الخالق
كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...
العربية
المؤلف | عبد الله المؤدب البدروشي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
عيدان في الإسلام لا ثالثَ لهما؛ عيد الفطر، وعيد الأَضْحى، وكلٌّ منهما حمَلَ فرحةً بأداء ركنٍ من أركان هذا الدِّين، فعيدُ الفِطْر جاء بعد تمام ركن الصَّوم، وعيد الأضحى جاء بعد تَمام ركن الحجِّ، والأضحى -الذي نحياه في هذا اليوم السَّعيد- مجمعٌ يحتوي الزَّمان عبر الزمان؛ لنجمع فيه الماضي البعيد مع الأمس القريب، مع الحاضر المهيب.
الخطبة الأولى:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر ما حنَّت قلوبُ الحُجَّاج إلى بيت الله الحرام. الله أكبر ما تجرَّدوا من المخيط والمُحيط في أماكن الإحرام. الله أكبر ما رفَعوا أصواتهم بالتَّلبية إجابةً للمَلِك العلاَّم. الله أكبر ما طافوا وما سَعَوْا ونعموا بزمزم والمقام. الله أكبر ما اجتمع المسلمون في هذا اليوم وهو أشرف الأيَّام. الله أكبر ما صَلَّوا وما نحَروا وشكَروا الله على نعمة الإسلام.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بُكْرة وأصيلاً.
الحمد لله الذي شَرع الشَّرائع ويَسَّر، الحمد لله على نِعَمِه التي لا تُحْصَر، وله الحمد أعظَم من ذلك وأكثَر.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
عيدان في الإسلام لا ثالثَ لهما؛ عيد الفطر، وعيد الأَضْحى، وكلٌّ منهما حمَلَ فرحةً بأداء ركنٍ من أركان هذا الدِّين، فعيدُ الفِطْر جاء بعد تمام ركن الصَّوم، وعيد الأضحى جاء بعد تَمام ركن الحجِّ، والأضحى -الذي نحياه في هذا اليوم السَّعيد- مجمعٌ يحتوي الزَّمان عبر الزمان؛ لنجمع فيه الماضي البعيد مع الأمس القريب، مع الحاضر المهيب.
جدُّنا إبراهيم -عليه السَّلام- عاش شبابه في العراق، في عائلةٍ تصنع الحجارةَ آلهةً، وبين قومٍ يَعبدون الأصنام: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الأنعام: 74]، ودعا قومَه لعبادة الله، فرفَضوا، فحطَّم أصنامهم، فقرَّروا أن يُعْدِموه حرقًا: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) [الأنبياء: 68]، وجمعوا له الحطَب شهرًا، ثم أوقدوا نارًا، لو مرَّ فوقها طائرٌ لوقَع فيها؛ من شدَّة حرِّها، وجاؤوا بإبراهيم، جاؤوا بالعبد الطَّائع، وما دام على الطَّاعة، فإنَّ الله مع الطَّائعين؛ قال المُفسِّرون للآية -والنَّصُّ من تفسير الفخر الرازي-: إنَّ إبراهيم -عليه السَّلام- حين جيء به إلى النَّار، قالت الملائكةُ في السماء لِخَالق الأرض والسماء: يا ربَّنا، ما في الأرض أحَدٌ يعبدك سوى إبراهيم، فائذَنْ لنا في نُصْرته! فقال سبحانه: "إنِ استغاث بأحدٍ منكم فلْيَنصُره، وإن لم يَدْعُ غيري، فأنا وليُّه، والله وليُّ الصالحين"، ورمَوْه من مكان بعيدٍ نحو النار، وهو في طريقه إليها أتاه جبريل -عليه السَّلام- قال له: يا إبراهيم: ألك حاجَة؟! فقال: أمَّا إليك، فلا، وأمَّا إلى الله، فنعَم! فقال له جبريل: فلم لا تَسأله؟! فقال إبراهيم -عليه السَّلام-: "حَسْبِي من سؤالي عِلمُه بحالي"، وصدرت الأوامرُ العليَّة للنار: ( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) [الأنبياء: 69].
