البحث

عبارات مقترحة:

القهار

كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

نعمة الكهرباء

العربية

المؤلف مراد كرامة سعيد باخريصة
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - فقه النوازل
عناصر الخطبة
  1. نعمة الكهرباء والواجب نحوها .
  2. الاكتشافات إلهام من الله للعباد .
  3. التفكر في نعم الله .
  4. التلاعب بالكهرباء .
  5. قصص مأسوية بسبب انقطاع الكهرباء .
  6. مناشدة ونصيحة للمسؤولين .
  7. مسؤولية المسؤولين .

اقتباس

لقد منّ الله سبحانه وتعالى على الناس في هذا العصر بمنن كثيرة لا يعرفها من كان قبلهم، وأسدى عليهم نعماً عظيمة لم يتنعم بها أصحاب العصور الماضية. ومن هذه النعم التي أنعم الله بها على الناس في هذا الزمان: "نعمة الكهرباء" التي أضاءت الدنيا، وأشرق بها الكون، وصارت...

لقد منّ الله سبحانه وتعالى على الناس في هذا العصر بمنن كثيرة لا يعرفها من كان قبلهم، وأسدى عليهم نعماً عظيمة لم يتنعم بها أصحاب العصور الماضية.

ومن هذه النعم التي أنعم الله بها على الناس في هذا الزمان: "نعمة الكهرباء" التي أضاءت الدنيا، وأشرق بها الكون، وصارت جل أعمال الناس، وأشغالهم متوقفة عليها.

فهي نعمة عظيمة وجليلة تستحق منا الشكر التام لله الذي هدى الإنسان إلى تشغيل هذه الطاقة، وفتح عليه حتى اكتشف هذه النعمة: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34].

ويقول سبحانه وتعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].

عباد الله: إن الاكتشافات والاختراعات التي يجريها الله على أيدي الناس، ويتوصل إليها البشر بجدهم واجتهادهم وعقولهم التي ركبها الله فيهم هي جزء من عمارة الأرض وعمرانها؛ كما قال تعالى: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) [هود: 61].

أي طلب منكم أن تعمروها، وتقوموا بتعميرها، وهذا هو المطلوب من الإنسان في هذه الحياة، فكل ما يمكن أن يتوصل إليه الإنسان بعقله تركه الله للناس؛ لكي يحركوا عقولهم، ويعملوا تفكيرهم، ليصلوا إلى هذه الاكتشافات والاختراعات، وما لا يمكن إدراكه بالعقل، ولا يمكن للإنسان أن يصل إليه بالتفكير تركه الله للوحي، لكي يبينه الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام للناس: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى: 52].

ويقول سبحانه: (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 54].

تفكروا في هذه النعمة العظيمة نعمة الكهرباء، ثم تأملوا الآيات القرآنية الكريمة التي تحدثت عن الضياء والظلمة، والشمس والقمر، والنور والفلق والإصباح، والليل والنهار، يقول سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [يونس: 5].

ويقول سبحانه: (فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [الأنعام: 96].

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)[القصص: 71-72].

(أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا) [نوح: 15].

إن علينا أن نكثر من شكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة التي أنعم بها علينا، فإن لم نشكره سبحانه وتعالى على هذه النعمة فإنها ستسلب منا، وترفع عنا، ويسلط علينا مسئولين ظلمة يتحكمون فينا، ويأكلون ثرواتنا، ويعبثون بأموالنا، وينهبون خيراتنا، ويلعبون بممتلكاتنا وكهربائنا ومياهنا.

في كل عام يطل علينا المسئولون الذين يبدو أنهم أدمنوا الكذب حتى ألفوه، وصار عندهم ضرورياً وعادياً، يعدوننا أنهم زودوا الطاقة الكهربائية بكذا وكذا ميجاوات، وأنهم قاموا بتشغيل عدد كذا وكذا من المحطات، وأنهم تجاوزوا الأخطاء وأصلحوا الاختلالات، وأنهم قاموا بتقويتها حتى أوصلوها إلى عدد من الأرياف والمديريات.

كل هذه التصريحات تسمعونها ونسمعها كثيراً في فصل الشتاء من كل عام، ولكن ما أن يأتي فصل الصيف حتى تتبدد هذه التصريحات، وتظهر حقيقية تلك الادعاءات، ويعرف الناس جميعاً زيف هذه الإصلاحات.

سنوات طوال والمشكلة لازالت كما هي، ولا يظهر للناس أي تغير في هذا الشأن، فالكهرباء ضعيفة، والشبكة متهالكة وقديمة، والأحمال عليها فوق الطاقة، والكادر الفني والهندسي قليل وضعيف، ومعدات العمل ووسائله لا تتناسب مع المساحة الجغرافية الكبيرة التي تغطيها الشبكة.

ناهيك عن ضعف الصيانة، وندرة التحسينات للشبكة، وما يفعله المجرمون من سرقة للكابلات، وقطع للخطوط الكهربائية وبيعها خردة على أصحاب المحلات.

