المليك
كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...
العربية
المؤلف | ضيدان بن عبد الرحمن اليامي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة |
ويحدث هذا في الحاضر ممن مسخت عقولهم وفتنوا بالحضارة الغربية، ذلك أن انبهارهم بزيف وبريق هذه الحضارة، وضحالة فكرهم، وقلة ثقافتهم بدينهم، جعلهم ينعقون بالسخرية والاستهزاء بدين الله وأحكامه وشرائعه وسنن نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فإذا رأيت أو سمعت يهودياً أو صليبياَ يهزأ بشرع الله ويقول: إن رجم الزاني فيه وحشية وقسوة، وجدت له تابعاً وإمَّعَةً من أبناء المسلمين يردد بسخرية...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعةٍ، وكل بدعةٍ ضلالةٍ، وكل ضلالةٍ في النار.
عباد الله: لقد كَثُر في الآونة الأخيرة الاستهزاء بالله -سبحانه وتعالى-، والاستهزاء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأصحابه -رضي الله عنهم-، والاستهزاء بشعائر الإسلام، وسنن سيد الأنام، والاستهزاء بالدعاة إلى الله والصالحين من عباده.
وكَثُر التساهلُ في الكلام في دين الله بالكفرِ والإلحادِ، والتطاولِ على الله -سبحانه-، وعلى مقامِ نبيه محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- من قومٍ سفهاءَ في الفكرِ، خبثاءَ في الاعتقادِ والتصور، ومن المُؤسفِ أن يكونوا من جِلْدتِنَا وممن يتكلمون بألسنتنا، وهذه هي المصيبةُ العُظمى على الإسلامِ وأهلِهِ، أن يكونَ الطاعنُون في الدينِ ممنَ يَنتسبون إلى الإسلام -زَعَمُوا!-.
وهم دُعاةٌ على أبواب جهنم، ما قدموا للأمة إلا الطعنَ والتشكيكَ في الدين، والتطاولَ على رب العالمين، وعلى نبيه الأمين، ما قدموا للأمة إلا الدعوةَ إلى الفسادِ والانحلال، والخروجِ عن الدين، خدمةً وتقربًا لأَعداءِ الإسلام، فإن لم تكن هذه هي الردة عن الإسلام، فليس هناك ردة.
لقد أصبحت السخرية بالله ورسوله وكتابه من الحرية الشخصية! حرية الفكر والرأي؛ بل حرية الكفر والخزي، حرية النفاق والشهوة، حرية الكراهية لدين الله واتباعه!.
قال الله -تعالى-: (يَحْذَرُ المُنَافِقُونَ أَنْ تَنَزَّل عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بمَا في قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ الله مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُون * وَلَئِنْ سَأَلتَهُمْ لَيَقُولُن إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبالله وآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائفةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائفَةً بَأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ) [التوبة:64-66]
هذا نصٌ من رب العالمين في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله ارتداد وكفر، وأن كل من تنقَّص اللهَ ورسوله -ولو كان هازلاً مازحًا- كَفَرَ وارتدَّ عن الإسلام: (وَلَئِنْ سَأَلتَهُمْ لَيَقُولُن إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبالله وآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)، فكيف بمن كان جادًا يرى أن التنقص والاستهزاء بالله وآياته ورسوله رأي وحرية؟ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا.
إن هذا هو الإيذاء والمحادة لله ورسوله، قال الله -تعالى-: (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ويَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِالله ويُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمنُواْ مِنْكُم وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُم عَذَابٌ ألِيمٌ * يَحْلِفُونَ بِالله ليُرضُوكُمْ واللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أنْ يُرضُوه إنْ كَانُواْ مُؤْمِنِينَ * أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ الله وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيم) [التوبة:61-63].
فالإيذاء والمحادّة لله ورسوله كفر؛ لأنه أخبر -سبحانه- أن له نار جهنم خالداً فيها، بل المحادّة -وهي المعاداة والمشاقّة- أغلظ من مجرد الكفر، فصاحبها عدو لله ورسوله، محارب لله ورسوله، قد احتمل لعنة الله في الدنيا والآخرة، وأعد له عذابًا مهينًا؛ قال الله -تعالى-: (إنَّ الذِينَ يُؤْذونَ الله ورَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً) [الأحزاب:57].
واللعن هو الطرد والإبعاد عن الرحمة، ومن طرده الله عن رحمته في الدنيا والآخرة لا يكون إلا كافراً، والعياذ بالله!.
