الرب
كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...
العربية
المؤلف | حسان أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
إنَّ السلامَ كلماتٌ قليلة؛ ولكنها تربط بين أفراد المجتمع، وتؤلف بين القلوب، والسلام سلوكٌ حضاريٌّ يدعم الروابط الإنسانية، ويخلق الود، ويدعم الحب، ويزيد الاحترام؛ فما أحوجنا في هذه الأيام أنْ نُعَوِّدَ أنفسَنا ونُرَبِّيَ أولادَنا على إفشاءِ السلام وإلقاء التحية! ففي هذا تعضيد للروابط الاجتماعية، وخَلق ..
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأومن به وأتوكل عليه، وأساله من فضله المزيد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو على كل شيء شهيد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، شرَّفه بالعبودية والرسالة، فهو أكرم الرسل وأشرف العبيد، منصور برب العزة قبل العدد والسلاح العتيد، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: يبحث العالم اليوم -أفرادًا ومجتمعاتٍ وشعوبًا ودولاً- عن السلام والتعايش والاحترام المتبادل، وأصبحت هذه الغاية من أعظم متطلبات الإنسان في هذا الزمان الذي فَقَدَ الراحة والأمان والطمأنينة بسبب كثرة الصراعات والحروب وظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
وبدأ الناس يبحثون عن التصورات والمناهج والخطط التي تكفل لهم حل المشاكل وتجنب الصراعات، ونشر السلام، وتوفير الأمن، وإشاعة السكينة؛ ومع ذلك كان الإخفاق والفشل في الكثير من جوانب هذه الأعمال بسبب الانحراف عن منهج الله ونظرته للكون والإنسان، وحب التسلط واتباع الأهواء، قال -تعالى-: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [المؤمنون: 71-73].
والإسلام لم يغفل حاجات الإنسان والتي من أهمها الأمان والسلام بين الناس والمجتمعات والدول، فقد مجد السلام وكرمه، ثم حققه ونشره، بعد أن غرسه في قلب كل مسلم، وعلى لسانه، وفي كل أعماله.
وقدس السلام فجعله اسمًا من أسماء الله الحسنى التي أمر الله -تعالى- الناس أن يدعوه بها: (هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ) [الحشر:23].
يقول الغزالي في كتابه القيم "المقصد الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى": "السلام هو الذي تسلم ذاته من العيب، وصفاته من النقص، وأفعاله من الشر، حتى إذا كان كذلك، لم يَكُن في الوجود سلامة إلا وكانت معزوة إليه، صادرة منه". اهـ.
والسلام هو تحية أبي البشر، هدية زفتها له الملائكة الأبرار، جاء في الحديث: "لما خلق الله تعالى آدم -عليه السلام- قال: اذهب فسلم على أولئك -الملائكة- فاستمع ماذا يحيّونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوا و(رحمة الله)". متفق عليه من حديث أبي هريرة.
ولما جاءت الملائكة سيدنا إبراهيم -عليه السلام- تبشره بإسحاق قدمت بين يديها عند الدخول تحية السلام: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكَرَّمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامَاً قَالَ سَلَامٌ) [الذاريات:25].
وأمر الله -عز وجل- نبيّه الكريم أن يصفح عن الجاهلين بقوله لهم: "سلام": (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الزخرف: 89].
وكذا وصف الله عباده الصالحين بأنهم يقولون: "سلام" للجاهلين اللاغين: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) [القصص: 55].
وأمر رسولَه -صلى الله عليه وسلم- أن يجنح للسلام إن رضيه المشركون المعتدون بدلاً من الحرب: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم) [الأنفال: 61].
عباد الله: والإسلام هو دين السلام، قال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) [البقرة:208].
والسلام كلمة مقدسة يكررها المسلم في كل صلاة عدة مرات، ثم يختم صلاته بقوله: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
وهو خير ما في الإسلام، فعن عبد الله بن عمر أن رجلاً سأل النبي: أي الإسلام خير؟! قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف".
وجعله سببًا مفضيًا إلى المحبة، فالإيمان، فدخول الجنة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "لن تدخلوا الجنة حنى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم". رواه مسلم عن أبي هريرة.
وأمر الله نبيّه -عليه الصلاة والسلام- أن يعامل معارضيه وخصومه قائلاً: (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الزخرف: 89].
