الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | محمد بن مبارك الشرافي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - الزهد |
غَدًا بِإِذْنِ اللهِ يَتَوَجَّهُ أَوْلادُنَا مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ إِلَى قَاعَاتِ الامْتِحَانَاتِ لِأَدَاءِ الامْتِحَانِ النِّهَائِيِّ لِهَذِهِ السَّنَةِ، فَنَدْعُو اللهَ أَنْ يُمِدَّهُمْ بِالْعَوْنِ وَأَنْ يُسَدِّدَ إِجَابَاتِهِمْ، وَأَنْ يَجْعَلَهُمْ نَاجِحِينَ مُفْلِحِينَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.. وإِنَّ عَلَى وَلِيِّ الأَمْرِ رِعَايَةَ أَوْلادِهِ بِشَكْلٍ مُسْتَمِرٍّ وَفِي أَيَّامِ الامْتِحَانَاتِ بِشَكْلٍ أَكْبَر، فَهُمْ يَحْتَاجُونَ لِلْوُقُوفِ مَعَهُمْ وَتَهْيِئَةِ الْجَوِّ الْمُنَاسِبِ لِلْمُذَاكَرَةِ، وَيَحْتَاجُونَ لِرَفْعِ مَعْنَوِيَّاتِهِمْ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ وَمُسَاعَدَتِهِمْ فِي الدُّرُوسِ بِحَسَبِ مَعْرِفَةِ الشَّخْصِ وَقُدْرَاتِهِ وَ (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)..
الْحَمْدُ للهِ الوَاحِدِ القَهَّار، الْعَزِيزِ الغَفَّار، مُقَدِّرِ الأَقْدَار وَمُصَرِّفِ الأُمُورِ عَلَى مَا يَشَاءُ وَيَخْتَار، وَمُكَوِّرِ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَار. وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، الوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَد، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، أَيْقَظَ مِنْ خَلْقِهِ مَنْ يَشَاءُ، فَأَدْخَلَهُ فِي جُمْلَةِ الأَخْيَار، وَوَفَّقَ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عَبِيدِهِ فَجَعَلَهُمْ مِنَ الأَبْرَار، وَزَهَّدَ مَنْ أَحَبَّهُ مِنْ خَلْقِهِ فِي هَذِهِ الدَّار، فَاجْتَهَدُوا فِي مَرْضَاتِهِ وَتَأَهْبُوا لِدَارِ الْقَرَار. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ يَا عِبَادَ اللهِ وَاسْتَعِدُّوا لِمَا أَمَامَكُمْ، وَانْظُرُوا فِي لَيَالِيكُمْ وَأَيَّامِكُمْ، وَتَفَكَّرُوا فِي دُنْيَاكُمْ وَاسْتَعِدُّوا لِأُخْرَاكُمْ!
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الأعلى: 16- 17]، فَهَذَا تَرْغِيبٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَنَا فِي الآخِرَةِ وَتَزْهِيدٌ فِي الدُّنيَا، كَيْفَ لا وَالآخِرَةُ فَاقَتِ الدُّنيَا بِالْوَصْفَيْنِ: فَهِيَ خَيْرٌ مِنْهَا وَهِيَ أَبْقَى مِنْهَا! وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَوْ كَانَتِ الآخِرَةُ خَزَفًا يَبْقَى وَالدُّنيَا ذَهَبًا يَفْنَى، لَكَانَ تَفْضِيلُ الْخَزَفِ الذِي يَبْقَى خَيْرًا مِنْ تَفْضِيلِ الذَّهَبِ الذِي يَفْنَى، فَكَيْفَ وَالدُّنيَا خَزَفٌ يَفْنَى وَالآخِرَةُ ذَهَبٌ يَبْقَى!
عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْن شَدَّادٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَاللهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي اليَمِّ فَلَيْنَظُرْ بِمَ يَرْجِع» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلدُّنيَا وَالآخِرَةِ، فَلَوْ أَنَّ أَحَدًا ذَهَبَ إِلَى الْبَحْرِ ثُمَّ غَمَسَ إِصْبَعَهُ فِيهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَإِنَّهُ سَوْفَ يَعْلَقُ بِيَدِهِ قَطَرَاتُ مَاءٍ يَسِيرَةٍ، فِتِلْكُمُ الْقَطَرَاتُ هِيَ الدُّنيَا، وَالْبَحْرُ الْهَائِجُ الْمُتَلاطِمُ هُوَ الآخَرِة! فَهَلْ مِنْ عَاقِلٍ يُؤْثِرُ هَذَا الْقَلِيلَ وَيُفَرِّطُ فِي الْكَثِير؟
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَو كَانَتِ الدُّنيا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ ما سَقَى كَافِرَا مِنْهَا شَرْبَة» أَخْرجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
فَأَيْنَ مَنْ أَكَبَّ عَلَى الدُّنْيَا وَتَرَكَ الْعَمَلَ لِلآخِرَةِ؟ انْتَبِهْ يَا مُؤْمِن! قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ، لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 64] أَيْ: الْحَيَاةُ الْكَامِلَةُ الْبَاقِيَةُ!
