البحث

عبارات مقترحة:

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

الأكرم

اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...

الغفور

كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...

خطبة عيد الأضحى المبارك عام 1433هـ

العربية

المؤلف عبد الله بن علي الطريف
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات صلاة العيدين
عناصر الخطبة
  1. العيد والانتقام من الجبابرة الظالمين .
  2. بوادر النصر والتمكين في سوريا .
  3. بعث الرسول -عليه الصلاة والسلام- ليتمم مكارم الأخلاق .
  4. النهي عن إساءة الظن .
  5. أمثلة من تعامل السلف مع بعضهم .
  6. يوم النحر أعظم أيام العام .
  7. من أحكام الأضاحي وآدابها .

اقتباس

فلم يأت هذا العيد إلا وقد قصم الله عددًا من الجبابرة، أخذهم الله من سلطانهم، وكسر شوكتهم، وأرغم أنوفهم: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102]، وأخرجهم من عزهم وملكهم ونعيمهم أذلة صاغرين، منهم من قتل شر قتلة، فرآه العالم على الشاشات يتهاوى وينهار ويتوارى عن الأنظار، متخفيًا هاربًا هائمًا على وجهه، ثم قُتل مذهولاً صاغرًا حقيرًا، في موقع كم وصف معارضيه بأنهم يختبئون به، فقتل به شريدًا طريدًا.

الخطبة الأولى: 

الحمد لله كثيرًا، والله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرًا.

الله أكبر خلق الخلق وأحصاهم عددًا، وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا، الله أكبر عزّ سلطان ربنا، وعمّ إحسان مولانا، خلق الجن والإنس لعبادته وعنت الوجوه لعظمته، وخضعت الخلائق لقدرته، الله أكبر عدد ما ذكره الذاكرون، الله أكبر عدد ما هلل المهللون وكبر المكبرون، الله أكبر عدد ما أهل الحجاج والمعتمرون، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

والحمد لله الذي سهل لعباده طرق العبادة ويسر، والحمد لله الذي تابع بين مواسم العبادة لتشيَّدَ الأوقات بالطاعة وتعمر، وأشكره على فضله وإحسانه، وحق له أن يشكر. وأشهد أن لا إله إلا الله انفرد بالخلق والتدبير، وكلُّ شيءٍ عنده بأجلٍ مُقدر.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضلُ من تعبد لله وصلى وزكى وحج واعتمر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه نعمَ الصحبُ والمعشر، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

أيها الإخوة: اتقوا الله تعالى واعرفوا فضله عليكم بهذا العيد السعيد، وهو يوم الحج الأكبر، عيدٌ امتلأت القلوب به فرحًا وسرورًا، وازدانت به الأرض بهجة ونورًا، يومٌ يخرج المسلمون فيه بالأمصار إلى المصلى لربهم حامدين معظمين، وبنعمته مغتبطين، فلله الحمد رب العالمين.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

الله أكبر أرانا من قُدْرَتِه على الأممِ والأفرادِ الظالمين ما يبهرُ العقول، ويخلعُ القلوب خشيةً له وخوفًا وتعظيمًا: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) [البقرة:116]. سبحانه عز سلطانه، وخضعت الرقاب لعظمته: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:26].

فلم يأت هذا العيد إلا وقد قصم الله عددًا من الجبابرة، أخذهم الله من سلطانهم، وكسر شوكتهم، وأرغم أنوفهم: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102]، وأخرجهم من عزهم وملكهم ونعيمهم أذلة صاغرين، منهم من قتل شر قتلة، فرآه العالم على الشاشات يتهاوى وينهار ويتوارى عن الأنظار، متخفيًا هاربًا هائمًا على وجهه، ثم قُتل مذهولاً صاغرًا حقيرًا، في موقع كم وصف معارضيه بأنهم يختبئون به، فقتل به شريدًا طريدًا.

ومنهم من سجن وقبل سجنه سجنت نفسه الظالمة في مكان طالما سَجَنَ فيه المصلحين وآذى فيه الداعين، سُجن حقيرًا كسيرًا، بصحبة أزلام نظامه الخائبين، ومنهم من فر لا يلوي على شيء، فطفق يتسول الملجأ والملاذ لسوء فهمه وكبره.

