الشهيد
كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...
العربية
المؤلف | صالح بن محمد الجبري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
لعل وقع كلمة التحرش على الآذان ثقيل لدرجة أن يستبعدها بعض الآباء أو يعتقدوا أن أبناءهم بعيدون عنها، كما قد تسبب تلك الكلمة الثقيلة الحرجَ للوالدين؛ الأمر الذي يمنع السؤال عما يخص الحماية وتوعية الأبناء ضد التحرش، بل قد يمنع الآباء من الاقتراب من مثل هذه الموضوعات والمسميات ثقيلة الوقع مع الأبناء، لكن على كل حال فتلك الكلمة رغم ثقل وقعها تفرض نفسها على...
الخطبة الأولى:
لعل وقع كلمة التحرش على الآذان ثقيل لدرجة أن يستبعدها بعض الآباء أو يعتقدوا أن أبناءهم بعيدون عنها، كما قد تسبب تلك الكلمة الثقيلة الحرجَ للوالدين؛ الأمر الذي يمنع السؤال عما يخص الحماية وتوعية الأبناء ضد التحرش، بل قد يمنع الآباء من الاقتراب من مثل هذه الموضوعات والمسميات ثقيلة الوقع مع الأبناء، لكن على كل حال فتلك الكلمة رغم ثقل وقعها تفرض نفسها على واقعنا، فقد ذكرت إحدى الكاتبات أن دراسة أعدت قد كشفت أن نسبة التحرش الجنسي بالأطفال في مجتمعنا مرتفعة؛ إذ يتعرض طفل من بين أربعة أطفال لهذا الاعتداء أو التحرش؛ ما يستلزم من الجميع وقفة جادة لإيجاد الترتيب ومن ثم إعداد العدة لحماية أبنائنا من ذلك الخطر عملاً بقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
وهنا قد يقول قائل: ما هو التحرش الجنسي بالأولاد؟! فنقول وبالله التوفيق: التحرش الجنسي هو كل إثارة يتعرض لها الطفل أو الطفلة عن عمد، وذلك بتعرضه للمشاهد الفاضحة أو الصور الجنسية أو العارية أو غير ذلك من مثيرات، كتعمد ملامسة أعضائه التناسلية أو حثه على لمس أعضاء شخص آخر أو تعليمه عادات سيئة كالاستمناء، وأحيانًا يصل الأمر إلى الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي الكامل، إضافة إلى الأنواع الحديثة في أساليب التحرش الجنسي والتي منها تناقل صور الأطفال عبر شبكة الإنترنت، أو استمالة الأطفال لرؤية المواقع الإباحية.
وقد ألقت الشرطة في إحدى المدن قريبًا القبض على مواطن في الثلاثين قام بشراء موقع إباحي على شبكة الإنترنت بهدف التحرش بالذكور القصّر، وصدق الله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النور: 19].
أيها الإخوة المؤمنون: مَنْ الأطفال الذين يتعرضون للتحرش؟! يقول الدكتور علي الزهراني -وهو يحمل رسالة الدكتوراه في الاضطرابات النفسية الناتجة عن سوء معاملة الأطفال- يقول: "أظهرت الدراسات الغربية أن أغلب الأطفال الذي يتعرضون للتحرش هم دون سنة الخامسة، بينما الدراسات العربية ومن ضمنها دراسة قامت بها الجهات المختصة في المملكة تشير إلى أن الأعمار بين ستة إلى اثني عشر عامًا هي الفئة العمرية التي غالبًا ما تتعرض لخطورة التحرش الجنسي، وأظهرت الدراسة أيضًا أن الأعمار ما بين ثلاثة عشر وثمانية عشر عامًا تعد أيضًا معرضة لهذا الخطر، متى توافرت لدى إحدى هذه الفئات الجاذبية أو الخجل أو ضعف الشخصية أو البنية الجسمانية، كذلك الثقة المفرطة لدى الأهل في السماح لأبنائهم بالخروج مع الأصدقاء للاستراحات أو المقاهي أو الشاليهات أو المنتجعات، دون حسيب أو رقيب".
