وقال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153]، (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2]، وقال جل جلاله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات: 10]، وفي الحديث عن النبي : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تدعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» متفق عليه، وقال : «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» رواه البخاري.
ولذلك كان أعظمَ ما نهى الله عنه ورسوله الفرقةُ والاختلافُ: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 105] ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [الأنعام: 159]، وفي الحديث عن النبي قال: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم»، وقال عبد الله بن مسعود : "الخلاف شرٌ كله"، وقال الحسن : "أيها الناس، إن الذي تكرهون في الجماعة خير مما تحبوه في الفرقة".
معانٍ عظيمة واجبة كل وقت، وهي آكد في أوقات الشدائد والأزمات والفتن، حفاظًا على حوزة المسلمين وحراسة للوطن والدين؛ لأن اجتماع الكلمة قوة المسلمين، واختلاف الكلمة ضعف لهم.
عن الحارث الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «آمركم بخمس الله أمرني بهن: بالجماعة، وبالسمع والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلامِ من عنقهِ إلى أن يرجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم»، قالوا: يا رسول الله وإن صام وصلى؟! قال: «وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، فادعوا المسلمين بأسمائهم، بما سماهم الله جل جلاله: المسلمين، المؤمنين، عباد الله عز وجل» حديث صحيح رواه أحمد والترمذي.
فأين هذه المعاني من تلك الفرق والأحزاب التي ساهمت في تفريق الكلمة وتقسيم المسلمين وعدم اتفاقهم لإقامة الدول والمحافظة على مكتسباتهم؟! من إزالة الطغيان وطلبٍ للعدل والأمان، بل أصبحوا يتقاتلون فيما بينهم ويتآمر عليهم المنافقون لإجهاض منجزاتهم بالفرقة فيما بينهم.
عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله موعظةً وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنت الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعةٍ ضلالة» رواه أبو داود والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح".
فتأملوا -إخوتي- هذه النصوص، ومدى قوتها في الدعوة إلى وحدة الكلمة وضرورة اجتماعها بالرغم من منغصات الحياة؛ ولذلك فإننا نحذر المسلمين عامة وشبابنا خاصة من الإخلال بهذا الأمر بالتأثر بالشائعات الكاذبة والأراجيف المغرضة التي يديرها إعلامٌ لا يريد بالأمة خيرًا، والأفكار الوافدة الهدامة التي تنشر عبر الفضائيات وعبر شبكة المعلومات تستهدف الطعن في الدين والأخلاق، وتبث الفرقة والاختلاف والخوف والهلع، وتقدح في الولاة والعلماء بلا وجه حق، فالتكاتف واجبٌ مع القادة والعلماء والعقلاء، والتعاون معهم على بيان الحق وعلى تنفيذ الشريعة ورعاية المصالح.
فلا بد من الاتصال والتواصل والمحاورة والمناصحة مع الولاة، وتبيين سبل الفساد التي هي سبب كل شر وفتح للبلاء على الناس، ولا بد كذلك للعلماء أن يلتفوا حول الناس لاسيما الشباب والاستماع منهم ومحاورتهم بالحسنى ونصحهم، وهذا دور العلماء في الأمة لا أن ينعزلوا ويبتعدوا، وهم حملة كتاب الله وسنة نبيه إلى الناس، فلا بد أن يخاطبوهم ويبثوا الثقة لديهم ويكون دورهم في المجتمع مشكورًا وذكرهم مأثورا ويدافعون عن قضايا الأمة والمسجونين، وينافحون ضد المبطلين والمفسدين، ولابد من حسن الظن بالعلماء فهم سياج الأمة ضد الفتن والمراجع الشرعية وقت المحن.
معاشر الإخوة: وفي أجواء الأزمة التي حصلت ورأينا كيف أثرت وتسببت في قطع الأرزاق ونشرت الفوضى، والمستفيد إنما هو الإعلام؛ لأنه ببعض قنواته ساهم في إذكاء نار الفتنة، فمع التقدم المتعاظم في وسائل الاتصال يجب علينا الحذر ثم الحذر مما يشيعه المرجفون وتتناوله آلات الإعلام وتتناقله وسائل الاتصال وشبكة المعلومات من شائعاتٍ وأراجيف في عصر السماء المفتوحة والفضائيات التي تمطر أخبارًا وتلقي أحاديث وتعليقات لا تقف عند حد، لا بد من التمييز بين الغث والسمين، والحق والباطل.
