المجيب
كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...
العربية
المؤلف | محمد بن عدنان السمان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - أركان الإيمان |
إن المقرر شرعًا والواجب على كل مسلم يؤمن بالله ربًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ)، وتعزيره يكون بنصره وتأييده، وتوقيره يكون بإجلاله وإكرامه صلى الله عليه وسلم ..
الحمد لله القائل: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) [التوبة: 40]، والقائل: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) [الأنبياء: 107]، والصلاة والسلام على خير خلق الله، محمد -صلى الله عليه وسلم-.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-.
قال الله -سبحانه وتعالى- في أقصر سورة في القرآن بعد بسم الله الرحمن الرحيم: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ) [الكوثر: 1- 3].
قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: "سورة الكوثر ما أجلها من سورة! وأغزر فوائدها على اختصارها. وحقيقة معناها تعلم من آخرها؛ فإنه -سبحانه وتعالى- بتر شانئ رسوله من كل خير، فيبترُ ذكره وأهله وماله؛ فيخسر ذلك في الآخرة، ويبتر حياته فلا ينتفع بها، ولا يتزودُ فيها صالحًا لمعاده، ويبترُ قلبه، فلا يعي الخير ولا يؤهله لمعرفته ومحبته، والإيمان برسله، ويبترُ أعماله فلا يستعمله في طاعة، ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصرًا ولا عونًا، ويبتره من جميع القرب والأعمال الصالحة فلا يذوق لها طعمًا، ولا يجد لها حلاوة، وإن باشرها بظاهره فقلبه شارد عنها، وهذا جزاء من شنأ بعض ما جاء به الرسول". اهـ.
أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: ثلة الاستهزاء الأولى استخدمت طرقًا كثيرة وأساليب متنوعة للسخرية من النبي -صلى الله عليه وسلم- والاستهزاء به، فتارة ينعتونه -صلى الله عليه وسلم- بألفاظ نابية وعبارات قاسية، فوصفوه -صلى الله عليه وسلم- بالشاعر والساحر، بل تعدّى الأمر أن يصفوه بالمجنون، ويبقى -صلى الله عليه وسلم- شامخًا يكمل ما بدأه من أمر دعوته وتبليغ دينه، يطردوه، يرموه بالحجارة، يحبسوه ويقاطعوه في الشعب، يهموا أن يقتلوه، يعذبوا أصحابه ثم يحاربوه، وتشج رأسه وتكسر رباعيته -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم-، وتتحزب الأحزاب عليه ويدسُّوا له لحمًا مسمومًا، ويتهموه في عِرضه الشريف، ويطعنوا في أحب نسائه إليه، ويصبر ويحتسب ويجاهد ويبذل من نفسه لهذا الدين.
نقول هذا الكلام وقد سمعتم ما نُقل عن استهزاء وسخرية برسولنا -صلى الله عليه وسلم- عن طريق إنتاج فيلم من أناس تجردوا من الإيمان أولاً، ثم هم لم يرعوا لنبينا -صلى الله عليه وسلم- مكانته وللمسلمين مشاعرهم وهم يتعرضون لرجل يحبه كل مسلم أكثر من نفسه وولده والناس أجمعين.
أيها المسلمون: إن المقرر شرعًا والواجب على كل مسلم يؤمن بالله ربًا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًا نصرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما قال تعالى: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) [الفتح: 9]، وتعزيره يكون بنصره وتأييده، وتوقيره يكون بإجلاله وإكرامه -صلى الله عليه وسلم-.
وإن ما تعرض له النبي -صلى الله عليه وسلم- من سخرية واستهزاء في ذلك الفيلم المسيء ليستدعي النصرة والحمية والذبّ عن جناب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإن من ذلك ما يلي:
أولاً: أن الإيمان بالرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومحبته أصل من أصول الإيمان، ومن مقتضيات الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "بُنِي الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصوم رمضان". متفق عليه.
ومعنى شهادة أن محمدًا عبدُ الله ورسوله الإقرار بأن محمدًا عبد لله، وأن الله أرسله لتبليغ دينه وهداية الخلق كافة، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) [سبأ: 28]، وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107] ويقتضي ذلك تصديقه بما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه.
عباد الله: إن من كمال الإيمان الواجب أن يكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحب إلينا من أنفسنا ومن والدينا ومن أولادنا ومن الناس أجمعين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين". رواه البخاري ومسلم.
معاشر المسلمين: إن من مقتضيات محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- العمل بسنته واتباع أوامره، قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 31].
وليحرص المسلم على السعي لنشر سنته -صلى الله عليه وسلم- بين الناس، بالوسائل المتاحة وباللغات المختلفة، وكلٌّ يجتهد بما معه من العلم والتخصص، قال -صلى الله عليه وسلم-: "نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها، فرُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه". رواه الترمذي.
أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-: إن الدفاع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن سنته وبيان ما يكون عليها من شُبهات يكون بالحجة المبنية على الدليل الشرعي، وأن تكون أساليب ووسائل النصرة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وسنته وفق الضوابط الشرعية، والتحذير من الوسائل غير الشرعية مثل القتل والتفجير والتخريب والتدمير.
إخوة الإسلام: لقد تمثل حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- الرحمةَ في خُلقه وتعامله مع الناس أجمعين، ولم تكن هذه الرحمة فقط مع أصحابه -رضوان الله عليهم-، بل رحمته -صلى الله عليه وسلم- تعدت لغير إِنِّالمسلمين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. فقَالَ: "إني لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً". رواه مسلم.
وكان -صلى الله عليه وسلم-: إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: "اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا...". رواه مسلم. وحذر وأنكر من قتل النساء والصبيان في أثناء مغازيه.
فعن عَبْدِ اللَّهِ بن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-: أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقْتُولَةً، فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. رواه البخاري.
وحفظ -صلى الله عليه وسلم- حقوق المعاهدين في أنفسهم وأموالهم، فقال: "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا". رواه البخاري.
اللهم اغفر وارحم وأنت خير الراحمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل: (فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة: 137]، والصلاة والسلام على خير رسول وأعظم نبي، من أرسله ربه فأخرج به الناس من الظلمات إلى النور، وعلى آله الطيبين وعلى أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله أمة الإسلام. ثم اعلموا أنه من أعظم المنن التي امتن الله بها علينا أن جعلنا مسلمين، وجعلنا من أمة الإسلام، وجعلنا من أتباع خاتم الأنبياء والمرسلين، وإمام العالمين، وسيد ولد آدم أجمعين محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا.
معاشر المسلمين: لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- حريصًا على هداية الناس؛ فعن أَبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قَدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا، فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ. قَالَ: "اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائتِ بِهِمْ". رواه البخاري.
وعَنْ جَابِرٍ بن عبد الله -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَخْرَقَتْنَا نِبَالُ ثَقِيفٍ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: "اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا". رواه الترمذي، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
واستمعوا إلى هذا الحديث النبوي: فعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ غُلامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: "أَسْلِمْ"، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ". رواه البخاري.
أمة الإسلام: سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- مليئة بتلك المواقف التي تمثل قول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، وإننا إذ تستنكر هذا البهتان العظيم الموجه لنبي الإسلام وخاتم النبيين -صلى الله عليه وسلم- لعلى يقين بأن الله سبحانه ناصر نبيه، ومعز دينه، وخاذل لأعدائه كما قال الله: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [الحجر: 95].
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-.