البحث

عبارات مقترحة:

الشهيد

كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الغش في المعاملات

العربية

المؤلف محمد بو سنه
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - المعاملات
عناصر الخطبة
  1. وجوب الصدق والنصح في المعاملات .
  2. التحذير من الغش .
  3. من صور الغش .
  4. انتشار الغش في أوساط التجار .
  5. من أضرار الغش .

اقتباس

مما يتأكد اجتنابه والتحذير منه وإنكاره: الغش والخداع في المعاملات، فإن الإسلام يحرم ذلك بكل صوره في بيع وشراء وفي سائر أنواع معاملات، الإنسان فالمسلم مطالب بالتزام الصدق في كل شؤونه، والنصيحة في الدين أغلى من كل مكسب كما قال صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا ..

اعلم -أخي المسلم وفقني الله وإياك وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه- أن مما يتأكد اجتنابه والتحذير منه وإنكاره: الغش والخداع في المعاملات، فإن الإسلام يحرم ذلك بكل صوره في بيع وشراء وفي سائر أنواع معاملات، الإنسان فالمسلم مطالب بالتزام الصدق في كل شؤونه، والنصيحة في الدين أغلى من كل مكسب كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما"، ومر رسول الله برجل يبيع طعامًا فأعجبه ظاهره، فأدخل يده فيه فرأى بللاً فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟!"، قال: أصابته السماء يا رسول الله -أي المطر- فقال -صلى الله عليه وسلم-: "فهلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشنا فليس منا". وفي رواية أنه مر بطعام وقد حسَّنه صاحبه، فوضع يده فيه فإذا بالطعام رديء، فقال: "بع هذا على حدة وهذا على حدة؛ من غشنا فليس منا". 

فانظر بماذا حكم على من غش في الطعام، والطعام مادة ينتهي أثرها بسرعة، فكيف بما هو أعظم وأعظم من ذلك، فالإيمان الصحيح الكامل يلزمنا الصدق والإخلاص والتقوى والنصح، وفي الحديث الصحيح: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير".

فإذا سألك إنسان مؤمن عن حال رجل وأخلاقه وأمانته ودينه فأجبته بغير ما تعرف وتعلم كأن كان فاسقًا فقلت: إنه صالح، أو كان صالحًا فقلت: إنه من المفسدين. فقد غششته، وإن استنصحك أخوك المؤمن عن امرأة يريد أن يتزوجها تعرفها وتعلم صفاتها وأخلاقها وأهلها فلم تصدقه الحقيقة ولم تذكر له الحق الذي تعرفه فقد كذبت عليه وغششته وكنت من الخائنين، وإذا سألك أخوك عن تاجر ومعاملته للناس فقلت غير الحق وعمّيت عليه أمره فمدحته وهو مذموم، فاعلم أنك بذلك جمعت بين الغش والكذب، ومحل ذلك كله إذا كان السائل له مصلحة تتعلق بمن يسألك عنهم فلزمك أن تصدقه الخبر وأن تبذل له النصيحة خالصة لوجه الله تعالى، أما إذا كان السائل من الذين يبحثون عن أحوال الناس ويتبعون عوراتهم وأخطاءهم ليشهر بهم ويطعن في أعراضهم وينتقص منهم؛ فليكن جوابك له على كل سؤال قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، وقل له: الأولى بك أن تفتش عن نفسك وعيوبها والسعي في إصلاحها، واحذر أن تتصف بما قاله الشاعر:

شر الورى من يعيب الناس مشتغلاً

مثل الذباب يراعي موضع العلل

وإذا كان الغش -وهو تقديم الباطل في ثوب الحق- مذمومًا في الطعام، فكيف بالغش في الوظيفة والعمل والتوجيه والإرشاد وفي جميع شؤون معاملة الإنسان لأخيه، ولهذا كان السلف يفهمون مدى خطورة الغش ويطبقون أحاديث المصطفى، فكانوا يبينون ولا يكتمون، ويصدقون ولا يكذبون، وينصحون ولا يغشون، عرفوا بحق قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لامرئ يبيع سلعة يعلم بها داءً -أي عيبًا- إلا أخبر به".