إن الأراجيف والشائعات التي تنطلق من مصادر شتى ومنافذ متعددة إنما تستهدف التآلف والتكاتف، وتسعى إلى إثارة النعرات والأحقاد، وتنشر الظنون السيئة، وتُروِّج للسلبيات، وتضخّم الأخطاء، وهذا ما حصل، فعندما تبينت للناس القضية إذا بالإعلام قد مارس الأكاذيب وصمت بعضه عن إظهار الحق؛ مما سبب أزمةً كبرى، وهذا خطر الشائعات الذي نراه يظهر ما بين فينة وأخرى بإثارة النعرات بين الشعوب أو القبائل عبر برامج فضائية تثير المشكلات، مواقع إنترنت تنشر الشائعات، مجالس لا تتورع عن اتهام الأهداف والنيات.
فالإشاعات والأراجيف سلاح بيد المغرضين وأصحاب الأهواء والأعداء والعملاء، يسلكه أصحابه لزعزعة الثوابت وهز الصفوف وخلخلة تماسكها، وهي تبلبل الأفكار، وتفقد الثقة بالنفس والأمة والقيادة، وتنشر الضغائن، وتصدع الكيان، فكم أقلقت من أبرياء، وهدمت من وشائج، وسببت من جرائم، وقطعت من علاقات، وأخرت أقوامًا، وعطلت مسيرة، وهزمت جيوشًا، أما المؤمنون فموقفهم من تلك الشائعات كما قال الله: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 173- 175]. حسن الظن بالمسلمين أفرادًا وجماعات، هذا هو الأصل، (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) [النور: 12].
وحتى على فرض وقوع الخطأ فليس علاجه بالغوغاء والإفساد، وإنما له طرقه المبذولة للإصلاح، ويبتعد الإنسان عن التهجم على الناس والمؤسسات من خلال المقالات الصحفية أو البرامج الفضائية التي تفسد ولا تصلح.
ويتأكَّدُ صون اللسان في أوقات الفتن والأجواء التي تَرُوجُ فيها الشائعات والأراجيف، بل العقل والإيمان يدعوان صاحبهما للموازنة بين مصلحة الكلام ومصلحة الصمت، فليس الكلام خيرًا دائمًا، وليس الصمت برًا دائمًا، في الحديث الصحيح: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».
فليس -يا عبد الله- إلا طريقان، إما خير تقوله، وإما صمت تلتزمه.
(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا * وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء: 82- 83].
أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله وتوبوا إليه.
كلمة التوحيد أصل الإسلام، وتوحيد الكلمة سر بقاء الأمة، نحن في وقتٍ أحوج ما نكون فيه إلى الوحدة وجمع الكلمة، ومن حقنا ذلك، بل هو أمرٌ واجب علينا، ولقد لحق المسلمين بفرقتهم مغارم فادحة، تكاثر فيها الصرعى والجوعى، وخسروا مواقف ومواقع لا تعوض، تضاربت الأقلام والإعلام، فتشوهت وتزعزعت الثقة بالنفس، والخيبة والخسار لقومٍ لا يفيدون من تاريخهم دروسًا ولا يأخذون من أحوالهم عبرًا.
ولن تكون السيادة ولا العزة ولا المنعة إلا حين نكون في أنفسنا أكرم وأعدل وأعلم وأتقى، وفي الوقت الذي نرى فيه الدول والعالم يتحدون العالم يتّحد مع بعضهم ويتفقون نختلف نحن لأتفه الأسباب، ويعبث بعقول شبابنا إعلامٌ لا يخشى الله في الترويج للأكاذيب ومراعاة اجتماع الكلمة، بل يساهم في تفريق الكلمة وشق الصفوف، فباتوا طابورًا خامسًا في الأمة، شرذمةٌ تفرق ولا تجمع، وتفسد ولا تصلح، وتتكلم باسم الأكثرية وهم أقلية.
نسأل الله جلَّ وعلا أن يهدينا وإياهم إلى الطريق الصواب، وأن يجمع كلمتنا على الحق، وأن يثبت أمننا ويجنبنا الفتنة، وأن يوحد صفنا، وأن يؤلف بين قلوبنا، ويرفع رايتنا إنه سميعٌ مجيب.
هذا، وصلوا وسلموا -يا عباد الله- على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه...