البحث

عبارات مقترحة:

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

إعصار ساندي

العربية

المؤلف إبراهيم بن محمد الحقيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. حكم الله في أفعاله لا يعلمها كل أحد .
  2. قصة موسى مع الخضر .
  3. علم الله وعلم البشر .
  4. الكوارث والمصائب تصيب المؤمنين والكفار .
  5. حقائق ينبغي التذكير بها في إعصار ساندي .

اقتباس

ومثل هذا التأصيل المهم يجب تقريره حال وقوع الكوارث والأعاصير التي تجتاح المدن، فتصيب البشر، ويموت فيها الأطفال والحيوان، ومن لا ذنب له، ويشرد الضعفاء، ولو كانوا من أهل الإيمان؛ فهي كوارث دائرة على من أصيبوا بها بين الابتلاء والعذاب؛ فإن كانوا مؤمنين قائمين بأمر الله تعالى فهي ابتلاء لهم، وتكفير لسيئاتهم، ورفعة لدرجاتهم. وإن أصابت ..

الحمد لله العزيز العليم، الجبار الحكيم؛ بطشه شديد، فعال لما يريد، شديد المحال، عزيز ذو انتقام؛ خلق الخلق بقدرته، ويمهلهم بحلمه، ويعفو عنهم برحمته، ويعذبهم بعدله: (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف:49]، نحمده حمدًا يملأ السماوات والأرض وما بينهما، ونشكره شكرًا يدفع نقمته وعذابه، ويستجلب رضاه وآلاءه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ خضع المؤمنون لعظمته وقدرته، واستسلموا لدينه وشرعه، وأذعنوا لأمره ونهيه، وسلّموا بقضائه وقدره؛ فسعدوا في الدنيا براحة القلب، وطمأنينة النفس: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن:11]، ولهم الفوز الكبير في الآخرة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ كان إذا تغيرت السماء، وهاجت الريح لا يقر له قرار، ولا يهدأ له بال، يخشى أن يكون عذابًا، حتى إذا أمطرت السماء، وانقشع الغمام، وهدأت الريح، سكنت نفسه، واطمأن قلبه، واستبشر برحمة الله تعالى لعباده، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظّموه كما ينبغي له أن يعظم، واعبدوه حق عبادته، واشكروه على نعمه؛ فقد دلت دلائل الخلق والوحي على عظمته وقدرته، ودلت آياته الكونية، وأيامه في الأمم السالفة على شدة بطشه، وسرعة عقابه، وأليم عذابه: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصِّلت:53].

أيها الناس: لربنا -سبحانه وتعالى- أفعال ومقادير في خلقه يجهل الخلق عللها، ولا يحيطون بحكمها، أفعال في الإنس والجن والحيوان، وفي الكبير والصغير، وأفعال في الأفراد والجماعات، وأفعال في الدول والأمم، مقادير خاصة بأشخاص، ومقادير عامة على الناس؛ فيحيي ويميت، ويعز ويذل، ويرفع ويضع، ويعطي ويمنع، ويعافي ويبتلي، ويؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرَّحمن:29]، فهذا من شأنه سبحانه، وهو الخلاق العليم.

والخلق كل الخلق لا يعلمون من فعله وقدره وأمره وشرعه وخبره إلا ما علّمهم بوحيه، أو دلهم عليه بخلقه، عرف ذلك عنه ملائكته المقربون، وأنبياؤه المرسلون، وعباده الصالحون؛ فسلموا واستسلموا، وأذعنوا وقبلوا، وأيقنوا وآمنوا، وقالوا: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:191]، ولم يحادوا الله تعالى في أمره، ولم يناكفوه في فعله، ولم يسعوا في كشف قدره، ولم يتكلفوا معرفة علل أفعاله، فقال الملائكة -عليهم السلام-: (سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ) [البقرة:32]، وقال الرسل -عليهم السلام-: (لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ) [المائدة:109]، وقال أول الرسل نوح -عليه السلام-: (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) [هود:47]، وقال المسيح -عليه السلام-: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ) [المائدة:116]، وقال نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في دعائه: "اللهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي". رواه أحمد.

تأملوا هذا الدعاء العظيم حين يتوسل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الله تعالى بعلمه وقدرته في اختيار ما هو أحسن له: الحياة أو الموت، مع أن بني آدم يكرهون الموت، ويفرون منه. فهو توسل إلى الله تعالى بعلمه وقدرته في أخطر خيار للإنسان وهو الخيار بين الحياة والموت.

وإذا كان الإنسان يجهل ما هو خير له في نفسه التي بين جنبيه، وفي أخطر قضية تتعلق بها؛ فأنى له أن يحيط بحكم الله تعالى في خلقه، أو يدرك علل أفعاله -عز وجل-؟!

وفي قصة موسى مع الخضر -عليهما السلام-: (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا) [الكهف:66-68].

