المليك
كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
إن الله تعالى يحب النفس البحاثة عن الخير، الداعمة لأعمال البر، يحب النفس الباذلة الصانعة التي تحاول الإفادة والنفع عند كل فرصة؛ فكن فاعلاً ولا تستهن بعمل يكسبك أجرًا من الله -تعالى-، ولو كان قليلاً فهو عند الله كبير، لا تستهن بعمل يكسبك أجرًا ولو لم يثمر: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها" ..
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
كان أنبياء الله -صلوات الله وسلامه عليهم- على قمة البشر فضلاً ومكانة عند الله، ولقد كانت أهم الأسباب التي رفعت قدرهم عاليًا همتهم وتضحيتهم في سبيل الله، وبذل أنفسهم لإنقاذ الناس من براثن الشرك، وتطهيرهم من سيئ الأخلاق؛ لم يعيشوا لأنفسهم قط؛ بل عاشوا للناس، من أجل نصحهم وهدايتهم.
لم ينكفئوا على أنفسهم؛ بل ساحوا في الأرض يصنعون الخير ويصلحون ما أفسد الناس، ويبشرونهم وينذرونهم، وكما قال الإمام أحمد في أثرهم وأثر أتباعهم الذين اتبعوهم بإحسان: "يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصّرون بنور الله أهل العمى؛ فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه! وكم من ضالٍ تائه قد هدوه! فما أحسن أثرهم على الناس! وما أقبح أثر الناس عليهم!".
هكذا عاش خير الناس متفاعلين مع الأحداث، عاشوا يحملون هموم أقوامهم؛ فكان ذلك منهم هديًا صالحًا بلغوا به أسمى مقام.
أما اليوم؛ فكم من متبع لهم؟! وكم من منتفع بهديهم من أممهم ومن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-!!
إن الناس اليوم بالنسبة للأحداث المهمة التي تؤثر في مسار المجتمع ودينه وبنيته ثلاثة أصناف: منهم من هم في وسط الأحداث يعالجونها ويتحملون مسؤوليتها، وينصرون ما كان منها حقًّا، ويمنعون ما كان باطلاً قدر المستطاع، هذا صنف.
وصنف آخر هم على هامش الأحداث، لا يصنعونها ولا يشتركون في صناعتها؛ ولكنهم على علم بها ودراية، يتابعون ويرصدون ويتفاعلون معها بالهم والدعاء.
وهناك صنف آخر ثالث لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فهم ليسوا على هامش الأحداث فقط؛ بل هم في غفلة عنها لا يعلمون عنها إلا النزر اليسير مما يسمعونه مِمَّن حولهم، ولا يريدون أن يزعجوا أنفسهم أصلاً بتلك الأحداث أو بتلك الأخبار، فهم مشغولون بحاجاتهم الشخصية، وأعمالهم ومصالحهم وحاجات عيالهم.
وهذا في الحقيقة انطواء مذموم، فالانطواء نوعان: انطواء محمود، وانطواء مذموم؛ فالانطواء المذموم هو الذي يفضي إلى الجفاء والهجر والإعراض، وهو خلاف ما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد أمر بالصلة والزيارة، وبتفريج الكرب، وإعانة الأخرق، وإغاثة الملهوف، وقال -كما في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما-: "المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يخذله".
ويقول: "والذي نفس محمد بيده! ما توادّ اثنان ففُرّق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما". وكان يقول: "للمرء المسلم على أخيه من المعروف ست: يشمّته إذا عطس، ويعوده إذا مرض، وينصحه إذا غاب، ويسلّم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، ويتبعه إذا مات". صححه الألباني.
وفي نفس الوقت؛ ينهى عن التقاطع والتدابر، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ فإن مرت به ثلاث فليسلم عليه؛ فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه السلام فقد باء بالإثم، وخرج المسلّم من الهجر".
وقال -كما في حديث أنس في المسند بسند صحيح-: "لا تقاطعوا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا؛ وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم".
وفي مسند الإمام بسند صحيح من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم".
إذًا؛ فالأصل في الانطواء أنه مذموم، أما الانطواء المحمود فهو ما يكون آخر الزمان عند احتدام الفتن، ففي صحيح البخاري من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يأتي على الناس زمان تكون الغنَم فيه خير مال المسلم، يدفع بها شعف الجبال ومواطن القطر، يفر بدينه من الفتن". هذا هو الانطواء المحمود الذي يقصد به البعد عن الفتن.