يُذكر أنَّ النار في جميع أنحاء الدُّنيا فقدَتْ فاعليتها؛ ظنًّا منها أنَّ إبراهيم سيُلقى فيها، وأطاعت النار ربَّها، فكانت بردًا وسلامًا على إبراهيم، ومن كان في طاعة الله، حفِظَه الله ورعاه.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
ثم هاجر سيِّدنا إبراهيم -عليه السَّلام- من بلده العراق إلى فلسطين، وعاش مع زوجته سارَّة عمرًا دون أن يُنجِب، وتقدَّم به الكِبَر، وبلغ الخامسة والثَّمانين، فوهبَتْه زوجته سارَّةُ جاريتَها هاجر، وتوجَّه إبراهيم إلى الله بقلبٍ خاشع منيب: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) [الصافات: 100]، وفي لحظة الدُّعاء -وهو الخليل الطَّائع- كانت الإجابة من الله -جلَّ جلاله-: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) [الصافات: 101]، وحلَّ إسماعيلُ بالبيت التَّقي، وبعد أشهُرٍ يأتي أمر الله بأن يَحمل إبراهيمُ زوجتَه هاجرَ وابنَه إسماعيل مِن بلاد الشام إلى صحراء الحجاز؛ لحكمةٍ قدَّرها الله، لا لِغَيرةٍ من سارَّة، ولا عن أمرٍ منها؛ ولكن ليؤسِّس إبراهيمُ مع ولده إسماعيل -عند البيت العتيق- ركائزَ الأمَّة المسلمة، الأمة الدائمة بدوام الدُّنيا، أمَّة الدِّين الحق؛ أمة محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم-.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
بلَغ جَدُّنا إبراهيمُ إلى وادي مكَّة، وعند مكانِ الكعبة الآن أنزَل هاجرَ عن دابَّتِه، وقدَّم لها رضيعَها إسماعيل، وترك لها جِرابًا فيه طعام، وقربةً بها ماء، ثم أدار دابَّته، وقفل راجعًا، وتعجَّبتْ هاجر، توقَّعَت أن يتركها في قرية، أو في قبيلة، أو في مكانٍ به ماء وظِل، أمَّا أن يتركها في مكانٍ قَفْر، بين جبالٍ جَرْداء سوداء من شدَّة الحر.
فلَحِقَت بإبراهيم: أتَتْركنا يا إبراهيم، في هذا المكان؛ لا ماء ولا ظِل، ولا طعام ولا بشَر؟! وإبراهيم ساكتٌ لا يردُّ، بل يحاول الابتعادَ عنها، عندما تيقَّنَت من عزمِه، قالت له: آلله أمرَك بهذا؟! قال: نعم، قالت بيقينِ المتوكِّلة، وبثقة المتيقِّنة من حفظ الله، قالت له: إذًا فإنَّ الله لا يضيِّعنا.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
انطلق إبراهيم -عليه السَّلام- حتَّى كان عند الثنِيَّة حيثُ لا يرَوْنه، فاستقبل بوجهه مكانَ البيت، ورفع يدَيْه داعيًا: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) [إبراهيم: 37]، ورجَع إبراهيمُ إلى فلسطين، وبقيَتْ هاجر ورضيعُها إسماعيل في ذلك المكان القَفْر، وبعد أيامٍ نَفِدَ ما كان عندها من ماءٍ وطعام، وجاعَتْ وجاع رضيعُها، وبدأ إسماعيل يَبكي، والأمُّ لا تتحمَّل ما ترى من ولدِها؛ يقول حبيبُنا -صلَّى الله عليه وسلَّم وقوله في صحيح البخاري-: "فانطلقَتْ كراهيةَ أن تنظر إليه، فقامت على الصَّفا -أيْ: صَعدت- واستقبَلَت الوادي تنظر؛ هل ترى أحدًا، فلم تر غير الرِّمال، ثم أتت المروة، فقامت عليها، ولم تر أحدًا... فعلَتْ ذلك سبع مرَّات"، وبعد الشَّوط السابع، وهي عند جبل المَرْوة، سمعَتْ صوتًا من ناحية إسماعيل، فأسرعَتْ عائدةً إليه، في تلك اللَّحظة كان أمر الله -تبارك وتعالى- قد صدَر لجبريل -عليه السَّلام-: احفر زمزم، فغمس جناحه في تُخوم الأرض بين قدمَيْ إسماعيل، وعادت هاجر، فإذا الماء المُبارك ينبع من بين رِجْلَيه، فأخذت تحوطه بالرمال، وتقول له: زم زم، وبدأ النَّبع العظيم عند قدَمَي نبِيٍّ رسول، وبإذنٍ من الله العليِّ القدير، وبحفرٍ من أعظم الملائكة قدرًا عند ربِّ العالمين.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
وتأسَّست عند زمزمَ مدينةُ مكَّة، وشبَّ إسماعيل، وكان جدُّنا إبراهيم يزور هاجرَ وإسماعيل من حينٍ لآخر، وفي إحدى الزِّيارات قال إبراهيمُ لإسماعيل: يا بني: إنَّ الله أمرَني أن أبني له بيتًا ها هنا، وأشار إلى هضبةٍ صغيرة، مرتفعة عن الأرض، قال: يا بنيَّ: أتُعينني؟! قال: نعم، فجعَل إسماعيلُ يأتي بالحِجارة، وإبراهيم يبني، يقول الله -جلَّ وعلا-: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة: 127].
