البحث

عبارات مقترحة:

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

قصة أول ما أنزل من القرآن الكريم (اقرأ)

العربية

المؤلف مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات السيرة النبوية
عناصر الخطبة
  1. بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
  2. لقاؤه بجبريل عليه السلام .
  3. شهادة ورقة بن نوفل .
  4. تعذيب بلال رضي الله عنه في بطحاء مكة .
  5. شراء أبي بكر لبلال رضي الله عنهما وإعتاقه .

اقتباس

وفيما الناس في ذلك بلغ محمد -صلى الله عليه وسلم- أربعين سنة من عمره، وكانت تأتيه المنامة الصادقة لا يرى رؤيا في الليل إلا جاءت في النهار واضحة ظاهرة، فكانت تلك المنامات مصابيح تكشف أمامه الطريق، ثم حبب الله -عز وجل- إليه الخلوة والبعد عن الناس، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده يفكر ويفكر طويلاً في خلق الأرض وما عليها، وفي ..

الحمد لله الذي أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- القرآن الكريم ومثله معه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

عباد الله: ورد في قصص القرآن ص267 بتصرف: أن قومًا -منهم ورقة بن نوفل- كان ينتظر الدين الجديد ويستبطئه ويقول: حتى متى؟! وكذلك زيد بن عمرو بن نفيل الذي خرج من مكة يطلب أرضًا يتعرف على دين إبراهيم، ويسأل الرهبان والأحبار، حتى بلغ الموصل والجزيرة وجال الشام كلها حتى انتهى إلى راهب قريب من دمشق، فسأله عن دين إبراهيم، فقال له الراهب: إنك لتطلب دينًا ما أنت بواجد من يدلك عليه اليوم، ولكن قد قرب زمان يخرج من بلادك التي خرجت منها من يبعث بدين إبراهيم، فالحق بها فإنه مبعوث الآن وهذا زمانه، فرجع وتوجه تلقاء مكة، وقبل أن يصل إليها قتل في الطريق.

وفيما الناس في ذلك بلغ محمد -صلى الله عليه وسلم- أربعين سنة من عمره، وكانت تأتيه المنامة الصادقة لا يرى رؤيا في الليل إلا جاءت في النهار واضحة ظاهرة، فكانت تلك المنامات مصابيح تكشف أمامه الطريق، ثم حبب الله -عز وجل- إليه الخلوة والبعد عن الناس، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده يفكر ويفكر طويلاً في خلق الأرض وما عليها، وفي خلق السماء وما فيها، وكان -صلى الله عليه وسلم- يحمل زاده إلى جبل حراء ويمكث فيه طويلاً ثم يعود إلى بيته، وكان أول شيء يفعله أن يذهب إلى البيت الحرام فيطوف به سبعًا، ثم يعود إلى بيته، وكانت زوجته خديجة تستقبله بوجه مبتسم ونفس راضية وهو -صلى الله عليه وسلم- ينقل إلى نفسها من روحه الطاهرة دروسًا عالية، ويسدي إلى بصيرتها نورًا وهدى، وخرج محمد -صلى الله عليه وسلم- الصادق الأمين من بيته قاصدًا كعادته في أول شهر رمضان إلى جبل النور الذي به غار حراء الذي كان يخلو بنفسه فيه مفكرًا، وفي ليلة القدر في أواخره بينما هو كذلك إذ نزل عليه الأمر العظيم من الله –عز وجل-، إذ جاءه جبريل -عليه السلام- فقال له: اقرأ، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما أقرأ، فجذبني بشدة حتى احتبس مني النفس وظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أقرأ، فضمني إليه حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ماذا أقرأ؟! فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْثم انتهى فانصرف عني، فكأنما كُتبت في قلبي، فخرجت حتى إذا كنت في وسط الجبل سمعت صوتًا من السماء يقول: يا محمد: أنت رسول الله، وأنا جبريل".

فرفعت رأسي إلى السماء أنظر إليه، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد: أنت رسول الله وأنا جبريل، فوقفت أنظر إليه، فما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء، فلا أنظر ناحية منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفًا، فما أتقدم أمامي، وما أرجع ورائي، ثم انصرف عني، فجئت إلى أهلي.

وروى الشيخان وغيرهما عن عائشة -رضي الله عنها- قال: أول ما بدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو في غار حراء فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد، ويتردد لذلك ثم يرجع إلى خديجة -رضي الله عنها-، فيزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاء الملك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)، فرجع بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرجف فؤاده.

فلما سمعت زوجته خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- حتى أصابت محبة الإسلام قلبها وأخذت تحنو عليه وتنصره بعد أن آمنت بدعوته.

فقالت: أبشر -يا ابن عم- واثبت، فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة، ثم قامت فجمعت عليه ثيابها تحميه من رعشة كانت به من أثر ما ناله، ثم انطلقت خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل -وكان على دين النصرانية- فقصت عليه ما أخبرها محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال ورقة: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني -يا خديجة- لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى -عليه السلام-، إنه لنبي هذه الأمة.

حقًّا إنه لرسول هذه الأمة، فصلوات الله وسلامه عليه، وأسأل الله أن ينفعني وإياكم بهدي كتابه الكريم، وبما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- من الهدى والبينات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله القائل: (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى * وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى).

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

عباد الله: قال ابن كثير في تفسيره: ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وأن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك، ولا شك أنه داخل فيها، وأولى الأمة بعمومها، وهو مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة، فإنه كان صديقًا تقيًا كريمًا جوادًا باذلاً لأمواله في طاعة مولاه ونصرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وأما قوله تعالى: (لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى)، فقيل: نزلت في أمية بن خلف الذي كان سيدًا لبلال بن رباح -رضي الله عنه-، وهو الذي عذب بلالاً عندما علم بإسلامه، حيث شد وثاقه وقيد يديه ورجليه ودفع به إلى الصبيان في بطحاء مكة يعذبونه، وكان كلما ازداد في تعذيبه ويسأله أن يرتد عن دينه يقول: (أحد أحد) أي: هو الله الذي أعبده وأتوجه إليه، لا يضيرني هذا العذاب، وهو وحده الذي أستدفع به البلوى وألتجئ إليه في المحنة الكبرى، هو الله وحده الذي بعث محمدًا رسولاً، ومرشدًا أمينًا، فأحببته واتبعته، وسأصبر على كل البلاء.

واستمر أمية يعذب بلالاً -رضي الله عنه- وهو صابر محتسب، حتى كان أبو بكر يمشي يومًا في بعض شعاب مكة، فإذا بلال يئن من آلامه، وأمية واقف أمامه في كبره وجهله، ينظر إليه وكأنه قد شُفي من غيظه، فأدركت أبا بكر الرحمة، وعطف وأشفق عليه، فقال لأميه: إلى متى تعذب هذا المسلم؟! وما هو ذنبه؟! فقال أمية: إنه عبدي أعذبه كيف أشاء وأطلقه متى ما أشاء، فإذا كنت مشفقًا عليه فدونكه اشتره وخلصه مما هو فيه أو يعود إلى معبوداتنا، فانتهز أبو بكر -رضي الله عنه- هذه الفرصة فاشتراه وأعتقه في سبيل الله، فنزلت تلك الآيات.

وصلوا -عباد الله- وسلموا على خاتم رسل الله نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.