أما بالنسبة لأصناف المتحرشين فمن أكثر الفئات خطرًا أولئك المنحرفون المهووسون جنسيًّا بالأطفال، والذين يتسكعون في الأماكن التي يسهل فيها الاحتكاك بالأطفال مثل أماكن لعب الأطفال المعزولة، وهؤلاء في العادة يستدرجون الطفلة أو الطفل ويتحرشون به جنسيًّا في دورات المياه أو درج العمارات وخصوصًا الأدوار العليا منها وأسطح المباني وفي الأماكن المظلمة أو في أي خلوة متاحة لهم، وهؤلاء عادة يفضلون الأولاد كخيار أول، أما غالبية المتحرشين فهم من الخدم والمربين والسائقين والمعلمين والمعلمات وعمال البقالات والحلاقين، بالإضافة إلى الأصدقاء والأقارب وخاصة المراهقين، والأخطر أبناء الإخوة، والخلاصة أن 85% من المتحرشين جنسيًّا هم من المعروفين لدى الضحية.
ونحن هنا لا نريد التشكيك في كل أحد، ولا نريد أن نظن الظن السيئ بالنسبة للأصناف المذكورة سابقًا؛ لأن غالبيتهم -ولله الحمد- على خير وإلى خير، هكذا نحسبهم ولا نزكي على الله أحدًا، إنما نقصد قليلي الدين وأهل الفتن والفساد منهم، وهم قليل، لكن يجب الحذر منهم، فقد حذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أمثال هؤلاء الذين لا يؤمنون بقوله: "ألا أخبركم بخيركم من شركم؟! خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره، وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره".
أما وسائل التحرش الجنسي: فتكون إما بالإغراء بواسطة تقديم الهدايا أو الحلوى والنقود، أو بواسطة تعليم قيادة السيارات وبالذات السيارات الرياضية الفاخرة التي تجذب انتباه الأطفال أو المراهقين، أو استغلال حاجة الطفل أو المراهق لأي شيء، أو تكوين علاقة حميمة مع الطفل أو المراهق لكسب ثقته وربما ثقة الوالدين أيضًا، ثم يبدأ المتحرش بعد ذلك في تنفيذ مخططه ورغباته لا سيما في غياب الثقافة الجنسية لدى الطفل أو المراهق، وإذا فشلت الأساليب السابقة للمتحرش في الإيقاع بالضحية فربما يلجأ للخيار الأخير لديه وهو التهديد بالقوة إلى درجة التهديد بالقتل وإيقاع الأذى بالضحية.
أيها الإخوة: متى وكيف يمكن أن يتعرض الطفل للتحرش؟!
في سن الطفل أو الطفلة الصغيرة من سنتين إلى خمس سنوات قد يقع الطفل أو الطفلة في براثن المتحرشين في أوقات انفرادهم به في أي فرصة ولو قصرت، ووقوعه تحت التهديد أو الإغواء مع عدم توعيته من قبل الوالدين وغياب الأمر عن أذهانهم قد يسمح بتكرار الأمر دون أدنى علم من والدي الطفل أو الطفلة.
أما في العمر من ستة إلى اثني عشر عامًا فتساهم نفس العوامل السابقة في تيسير الأمر على المتحرش، وقد يساهم الطفل في تهيئة المناخ الملائم للتحرش بتتبعه لفترات غياب الوالدين أو انشغالهما لمشاهدة صور ما أو مشاهد أو محاكاة شيء علمه له أحد أصدقائه أو النظر إلى مشاهد جنسية في الفضائيات في غياب الوالدين، فيقوم بمحاكاتها فور أن تسنح له الفرصة.
وهناك أسباب كثيرة لوقوع الأولاد في التحرش الجنسي، منها أخطاء الوالدين؛ كمداعبة الزوجين أحدهما للآخر، أو ممارسة الحق الزوجي أمام الأبناء، أو تجاهل الصغار منهم بدعوى أنهم لا يفهمون، وهذا خطأ؛ لأن هذه المناظر تترك أثرًا في نفس الطفل أو الطفلة، وتدفع الطفل إلى تقليد هذه الحركات عند أول فرصة سانحة له، وقد أخبرني أحد الإخوة أنه شاهد فيديو لطفلة صغيرة لا تتجاوز العامين وهي تقوم بحركات جنسية رأتها لوالديها.
ومن الأسباب: مداعبة الأبناء في الأماكن الحساسة، وقد يفرح الأب أو الأم بنمو حجم الأعضاء التناسلية عند أولادهم، فيداعبونهم ويظنون أن هذا الأمر مفرح للطفل، في حين قد يتحول ذلك إلى إدمان مع طول المدة.