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَرَّ بِالسُّوقِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنُهِ ثُمَّ قَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ»؟ فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟! قَالَ: «أُتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ»؟ قَالَوُا: وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ لِأَنَّهُ أَسَكُّ! فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: «فَوَ اللهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ!
فَتَأَمَّلُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي هَذِهِ الدُّنيَا وَرِخَصِهَا عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَفَكَّرُوا هَلْ تَسْتَحِقُّ مِنَّا هَذَا الْعَنَاءَ أَوْ تُسَاوِي هَذَا الشَّقَاءَ مِنْ أَجْلِهَا!
وَاعْلَمُوا أَنَّ الدُّنيَا وَالآخِرَةَ ضَرَّتَانِ فَمَنْ أَقْبَلَ عَلَى إِحْدَاهَا أَضَرَّ بِالأُخْرَى فَآثِرُوا رَحِمَكُمُ اللهُ مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى، وَخُذُوا مِنْ دُنْيَاكُمْ مَا يُبَلِّغُكُمْ أُخْرَاكُمْ! وَاعْلَمُوا أَنَّ الدُّنيَا مَا بَقِيَتْ لِمَنْ قَبْلَنَا وَلَنْ تَبْقَى لَنَا، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قاَلَ لي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ: يَا مُحَمَّدُ عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مُلاقِيهِ» رَوَاهُ الْبَيْهِقِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ»، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: "إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ"! رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
فَالْمُؤْمِنُ لا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ الدُّنْيَا وَطَنًا وَمَسْكَنًا فَيَطْمَئِنَّ فِيهَا، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهَا كَأَنَّهُ عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ! وَهَكَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ، فَأَيْنَ مَنْ يَقْتَدِي! عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: نَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصيرٍ، فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً؟ فَقَالَ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مَا أَصَابَ النَّاسُ مِنَ الدُّنْيَا، فَقَالَ: «لَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي مَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلأ بِهِ بَطْنَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، والدَّقَلُ تَمْرٌ رَدِيءٌ!
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الزُّهْدَ فِي الدُّنيَا وَالْقَنَاعَةَ فِيهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنيَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ.
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ الوَاحِدِ القَهَّار، الْعَزِيزِ الغَفَّار مُكَوِّرِ النَّهَارِ عَلَى اللَّيْلِ، وَمُكَوِّرِ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَار، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْبَرَرَةِ الأَخْيَارِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَغَدًا بِإِذْنِ اللهِ يَتَوَجَّهُ أَوْلادُنَا مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ إِلَى قَاعَاتِ الامْتِحَانَاتِ لِأَدَاءِ الامْتِحَانِ النِّهَائِيِّ لِهَذِهِ السَّنَةِ، فَنَدْعُو اللهَ أَنْ يُمِدَّهُمْ بِالْعَوْنِ وَأَنْ يُسَدِّدَ إِجَابَاتِهِمْ، وَأَنْ يَجْعَلَهُمْ نَاجِحِينَ مُفْلِحِينَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ!
أَيُّهَا الإِخْوَةُ: إِنَّ عَلَى وَلِيِّ الأَمْرِ رِعَايَةَ أَوْلادِهِ بِشَكْلٍ مُسْتَمِرٍّ وَفِي أَيَّامِ الامْتِحَانَاتِ بِشَكْلٍ أَكْبَر، فَهُمْ يَحْتَاجُونَ لِلْوُقُوفِ مَعَهُمْ وَتَهْيِئَةِ الْجَوِّ الْمُنَاسِبِ لِلْمُذَاكَرَةِ، وَيَحْتَاجُونَ لِرَفْعِ مَعْنَوِيَّاتِهِمْ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ وَمُسَاعَدَتِهِمْ فِي الدُّرُوسِ بِحَسَبِ مَعْرِفَةِ الشَّخْصِ وَقُدْرَاتِهِ وَ (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: 286].