ومنهم خرج ذليلاً صاغرًا وظن أنه خرج خروج الأبطال بعد ما الْتَهَبَت الأرضُ تحته، وعلم أنه لا مقام له بين أهله وعشيرته، فانقطع ذكرهم إلا بِشَرٍّ، وعند الله تجتمع الخصوم، وسيسألون عن ظلمهم: (يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) [الفرقان:27].

سقطوا سقوطًا مدويًا، وهاموا هيام الشريد الطريد، وتركوا كل نعيم: (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) [الدخان:25:29]، (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:45].

وها هي بوادر النصر والتمكين تلوح في الأفق لهلاك أعتى الظالمين الجبارين رئيس النظام السوري الفاجر وحزبه وطائفته الباطنية الحاقدة، وهو يتعامى عن السنن التي سنها الله تعالى، ومنها سنة التداول والتغيير، مستعينًا بأسياده الصفويين الباطنيين ومن ورائهم الروس والصينيين الملحدين، ومن خلفهم دول العالم الغربي التي رمتهم عن قوس واحدة، فخَلَى لعصابات الأسدِ الجو فعاثوا بالأرض المباركة قتلاً وهدمًا واغتصابًا، وقيل لهم: افعلوا كل شيء إلا الرحمة بعباد الله، ولسان حالهم يقول باستكبار وتغطرس: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) [فصلت:15]. فصار ما صار من قتل ودمار.

وربما -بنظرنا القاصر- استبطأنا النصر، ولكن الحق -تبارك وتعالى- أحكم الحاكمين: (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) [الرعد:8،9] فالحكم لله وحده، وقد قال: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران:140]. لكنَّ تعلق أهل الشام بربهم واعتمادهم عليه سيحقق لهم النصر والتمكين بإذن الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) [محمد:7، 8].

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أيها الإخوة: إن الله تعالى لما خلق الخلق وأسكنهم هذه الأرض لم يخلقهم عبثًا ولم يتركهم هملاً، بل أرسل إليهم الرسل وأنزل إليهم الكتب، خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملاً. وكما أن الرسل جاؤوا بالعبادات التي تنظم علاقة العباد بربهم، جاؤوا بالأخلاق التي تنظم العلاقات بين الناس، وكان لرسولنا -صلى الله عليه وسلم- القِدْح المُعَلَّى في ذلك، فقد شرع للناس من الشرائع ما ينظم علاقاتهم فيما بينهم وبين الآخرين ممن هم على غير ملة الإسلام، وما مات -صلى الله عليه وسلم- حتى أتم الله الدين؛ قال -عز من قائل-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).

الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرًا.

الحديث أحبتي عن كل ما نظَّمَهُ الإسلام من العلاقات بين الناس أمر مستحيل في مثل هذا المقام الضيق، لكنني تأملت حديثًا متفقًا عليه حذر فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من طائفة من الأخلاق الذميمة، وهو بذلك يثبت خلافها، ولا غرو فهو المبعوث ليتمم مكارم الأخلاق؛ قال عن هذا الحديث شيخنا محمد بن عثيمين -رحمه الله-: "والحديث بألفاظه ينبغي للإنسان أن يتخذه مسارًا له ومنهجًا يسير عليه ويبني عليه حياته؛ فإنه جامع لكثير من مسائل الأخلاق التي إذا تجنبها الإنسان حصل على خيرٍ كثير". اهـ.

فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلا تَجَسَّسُوا وَلا تَحَسَّسُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا كَمَا أَمَرَكُمْ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ وَلا يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَهُنَا -وَيُشِيرُ إلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ-، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ"، وَفِي رواية: "وَلا تَنَافَسُوا وَلا تَهْجُرُوا". وَفِي أخرى: "وَلا تُهَاجِرُوا وَلا تُقَاطِعُوا، إنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لا يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وَلا إلَى أَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ".