ومنها تبديل الملابس مع الآخرين، وبعض الأمهات قد تهمل تبديل ملابس أطفالها في مكان خاص، فتقوم بذلك أمام الآخرين، ومع الوقت يتعود الأبناء على خلع ملابسهم أمام الآخرين؛ ما يفقدهم الغيرة على أنفسهم أو الخجل من الظهور أمام أخواتهن أو إخوانهم بهذه الصورة.
ومن الأسباب: غياب البدائل التربوية، فمن الخطأ عدم توفير بدائل تربوية لإشباع الحاجة العاطفية للطفل أو الطفلة كالتقبيل والاحتضان والتعاطف معه عند الحزن أو الشعور بالقلق والفرح والتهدئة عند الغضب، وهذا أمر خطير؛ لأن الطفل المحروم من العاطفة قد يلجأ للبحث عن هذه العاطفة خارج المنزل؛ ما قد يوقعه فريسة للتحرش الجنسي من قبل الآخرين.
ومنها: نشأة الأولاد على الدلال والميوعة، وهذا منافٍ للنصوص القرآنية والنبوية، قال تعالى عن الكفار مبينًا أسباب تكذيبهم: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ) [الواقعة: 45]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر بعد أن تناولوا طعام الغداء أو العشاء عند أحد الصحابة: "والذي نفسي بيده، لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة".
والملاحظ أن بعض الأولاد يعيشون في درجة من الترف إلى حد الإسراف والملل؛ ما يصيبهم بالدعة والميوعة والدلال؛ ما ينتج عنه آثار سيئة على نفسياتهم في مستقبل الأيام.
ومنها: ترك الأولاد للخدم والاعتقاد، بأن ذلك كافٍ في القيام بواجباتهم، وقد أكدت دراسة لمكتب التربية العربي لدول الخليج أن ظاهرة الخدم والمربيات خلفت وراءها كثيرًا من أصناف الخطر في شتى الميادين، لا سيما الاعتقادية والثقافية.
ومنها: جهل الآباء والأمهات بما هو مسموح وما هو ممنوع، وما المباح وما المحرم، وما المقبول وما المرفوض، وما هو اللباس الرجولي وما هو اللباس النسوي، وبخاصة في هذا الزمان الذي اختلط فيه الحابل بالنابل، فصرنا نرى أطفالاً ذكورًا يلبسون ملابس البنات، فيزيدهم ذلك جمالاً على جمالهم، وصرنا نرى بنات صغارًا ولكن قد يكون لهن أجسام كبيرة نوعًا ما، فيلبسن الضيّق والعاري؛ ما يغري ضعفاء النفوس بالتحرش بهنّ.
ومن الأسباب: ضعف الرقابة من الأهل مع وجود الفضائيات والإنترنت ووسائل التقنية ومقاطع البلوتوث، وللأسف فقد أصبحت هذه المواد في متناول الصغير قبل الكبير، والمشكلة في عقول أبنائنا الصغيرة التي لا تستوعب حرمة ما يشاهدون.
ومنها: عدم الوعي الثقافي والتربوي منذ الصغر، وخجل الأبوين من الإجابة على تساؤلات الأبناء، ووجود فجوة بين الأهل والأبناء تمنع الحوار الدائم، فمشكلة مجتمعنا الخلط بين الحياء والعيب، والأغلبية لا تستطيع أن تناقش الأهل في شكواهم، وبعض الأبناء يخشى من عقاب أهله فلا يقوم بالشكوى.
ومن الأسباب: التفكك الأسري وفقدان الحنان بسبب قسوة الوالدين وتسلطهما.
ومن الأسباب: الانفلات والانحلال الأخلاقي للوالدين، وبالطبع سينعكس ذلك على الأبناء فينشؤون على الانفلات والتحرر.
وهناك أسباب أخرى كعدم التفريق بين الأطفال في المضاجع، وعدم متابعة أولياء الأمور لأماكن وجود أبنائهم ومصاحبة الأصدقاء السيئين وكبار السن، فلا يعقل أن يصاحب الطفل الصغير شابًا في سن المراهقة.
ومنها الانتقام من الآخرين، ويقوم به الذين مورس بهم التحرش الجنسي في سن صغيرة، فيتجهون للانتقام من الآخرين، وهذا من الآثار السيئة على المتحرش.
