الأحد
كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...
العربية
المؤلف | بركات أحمد بني ملحم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
إنَّ من أعظم نعم الله على عباده أنْ فتح لهم باب التوبة والإنابة، وجعل لهم فيه ملاذًا أمينًا، وملجأً حصينًا، يَلِجُه المذنب، معترفًا بذنبه، مؤملاً في ربه، نادمًا على فعله، ليجد في قربه من ربه ما يزيل عنه وحشة الذنب، وينير له ظلام القلب، وتتحول حياته من شقاء المعصية وشؤمها إلى نور الطاعة وبركتها، فقد دعا الله عباده إلى التوبة مهما عظمت ذنوبهم وجلَّت سيئاتهم، وأمرهم بها ورغبهم فيها، ووعدهم بقبول توبتهم، وتبديل سيئاتهم حسنات؛ رحمة ولطفًا منه بالعباد: (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) [الفرقان:70]..
الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، والحمد لله الذي جعل للتائبين من ذنوبهم مخرجًا للتوبة قبل الممات، والحمد لله الذي أبدل التائبين بسيئاتهم حسنات، والحمد لله الذي أعد للتائبين من ذنوبهم أعظم الجنات، والحمد لله حمدًا كثيرًا ما دامت له الأرض والسماوات.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، الذي أشرقت لنور وجهه الظلمات، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين أفضل الصلوات.
أما بعد:
أيها التائبون لله: يقول الحق -سبحانه وتعالى- في محكم كتابه: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31] صدق الله العظيم.
ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله -تعالى-: يا ابن آدم: إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم: لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم: لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا أتيتك بقرابها مغفرة".
أتـوب إليـك إلهي متابًا | ومهما ابتعدت أزيدُ اقترابًا |
ومهما تجاوزتُ حَدِّي فإني | أُوَجِّـهُ قلبًا إليـك مذابًا |
إلهي وأنت قريب مجيب، أناجيك وأطلب منك العفو والدواء، ليس عجبًا أن يذنب العبد وقد أذنب أبوه آدم! ليس عجبًا أن يذنب ابن آدم وهذه طبيعته البشرية، فيه قبضة من طين ونفخة من روح، فليس عجبًا أن يغلب الطين أحيانًا على الروح فيقع ابن آدم في المعاصي! ليس عجبًا أن يرتكب ابن آدم الكبائر والصغائر، فهذه طبيعة النفس البشرية! (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّى) [يوسف:53]، وفي صحيح مسلم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون"، وفي رواية: "ثم يستغفرون فيغفر لهم". أليس عجبًا؟!
إنما العجب أن يتمادى ابن آدم في المعاصي والذنوب فينسى أن له ربًّا يُعبد فتتراكم الذنوب وترين وتغطي على قلبه، قال -تعالى-: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين:14].
إنما العجب أن لا يبادر ابن آدم بالتوبة إلى الله فيستمر في طريق الشيطان، فيأتيه الموت على حين غفلة، فإذا بملك الموت فوق رأسه! (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) [المؤمنون:99]، (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون: 11].
عباد الله: فالتوبة مطلوبة من كل إنسان: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، إن التوبة إلى الله -عز وجل- هي وظيفة العمر التي لا يستغني عنها المسلم أبدًا، فهو يحتاج إلى التوبة كل يوم، كيف لا وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم مائة مرة؟!
وما من نبيّ من الأنبياء إلا دعا قومه إلى التوبة، وهذا نداء إلى كل إنسان مؤمن بأن يتوب لله، فمن باب أولى غير المؤمن أن يتوب إلى الله، وفي الآية دلالة على طبيعة النفس البشرية بأنها خطاءة، "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطَّائين التوّابون"، وفي الحديث القدسي يقول الله -عز وجل-: "يا عبادي: إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم".
فالمؤمن يشعر دائمًا بأنه مقصّر في حق الله مهما تقرب إلى الله بالطاعات والعبادات، وهو قوله تعالى: (وَلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءَاتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَجِعُونَ) [المؤمنون:60]، سألت عائشة -رضي الله عنها- رسول الله: أهم من يشربون الخمر ويسرقون؟! فقال لها رسول الله: "لا يا ابنة الصديق! ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه"، فيرجون رحمة ربهم ويخشون عذابه.
عباد الله: إنَّ من أعظم نعم الله على عباده أنْ فتح لهم باب التوبة والإنابة، وجعل لهم فيه ملاذًا أمينًا، وملجأً حصينًا، يَلِجُه المذنب، معترفًا بذنبه، مؤملاً في ربه، نادمًا على فعله، ليجد في قربه من ربه ما يزيل عنه وحشة الذنب، وينير له ظلام القلب، وتتحول حياته من شقاء المعصية وشؤمها إلى نور الطاعة وبركتها، فقد دعا الله عباده إلى التوبة مهما عظمت ذنوبهم وجلَّت سيئاتهم، وأمرهم بها ورغبهم فيها، ووعدهم بقبول توبتهم، وتبديل سيئاتهم حسنات؛ رحمة ولطفًا منه بالعباد: ( فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) [الفرقان:70].