وتزداد حرمة الغش إذا صاحبته اليمين الكاذبة، يحلف وهو كاذب كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة".

وقد أصبح الغش عند كثير من البائعين -إلا من رحم الله- ركنًا أساسيًّا يندر أن تجد بائعًا غير غاش، فينبغي للإنسان في هذا الزمان الذي انتشر فيه الغش وعمّ وطمّ وقل فيه الخوف والضرب على أيدي الغشاشين، أن يحذر منهم ويتحفظ في المعاملة معهم، فإنهم بمثابة السُّراق، وكثير من البائعين اليوم ممن لا يخاف الله يحاول إخفاء العيب بوضع لاصق عليه أو يجعله في أسفل صندوق البضاعة، أو يستعمل مواد كيميائية ونحوها، تظهر بمظهر حسن براق، أو يخفي صوت العيب الذي في المحرك في أول الأمر، فإذا عاد المشتري بالسلعة لم يلبث أن تتلف من قريب، وبعضهم يغير تاريخ انتهاء صلاحية السلعة، أو يمنع المشتري من فحص السلعة وتجريبها، والغالب فيمن يبيعون السيارات والآلات أنهم لا يبينون عيوبها، فهذا كله حرام لا يحل فعله.

عباد الله: إن الغش معصية لله ولرسوله، وإنه لا يفيد صاحبه إلا الوزر والخزي العاجل والآجل إن لم يتب، وإنه لمن العار، إنه يضيع الثقة، فإن الناس إذا عرفوا الرجل غاشًا في معاملته انصرفوا عنه وأسقطوا الثقة به، فأغلق بذلك على نفسه أبواب الربح والخير، ومن جنايات الغش على صاحبه أن البركة تذهب من عمل يديه، وربما دارت عليه أو على ذريته الدوائر.

فاتقوا الله -عباد الله-، وعاملوا الناس بالعدل، عاملوهم بما تحبون أن يعاملوكم به، حللوا مكاسبكم، اجعلوها زادًا لكم يعينكم على طاعة ربكم، لا تجعلوها غرمًا عليكم فتفقدوا بركتها وتستحقوا عقوبة الله من أجلها، وفي الحديث: "لا يكسب عبد مالاً من حرام فيتصدق به فيقبل منه، ولا ينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده في النار، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحوه الخبيث، ولن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب"، واجعلوا قول ربكم دائمًا نصب أعينكم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [النساء:29]

الخطبة الثانية:

وبعد:

فإن مضار الغش وجناياته على صاحبه أنه يسيء إلى أسرته إذا اشتهر به؛ لأنه يلوث سمعتها ويحمل الناس على أن يقولوا: هذه أسرة الغشاش، وأعظم بها أذية للمستقيمين، وإن أذية الغشاش لأولاده أشد؛ إذ الأبناء حول أبيهم يأخذون عنه وينشؤون على أخلاقه ولابد أن يأخذوا من طباعه، ويوشك أن يكونوا مثله غشاشين بعدما يبلغون مبلغ الرجولة، فيكون أبوهم سببًا في وقوعهم في ضرر الدنيا والآخرة.

وأما ضرر الغش وأذيته للدين فيا لها من مصيبة فادحة، وعقبة صعبة ضد القائمين بالدعوة إلى الإسلام ونشر محاسنه والحث على التخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه، لأن أعداء الإسلام إذا نظروا إلى هؤلاء الغشاشين يتهمون الدين بالنقص ولا يقولون: إن النقص في الناس لعدم تمسكهم بالدين، بل يلصقون النقص والعيب بالإسلام، وذلك صد عن اتباع الحق، وكفى بذلك ضررًا وأذية، فما الداعي -أيها المسلمون- لمثل هذه المعاملات السيئة؟! أهو القوت الذي تكفل به الحي الذي لا يموت؟! وما رأينا تقيًّا مات جوعًا، أم هو الطمع والجشع وحب الدنيا وجمع حطامها الفاني؟!!