ومن الأسباب: عدم متابعة ومراقبة ما يشاهده الأبناء في الفضائيات والمجلات والإنترنت، وللعلم كما يقول المتخصّصون: إن لحظة فظاعة وخلاعة تساوي ساعات من الأدب والاحترام؛ حيث إنها هي التي تعلق في الذهن وتدفع الأبناء إلى متابعتها بفعل قد يؤدي إلى التحرش الجنسي بالذات أو الآخرين، ونحن لا ندَّعي أن كل ما يعرض يعين على التحرش الجنسي، لكن نسبة كبيرة مما يعرض هي كذلك؛ لذا لا بد من معرفة كيفية التعامل مع هذه الوسائل الإعلامية المختلفة، وعدم ترك الحبل على الغارب للصغار في مشاهدة ما هبّ ودب؛ حماية لأخلاقهم وحفظًا لعقولهم وخوفًا عليهم مما يغضب الله -سبحانه وتعالى-.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].
أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
كيف نتجنّب التحرش؟!
في هذا الزمان الذي تتلاطم فيه أمواج الفتن والأخطار ودواعي الانحلال وفساد الأخلاق يبقى الدعاء الخالص لله تعالى هو طوق النجاة الذي يتعلّق به كل والد ووالدة يريدان لأبنائهما صلاح الدنيا والآخرة، وهذا هو دأب المرسلين والصالحين كما حكى عنهم الله سبحانه في القرآن: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء) [إبراهيم: 40]، (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ) [إبراهيم: 35]، (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74].
ثانيًا: تربية الأبناء على الحياء وستر العورة وعدم التساهل؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "استحيوا من الله حق الحياء"، فلا بد من توعية الطفل وتلقينه دائمًا أن عورته لا ينبغي أن يراها أحد، وأن لا يسمح لأحد أن يكشف عورته أو يطلب منه ذلك ولا حتى إخوته.
ثالثًا: عدم الثقة المفرطة بالآخرين، وينبغي أن تكون ثقتنا على بصيرة، فلا نمنحها إلا لمن يستحقها خاصة هؤلاء الذين يكثر تعاملهم مع الأبناء أو انفرادهم بهم، كما يمكن توعية الأبناء الأكبر قليلاً بإمكانية وجود أناس لا يخافون الله تعالى يصدر منهم الاعتداء على الأطفال في مثل سنهم، مع توجيههم إلى التصرف السليم إذا تعرضوا لمثل هذه الأمور.
رابعًا: تربية الأبناء على الرجولة ونبذ الميوعة، وتربية البنات على الستر وتعويدهن على الحجاب، فتعويد الابن على الرجولة والخشونة في المظهر والاعتدال في الملبس يبعد أنظار المتحرشين عنه، كذلكم البنت لا بد من تعويدها على الملابس المحتشمة والبعد عن العاري والضيق جدًّا، وبخاصة إذا كانت ممتلئة الجسم، ويستحب تعويدها على الحجاب بشكل غير إلزامي حتى تألفه، وذلك من شأنه أن يبعد عنها أطماع المتحرشين الآثمين.
خامسًا: لقد وجد أن معظم الأولاد في أعمار ما بين ثلاث عشرة إلى خمس عشرة سنة يعتمدون في معلوماتهم عن الجنس والمخدرات والعنف على الأصدقاء والتلفزيون والأفلام والإنترنت، وهذا يعني أنه إن لم نعط أولادنا المعلومات التي يحتاجونها فسيحصلون عليها من غيرنا، وإذا كان ما يزال هناك العديد من المربين والآباء والأمهات يتساءلون: هل يجوز للأب أو المربي أن يحادث ابنه أو الأم ابنتها في المسائل الجنسية؟! وهل له أن يعرفه أو يعرفها بالفوارق ما بين الجنسين؟! وإذا كان هذا جائزًا فما السن المناسبة لذلك؟! فالجواب: إن أطفالنا في الأعم الأغلب يبدؤون في قراءة وحفظ القرآن أو جزء منه وهم في سن صغيرة، ولقد تحدث القرآن بوضوح عن النطفة من أين أتت وكيف تتكون في رحم المرأة، وتحدث عن خلق الإنسان من أخلاط النطفتين من الرجل والمرأة، وتحدث عن الجماع الرفث ليلة الصيام، وتحدث عن المحيض واعتزال النساء فيه، وتحدث عن حمل الولد في بطن أمه ومدة إرضاعه، وعن الزنا وعن إتيان الرجال شهوة من دون النساء، وغير ذلك في سورة البقرة أكثر من مرة، وفي سور الأعراف والإسراء والمؤمنون والأحقاف والإنسان، لقد تحدث القرآن عن ذلك وأكثر منه، فكيف يمكن للولد أن يفهم معنى الآيات إذا لم توضح له وتشرح، وكذلك البنت من قبل الوالدين والمربين؟!