ومنزلة التوبة هي أول المنازل وأوسطها وآخرها، لا يفارقها العبد ولا ينفك عنها حتى الممات، وإن ارتحل إلى منزل آخر ارتحل بها واستصحبها معه، فهي بداية العبد ونهايته؛ ولذا خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه، وأمرهم أن يتوبوا إليه بعد إيمانهم وصبرهم وجهادهم، وعلّق الفلاح بها، فقال -سبحانه-: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وقسَّم العباد إلى تائب وظالم، فليس ثمَّ قسم ثالث، قال -سبحانه-: (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات:11]، وصح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها". رواه مسلم.
عباد الله: والناس في التوبة أصناف: فمنهم من يتوب من الشرك، وما أكثر من يشركون بالله ويحسبون أنهم يحسنون صنعًا! فالذي يعتقد أن الرزق بغير يد الله فقد أشرك وأذنب وهو بحاجة إلى توبة، والذي يعتقد أن الضرر والنفع بغير يد الله فقد أشرك وأذنب، وهو بحاجة إلى توبة.
ومن الناس من يتوب من الكبائر والصغائر، فالحرام حرام مهما صغر، فالمؤمن لا ينظر إلى صغر المعصية ولكن ينظر إلى مَن يعصي، فهو يعصي ربه الذي أطعمه وسقاه، وخلقه فسواه، والذي أماته وأحياه.
"فالمؤمن يرى ذنبه كأنه قاعد تحت جبل يخشى أن يقع عليه، والعاصي يرى ذنوبه كأنه ذباب مر على أنفه فقال به هكذا". وأشار الراوي بيده على أنفه.
زار بعض الصالحين أخًا لهم فوجدوه يبكي ويبكي، فقالوا له: ما الذي يبكيك؟! والله لم نرَ عليك كبيرة اقترفتها، ولا فريضة ضيعتها! قال: والله ما على هذا أبكي؛ ولكن أخشى أن أكون قد أتيت ذنبًا أحسبه هينًا وهو عند الله عظيم! (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [النور: 15]، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفًا".
ومنهم من يتوب من الشبهات؛ لأنها مؤدّية إلى الحرام، وما يؤدي إلى الحرام حرام، والذي يقع في الشبهات "كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه".
ومنهم من يتوب من مجرد الغفلة عن ذكر الله، يتوب عن أنْ مَرَّ عليه وقت لم يذكر الله -عز وجل- فيه، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أيها الناس: توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة"، وقال بعض أصحاب النبي: كنا نعد للرسول في المجلس الواحد سبعين مرة أو مائة مرة: "أستغفِرُ الله وأتوب إليه؛ إنه هو التواب الرحيم".
فنحن نعتقد أن التوبة لا تكون إلا من ذنوب معيَّنَةٍ كالشرك والقتل والسرقة والربا وغير ذلك، ولم نعلم أن الغيبة ذنب وهو بحاجة إلى توبة، وترك صلاة الجماعة ذنب يحتاج إلى توبة، وترك صلاة الفجر في بيوت الله ذنب يحتاج إلى توبة، والغفلة عن ذكر الله وعدم قراءة القرآن ذنب يحتاج إلى توبة، والوقوع في الشبهات والمكروهات ذنب يحتاج إلى توبة، حتى إن بعض الناس يتوب من ارتكابه للمباحات؛ لذلك قيل: حسنات الأبرار سيئات المتقين، وكذلك أن فضول الطعام والشراب والكلام والنوم كلها ذنوب بحاجة إلى التوبة؛ بل إن توبتنا بحاجة إلى توبة! لأننا لا نحسن التوبة إلى الله من ذنوبنا.
فيا من ارتكبت الكبائر والصغائر: أما آن لك الأوان أن تعلن التوبة إلى الله؟! ويا من غفلت عن ذكر الله: أما آن لك الأوان أن توحد الله؟! ويا من تركت صلاة الفجر في جماعة: أما آن لك الأوان أن تعود إلى ظلمة الليل قبل أن تنزل إلى ظلمة القبر؟! ويا من تتعامل مع بنوك الربا: أما آن لك الأوان أن تعود إلى شرع الله؟! فكثير من الناس يحلل ويحرم لنفسه أكل الربا وغيره: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) [البقرة:275]، فهو كالمريض الذي يعالج نفسه بنفسه ولا علم له بالعلاج؛ فيهلك ويهلك من معه.
ويا من قطعت رحمك وآذيت جارك وظلمت زوجك: أما آن لك الأوان أن تكف شرك عن الناس؟! ويا من بلغت الخمسين والستين من العمر ولم يغلب خيرك على شرك: ماذا تنتظر؟! فالدود بانتظارك.
عباد الله: فالأعمار تنقضي لحظة بلحظة، وساعة بساعة، ويومًا بيوم، وأسبوعًا بأسبوع، وشهرًا بشهر، وسنة بسنة؛ فبادر إلى التوبة قبل أن يبادرك الموت، وفاجئه بالتوبة قبل أن يفاجئك يوم القيامة.