والنتيجة هي الانقطاعات الكهربائية المستمرة، والمعاناة الدائمة والمتواصلة، وتحول المناطق إلى مدن أشباح بظلامها الدامس وليلها البهيم، فتتعالى صرخات الأطفال، ويتأذى المرضى والمسنون والكبار الذين ربما لا يجد بعضهم من يناديه، ويزيل عنه الحر، فيبقى يتلظى بلظاه، ويكتوي بحرارته، حتى تأتي الكهرباء التي لا تأتي إلا بعد أن يسود وجهه، ويحترق بدنه، وتلفح الحرارة أجزاء حساسة من جسمه.

فأين يريد أولئك المسئولون من أنات هؤلاء وصرخاتهم وشكاويهم؟

وهل لديهم قدرة على أن يتحملوا يوم القيامة كل الآهات والزفرات، والدمعات والصرخات التي تخرج من أفواه الصغار والكبار، وسائر الناس؟

ألم يعلم أولئك المسئولون سواء كانوا في الرئاسة أم في الوزارة أم في السلطة المحلية أم في إدارة الكهرباء أن هذا الأمر عظيم وشدته وهوله يوم الحساب كبير؟

ألم يعلموا أنهم المسئول الأول والمباشر عن تلك التظلمات والصيحات؟

ألا يستقيلون ويتركون هذا الأمر إن لم يكن لديهم طاقة وقدرة على تغييره وتحسينه ويكون هذا شرفاً وفخراً لهم؟

ألا يستحون؟ ألا يرون واقع الناس المرير؟ ألا يسمعون شكاوى الناس ويتقون لعناتهم ودعواتهم؟

أيرضون أن يعيشوا في النعيم وتحت المكيفات والناس تتقلب في حرارة هذه الأجواء الساخنة وتتلفح كل عام بالصيف والرطوبة؟

ألا يكلف الواحد منهم نفسه بالنزول ولو ساعة واحدة وسط الأحياء والشوارع والكهرباء طافية؛ ليرى الأطفال الرضع، والشيوخ الركع، والنساء المستضعفات، وهم تحت البيوت محرومون من نومهم وأعمالهم، والبعوض يلسعهم والحرارة تلفحهم.

ألا يرثون لحال الشباب والطلاب الذين يسهرون الساعات الطوال في الليل بسبب انقطاع الكهرباء، ثم يقوم الواحد منهم إلى عمله أو دراسته منهكاً سهراناً متعباً.

فعجباً لهؤلاء المسئولين، وعجباً لقلوبهم التي قست، فصارت كالحجارة أو أشد قسوة، وعجباً لهم حين يقدمون مصالحهم ومصالح أحزابهم ومسئولياتهم على مصالح الأمة والشعب: (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).

الخطبة الثانية

بعد هذا كله: هل نلوم الناس حين يمتنعون عن تسديد فواتير الكهرباء، أو يقومون بالربط العشوائي والمباشر إذا كانت الدولة نفسها لم تعمل لهم تحسيناً في هذا الأمر، ولا زالت أسعار التيار الكهربائي أسعاراً باهضة وخيالية، والانطفاء عشوائي، ويظهر بصورة مزاجية، فأحياناً في اليوم الواحد، وربما في الساعة الواحدة تنطفي الكهرباء ثم تعود، ثم تنطفي ثم تعود، وهكذا مرات، وأحياناً تكون مرات سريعة ومتتالية.

وإذا كنا لازلنا في بداية الصيف فكيف سيكون الحال في قوة الصيف؟

وكيف سيكون الحال إذا فصل التجار الذين تستأجر الدولة منهم الكهرباء محطاتهم؟

من المسئول عن تعويض الناس عن الأجهزة والثلاجات والمعدات التي تحترق وتذهب من جراء هذا العبث؟

ومن المسئول عن الحوادث والضحايا الذين يذهبون بسبب هذه الانقطاعات المتكررة والعشوائية؟

وإلى متى سيبقى الناس سكوتاً على هذا الأمر المشين، وتبقى الدولة عاجزة عن حل هذه المشكلة، التي لو أرادت فعلاً أن تحلها لما عجزت عن حلها، ولكنها تظهر كمن لا يريد الحل أصلاً، ولا أدل على ذلك حين ضربت طائرة أمريكية بدون طيار قبل أيام بيتاً في وسط مأرب؟

مأرب التي تقع فيها الكهرباء التي تغذي عدداً من المحافظات، ويقوم المخربون هناك بالاعتداء عليها أحياناً في اليوم عدة مرات، ثم تأتي الدولة تسترضيهم، وتدفع لهم الرشاوي، مقابل أن يسمحوا للفرق الهندسية بإصلاح الكهرباء، فيسمحون لهم، وما أن يذهب المهندسون حتى يقومون بضربها مرة أخرى، فأين هيبة الدولة وقوتها وعنجهيتها التي لا تظهر إلا على أناس دون أناس؟

ألم يسمعوا حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ - وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ - وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ ".

صلوا وسلموا ...