العربية
المؤلف | صالح بن عبد الله الهذلول |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | فقه النوازل - الأديان والفرق |
يتعاظم الكثير من المسلمين ما يرون من دول الكفر حين تتقصد إيذاء المسلمين، ومضايقتهم في دينهم وتعليمهم، وعيشهم، وسيادتهم، وتاريخهم، يكبر في نفوس المسلمين ذلك، ويتعجبون: كيف يصدر هذا من دول ترفع راية الحرية، وتتفاخر بالدعوة إلى إقامة حقوق الإنسان، وتنصب نفسها وصيا على ذلك، وتتوعد بالعقوبة كل من هدد الأمن والسلام العالمي. ويزداد عجب بعض المسلمين ..
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، ختم به رسالاته، وبعثه إلى الثقلين بالإسلام، ديناً لهم إلى قيام الساعة، وكتب الذل والصغار على من خالف أمره، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، حملة دينه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: يتعاظم الكثير من المسلمين ما يرون من دول الكفر حين تتقصد إيذاء المسلمين، ومضايقتهم في دينهم وتعليمهم، وعيشهم، وسيادتهم، وتاريخهم، يكبر في نفوس المسلمين ذلك، ويتعجبون: كيف يصدر هذا من دول ترفع راية الحرية، وتتفاخر بالدعوة إلى إقامة حقوق الإنسان، وتنصب نفسها وصيا على ذلك، وتتوعد بالعقوبة كل من هدد الأمن والسلام العالمي.
ويزداد عجب بعض المسلمين، أو إعجابهم، بأولئك الكفار من اليهود والنصارى حينما يراهم ينادون بالرفق حتى بالحيوانات، ويصادقون الكلاب، ويلاعبون القطط، ويقيمون أحياناً حفلات أعراس للحيوانات! فما حقيقة العلاقة بين المسلمين وبين أهل الكتاب ممن ظهرت عداوتهم، وطال ضرهم كل مسلم، وأهلكوا الحرث والنسل، وسلبوا خيرات المسلمين، وأذلوهم، وأهانوهم، وتطاولوا على كتاب الله تمزيقاً، ورمياً بالأماكن القذرة، وسخروا من نبي الإسلام -صلى الله عليه وسلم-، وكل ذلك وغيره علناً، وعبر وسائل الإعلام العالمية جهاراً نهاراً.
إن حقيقة ما عليه أهل الكتاب من يهود ونصارى هو شرك وكفر وباطل، ورد ذلك في نصوص القرآن والسنة: أنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، وأنهم لا يُحرِّمون ما حرم الله ورسوله، وأنهم لا يدينون دين الحق، واليهود قالت عزير ابن الله، والنصارى قالت: المسيح ابن الله.
وهم في قولهم هذا يضاهئون قول الذين كفروا من قبل؛ أي: يشابهونهم ويشاكلونهم، سواء من الوثنيين الإغريق، أو الوثنيين الرومان، أو الوثنيين الهنود أو الوثنيين الفراعنة، أو غيرهم من الذين كفروا.
وأنهم -أي اليهود والنصارى- اتخذوا أحبارهم ورهبناهم أرباباً من دون الله مخالفين ما أمروا به من توحيد الله في العبادة.
إن حقيقة ما عليه اليهود والنصارى أنهم محاربون لله، يريدون أن يطفئوا نور الله؛ ولكن بأفواههم! ويأكلون أموال الناس بالباطل، تلك حقيقتُهم، وهي الحقيقة النهائية التي لا يزالون عليها، وهم كذلك إلى يوم القيامة، حقيقة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها؛ لأنها من عليم خبير سبحانه، وليست استنباطات أو استقراءات، أو استدلالات بشرية.
ولأن تلك حقيقتهم: شرك وكفر وباطل، فما موقفهم إذاً منا نحن المسلمين؟! مرة ثانية -معاشر المسلمين- نجد ذلك جلياً في القرآن الكريم، يقول سبحانه: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة:105]، ويقول جل ذكره: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارَاً حَسَدَاً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة:109]، ويقول: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120].
إنها طبيعة أصيلة دائمة للعلاقات بين المسلمين، وبين اليهود والنصارى، وليس حالة مؤقتة ولا عارضة، يقول تعالى: (وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) [آل عمران:72-73]، ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقَاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُو الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) [البقرة:100]، ويقول: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبَاً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ * وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ) [النساء:44-45].
أليست هذه النصوص كافية لبيان حقيقة أهل الكتاب (اليهود والنصارى) من المسلمين؟ وهل نحتاج بعدها إلى تفسير مواقفهم التي يمارسونها اليوم مع المسلمين، ومع القرآن العظيم، والنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-؟ وانظروا ماذا فعل المستعمر النصراني ببلاد المسلمين من سلب خيراتها؟ وماذا فعلوا في السنوات الأخيرة من مهزلة النفط مقابل الغذاء، وتحميل كثير من الدول الإسلامية ديوناً لا تنهض منها، ثم جدولتها عليهم، واجتياحهم، ثم احتلالهم لعدد من بلدان المسلمين.
وماذا فعل اليهود ويفعلون في فلسطين من طرد أهلها من بيوتهم وأوطانهم، وتجميد الأرصدة، والمحاصرة، وهدم الممتلكات، وتدمير البنى التحتية للمشاريع، وهلم جراً، مما لا يحصره عد؟.