معاشر الإخوة: للإنسان فاعلية تجاه نفسه ومصلحته الشخصية، فكلٌّ حريص على نفسه وماله وطعامه وشرابه ومركوبه وملبوسه، ولا بأس في ذلك، لكن؛ ألا تمنح مَن حولك قليلاً من هذا الحرص؟!
وقد أدركنا -قبل قليل- سبب تفضيل الأنبياء على غيرهم من الناس، إنها النبوة بجميع خصالها، وإنه العمل المتعدِّي نفعه، فقد كانوا أحرص على الناس، حتى نزل القرآن بالثناء على النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة:128].
نذر نفسه لنا -صلى الله عليه وسلم-، بل نزل القرآن بعبارة الإشفاق من أن يموت -عليه الصلاة والسلام- من شدة الحزن والحسرة على الناس، قال -تعالى-: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) [فاطر:8]، وقال -جل وعلا-: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) [الكهف:6] وقال: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [الشعراء:3]
فهذا الاهتمام بشأن الناس والبذل لهم سمة بارزة للأنبياء -عليهم السلام-، وعلى رأسهم نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وهي سمة يحبها الله -تعالى-، فقد جاء في صحيح الجامع من حديث ابن عمر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا؛ ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني مسجد المدينة- شهرًا، ومن كفّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه -ولو شاء أن يمضيه أمضاه- ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام، وإن سوء الخلق يفسد العمل، كما يفسد الخل العسل".
إن الله -تعالى- يحب النفس البحاثة عن الخير، الداعمة لأعمال البر، يحب النفس الباذلة الصانعة التي تحاول الإفادة والنفع عند كل فرصة؛ فكن فاعلاً ولا تستهن بعمل يكسبك أجرًا من الله -تعالى-، ولو كان قليلاً فهو عند الله كبير، لا تستهن بعمل يكسبك أجرًا ولو لم يثمر: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها".
لا تُبقِ الفسيلة في يدك بل اغرسها، لا ترمِ بقارورة الماء في المسجد فتترك خلفك نفاية في بيت الله، بل خذها معك وارمها في أي مكان مخصص لذلك، واحتسب أجرك عند الله، لا تستهِن به، لا تستهن بنظافة المسجد أبدًا، فهو عمل جميل، وبرهان على حبك لله وتعظيمك له.
وقد غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- على من لم يخبروه بموت المرأة السوداء التي كانت تعظم بيت الله وتنظف المسجد ولا ترضى أن تراه متسخًا، وقال: "دلوني على قبرها"، وانطلق إلى قبرها هي من بين القبور، من بين سائر القبور ليصلي عليها ويدعو لها.
لا تستهن بهذا العمل؛ فلْنكن فاعلين إذًا، إذا وجدنا فرصًا للخير؛ فلماذا نتركها؟! وإلا؛ فما الذي أكسب عمْر المسلم ووقته القيمة الثمينة التي يحسد عليها من بين الناس؟! اللهو واللعب؟! النوم والكسل؟! السلبية والإحجام؟! كلا والله! إذًا فمن أين التفريط؟! كلما دُعي بعضنا إلى مناسبة خير أعرض، وكلما علم باجتماع فيه صلة وبر تجاهل وأدبر، وكلما بدأت موعظة أو علم نافع انفض وقام من المجلس!
سبحان الله! فإن كان الذي انصرف إليه خيرًا من ذلك المجلس أجرًا وقيمة فهو على الجادة إن شاء الله، وإلا؛ فإنه بفعله هذا يقول: أنا غني عن الأجر، وعندي من الحسنات ما يكفي.
فأقول: هل أنت أقل حاجة للأجر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي؟! طلب من عبد الله بن مسعود أنْ يُسْمِعَهُ القرآن -صلى الله عليه وسلم-، في صحيح مسلم يقول ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال لي -صلى الله عليه وسلم-: "اقرأ عليّ القرآن"، قال: يا رسول الله: أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟! قال: "إني أشتهي أن أسمعه من غيري"، فقرأت عليه من أول النساء، حتى إذا بلغت: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا) [النساء:41]، فغمزني رجل إلى جنبي، فرفعت رأسي، فرأيت دموعه تفيض -صلى الله عليه وسلم-.