عباد الله: فإذا كان الأذى والاستخفاف الذي يحصل في سوء الأدب من غير قصد مع رسول الله، ومن باب أولى مع الله، يكون صاحبه متعرضًا لإحباط عمله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنُواْ لا تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُون) [الحجرات:2].
فالأذى والاستخفاف المقصود المتعمد كفر وردّة بطريق الأولى، هذا في حق من جهر بصوته ورفعه أمام خير خلق الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان من دون قصد أو تعمُّد، فكيف بمن تنقَّصَ ربَّ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وإله الأولين والآخرين، ربَّ العالمين؟ كيف بمن رفع صوته وجهر به تنقصًا لرسول الله، ساخرًا به، رافضًا دينه ودعوته، متطاولاً على مقام نبوته -صلى الله عليه وسلم-؟ (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ )[الزخرف:80]، (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ )[المنافقون:4].
هذه هي الزندقة والردة عن دين الإسلام التي يتفوه بها العلمانيون وبعض الصحفيون اليوم، فرحماك رحماك بعبادك الذين أنابوا إليك وخروا سُجّداً بين يديك!.
هذا التنقص والاستهزاء بالله ورسوله ودينه وأتباع دينه لا يخرج إلاَّ من قلبٍ مُلئ نفاقاً وزندقة وفجوراً، لا يعرف التقدير لله ولا التعظيم، (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )[الحج:74]، (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )[الزمر:67].
المنافقون في الدرك الأسفل من النار فهم من أشد الناس هزءاً وسخرية بالله وآياته ورسوله والمؤمنين، وذلك أمر مُخرج لهم عن الدين بالكلية، قال -تعالى- عنهم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ، اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) [البقرة 13-16].
هذا؛ وإن للاستهزاء بالله ورسوله وآياته ودينه واتباعه بواعثَ وعواملَ انطوت على نفوس الهازلين الساخرين، لعل من أهم هذه البواعث والأسباب:
فمن بواعث الاستهزاء بالدينِ الكراهية والحقد لدين الإسلام: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ )[التوبة:32]، (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ )[محمد:9].
ومن البواعث النقمة على أهل الخير والصلاح: (إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) [الأعراف:82]، فمن المعلوم أن أهل الشر والفساد يزعجهم ويعكر صفو باطلهم وما هم عليه ذلك الطهر والعفاف الذي يتحلى به الأخيار؛ لهذا يسعى أولئك المفسدون إلى تشويه سمعة أهل الخير، ويسخرون منهم ويغمزونهم (إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)، فعلى منطق هؤلاء المفسدين لا بد من تحويل المجتمع كله إلى مجتمع رذيلة وسقوط ودنس، أما أن يبقى في الأمة أصحاب طهر وعفة فهذا أمر لا يطيقه الأشرار! (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [ البروج:8].
ومن بواعث الاستهزاء بالدينِ التقليدُ الأعمى لأعداء دين الله، حدث هذا في الماضي، فقال الله فيهم: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) [الذاريات:52:53].
ويحدث هذا في الحاضر ممن مسخت عقولهم وفتنوا بالحضارة الغربية، ذلك أن انبهارهم بزيف وبريق هذه الحضارة، وضحالة فكرهم، وقلة ثقافتهم بدينهم، جعلهم ينعقون بالسخرية والاستهزاء بدين الله وأحكامه وشرائعه وسنن نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فإذا رأيت أو سمعت يهودياً أو صليبياَ يهزأ بشرع الله ويقول: إن رجم الزاني فيه وحشية وقسوة، وجدت له تابعاً وإمَّعَةً من أبناء المسلمين يردد بسخرية مقالة ذلك العدو الأصلي!.
وإن أردت مزيد إيضاح فتأمل موقف هؤلاء المقلدة من المخترعات الغربية وغيرها، تجدهم يمجدونها وينبهرون بها، وإذا ذكرت السنن النبوية ومعجزات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والأمور الشرعية التي يعجز العقل البشري عن إدراكها، سمعت منهم الغمز واللمز والاستهزاء!.
ومن بواعب الاستهزاء حب الدرهم والدينار، وتحصيل المال بأي صورة كانت، ولو أدى ذلك إلى الكفر بالله؛ فالمرتزقة الذين يفرحون بقتل كل فضيلة وعفة، ويُسَرُّون بنشر كل رذيلةٍ وخسيسة، همُّهم الوحيد خفض دين الله تعالى بكل الطرق والوسائل، أولئك الكُتَّاب المستأجرون على حطامٍ من الدنيا قليل، وهم عند ربهم وخالقهم من الآثمين الخاطئين، الذين يتبَاكَوْن على كل زنديق وفاجر، ومرتد ومارق، أولئك الكُتَّاب الذين سال مِدَادُ أقلامهم حُزناً على كلِّ فاجر وفاجرة، ومنافق ومنافقة، بالمدح والثناء على صدور المجلات والجرائد، من غير فتورٍ ولا مَلَل، ولكن؛ أين هم عن الله؟ (هآ أنتُمْ هَؤُلاَءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ الله عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَّنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) [النساء:109].