سادسًا: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله عنهم- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع". والحقيقة أن هذا الحديث مدرسة تربوية كاملة، فقد عرف هذا الحديث الأطفال من أول الأمر بأن هناك حلالاً وأن هناك حرامًا، وأن عدم التفريق بينهم في المضاجع يمكن أن يؤدي بهم إلى الوقوع في المحرم.
وجمع هذا الحديث بين تربية الإيمان وإغلاق باب الشر في وقت واحد؛ إذ أمر أن نربي أولادنا عن الصلاة ونحثهم عليها، والصلاة هنا الفريضة، وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت: 45]. فهذه هي تربية الإيمان والسلوك، والتفريق في المضاجع هو سد باب الشر، وهذان الجناحان هما أكثر ما يحتاجه أبناؤنا في مثل هذه السن.
سابعًا: المراقبة والملاحظة: على الآباء والأمهات والمربين أن لا تغفل عيونهم عن مراقبة أبنائهم وملاحظتهم، ولا نقول: احرموهم حرية الحركة والتعبير عن الذات، لكنها عين الحارس والمتابع والملاحظ لكل ما يحدث مع أبنائه، سواء من اختلاطهم بمن حولهم أو من تغيرات تظهر على الأبناء، فإن بدا من ذلك شيء وجب علاجه قبل أن يكبر ويستفحل، وهذه هي المسؤولية التي كلف الله تعالى بها كل أب ومربٍّ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".
ثامنًا: تعليم الأبناء أدب الاستئذان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاء ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [النور: 58]. ومعنى ذلك أن على الأطفال الاستئذان عند الدخول على الوالدين ثلاث مرات: من قبل صلاة الفجر، ووقت الظهر، وبعد صلاة العشاء، وهو أدب يهمل فيه الكثيرون في حياتهم المنزلية، مستهينين بآثاره النفسية والعصبية والخلقية، ظانين أن الصغار قبل البلوغ لا ينتبهون لهذه المناظر، بينما الواقع يقول: إن بعض المشاهد التي تقع عليها أنظار الأطفال في صغرهم هي التي تؤثر في حياتهم كلها، وقد يصيبهم بأمراض نفسية وعصبية يصعب شفاؤهم منها، والعليم الخبير يؤدب المؤمنين بهذه الآداب، وهو يريد أن يبني أمة سليمة الأعصاب، سليمة الصدر، مهذبة المشاعر، طاهرة القلوب، لطيفة التصورات.
أما إذا تعرض الطفل أو الطفلة للتحرش لا سمح الله، فأولاً: لا بد من عرضه على طبيب نفسي يقوم باسترجاع هذه التجربة المؤلمة معه، وذلك حتى لا تظل مختزنة بداخله، تحدث آثارها السلبية عليه، مع تجنب الاستهزاء به أو وصفه بالجبان أو الضعيف، إضافة إلى التعامل معه على أنه ضحية وليس الجاني، فبعض الآباء يعاقبون الطفل المتحرَّش به وكأنه الفاعل على رغم أنه ضحية وليس له ذنب.
ثانيًا: لا بد أن ينال المجرم عقابه بتقديم بلاغ للسلطة المختصة بالتعامل مع تلك الأمور؛ كيلا يهرب الجاني بجريمته بغير عقاب لسببين:
الأول: لأن جزءًا من العلاج لنفسية الطفل الذي تعرض للاعتداء أن يرى عقابًا رادعًا قد وقع لهذا المجرم.
ثانيًا: التكتم والتعتيم على تلك الجريمة يساعد المجرم؛ لعلمه السابق بتعاون الأهل معه في التعتيم على ما يرونه عارًا، وييسر له أن يعاود فعل هذه الكوارث مرات ومرات في أماكن جديدة ومع ضحايا آخرين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الشورى: 42].
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، اللهم صل على من بلغ البلاغ المبين...