بَيْـتٌ بَنَتْهُ يَدُ التَّقْوَى وَشَيَّدَهُ | أَبْـو النَّبِيِّيـنَ لِلأَجْيَـالِ يَرْفَعُهُ |
وَكَعْبَةُ الرُّوحِ بِالتَّوْحِيدِ شَاهِدَةٌ | كَالشَّمْسِ تَسْطَعُ نُورًا وَهْيَ مَنْبَعُهُ |
ولَمَّا أتمَّ الأبوان الكريمان بناءَ البيت العتيق، أمرَ الله -عزَّ وجلَّ- جدَّنا إبراهيمَ أن يُنادي في الناس بالحج؛ قال -تبارك وتعالى-: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحج: 27]، يَروي الإمام القرطبيُّ أنَّه بعد أن فرغَ إبراهيم -عليه السَّلام- من بناء البيت، وقيل له: أذِّن في الناس بالحجِّ، قال: يا رب: وما يَبلغُ صوتي؟! قال: أذِّن؛ فإنَّما عليك الأذان، وعلينا البلاغ، فصعد إبراهيمُ خليل الله جبلَ الصَّفا، وصاح: يا أيُّها الناس: إنَّ الله قد أمركم بحجِّ هذا البيت، فحُجُّوا، فأجابه مَن كان في أصلاب الرِّجال وأرحام النِّساء: لبَّيك اللهمَّ لبيك، فمن أجاب يومئذٍ، حجَّ على قدر الإجابة؛ إنْ أجاب مرَّةً، حجَّ مرة، وإن أجاب مرَّتين، فمرتين، وإن أكثر، فأكثر.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الكريمَ لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر ما هلَّل مُهلِّل وكبَّر. الله أكبر ما تاب تائبٌ واستغفَر. الله أكبر ما تَلا قارئٌ القرآن وتدبَّر. الله أكبر ما فاح ذِكْر الله بالألسُنِ وتَعطَّر. الله أكبر ما وصلَ مؤمنٌ رَحِمَه وتذكَّر. الله أكبر ما تجدَّد العيد بيننا وتكرَّر.
سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الحمد لك يا مولانا على شريعة الإسلام، بها نَحْيا وعليها المُلتقى، وإليك الرُّجوع والخضوع وإليك المنتهى، ولك الحمد يا مولانا حتَّى ترضى، ولك الحمد إذا رَضيت، ولك الحمد بعد الرِّضا.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
وفي زيارةٍ أخرى، رأى جدُّنا إبراهيمُ -عليه السَّلام- رأى في المنام أنَّه يَذبح ولده إسماعيل، ورؤيا الأنبياء حقٌّ، ورؤيا الأنبياء وَحْي، ورؤيا الأنبياء صِدْق، فعزَم على نَحْرِ ولَدِه، وفي مثل هذا اليوم، بل في مثل هذه السَّاعة، في صبيحة اليوم العاشر من ذي الحجَّة، خرج الولَدُ مع الوالد يَحْتطِبان، ابتَعَدا عن العمران، في وادٍ غير ذي زرع، في منطقةِ مِنى اليوم، قال إبراهيمُ لإسماعيل: (قَالَ يَا بُنَيَّ) [الصافات: 102]، وما أجملَ ما بدأ به! (يَا بُنَيَّ)، فيها كلُّ حنان الأبوَّة، تَخرج من صميم القلب، تملأ الدُّنيا مودَّة ومحبة: (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى) [الصافات: 102]، ماذا يَرى في الذَّبح؟! يُشاوره عن مُفارقة الحياة، ماذا يرى في الموت؟! لكن يَهُون كلُّ ذلك في طاعة الله، بل يَحْلو كلُّ ذلك من أجل مرضاة الله، وفي سبيل الله، كما يَهُون كلُّ ذلك في بِرِّ الوالدين، والإحسانِ لهما؛ إبراهيم الطائع، أنجبَ إسماعيل المُطيع: (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) [الصافات: 102]؛ (يا أبتِ)، وما أجملَها كلمة! وما أعزَّها عبارة! يحنُّ إليها مَن فقَدَها منذ سنين؛ اللهم ارحَمْ لنا الآباءَ والأُمَّهات، وأسكِنْهم عندك فسيحَ الجنَّات، (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات: 102].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
أورد أصحابُ التَّفاسير أنَّ إسماعيل -عليه السَّلام- قال لأبيه وهو يمدِّده على الأرض: "يا أبتِ: اشْدُدْ رِباطي؛ حتَّى لا أضطَرِب، فينقص أجري، واكفُف عنِّي ثيابَك -شَمِّرها- حتَّى لا ينتضح عليها شيءٌ من دمي، فتراه أمِّي؛ فتَحْزن"، اسمعوا -يا شبابَ هذا الزمانِ-؛ قمة الطَّاعة، ومنتهى الرِّضا، وأعلى الامتِثال؛ "يا أبتِ: واستحِدَّ شفرتَك –مَضِّها-، وأسرِعْ مرَّ السكين على حلقي؛ ليكون أهون عليَّ؛ فإنَّ الموت شديد، وإذا أتيتَ أمِّي، فأقرِئها السَّلام منِّي، وإن أردتَ أن تردَّ القميص على أمِّي، فافعل؛ عسى أن يكون أسلى لها عنِّي"، فبكى إبراهيم، وأخذ يقبِّل ولده، ثم قال له: "يا بني: نِعْم العون أنت على أمر ربِّي"، ثم أوثق إبراهيمُ كتاف ولده، ووضع السِّكين على حلقه، وقال: "باسم الله، والله أكبر"، ومرَّت السكِّين على الحَلْق، لكنها لم تَقْطع، أعاد مرورَها مرَّة بعد مرة، لكنها لم تقطع.
إبراهيمُ -عليه السَّلام- يَرْغب من السِّكين أن تَقْطع؛ تنفيذًا لأمر الله، وطاعةً لِمَولاه، والله في عَلْيائه يأمر السكين أن لا تقطع؛ إكرامًا للشيخ المنيب، وتكريمًا للولد الحبيب؛ قال الله -تبارك وتعالى-: (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) [الصافات: 103 - 109].
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
ليمضي ذلك الذَّبح سُنَّةً عبر السنين؛ لتتناقل الأجيال منتهى الصِّدق في الإيمان، ومنتهى القمَّة في التَّضحية، وليتجلَّى الفداء دليلاً على الاستِجابة والطَّاعة، ويبقى يوم الأضحى ذكرى للذَّاكرين، وأُسوةً واقتداءً بالأبوَيْن الأكرمين إلى يوم الدِّين.
اللَّهم اجعل بهجة الأعياد صِدْقَ يقينٍ في قلوب العباد، اللهم اجمَعْ في هذا العيد شملنا، ويسِّر بفضلك أمرنا، واجعلنا طائعين كما أمرتَنا، مُتراحمين كما أوصيتنا، اللهم لا تدَعْ لنا في هذا اليوم ذنبًا إلاَّ غفرتَه، ولا عيبًا إلا ستَرْتَه، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا مبتلًى إلاَّ عافيته، ولا ميتًا إلا رحمته، اللهم اجعل جمْعَنا هذا جمعًا مرحومًا، وتفرُّقَنا من بعده تفرقًا معصومًا، اللهم أعِدْ علينا هذا العيد بالصحة في الجسد، وبالصَّلاح في الأهل والولَد، وبالرَّخاء والطُّمأنينة في البلد، جعل الله عيدَكم عيدَ يُمنٍ وبرَكة، وكلّ عام والجميع على ألفةٍ ومودَّة، وكل عامٍ أنتم بخير.