من بداية سورة النساء إلى هذه الآية، أي بمقدار تسعة أوجُهٍ من المصحف، تسعة أوجه وهو يستمع إلى قراءة ابن مسعود بإنصات وخشوع، هذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو حرصه، وهذه هي عنايته بنفحات الإيمان. تأملوا مدى حبه -عليه الصلاة والسلام- لكل خير وحرصه على المشاركة فيه.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ ابْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا، لو دُعِيتُ إِلَيْهِ فِي الإِسْلامِ لأَجَبْتُ" أي: لو سافرت من المدينة إلى مكة وشاركتهم فيه حتى وهم مشركون لم يدخلوا في الإسلام بعد!
هذا تحفّز منه -صلى الله عليه وسلم- بالمبادرة والمشاركة في فعل الخير وتكثير ثوابه، هكذا يعلمنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن نكون فاعلين، وأخبرنا أن أصدق الأسماء عند الله تعالى: حارث وهمام. لماذا؟! لأن الإنسان كي يحقق إنسانيته لا بد أن يكون همّامًا، أي صاحب هم وهمة، وتفكير جاد، وكذلك هو حارث، أي: صاحب حرث، لا يكتفي بالهم والتفكير؛ بل ينتقل منه إلى العمل، فهو همام وحارث، أصدق الأسماء.
يقوم إلى الخير ولا ينتظر الخير أن يأتيه، يبادر إلى المعروف ولا يتأخر عنه؛ ولذلك انتصب يوسف -عليه السلام- لما رأى في نفسه الكفاءة والقوة والأمانة في مملكة تكاد تخلو من الأمناء، فقال للملك: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف:55] ما ترك هذا الأمر لغيره، إيجابية منه -عليه السلام- لتحقيق العدل ونفع الناس، لا بحثًا عن سمعة، ولا قصدًا لشهرة.
هكذا يكون المسلم: سليم النية، وفي الوقت نفسه صانعًا للأحداث، لا متعرضًا لها، منتجًا لا مستهلكًا، وهذا ما ينبغي أن نربي عليه أنفسنا وأولادنا.
معاشر الإخوة: إن المسلم يفترض الأحسن في أخيه المسلم إلا في حال القرائن الواضحة التي تبعث على الإحباط أحيانًا، فالواحد مثلاً يخشى على الذي يتثاءب في الصلاة بقوة حتى عند تلاوة آيات الجهاد أن يكون في حياته كلها كسولاً متثائبًا، إذا لم توقظه آيات الجهاد، فما الذي يوقظه؟!
وقد صحّ في البخاري من حديث أبي هريرة قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقًّا على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإذا قال: ها؛ ضحك منه الشيطان".
أسأل الله تعالى أن يوفقنا للخير عملاً وبذلاً ودلالة، وأن يورث قلوبنا حب الله ورسوله والمؤمنين، أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه؛ إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على نهجه واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فليتنا نتمعن جيدًا في قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) [آل عمران:110]، نحن أمة كسائر الأمم، ولكننا تميزنا عليهم بشيء مهم هو أحد أهم محاور كلامنا اليوم: "الفاعلية والحركة"، فبهما تميزنا على سائر الأمم.
(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) لم تخرج لنفسها إنما (أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)، تميزنا عليهم بذلك، إنما أخرجنا الله تعالى للناس، أي من أجل الناس لا من أجل أنفسنا، عكس الفلسفة اليهودية تمامًا التي تزعم بأنهم بعثوا لا من أجل الناس؛ بل لتسخير الناس من غير اليهود لهم، واستعبادهم.
فالمسلمون منتهى التجرد والعطاء والكرم، واليهود منتهى الأنانية والبخل والرذالة، فالخيرية التي تميزنا بها تلك الآية -نحن أمةَ الإسلام- هي العيش للآخرين، لإظهار إيماننا بالله، والدعوة إليه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإنقاذ الناس من عذاب النار، ولذلك قال أبو هريرة -رضي الله عنه- عند هذه الآية: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهونَ عَنِ الْمُنكَرِ) [آل عمران: 110]، قال: "خير الناس للناس، تأتون بهم بالسلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام"، أي: تريدون إنقاذهم من الهلاك وهم يتمنعون بشدة.
لقد قال كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "مثَلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارًا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تفلتون من يدي". أخرجه مسلم.
وكيف سيصبح حالنا -أيها المسلمون- لو ارتقينا إلى مستوى آيات القرآن، واقتبسنا قبسًا من أخلاق النبوة؟! يقول -تعالى-: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...