أيها التجار: ما هكذا يكون الربح، وما هكذا يكون المكسب، وما بتلك الأساليب والطرق تتكون الثروة، ويجمع المال، ولكن بالصدق والأمانة والشرف والتعفف عن الحرام، ففكروا في مصير ما أتعبتم نفوسكم وأبدانكم في جمعه، وفكروا في المناقشة يوم القيامة عن دخوله وخروجه، وأنكم مفارقوه عن قريب.

فاتقوا الله -أيها المسلمون-، وتعاملوا فيما بينكم بالبر والصدق والبيان، وإياكم والكذب والغش والكتمان، وتأملوا جيدًا فيما تأتونه من أعمالكم في معاملتكم، وتدبروا عواقب أمركم، فلا تنقصوا المكيال والميزان، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تتساقطوا على الربا حتى في التافه من بضاعتكم، ولا تدخروا البضاعة المشتراة بثمن زهيد فتبيعوها عند فقدها بثمن مرتفع، حين تشتد حاجة الناس، فيقال لهذا: انتهت السلعة. ويقال لهذا: ارجع بعد ساعة. ويقال للآخر: قد زيد في الثمن. فاعلموا أن هذه المعاملة احتكار حرمه الإسلام، ولا يعد من البيع الذي أحله الله؛ ذلك لأن المحتكر يمتص بفعله هذا أموال الناس دون شفقة، ويحدث بذلك خللاً في السوق، بحيث لا تسير أسعار البضائع سيرًا طبيعيًا مألوفًا.

إن الاحتكار استغلال لحاجة الناس وتحكم فيهم، لاسيما إذا تعلق الأمر بأقواتهم وأغذيتهم، وقد بيّن النبي عاقبة المحتكر بأن الله لن يبارك في ماله، بل هو بعيد عن رحمة الله، لأنه لا يرحم الناس، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يرحم الله من لا يرحم الناس"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحتكر إلا خاطئ"، وعن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى على جماعة من التجار فقال: "يا معشر التجار: إن الله باعثكم يوم القيامة فجارًا إلا من أتقى وبر وصدق".

عباد الله: وإن من الغش الذي أنكره الإسلام أشد الإنكار تطفيف المكيال وعدم إيفاء الوزن حقه؛ قال تعالى: (وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ) [الشعراء:182] أي: زنوا الأشياء بالميزان العدل المضبوط، وأوعد الله بالعذاب الشديد الذين يغشون الناس بإنقاص حقهم في المكيال والميزان، مذكرًا إياهم بموقف الحساب يوم القيامة، حيث يبعثون أحياءً من قبورهم ليجازيهم الله على ما اقترفوا في دنياهم، فقال -جل وعلا-: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين1 :6]

إن الغش في الكيل والميزان إذا شاع وكثر في مجتمع أنذر بحلول عذاب الله ونقمته، فلقد أخبرنا الله -عز وجل- عن قوم شعيب -عليه السلام- الذين نشأ فيهم الغش في المكيال والميزان، وأنهم لم ينتهوا عما هم فيه من ذلك بعدما نهاهم نبيهم فقال: (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ[الأعراف:85]  فلما أعرضوا عن هذه الدعوة أرسل الله عليهم العذاب، وأهلكهم بصاعقة شديدة، فقال سبحانه: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ * وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) [هود66 :67]

أليس في هذا ما يدخل عليكم الخشية من الله والإقلاع عما حذر منه ونهى عنه، نسأله تعالى أن لا يسلط علينا عذابه وسخطه، وأن يصلح أمورنا، وأن يجعل عواقبنا إلى خير، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.