كما جعل -سبحانه وتعالى- تحية أهل الجنة حين يلقون ربهم السلام فقال: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ) [الأحزاب: 44]، وعندما تتلقاهم الملائكة: (وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) [الزمر:73].
وكذلك ينعم عليهم المولى -عز وجل- بخطابه الإلهي: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) [ق:34].
والسلام تحية الله لأوليائه وأصفيائه؛ لما رواه البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال جبريل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "هذه خديجة قد أتتك بطعام، فاقرأ عليها السلام من ربها ومِني، وبشرها ببيت في الجنة".
وعند البخاري أيضًا: قال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- لعائشة: "هذا جبريل يقرأ عليك السلام"، فقالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، يرى ما لا أرى.
والسلام من مفاتيح دخول الجنة؛ فقد روى الترمذي وغيره عن عبد الله بن سلام قال: لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة انجفل الناس قِبَله وقيل: قد قدم رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- ثلاثًا، فجئت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال: "أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام".
والسلام تحية الملائكة للمؤمنين إذا استقروا في دار السلام، كما في قوله تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد: 24-25].
والسلام -تحية أهل الإسلام- من الأبواب التي تتضاعف بسببها الحسنات؛ فقد روى الإمام أحمد عن عمران بن حصين أن رجلاً جاء إلى رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- فقال: السلام عليكم يا رسول الله، فرد عليه السلام، ثم جلس، فقال: "عشر"، ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله يا رسول الله، فرد عليه، ثم جلس فقال: "عشرون"، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه السلام، ثم جلس، فقال: "ثلاثون".
أيها المؤمنون، عباد الله: إن من رحمة الله بعباده أن جعل السلام بابًا واسعًا من أبواب مغفرة الذنوب والخطايا؛ لما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد من حديث البراء بن عازب قال: قال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلمَيْن يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا".
وروى البخاري في صحيحه من حديث عمّار: "ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالَم، والإنفاق من الإقتار".
وجعل الإسلامُ ردَّ السلام من حق المسلم على أخيه المسلم؛ روى البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "حَقُّ المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس".
ودعا الإسلام إلى نشر السلام وإلقائه حتى على مستوى الأسرة والبيت، فأمر المسلم بإلقاء السلام على أهله عند دخول بيته، فإن من شأن ذلك أن يقوي روابط المحبة بين أفراد الأسرة، ويهيء البيت لأن تحل فيه البركة، وفرق شاسع بين رجل يدخل بيته فلا يسلم على أهله، بل ينشغل بأي كلام آخر أو يستهل دخوله بالسؤال عن شيء، وبين رجل يبدأ بالسلام على أهله، فالأول محروم من ثواب إشاعة السنة، ومغبون بترك السلام الذي تحل بسببه البركة والرحمة، والثاني موفق مأجور، حري أن تحلّ البركة والرحمة ببيته.
روى الترمذي من حديث أنس بن مالك قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا بني: إذا دخلت على أهلك فسلم، يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك". قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.
بل حذر الإسلام من ضياع هذا الخُلُق بين الناس، وجعل ذلك من أمارات الساعة والعياذ بالله، روى الإمام أحمد من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن من أشراط الساعة أن يسلم الرجل على الرجل لا يسلم عليه إلا للمعرفة". قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. فالسلام يصبح لمن نعرفهم فقط، وهذا مخالف لتعاليم هذا الدين وآدابه.
إنَّ السلامَ كلماتٌ قليلة؛ ولكنها تربط بين أفراد المجتمع، وتؤلف بين القلوب، والسلام سلوكٌ حضاريٌّ يدعم الروابط الإنسانية، ويخلق الود، ويدعم الحب، ويزيد الاحترام؛ فما أحوجنا في هذه الأيام أنْ نُعَوِّدَ أنفسَنا ونُرَبِّيَ أولادَنا على إفشاءِ السلام وإلقاء التحية! ففي هذا تعضيد للروابط الاجتماعية، وخلق مناخ تسوده المحبة والتآلف.
فالسلام في الإسلام مبدأ عظيم، وقيمة عليا، سواء كان السلام مقصودًا به التحية، أو السلام الذي يقصد به أن يعيش الناس في حب وتعاون لا يعتدي أحد على أحد، ويأمن الناس فيه على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". رواه الشيخان.