فبادر -يا عبد الله- إلى التوبة، وحاسب نفسك قبل أن تحاسب، أقبِل فإن الله يحب التائبين، ليس شيءٌ أحب إلى الله -تعالى- من الرحمة، من أجل ذلك فتح لعباده أبواب التوبة، ودعاهم للدخول عليه لنيل رحمته ومغفرته، وأخبر أنه ليس فقط يقبل التوبة ممن تاب، بل يحبه ويفرح به: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) [البقرة:222]، وقال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "لَلَّهُ أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلاً وبه مهلكة، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، حتى اشتد عليه الحر والعطش. قال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومة ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده".
لا تيأس! فقد دعا الله إلى التوبة من كان أشد منك جرمًا، لا تدع لليأس إلى قلبك طريقًا بسبب ذنب وقعت فيه وإن عَظُم، فقد دعا الله إلى التوبة أقوامًا ارتكبوا الفواحش العظام، والموبقات الجسام، فهؤلاء قومٌ قتلوا عباده المؤمنين وحرقوهم بالنار، ذكر الله قصتهم في سورة البروج، ومع ذلك دعاهم إلى التوبة: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) [البروج:10].
وهؤلاء قوم نسبوا إليه الصاحبة والولد فبيّن كفرهم وضلالهم، ثم دعاهم إلى التوبة: (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة:74].
وهذه امرأة زنت فحملت من الزنا؛ لكنها تابت وأتت النبي -صلى الله عليه وسلم- معلنة توبتها، طالبة تطهيرها، فلما رجمها المسلمون قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد تابت توبة لو قُسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم".
واستمِعْ معي إلى هذا النداء الرباني الذي يفيض رحمة: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].
فماذا تنتظر بعد هذا؟! فقط أقلع واندم واعزم على عدم العودة، واطرق باب مولاك: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) [البقرة:186]، أذرف دموع الندم، واعترف بين يدي مولاك، وعاهده على سلوك سبيل الطاعة.
أنا العبدُ الـذي كسـب الذنوبا | وصـدَّتْهُ الأمـاني أنْ يتوبَا |
أنا العـبدُ الـذي أضحى حزينًا | على زَلاتِـهِ قلِـقًا كئيـبًا |
أنا العبـد الذي سُطِـرَتْ عليه | صحائفُ لم يخَفْ فيها الرقيبا |
أنا العبـد المسـيءُ عَصَيْتُ سِرًّا | فما لي الآن لا أُبدي النحيبا |
أنا العبـد الْمُفَرِّطُ ضاع عمْري | فلم أَرْعَ الشبيبةَ والمشــيبا |
أنا العـبد الغـريق بِلُجِّ بَحـْرٍ | أصيحُ؛ لَرُبَّمـَا ألقـى مُجيبًا |
أنا العبـد السقيمُ مِنَ الخـطايا | وقد أقبَلْـتُ ألتمِـسُ الطبيبا |
أنا العبد المـُخَلَّفُ عـن أُناسٍ | حَوَوْا مِن كُلِّ معروفٍ نصيبًا |
أنا العبدُ الشريدُ ظلـمت نفسي | وقـد وافيـتُ بابَكُمُ مُنِيبًا |
أنا العبد الفـقير مَـدَدتُّ كَفِّي | إليكم فادفعـوا عَنِّي الخطوبا |
أنا الغدَّارُ كم عـاهـدتُ عهدًا | وكنتُ على الوفاء به كذوبًا |
أنـا المقـطوعُ فارْحَمْنِي وصِلْنِي | ويَسِّرْ منـك لي فرجًا قريبًا |
أنا الــمُضْطَرُّ أرجو منك عفوًا | ومَن يرجو رضـاك فلن يخيبا |
(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) [طه:82].
أقول ما سمعتم؛ فإن كان خيرًا فمن الله، وإن كان غير ذلك فمن نفسي ومن الشيطان. وأَسْتغفِر الله فاستغفروه يغفر لكم.
الخطبة الثانية:
عباد الله: ذكر العلماء للتوبة الصحيحة شروطًا ينبغي أن تتوفر وهي:
أولاً: الإقلاع عن الذنب؛ فيترك التائب الذنب الذي أراد التوبة منه باختياره، سواء كان هذا الذنب من الكبائر أم من الصغائر.
ثانيًا: الندم على الذنب؛ بمعنى أن يندم التائب على فعلته التي كان وقع فيها ويشعر بالحزن والأسف كلما ذكرها.
ثالثًا: العزم على عدم العودة إلى الذنب؛ وهو شرط مرتبط بنية التائب، وهو بمثابة عهد يقطعه على نفسه بعدم الرجوع إلى الذنب.
رابعًا: التحلل من حقوق الناس؛ وهذا إذا كان الذنب متعلقًا بحقوق الناس، فلا بد أن يعيد الحق لأصحابه، أو يطلب منهم المسامحة.
سؤال يطرح نفسه: إلى متى يقبل الله تعالى توبة عبده إذا تاب؟! ويأتي الجواب في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) [النساء:17-18]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر".
ولا بد أن تكون التوبة أيضًا قبل طلوع الشمس من مغربها؛ لقوله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً) [الأنعام:158].
هذا؛ وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.