فخرق الخضر السفينة فاعترض موسى، ثم قتل الغلام فاشتد اعتراض موسى، ثم أقام الخضر الجدار فاحتج موسى وهو نبي الله الكليم، ولكن فوق كل ذي علم عليم، ثم تبين أن الحكمة كانت تقتضي خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار؛ ولذا قال الخضر في ختام القصة: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) [الكهف: 82]، فكان في علم الله تعالى ما ليس في علم موسى، وكانت هذه الأفعال التي استنكرها موسى بسبب عدم علمه بأسبابها وعللها هي الصواب، وكان إنكار موسى لها خطـأ.

إن من الناس من زاغ قلبه، وعميت بصيرته، واستكبر عن التسليم والانقياد لربه سبحانه؛ فأراد بضعفه وعجزه، ومحدود مكانه وزمانه، وقلة علمه وإدراكه؛ أراد أن يكشف علل الله تعالى في أفعاله، ويطلع على أسراره في أقداره، ولو كانت مطوية عن البشر، محجوبة عن الخلق، قد استأثر الخالق سبحانه بعلمها، فاعترض المفْتُونُ عليها، ونثر ما في قلبه من الحيرة والزيغ والشك على غيره، ولم يستعظم جريانه على لسانه، وتسطيره بقلمه، ولقد وصف الله تعالى الإنسان بثلاثة أوصاف كانت كفيلة بأن يعرف الإنسان قدره، ولا يجاوز حدّه، ويجتهد في تعظيم ربه سبحانه، وصفه الله تعالى بالضعف والجهل والظلم: (وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا) [النساء:28]، وفي آية أخرى: (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب:72].

تبًّا لهذا الإنسان الضعيف الظلوم الجهول حين يريد محاكمة أفعال الله تعالى إلى عقله القاصر الذي يجهل كثيرًا من أسرار نفسه التي بين جنبيه، ولا يحيط علمًا بأحداث اللحظة التي يعيشها، فضلاً عن إحاطته بأحداث الزمان كله والعالم كله.

هذا الإنسان الظلوم الجهول يريد بجهله الماحق أن يصادر حكمة الله تعالى في أفعاله، ويريد بظلمه أن ينفي علتها.

إنه بجهله وظلمه وضعفه يعترض على أفعال الخلاق العليم الحكيم القدير: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ) [الملك:14]، (إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا) [طه:98].

أنى للإنسان مهما بلغت قوته، وكثرت علومه، وأزهرت حضارته؛ أنى له أن يحاكم أفعال الله تعالى إلى جهله وهو الذي لم يؤت من العلم إلا قليلاً!! وكلمات الله تعالى لا تنفد، وأفعاله سبحانه من آثار كلماته (وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [البقرة:117]، (قُلْ لَوْ كَانَ البَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) [الكهف:109].
 

عجبًا لمن عاش في الجهل، وتقلّب في الظلم، وولد لا يعلم شيئًا فعلمه الله تعالى ما جهل، ثم يكفر نعمة الله تعالى عليه بما علمه، فيريد محاكمة أفعال اللطيف الخبير الخلاق العليم إلى جهله وظلمه وضعفه.

إن علم الله تعالى ذاتي أزلي، وليس مكتسبًا كعلم البشر أو موهوبًا من الغير؛ كما آتى الله تعالى رسله العلم، وعلمهم الحكمة، وزودهم بالوحي؛ فالله تعالى كان عليمًا ولم يزل عليمًا، وهو سبحانه في علمه مستغنٍ عن الخلق فلم يفتقر في علمه إليهم، كيف وهو الذي علم كل شيء عنهم قبل خلقهم، وعلمه سبحانه كلي شامل محيط بكل شيء خلق أم لم يخلق، فهو سبحانه حكيم لا يفعل شيئًا عبثًا، ولا لغير معنى ومصلحة وحكمة، فأفعاله سبحانه صادرة عن حكمة بالغة لأجلها فعل، وقد دل كلامه وكلام رسوله على هذا في مواضع لا تكاد تحصى من كثرتها.

ومثل هذا التأصيل المهم يجب تقريره حال وقوع الكوارث والأعاصير التي تجتاح المدن، فتصيب البشر، ويموت فيها الأطفال والحيوان، ومن لا ذنب له، ويشرد الضعفاء، ولو كانوا من أهل الإيمان؛ فهي كوارث دائرة على من أصيبوا بها بين الابتلاء والعذاب؛ فإن كانوا مؤمنين قائمين بأمر الله تعالى فهي ابتلاء لهم، وتكفير لسيئاتهم، ورفعة لدرجاتهم. وإن أصابت كفارًا أو فجارًا يبارزون الله تعالى في ملكه، ويحادونه في حكمه، ولا يخضعون لأمره ونهيه فهي عذاب عليهم كما عذبت الأمم التي قبلهم.