فأي أذى يحصل للمؤمنين من هؤلاء الزنادقة! (وَالذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكتَسَبُواْ فَقَد احْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْمَاً مُّبِيناً) [الأحزاب:58]،
فكل من وصف الله بما لا يليق به، أو سخر باسمٍ من أسمائه فقد ارتد وكفر، والمرتد في الشرع: هو الذي يكفرُ بعد إسلامِهِ طوعًا بنطقٍ، أو اعتقادٍ، أو شكٍّ، أو فعل.
والمرتدُ له حكمٌ في الدنيا، وحكمٌ في الآخرة: أما حكمُهُ في الدنيا ؛ فقد بَيَّنه الرسولُ - صلى الله عليه وسلم– بقولِهِ: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فاقْتُلُوهُ"، رواه البخاري من حديث عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-، وأجمع العلماء على ذلك إجماعًا قطعيًا.
ووليُّ الأمرِ هو الذي يتولى تنفيذَ حُكمِ اللهِ فيه، فالشريعةُ الإسلاميةُ لها مَقْصَدٌ عامٌ من تشريعِ الأحكامِ وهو: تحقيقُ مصالحِ الناسِ بِجَلبِ النَّفعِ لهم ودفعِ الضَّررِ عنهم، ومَصَالِحُهم تشملُ الضرورياتِ الخَمْسِ التي ترجع إلى: حفظِ الدينِ، وحفظِ النفس، و حفظِ العقل، و حفظِ العرضِ أو النسب، وحفظِ والمال.
فحفظُ الدينِ يكونُ بدفعِ ومنعِ كُلِّ من حارَبَهُ، أو كان سَبَبَاً في الفتنةِ فيه، أو العبثِ أو الاستهزاءِ بمقدساتِهِ وأحكامِهِ وتشريعاتِهِ؛ لأن هذا هدمٌ للدين، وعدوانٌ على اللهِ ورسولِهِ، وعلى النظامِ العامِ للكون والمجتمع.
ومن سَبَّ الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- فهو مرتدٌ بلا خلاف، ويعتبرُ سابًا له -صلى الله عليه وسلم- كلُّ من ألحق به عَيباً أو نَقصاً، في نفسِهِ، أو نسبه، أو دينِهِ، أو خَصلةٍ من خِصاله، أو ازدراه، أو عَرَّضَ به، أو لعنَهُ، أو شتَمهُ، أو عابَهُ، أو قذفَهُ، أو استخفَّ به، ونحو ذلك، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[التوبة:61].
وقال -سبحانه-: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً) [الأحزاب:57]، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً )[الأحزاب:53]، وقال سبحانه: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ )[الأنعام:10].
أما حكمه في الآخرة فالنار خالدًا فيها، وبئس المصير! قال تعالى: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة:217].
ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله ودينه؟! وما هذه الفوضى في العقل والتفكير؟! وما هذه الحرية المزعومة التي تقضي على جميع نظم الحياة، وأهمها حياة الإنسان وتأدبه مع خالق ورازقه، ودينه وقيمه؟!.
ومن المؤسف أن يأتي من المسلمين من يتوقف في أمر هؤلاء الزنادقة وحكمهم في الدنيا، هل هم من أهل الإسلام أم من أهل الردة والإلحاد؟.
ورحمة الله على إمام أهل السنة أبي عبد الله أحمد بن حنبل حين وقعت له فتنة خلق القرآن فثبت ثبوت الجبال الرواسي، وأفتى بكفرِ مَنْ قال: إن القرآن مخلوق. وتوقَّفَ أُناسٌ في القرآن وأمسكوا، فلم يقولوا بأنه غير مخلوق أو مخلوق، وقد كانوا طوائف، فمنهم مَنْ وَقَفَ مُطلقاً ولم يصرح بشيء، مُدَّعِياً أنَّ الأمر لم يتبين له! وطائفةٌ قالت: إن القرآن كلام الله فقط.
فكانت القضية عند الإمام أحمد وأمثاله من الأئمة الأعلام من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، مما جعل الإمام أحمد يحكم بكفر مَنْ توقَّف في قضية خلق القرآن.
