الشهيد
كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
وإذا شعر الإنسان بهذا الشعور النبيل، وأن هذا هو ما يقتضيه الإيمان ويفرضه عليه، فإنه لا بد أن يسعى في إصلاح المجتمع بشتى الوسائل والطرق التي تضمن المصلحة وتزول بها المفسدة، فيأمر بالمعروف بالرفق واللين والإقناع، وليصبر على ما يحصل له من الأذى القولي والفعلي، فإنه لا بد من ذلك لكل داعٍ كما جرى ذلك لسيد المصلحين وخاتم النبيين، وليجعل ..
الحمد لله العلي العظيم، المدبر لخلقه كما يشاء وهو الحكيم العليم، حرّم على عباده كل ما يضرهم في دينهم أو دنياهم رحمة بهم وهو الغفور الرحيم، وجعل تعاطي ما حرّمه عليهم سببًا للخسران في الدنيا والدين، وأوجب على المؤمنين أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يأخذوا على أيدي السفهاء فيأطروهم على الحق أطرًا، فإن فعلوا ذلك استقامت أمورهم وصلحت أحوالهم في الدنيا والأخرى، وإن هم أضاعوا ذلك وأهملوا ذلك خسروا الصفقة ووقعوا في الهلاك والردى.
نحمده على نعمه التي لا تحصى، ونشكره على فضائله العظمى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يوم يجمع الخلائق في صعيد واحد، ويجزي كل نفس بما تسعى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصابر لله وبالله وفي الله حتى أقام الله به الدين وأعلى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اقتدى وسلم تسليمًا.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25]، أقيموا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن ذلك دعامة المجتمع، فلا يقوم المجتمع إلا إذا شعر كل فرد من أفراده أنه جزء من كل، وأن فساد جزء من هذا الكل فساد للجميع، وأنه كما تحب لنفسك أن تكون صالحًا فكذلك يجب أن تحب لأخيك أن يكون صالحًا؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
وإذا شعر الإنسان بهذا الشعور النبيل، وأن هذا هو ما يقتضيه الإيمان ويفرضه عليه، فإنه لا بد أن يسعى في إصلاح المجتمع بشتى الوسائل والطرق التي تضمن المصلحة وتزول بها المفسدة، فيأمر بالمعروف بالرفق واللين والإقناع، وليصبر على ما يحصل له من الأذى القولي والفعلي، فإنه لا بد من ذلك لكل داعٍ كما جرى ذلك لسيد المصلحين وخاتم النبيين، وليجعل الأمل والنجاح نصب عينيه، فإن ذلك أكبر عون له على سيره في مهمته، ولا يجعل لليأس عليه سبيلاً، فتفتر همته، وتضعف عزيمته.
وإن على المؤمنين كلهم أن يتعاونوا في هذا الأمر الجليل العظيم -الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر-، وأن يساعدوا من رأوه قائمًا به، ويقوموا معه نصرة للحق وقضاءً على الباطل، وأن لا يخذلوا الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أو يرجفوا به، فإن في ذلك نصرًا للباطل وإذلالاً للحق.
لقد اتخذ بعض الناس عادة توجب توهين عزائم الدعاة إلى الله، وتضعف همم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فتجدهم إذا سمعوا واعظًا يقولون، وأقولها باللغة العامية: "هو عاد يبى ينفع كلامه. هم الناس يبى يطيعون"، إلى نحو هذه الكلمات التي يوهنون بها عزائم الدعاة إلى الخير، وكان الأجدر بهؤلاء أن يشجعوا ويقولوا للداعي والآمر: إنك على خير، وقد حصلت أجرًا أو أبرأت ذمتك، وسينفع الله بذلك إن شاء الله، فلقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم".
أيها المسلمون: إن الواجب علينا أن نتعاون تعاونًا حقيقيًا فعالاً في إصلاح المجتمع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن نكون كلنا جندًا وهيئة في هذا الأمر العظيم كما جعلنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقال: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
وإن علينا أن نعرف أن الذمة لا تبرأ ونحن نعلم بالمنكر ولا نغيره أو نبلغه لمن يغيره إذا لم نستطع تغييره.
أيها المسلمون: إننا لو علمنا أن في بيت من بيوت هذا البلد مرضًا فتاكًا لأخذنا القلق والفزع، ولاستنفدنا الأدوية وأجهدنا الأطباء للقضاء عليه، هذا وهو مرض جسمي، فكيف بأمراض القلوب التي تفتك بديننا وأخلاقنا؟! إن الواجب علينا إذا أحسسنا بمرض ديني أو خلقي يفتك بالمجتمع ويحرف اتجاهه الصحيح أن نبحث بصدق عن سبب هذا الداء، وأن نقضي عليه وعلى أسبابه قضاءً مبرمًا من أي جهة كانت، لا تأخذنا في ذلك لومة لائم، قبل أن ينتشر الداء ويستفحل أمره، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المداهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة، فصار بعضهم في أسفلها وبعضهم في أعلاها، فكان الذين في أسفلها يمر بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به، فأخذ فأسًا فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه فقالوا: ما لك؟! فقال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم".
وإننا لنشكر بهذه المناسبة لقوم يظهر منهم الغيرة وحب الإصلاح بما يكتبونه من النشرات التي يوجهونها إلى من يوجهونها إليه، نشكرهم على هذه النشرات بقدر ما تنفع وتثمر، وهم مأجورون على حسب نيتهم وعملهم، ولعل الأولى أن يتصلوا بمن يظنون بهم المساعدة والعون بأنفسهم، ويحققوا في الأمور التي يكتبون فيها ويتساعدوا جميعًا على إزالتها، ولا ينقص ذلك من إخلاصهم شيئًا إن شاء الله. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر:1-3].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...