ولا يحل نسبة هذه الكوارث لأسباب أرضية بحتة دون ملاحظة قدر الله تعالى وقدرته، ولا يعترض عليها فيقال فيها: ما ذنب الأطفال والحيوان؟! وما ذنب من كان من أهل الإيمان؟! لأن أفعال الله تعالى لا تصدر إلا عن علم وحكمة، ومن شكر الله تعالى على نعمة العلم اليقين بحكمته في الفعل: (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78].

جعلنا الله تعالى من الشاكرين، ونظمنا في سلك الموقنين، وجنبنا طرق الزائغين والملحدين، اللهم آمين.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله...

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله ربكم وأطيعوه: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران:131-132].

أيها الناس: إن أول الحقائق الواجب معرفتها والتذكير بها حين وقوع الكوارث: أنه لا يقع في هذا الكون حادث صغير ولا كبير، مما يفرح له الناس أو يحزنون أو يتفرقون فيه، إلا بقدر سابق سطره القلم في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة -وعرش الرحمن على الماء- مطابقًا لعلم العليم الحكيم، الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، فلا تهمس شفة، ولا تنـزل قطرة، ولا تستقر ذرة، إلا بمقتضى ذلك، عَلِمَ من علم، وجهل من جهل، ورضي من رضي، وغضب من غضب.

ومن هنا أخرس العارفون ألسنتهم عن السؤال والاعتراض، وأخبتت قلوبهم لأحكام القضاء، وهان عليهم الصبر على البلاء، والشكر على السراء، وزادوا على الإيمان بأنه سبحانه وتعالى: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء:23].

والإعصار الذي ضرب دولة البغي والظلم والاستكبار هذا الأسبوع لا يخرج عن قدر الله تعالى، وهو عذاب لمن يستحق العذاب من الكفار والظلمة والمستكبرين ممن أصابهم وهم الأكثر، ويفرح المؤمنون بما أصابهم؛ لأنه يشرع الدعاء عليهم لكفرهم وظلمهم وبغيهم، فإذا أصابهم بعض ما دعي عليهم به كان الفرح به مشروعًا من باب أولى؛ لأن الدعاء بعذاب الظالمين أعظم أثرًا من مجرد الفرح به، فإذا شرع الدعاء عليهم شرع ما هو دونه وهو الفرح بمصابهم. وكيف لا يفرح بمصاب من شتموا النبي -صلى الله عليهم وسلم- بأفلامهم، ودافعوا عن شاتميه بحجة حرية الرأي التي يصادرونها إن مس بها اليهود؟! وكيف لا يفرح على من آذوا المسلمين في ربهم ونبيهم ودينهم، وراموا تبديله بقانونهم الطاغوتي، وفرضوا إفساد نساء الأمة على ساسة الأمة؟! وآذوا المسلمين في إخوانهم فقتلوهم وأسروهم وعذبوهم؟! ومن شك في مشروعية الفرح عليهم فليتفقد إيمانه، وليسع في إصلاح قلبه وتنقيته من الولاء لغير الله تعالى.

وهذا الإعصار ابتلاء لمن أصاب من المؤمنين الطائعين، ويحزن المؤمنون عليهم لأجل مصابهم، ويدعى لهم بالتخفيف عنهم، وليس ثمة ما يمنع من اجتماع الفرح والحزن في الكارثة الواحدة لاختلاف محل الفرح والحزن.

وأهم من الفرح والتشفي بما يصيب المحادين لله تعالى في شرعه، المجاهرين بحربه، الظالمين لعباده؛ النظر إلى قدرة الله تعالى في هذا الحدث العظيم، وملء القلب بمحبته وخوفه ورجائه، فها هي أقوى دول الأرض تعجز عن رد جندي واحد من جنود الله تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدَّثر:31]، فتترقبه وتنتظره ولا تستطيع إيقافه ولا تخفيفه، وتتجرع ألم خسائره وهي تنظر عاجزة حسيرة.

لم تنفعها بوارجها التي مخرت المحيطات، ولا طائراتها وصواريخها التي أرهبت العالم، وقد سحقت بها الضعفاء في أفغانستان والعراق، وخلفت في كل بيت مصيبة، ها هي تُضرب بالذل والعجز والذعر في ساعات خسرت خلالها عشرات المليارات، وتوقفت حركة الطيران في مدينة كانت تعج سماؤها بالطائرات، وشلت حركت النقل، وعانى الملايين من انقطاع الكهرباء الذي هو ضرورة في هذا العصر، ورأى العالم آثار الحطام والدمار، وأصبحت المدينة النشطة بالحركة، المليئة بالبشر، خالية مهجورة، وأعلن زعيمهم حالة "الكارثة الكبرى"؛ فما أعظم الله تعالى وما أضعف البشر!! وما أشد انتقامه سبحانه وما أعجز المستكبرين وأذلهم وأحقرهم وأضعفهم ولو أرهبوا الدول، وأخافوا الناس؛ فإن الله تعالى لكل ظالم بالمرصاد: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102]، (وَتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) [الكهف:59]، (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ) [الأنبياء:11]، (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) [الحج: 45].
 

وصلوا وسلموا على نبيكم...