لقد كثر المغترون بعقوبة الله، وتباهى الزائغون والجاهلون بإمهال الله، فأصبحنا وقد أصابنا ما أصاب الأمم قبلنا، وحلَّ بنا من الفرقة والاختلاف، وترك الجماعة والائتلاف، فخلعت لبسة الإسلام، ونزعت حلية الإيمان، وانكشف الغطا، وبرح الخفا، فعبدت الأهواء، واستعملت الآراء، وقامت سوق الفتنة وانتشرت أعلامها، وظهرت الرِدَّة وانكشف قناعها، وقُدحت زناد الزندقة فاضطرمت نيرانها، وعظمت البليَّة، واشتدت الرزيَّة، وظهر المبتدعون، وانتشرت البدع، ومات الورع، وخُولِفَ الكتاب، واتخذ أهلُ الإلحادِ رؤوساً أرباباً، ونَعَقَ إبليسُ بأوليائه نعقةً فاستجابوا له من كل ناحية، وأقبلوا نحوه مسرعين من كل قاصية، فإنا لله وإنا إليه راجعون!.
وما ذاك إلا عقوبة أصابت القوم عند تركهم أمر الله، وصدفهم عن الحقِّ، وميلهم إلى الباطل، وإيثارهم أهواءهم، ولله -عز وجل- عقوبات في خلقه عند ترك أمره، ومخالفة رسله، فنسأل الله أن لا يؤاخدنا بما فعل السفهاء منا، فإنِّي أُذَكِّرهم بالله تعالى، وبأن يعودوا إلى ربهم تائبين منيبين مِمَّا جنت أيديهم وألسنتهم وأقلامهم في ذات الله من استهزاءٍ وسخريةٍ.
وليسمعوا إلى قول الله تعالى في كتابه العظيم: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعي رُؤُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) [إبراهيم:42-43]، وقوله -تعالى-: (ويوم القيامة ترى الذين كَذَبوا على الله وجوهُهُم مُسْوَدَّة أليس في جَهَنَّمَ مثوىً للمتكبرين) [الزمر:60]، وقوله -تعالى-: (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيِاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً * ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً * ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً) [مريم:68-70]، وقوله -تعالى-: (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الذِينَ كَفَرُواْ الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ، ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) [ الأنفال:50-51]، وقوله -تعالى-: (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُواْ مَا أَسْخَطَ الله وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُم ) [محمد:27-28].
وسيعلمون غداً عند الوقوف بين يدي الله أمرهم وشأنهم ومآلهم! (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى)[طه:74]، (إِنَّ الذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِلءُ الأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّنْ نَاصِرِينَ ) [آل عمران:91].
بارك الله لي ولكم بالقرآن...
الخطبة الثانية:
فالواجب على كلِّ مسلمٍ يحمل في قلبه الولاء لله ورسوله ودينه، أن يتبرأ ممن حادَّ الله ورسوله ولو كان أقرب قريب، قال تعالى: (لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ آباءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) [المجادلة:22].
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آباءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُم مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [التوبة:23].
فيا من تكتبون بأداة عند الله عظيمة وهي القلم، ذلك المخلوق الذي أنزل الله فيه سورة من سور القرآن تُتْلَى لما فيه من البيان، أين أنتم من نُصرة الله ورسوله ودينه، والذب عن الله ورسوله ودينه؟ أين أنتم عن تلك الأفكار والمعتقدات والفرق الهدامة المرتدة، التي نخرت جسد الأمة، ومازالت تنخر فيه وتنشر أصولها ومعتقداتها الفاسدة من علمانية كافرة، وحركات للتغريب، وتحرير للمرأة المسلمة زاعمين؟ أين أنتم من جراح الأمة الإسلامية في كل مكان، وما حلَّ بها من ظلم وقتل وتشريد وبدع وأهواء؟!.
ما أعظم مسؤولية الكلمة عند الله! قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- بعد أن سأله فقال: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟" رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن العبد ليتكلّم بالكلمة مِنْ رضوان الله لا يُلْقي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم" أخرجه البخاري.
وفي رواية للبخاري ومسلم: "إن العبدَ ليتكلَّم بالكلمة ما يَتَبَيَّن فيها، يَزِلُّ بها في النار أبْعَدَ ما بين المشرق والمغرب". وفي رواية الترمذي: "إنَّ الرجلَ ليتكلَّم بالكلمة لا يرى بها بأساً يَهْوي بها سبعين خريفاً في النار".
هذا وصلوا وسلموا...