وَمِنَ الضَّرُورِيِّ حَثُّهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ آنٍ وَحِينٍ، وَفِي وَقْتِ الاخْتِبَارَاتِ بِشَكْلٍ أَكْبَر، فَنُعَلُّقُهُمْ بِاللهِ فَهُوَ سُبْحَانَهُ بِيَدِهِ التَّوْفِيقُ وَمِنْ عِنْدِهِ التَّسْدِيدُ وَبِيَدِهِ الأَرْزَاقُ، وَهُوَ الذِي يَكْشِفُ الْكَرْبَ وَيَدْفَعُ السُّوءَ! وَنُحِذِّرُهُمْ أَنْ يَطْلُبُوا رِزْقَ اللهِ وَتَوْفِيقِهِ بِمَعَاصِيهِ، فَعَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم، قَالَ: «لَيْسَ شَيْءٌ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلاَّ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلاَ شَيْءٌ يُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلاَّ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، وَإِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي، أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ، إِلاَّ وَقَدْ كَتَبَ الله رِزْقَهَا! فَاتَّقُوا الله، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلاَ يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِالْمَعَاصِي، فَإِنَّهُ لاَ يُدْرَكُ مَا عِنْدَ الله إِلاَّ بِطَاعَتِهِ» رَوَاهُ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُ رَحِمَهُ اللهُ بِلَفْظٍ مُقَارِبٍ.
أَيُّهَا الأَوْلِيَاءُ: إِنَّهُ مِنَ الْمُهِمِّ جِدًّا الْحِرْصُ عَلَى الأَبْنَاءِ خَاصَّةً بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنَ الامْتِحَانَاتِ فَلا يُتْرَكُونَ يَتَسَكَّعُونَ فِي الشَّوَارِعِ مَعَ مَنْ هَبَّ وَدَبَّ، فَإِنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ الْبَلاءُ، وَيَكْثُرُ انْتِشَارُ الأَشْقِيَاءِ الذِينَ يُرِيدُونَ الْفَسَادَ وَالإِفْسَادَ!
فَاحْرِصْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ عَلَى أَوْلادِكَ وَتَتَبَّعْهُمْ وَاعْرِفْ مَتَى يَخْرُجُونَ ثُمَّ رُدَّهُمْ إِلَى الْمَنْزِلِ وَلا تَتْرُكْهُمْ عُرْضَةً لِلأَخْطَارِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ ابْنِكَ سَيَّارَةٌ فَحَرِّصْهُ وَحَمِّلْهُ الْمَسْؤُولِيَّةَ ثُم تَابِعْهُ وَلَوْ مِنْ بَعِيدٍ لِئَلَّا يُؤْذِي النَّاسَ وَيُؤْذِي نَفْسَهُ بِالتَّصَرُّفَاتِ غَيْرِ اللائِقَةِ بِهَذِهِ السَّيَّارَةِ، سَواءً بِالدَّوَرَانِ فِي الطُّرُقَاتِ أَوْ بِعَمَلِ التَّجَمُّعَاتِ، أَوْ بِالتَّفْحِيطِ أَوْ السُّرْعَةِ الزَّائِدَةِ دَاخِلَ الْمَدِينَةِ فَإِنَّ هَذَا خَطَرٌ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ!
أَيُّهَا الشَّبَابُ: سِيرُوا مُسْتَعِينِينَ بِاللهِ فِي امْتِحَانَاتِكُمْ، وَجِدُّوا فِي مُذَاكَرَتِكُمْ وَإِيَّاكُمْ وَضَيَاعَ الأَوْقَاتِ، وَالتَّسْوِيفَ فِي الْمُذَاكَرَةِ فَلَمْ يَبْقَ وَقْتٌ لِتَضْيِيعِهِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغِشَّ فَإِنَّهُ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، فَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسَولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَهَلْ يُرْضِيكَ أَيُّهَا الطَالِبُ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَطْعًا لا، إِذَنْ فَاحْذَرِ الْغِشَّ وَاعْتَمِدْ عَلَى رَبِّكَ فِي التَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ، مَعَ حِرْصِكَ عَلَى الْمُذَاكَرَةِ بِجِدٍّ وُمُثَابَرَةٍ! ثُمَّ ابْدَأْ يَوْمَكَ بِصَلاةِ الْفَجْرِ وَاقْرَأْ أَذْكَارَ الصَّبَاحِ وَاخْرُجْ إِلَى الامْتِحَانِ وَأَنْتَ عَلَى وُضُوءٍ، وَأَكْثِرْ مِنَ الاسْتِغْفَارِ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ، وَأَبْشِرْ بِالْخَيْرِ وَالنَّجَاحِ بِإِذْنِ اللهِ!
أَسْأَلُ اللهَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يَحْفَظَكُمْ جَمِيعًا وَأَنْ يَأْخُذَ بِأَيْدِيكُمْ لِلتَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ وَأَنْ يَجْعَلَ عُقْبَاكُمْ إِلَى رَشَادٍ، وَأَنْ يُعِينَكُمْ عَلَى الامْتِحَانَاتِ وَأنْ يُنَجِّحَكُمْ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَة!اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا! اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ، وَجَنِّبْهُمْ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنْ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا! اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ! اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلَ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن!
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.