أجل لقد بعث رسولنا ليتمم مكارم الأخلاق، فما من خلق ذميم إلا نهى عنه، ولا خلق حسن إلا حث عليه، ولو تأملتم هذه المنهيات التي في هذا الحديث لعلمتم مدى حرصه -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، ورأس كثير من البلايا الظن، نعم الظن، وهو سبب للسؤال عما خفي من أحوال الناس، فيقع السائل بالدخول فيما لا يعنيه؛ وربما خفي عليه بعض الشأن فيتجسس ويتحسس، فإن علم عليهم السوء ذمهم بما اقترفوا من الأخطاء، وربما عيرهم بأخطائهم، وربما وقع بأعراضهم واغتابهم واحتقرهم، قال الله تعالى محذرًا من كثير من الظن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ). والمقصود بقوله: (بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ): الظن الخالي من الحقيقة والقرينة، وظن السوء الذي يقترن به كثير من الأقوال المحرمة.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرًا.

وإذا صار الظن سيئًا صار مفتاحًا للأعمال السّيّئة ودليلاً على فساد النّيّة، وسوء الطّويّة، وسببًا لتوليد الشّحناء والبغضاء بين النّاس.

أما الظن الحسن فهو طريقٌ موصل إلى الجنّة، ودليلُ كمالِ الإيمان وحُسنِ الإسلام، وبرهانٌ على سلامةِ القلبِ وطهارةِ النّفس، وسببٌ للألفة والمحبّة بين المسلمين؛ ذلك أن الظن الحسن يُهيئ المجتمع الصّالح المتماسك ويحقّق التّعاون بين أفراده.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله؛ الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

إن علينا -أيها الإخوة- أن نعيد النظر في منهجنا في الحكم على المواقف ونقومها حسب الشرع، وعلينا أن نربي الأجيال على المبدأ الصحيح في الحكم على الأشياء والأشخاص، ويتمثل ذلك بالتأكيد عليهم بأهمية النظر إلى الظاهر وترك السرائر لله تعالى، فهو المطلع عليها العليم بها، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم- للمتخاصمين: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ؛ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ".

وعن أسامة -رضي الله عنه- قال: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَرِيَّةٍ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلاً فَقَالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ. فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟!"، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنْ السِّلاحِ، قَالَ: "أَفَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لا؟!"، قال أسامة: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ. رواه مسلم.

ولا بد من الاعتماد على الدليل والبرهان في الحكم؛ قال تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، وقال: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ).

ثم يجب التأكد من صحة الدليل أو البرهان، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا). وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).

ثم لا بد من التأكد من عدم التعارض بين الأدلة.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله؛ الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

ولقد ضرب سلف الأمة أروع الأمثلة في ذلك؛ منها: دخل على الإمام الشافعي -رحمه الله- تلميذه الربيعُ بنُ سليمان في مرض موته فقال: قوى الله ضعفك يا إمام. من باب مواساته! فقال الشافعي -رحمه الله-: انظر ماذا تقول، لو قوَّى الله ضعفي لقتلني، يعنى لو زاد ضعفي أموت، قال الربيع: والله ما قصدت يا إمام، فقال: والله لو شتمتني لعلمت أنك لم تقصد! نعم إنه حسن الظن في المسلم، أراد الشافعي أن يُعلم الناس حُسن الظن وهو على فراش موته.

وقيل لميمون بن مهران -رحمه الله- وهو أحد أئمة الحديث الكبار: إنَّ فلانًا يستبطئ في زيارتك. أراد القائل أن يوقع بين الشيخ وبين أحد تلامذته لما يكون من المنافسة بين الأقران، فقال ميمون -رحمه الله-: لا عليك إذا ثبتت المودة في القلب فلا بأس وإن طال المكث.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها الأحبة: في هذه الساعة المباركة وفي هذا اليوم الذي هو أعظم أيام العام كما قرر ذلك رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عَبْدُ اللهِ بْنُ قُرْطٍ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ"، وهو اليوم الثاني من أيام منى. رواه أبو داود وأحمد وهو صحيح.

وفي هذا اليوم العظيم يرمي حجاج بيت الله الحرام جمرة العقبة مكبرين لله ومعظمين، ثم ينصرفون إلى ذبح هداياهم لله متقربين، فهنيئًا لهم ذلك وتقبل الله منا ومنهم.