تلكم حقيقتهم، وهم كذلك عبر التاريخ، ولا يزالون، ولا يرضون ولن يرضوا عنا حتى نكون مثلهم، وننسلخ من الإسلام -عياذاً بالله من ذلك-، أليسوا يشهدون للمشركين أنهم أهدى سبيلاً من المسلمين؟ (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217]، (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة:105]، (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً) [النساء:102]، (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلَّاً وَلَا ذِمَّةً) [البقرة:105].
وتتجدد العداوة في كل حين، ويكفي لتصوير نظرة الصليبيين عباد الصليب إلى الإسلام ما كتبه أحد الكتاب الأوروبيين قبل 60 سنة، يقول: لقد كنا نخوّف بشعوب مختلفة، ولكننا بعد اختبار، لم نجد مبرراً لهذا الخوف.
لقد كنا نخوف من قبل بالخطر اليهودي، والخطر الأصفر، وبالخطر البلشفي، إلا أن هذا التخويف كله لم يتفق كما تخيلناه، إننا وجدنا اليهود أصدقاء لنا، وعلى هذا يكون كل مضطهد لهم عدونا الألد! ثم رأينا أن البلاشقة حلفاءُ لنا، أما الشعوب الصفراء فهنالك دول ديمقراطية كبرى تقاومها.
ولكن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام، وفي قوته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته... إنه الجدار الوحيد في وجه الإستعمار الأوروبي. اهـ.
هذا موقفهم الحقيقي من الإسلام وأتباعه، يقول سيد قطب في الظلال: إنه ليس وليد مرحلة تاريخية معينة، إنما كان وليد حقيقة دائمة مستقرة، كما أن حربهم للإسلام والمسلمين، لم تكن وليد فترة تاريخية معينة، فهي ما تزال معلنة، ولن تزال، إلا أن يرتد المسلمون عن دينهم تماماً، وهي معلنة بضراوة وإصرار وعناد، بشتى الوسائل، على مدار التاريخ. اهـ.
فأين يذهب الذين يركضون خلف السراب، فينادون وينشدون سلاما دائماً وشاملاً وعادلاً مع اليهود؟! وأين يذهب الذين يسارعون فيهم، ويرتمون بأحضانهم، ويبادلونهم المحبة، ويسرون إليهم بالمودة؟ وأين يذهب الذين يعتذرون للدنمرك عن أفعالها الشنيعة؟ وأين يذهب؟! وأين يذهب؟!.
إنْ كنتَ لا تَدْرِي فتلك مُصيبةٌ | أو كنتَ تدري فالمصيبةُ أعظَمُ |
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبياً؛ وأشهد أن لا إله إلا الله.
أما بعد: تبين من نصوص الوحي المقدس أن أهل الكتاب لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق، ووصفوا الخالق العظيم سبحانه الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد، وصفوه بأبشع الصفات، فزعموا له البنوة.
لقد كشفت الآيات السابقة حقيقة ما يدينون من وثنية ضالة، ويذكِّر الله سبحانه المسلمين بأن أهل الكتاب يريدون أن يطفئوا نور الله، سواء بما يطلقون من أكاذيب ودسائس وفتن، أو بما يحرضون به أتباعهم وأشياعهم على حرب هذا الدين وأهله، وبما يقومون به من حروب على المسلمين، وهذا حالهم عبر التاريخ، وهو لا يزال، ولن يتغير إلى أن ينزل المسيح عيسى بن مريم فيكذب دعاويهم، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب.
ومع مكرهم الكُبَّار (يَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة:32]، إنه وعد تطمئن له قلوب الذين آمنوا، فيدفعهم إلى المضي في الدعوة إلى دين الله، صابرين على ما يلاقون من مشقة ولأواء، ومتحدين لكيد الكافرين وحروبهم.
والآية الكريمة، تتضمن كذلك الوعيد لأهل الكتاب وغيرهم من الكفار بأنَّ مكرهم بوار، وجمعهم خسار، ومآلهم إلى النار وبئس القرار، إن لم يسلموا (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينَاً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].
أيها المؤمنون: ومن آخر ما تناقلته وسائل الأخبار فيما نحن الآن بصدده، أن أمريكا بعدما اعتمدت مبلغ خمسين مليون دولار للفلسطينيين، أعادتها ورفضت تسليمها بعد فوز حركة حماس بالانتخابات الأخيرة! أهذا الفعل يصدر من عاقل، ذي مروءة، عنده مزعة من حياء، أو أثارة من ذوق؟ إلى هذا الحد بلغ الحمق والوقاحة بدولة تزعم أنها تنشر العدل في العالم، وتحترم الديمقراطية واختيار الشعوب؟!
إنه الكفر البغيض، إنه الكافر الظالم، (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة:254].
ولم تكتف بهذا الإجراء؛ بل طلبت من عدد من دول المنطقة منع مساعداتها للفلسطينيين، وإيقافها عنهم، ما دامت الحركة الإسلامية هي التي تدير شؤونهم.
(إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) [الممتحنة:2]. (يثقفوكم) أي: يجدوكم، وتسنح لهم الفرصة في أذاكم، (يكونوا لكم أعداءً) ظاهرين، ويبسطوا إليكم أيديهم بالقتل والضرب والحصار والمقاطعة وتجميد الأرصدة، ونحو ذلك من ألوان الأذى، (ويبسطوا ألسنتهم بالسوء) حرباً إعلامية لا تهدأ من حجب للحقائق، ومبالغة في إظهار وتصوير الأخطاء.
لكنه أذى لن يضر -بإذن الله- إذا المسلمون ثبتوا وصبروا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر الشرك...