أيها المسلم: إن سلامة المسلمين من لسانك ويدك يوجب عليك العمل بقول ربك: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء:58]، وقوله: (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199]، وقوله: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) [البقرة:83]، وبقوله: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر:88]، وقوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10]، وغير ذلك من آيات الكتاب الحكيم، ويحدوك امتثال ذلك الى الاتصاف بهديه -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "وكونوا عباد الله إخوانًا".
إن حاجة البشرية اليوم لدين الإسلام وأخلاقه وتعاليمه وقيمه عظيمة؛ إذ هو وحده الكفيل بحل أزمات وصراعات الحضارات، وهو القادر -دون غيره- على علاج مشكلات الأمم، ومعاناة الشعوب، ومستعصيات الزمن؛ لأنه دين يُعنى بالفرد والمجتمع، وبالروح والجسد، وهو دين يسر يفهمه الصغير والكبير، والرجل والمرأة، والأعرابي والمتحضر؛ لذلك كان على أتباعه الالتزام به، والدعوة إليه، بأجمل عبارة، وأحسن أسلوب.
هذا رسول -صلى الله عليه وسلم- يعرض الدين عرضًا موجزًا، فقد أتاه ضمام بن ثعلبة، قال: يا رسول الله: إني سائلك ومشدد عليك في المسألة -والحديث في الصحيحين- قال: "سل ما بدا لك"، وضمام هذا أعرابي أقبل بناقة فعقلها في طرف المسجد وتخطى الصفوف بسرعة فقال: من رفع السماء؟! قال: "الله"، قال: من بسط الأرض؟! قال: "الله"، قال: من نصب الجبال؟! قال: "الله"، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أرسلك إلينا رسولاً؟! فاتكأ -عليه الصلاة والسلام- وقال: "اللهم نعم". ثم قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟! قال: "اللهم نعم"، فسأله عن أركان الإسلام كلها، فلما انتهى قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، واللهِ لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، أنا ضمام بن ثعلبة -هذه هي البطاقة الشخصية- أخو بني سعد بن بكر، ثم ولّى وفك عقال الناقة وركبها، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن سَرَّهُ أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا".
قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
عباد الله: إن الأمن والسلام بين الأفراد والمجتمعات والدول من الضروريات التي دعا إليها الإسلام وحثّ عليها، فهذه رسالته في الحياة؛ وفي المقابل، فإن الإسلام لا يرضى لأتباعه الذلة والهوان عندما تتعرض حياتهم للخطر، وكرامتهم للامتهان، وإنسانيتهم للإذلال، وحقوقهم للاعتداء، وحريتهم للمصادرة، خاصة إذا كانت هذه الأمور من جانب أعداء هذه الأمة، وممن نقضوا عهودهم ومواثيقهم مع الله من اليهود والنصارى وغيرهم.
فالإسلام دين سلام ورحمة، وإن من تمام رحمة الإسلام وعدله أن يدافع أهل الحق عن أنفسهم ومقدساتهم وأوطانهم، وأن يواجهوا الظلَمة والمعتدين بكل قوة، فسلام بدون قوة تحفظه يصبح ضعفًا وجبنًا وخورًا.
وحين تنتكس أية أمة عن حمل أعباء الحياة الأبية، وتضعف عن الإقدام في ساحة الفداء، وتخشى عواقب المخاطرة والجرأة، فقد حُكم عليها بالذلة والموت والهوان، اسمعوا إلى قرآنكم، قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمْ اللَّهُ مُوتُوا) [البقرة: 243].
لقد ماتوا خارج الديار التي عجزوا عن الدفاع عنها، وعلى الأمم النائمة أن تتحمل أوزار ما تُقاسي وتُعاني، والذي يقبل الذلة يغري الآخرين بالبغي والعدوان، وفي ذلة المظلوم عذر الظالم، وقلَّما يقع العدوان على ذي أنفة أو حمية.
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله- وتوكلوا عليه، وأبشروا وأمّلوا، واستمسكوا بعزة أهل الإيمان: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) [المنافقون:8].
وتآلفوا وتراحموا فيما بينكم، وانشروا الأمن والأمان والسلام في مجتمعاتكم تفوزوا برضا ربكم.
ثم صلوا على نبي الرحمة نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي؛ وعن الصحابة أجمعين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
والحمد لله رب العالمين.