أما بقية أهل الأمصار فقد شرع الله لهم صلاة العيدِ ليقيموا ذكره، ثم يذبحوا ضحاياهم على اسم الله مكبرين.

ومن السنة أن يذبح الإنسان أضحيته بنفسه إن أمكن، وإلا فليحضر ذبحها.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله؛ الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها الإخوة: لقد سما هذا الدين بالتعامل حتى مع الحيوان، فقد جمع أهل العلم مجموعة من الآداب سموها آداب الذكاة، ويجمل التأكيد عليها اليوم؛ منها رحمة البهيمة؛ قال رجل: يا رسول الله: إني لأرحم الشاة أن أذبحها، فقال: -صلى الله عليه وسلم-: "والشاة إن رحمتها رحمك الله".

ومنها الإحسان إلى الذبيحة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته". ومن الإحسان سرعة الذبح وإعداد السكين إعدادًا جيدًا قبل الذبح.

ومنها: ما رواه ابن عباس  أن رجلاً أضجعَ شاةً وهو يُحِدُ شفرته فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أتريد أن تميتها موتات؟! هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها".

ومنها ما نهى عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أن تُعْجَلَ الأنفس قبل أن تزهق، ومن العجلة عليها سلخها أو كسر عنقها قبل أن تموت.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها الأحبة: العيد في الإسلام مظهر من مظاهر الدين، وشعيرة من شعائره المعظمة التي تنطوي على حكمٍ عظيمة ومعانٍ جليلة وأسرارٍ بديعة لا تعرفها الأمم في شتى أعيادها.

لنفرح بالعيد ولنظهر السرور فيه بما أباح الله؛ ففرحنا بعيدنا من الأعمال التي نؤجر عليها؛ لأنها من شعائر الدين التي يفعلها المسلمون حتى وإن كانوا في معاناة أو ترقب محنة، فعيدكم مبارك -أيها الإخوة-، ثم عيدكم مبارك متوج بالقبول، ولا أخلاكم الله من حمد تجددونه على نعمة يجددها الله لكم، إنه سميع مجيب الدعوات.

وحيث اجتمع لكم اليوم يوم العيد والجمعة فالسنة حضورهما، والواجب حضور أحدهما، فمن حضر العيد لم تجب عليه الجمعة، لكن يسن له حضورها، ومن لم يحضر العيد تجب عليه الجمعة، لكن لا تقام الجماعات بالمساجد وإنما تقام الصلاة في الجوامع فقط.

أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله ونحر للأضاحي لا يجوز صيامها للمقيمين.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

كان من هدي النبي تخصيص النساء بحديث خاص يوم العيد، وحيث إن ما ذكرنا اليوم يهم الرجال والنساء على حد سواء، فليس هناك مزيد، إلا التأكيد على دور المرأة في المجتمع والأسرة وأنه دور كبير ومهم ومؤثر، فالله الله، إياكنَّ أن تتخلين عن دورِكُنَّ أو تتنازلن عنه لأحد، سواء من الخادمات أو غيرهن؛ فالمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها.

بيوتنا -أيتها الأخوات الكريمات- اليوم بحاجة لأم حانية على أولادها، تربيهم على الإيمان والتقوى ومعالي الأمور، وبحاجة إلى مرشدة ومعلمة لأسرتها يُقتدى بها بالخير وتحفز عليه، وبحاجة إلى زوجة عطوف متوددة إلى زوجها تكرمه إذا حضر وتحفظه إذا غاب، تعينه إذا أقبل على الخير وتثنيه عن الشر إذا توجه إليه، بحاجة إلى معلمة في المدارس لبنات المسلمين تربيهن على حسن الأدب ومكارم الأخلاق قبل المعارف والعلوم، مع الموازنة بين حق العمل والمنزل بجميع معطياته، كل هذه المهام وغيرها مطلوبة من امرأة واحدة، إنه تحدٍّ لا يقدر عليه إلا الموفقات، فسلام من الله عليهن وبركات.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد...