العظيم
كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...
العربية
المؤلف | خالد بن سعد الخشلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
إن المؤمن يجاهد نفسه على طاعة الله ولزومها، ولا يركن إلى الدنيا، ولا يتخذها وطنا دائما، فهو يعلم يقينا أن أيام هذه الدنيا كلها أيام امتحان واختبار حقيقي، وغدا يوقف العبد بين يدي الله -عز وجل- فيُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله -عز وجل-، وجددوا إيمانكم بالتوبة النصوح، والعمل الصالح؛ فإن الإيمان يخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فسلوا الله تجديده كما جاء بذلك الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
إخوة الإسلام: إن من سنن الله -عز وجل- في الكون الصراع بين الحق والباطل، والصراع بين الانحراف والاستقامة، الصراع بين الإيمان والشرك، الصراع بين الطاعة والمعصية، ويتجلى هذا الصراع في صور شتى وبخاصة في هذا العصر الذي كثرت فيه صور الباطل، وتزخرفت أشكاله، وتعددت ألوانه وأنواعه.
إن المسلم يجد نفسه في صراع مرير، وجهاد عنيف بين مراد الله -عز وجل- ومراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جهة، وبين مراد نفسه الأمّارة بالسوء وشيطانه اللعين من جهة أخرى.
يتأكد على المسلم الراجي رحمة ربه، الساعي لكسب رضا مولاه وهو يعيش هذا الصراع، يتأكد عليه أن يهتم بمجاهدة نفسه وهواه وشيطانه، وذلك ببذل قصارى جهده وغاية ما يمكنه في مقاومة الشهوات، ومنع النفس عن إتيان الحرام، والابتعاد بها عن حمى الإثم وخطوات الشيطان، مستحضرا قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه".
إخوة الإسلام: إن كثيرا منا يوم يسمع كلمة الجهاد والمجاهدة فينصرف ذهنه إلى جهاد الكفار وغزوهم، ولا شك أن هذا من أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله، وأفضل ما يتقرب به إلى الله -عز وجل-؛ ولكن مفهوم الجهاد والمجاهدة لا يقتصر على هذا؛ بل يتعداه ليشمل كل جهد يبذله المسلم في سبيل صلاح نفسه واستقامتها، وفي سبيل صلاح الآخرين وهدايتهم.
يقول حاتم الأصم -رحمه الله-: "الجهاد ثلاثة: جهاد في سرك مع الشيطان حتى تكسره، وجهاد في العلانية في أداء الفرائض حتى تؤديها كما أمر الله، وجهاد مع أعداء الله في غزو الإسلام".
ويقول الراغب الأصفهاني -رحمه الله-: "إن للجهاد أضربا ثلاثة: مجاهدة العدو الظاهر كالكفار، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس".
ولهذا؛ فإن المسلم يوم يسمع قول الله -عز وجل- في كتابه (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) [الحج:78] يدرك يقينا أن هذا التوجيه الرباني توجيه جامع ودقيق لكل جوانب الحياة، فهي مجاهدة للنفس للقيام بجميع التكاليف، مجاهدة تمتد من أول لحظات التكليف حتى يفارق الإنسان هذه الدنيا.
إن الليل والنهار -أيها الإخوة في الله- سريعان في نقص الأعمار وتقريب الآجال، قد صحبا نوحا -عليه السلام- وعادا وثمود وقرونا بين ذلك كثيرا، فأصبحوا قد قدموا على ربهم ووردوا على أعمالهم، وأصبح الليل والنهار غضّين جديدين، والمؤمنون الصالحون من عباد الله يدركون ذلك جيدا؛ ولذلك فهم يحذرون الله ويجاهدون أنفسهم، يقومونها بالإسلام، واضعين نصب أعينهم وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".
إن المؤمن يجاهد نفسه على طاعة الله ولزومها، ولا يركن إلى الدنيا، ولا يتخذها وطنا دائما، فهو يعلم يقينا أن أيام هذه الدنيا كلها أيام امتحان واختبار حقيقي، وغدا يوقف العبد بين يدي الله -عز وجل- فيُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه.
هو يعلم يقينا أنه في هذه الدنيا على جناح سفر، فهو لا يحدث نفسه بالبقاء فيها طويلا، ولا يتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب في غير وطنه؛ لأن وطن المسلم الأصلي الحقيقي إنما هو الجنة.
إن مثل المؤمن في هذه الدنيا كمثل عبد أرسله سيده في حاجة إلى غير بلده، فشأنه أن يبادر بفعل ما أرسل لأجله ثم يعود إلى وطنه الأصلي بفضل الله ورحمته، وهذا يقتضي المكابدة والمجاهدة والمحاسبة حتى لا يشغل بغير الهدف الذي جاء من أجله.
والله -عز وجل- يبين لنا في كتابه الكريم بيانا واضحا جليا الهدف الذي أوجد من أجله هذا الإنسان في هذه الدنيا، الهدف الذي ينبغي أن يسعى الإنسان لتحقيقه، يقول الله -عز وجل-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56].
هذا هو الهدف الحقيقي لك أيها المسلم في هذه الدنيا، هذا هو الهدف الحقيقي الذي ينبغي أن يشغل العبد به نفسه في هذه الدار حتى يصل إلى موطنه الأصلي.
فحيَّ على جنَّاتِ عَدْنٍ فإنَّها | منازلُنا الأُولى وفيها المُخيَّمُ |
ولكنَّنا سبْيُ العدوِّ فهل ترى | نعودُ إلى أوطاننا ونسلَّمُ |
وقد زعموا أن العدوَّ إذا نَأَى | وشطَّتْ به أوطانُهُ فهو مغرم |
ورحم الله عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين إذ يقول في خطبة له: "إن الدنيا ليست بدار قراركم، كتب الله عليها الفناء، وكتب الله على أهلها منها الظعن، فكم من عامر موثوق عما قليل يخرب، وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن، فأحسنوا -رحمكم الله- منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى".
تزودوا للقبور بزاد التقوى والأعمال الصالحة، تزودوا للوقوف على الله -عز وجل- في ذلك اليوم الرهيب العظيم بالأعمال الصالحة، والقربات النافعة؛ فكل إنسان في ذلك اليوم تحت ظل عمله الصالح.
وإذا لم تكن الدنيا للمؤمن دار إقامة، ولا وطنا، فينبغي للمؤمن أن يكون حاله فيها على أحد حالين: إما أن يكون كأنه غريب مقيم في بلد غربة، همه التزود للرجوع إلى وطنه؛ أو يكون كأنه مسافر غير مقيم البتة، بل هو ليله ونهاره يسير إلى بلد الإقامة.
ولا شك أن هذا يحتاج من المسلم إلى جهد مضاعف، وأن يكون صبره مضاعفا حتى ينتصر على نفسه وشهواته وهواه وشيطانه.
وهو مكلف بعد مجاهدة نفسه وتقويمها بأن يهدي أهله، ويصلح بيته، ويجتهد في ذلك اجتهادا عظيما، مستحضرا قول الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
ومستحضرا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، وبخاصة في هذا الزمن الذي أصبحت فيه الأسر مغزوة بجيوش الشيطان وحزبه، والسهام المسمومة موجهة للقضاء على الأخلاق والآداب، وزعزعة العقائد والمبادئ والإيمان، وبث الشبهات والشهوات.
وهنا يتضاعف واجب المسلم في الجهاد والمجاهدة والصبر والمصابرة؛ أملا في الخلاص من تبعات قول الله -عز وجل- في الآية السابقة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا...).
إن المسلم وهو يسمع قول الله -عز وجل-: (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18] يعلم أنه مطالب باليقظة والحذر الدائم، تراه مراقبا لله في جميع أحواله، مستحضرا عظمته ورحمته في كل وقت، خائفا من ربه، متحرجا مستحيا أن يطلع عليه -سبحانه وتعالى- وهو في حالة يكرهها الله -عز وجل-.
ولذلك فهو يدرك مواضع النقص ومواضع الضعف والتقصير والمخالفة، ويسعى لتلافيها قبل حلول الأجل، يسعى لتداركها قبل يوم العرض على الله، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ) [الحاقة:18].
في ذلك اليوم العظيم، في ذلك اليوم الرهيب، تسقط جميع الأستار التي كانت تحجب الأسرار، تتعرى النفوس، تتعري الأجساد، وتبرز العيوب بروز الشهود، يتجرد الإنسان من حيطته ومن مكره وتدبيره، فالكل مكشوف الجسد والنفس والضمير، والعمل والمصير، أمام تلك الحشود الهائلة من خلق الله -تعالى- وتحت جلاله وعرشه المرفوع فوق الجميع، ألا إنه واللهِ لأمرٌ أمَرُّ مِن كل أمر!.
يتعين على كل مسلم أن يجاهد نفسه ويحاسبها على ما كان منها كما يفعل التجار، فينظر في رأس المال والربح والخسارة لتتبين له الزيادة من النقصان، فرأس المال في دين المسلم الفرائض وما أوجب الله -عز وجل-، وربحه الفضائل والنوافل، وخسرانه المعاصي والموبقات، وعاقبة الربح جنات النعيم، ومآل الخاسرين عذاب الجحيم، و"الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني".
نسأل الله -عز وجل- أن يبصِّرنا بعيوبنا، اللهم بصرنا بعيوبنا، اللهم بصرنا بعيوبنا، اللهم أوقفنا على مواطن الضعف والتقصير والإهمال في حياتنا، اللهم اجعلنا من أوليائك المجاهدين، وحزبك المفلحين، اللهم اختم لنا بخير خاتمة، اللهم اختم لنا بخير ما ختمت به لعبادك وأوليائك الصالحين على عبادة وطاعة وحسن سيرة وسريرة، إنك على كل شيء قدير.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [العنكبوت:6].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، أحمده سبحانه على نعمه التي لا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واجتهدوا في عمارة أيامكم ولياليكم بل وساعاتكم ودقائقكم بطاعة الله، فهذه والله هي العمارة الحقيقية للدنيا، الدنيا إنما تعمر على وجه الحقيقة بطاعة الله وإنما تخرب وتفسد بمعاصي الله -عز وجل-، فكونوا من بناة الدنيا حقا، كونوا من عمار الدنيا حقا بطاعة الله، والتقرب إليه بكل ما يحب -سبحانه وتعالى-.
إخوة الإسلام: إنه لا يمكن للإنسان أن يصل إلى رتبة الجهاد في ميادينه المختلفة إلا إذا انتصر في مجال مجاهدة نفسه، إن عبيد الشهوات الذين يقدمون شهواتهم على مراد الله ومراد رسوله -صلى الله عليه وسلم-، لا يستطيعون الصبر على طول الطريق وتبعاته.
إن الملوثين بمعاصي الله -تعالى- أضعف من أن يحموا دينا أو عرضا أو كرامة، ورحم الله عمر الفاروق -رضي الله عنه- يوم قال لسعد بن أبي وقاص ومن معه من الأجناد: "أما بعد، فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال؛ فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب.
وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم؛ فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا بالمعصية كان لهم الفضل علينا بالقوة".
أيها الإخوة المسلمون: إن أول واجبات الصالحين مجاهدة النفس ومحاسبتها؛ لأن سلطان الهوى عنيف، والمغريات كثيرة، والشيطان بالمرصاد، والنفس أمّارة بالسوء؛ ولهذا كانت المجاهدة في ذات الله ومن أجل الله من أعظم الواجبات على العبد المسلم الراجي ثواب الله، والراجي الفوز بجنة الله، فهو يسعى بمجاهدة نفسه لخيرها، واستكمال فضائلها، وإصلاح أمرها، حتى يكون قدومه على ربه بعد جهاد ومجاهدة، وصبر على الطاعة، وثبات على العبادة؛ يكون قدومه على ربه يوم يقدر الله ذلك قدوم فرح واستبشار وغبطة وسرور.
قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- لرجل:" كم أتت عليك؟ يعني: كم عمرك الآن؟ قال: ستون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ. فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون! فقال الفضيل: أتعرف تفسير ما تقول؟ تقول: إنا لله وإنا لله راجعون، من عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف فليعلم بأنه مسؤول، ومن علم أنه مسؤول فليعد للسؤال جوابا. فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة. قال: ما هي؟ قال: تُحسن ما بقي يغفر لك ما مضى؛ فإنك إن أسأت فيما بقي أخذت بما مضى وما بقي".
هذه هي المعادلة: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى؛ فإنك إن أسأت فيما بقي أُخِذْتَ بما مضى وما بقي.
إن المسلم المجاهد لنفسه المحاسب لها يعرف مقدار الإيمان في نفسه، ومن ثم فهو يستطيع أن يزن نفسه بهذا الميزان الذي أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن"، فهل تسرك العبادة يوم تقدم عليها؟ وهل تسوؤك المعصية يوم تقع فيها؟ سؤال يسأله كل واحد منا لنفسه.
إخوة الإسلام: إذا كان أرباب الجاه والسلطان وأصحاب الثراء والمال يجتهدون في هذه الدنيا ليصلوا إلى مبتغاهم، ويضحون في سبيل ذلك بالراحة واللذة، مع أنهم يسعون إلى مكسب مادي زائل ومتعة فانية، فأولى والله بطلاب الآخرة وعشاق النعيم الباحثين عن النعيم الأبدي أن يعمروا حياتهم كلها بالجد والمجاهدة والصبر والمصابرة.
والله إن أيام عمْر الإنسان -مهما طالت- لا تساوي لحظة من لحظات يوم الآخرة، والله -عز وجل- يقول: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].
نسأل الله -تعالى- أن يوفقنا لفعل الطاعات، والبعد عن المعاصي والسيئات، نسأله -سبحانه- أن يمن علينا بتوبة نصوح نقلع بها عن الذنوب والمعاصي وسائر الآثام، ونعزم بها عزما أكيدا على تلافي تقصيرنا وتدارك أخطائنا.
أيها الإخوة المسلمون: يتوجه أبناؤنا الطلاب إلى قاعات الاختبار غدا، نسأل الله لهم التوفيق والسداد، وحري بالآباء والأمهات أن يقدموا لهم الدعم والمساندة ليتجاوزوا هذه الأيام على أحسن حال، على أن المتابعة الحقيقية والمتابعة المثمرة للأبناء لا تكون فقط عند أيام الامتحان؛ بل تستمر طيلة أيام الدراسة؛ حتى تؤتي ثمارها الطيبة.
أيها الآباء والأولياء: أيام الامتحانات فترة يجد فيها شياطين الإنس وأهل الانحراف الخلقي والسلوكي ومروجو المخدرات، يجدون بغيتهم لنشر فسادهم وترويج بضاعتهم الكاسدة الآسنة، وهو أمر يتعين معه على كل أب ناصح على أبنائه وبناته وعلى كل ولي مشرف على من تحت ولايته أن يزيد من حرصه ومتابعته لأبنائه في أيام الامتحانات.
وأعظم ما يوصى به لغلق أبواب الفساد في هذا المجال حث الأبناء على الرجوع إلى المنازل بعد انتهاء فترة الامتحانات مباشرة، والأحسن والأكمل لمن قدر على ذلك أن يتولى إحضار أبنائه وبناته مباشرة بعد خروجهم من المدارس وقت الامتحان، فيعرف بالدقة متى ينتهي الامتحان، فيكون موجودا عند باب المدرسة في انتظارهم واستقبالهم، ثم يذهب بهم مباشرة إلى البيت.
ومن لم يقدر على ذلك فليتصل بأهله بالتليفون أثناء العمل ويسأل عن أولاده: أحَضروا أم لم يحضروا؟ ويتابع من لم يحضر منهم بعد رجوعهم إلى البيت، ويتابع ويسأل بعد ذلك وأثناءه؛ ويسأل الله الإعانة على ذلك؛ فإنه لا شيء إلا بإعانة الله -عز وجل- وتوفيقه وكرمه.
نسأل الله -عز وجل- أن يوفق أبناءنا وبناتنا لأداء اختباراتهم على أحسن وجه وأتم حال، كما نسأله -سبحانه وتعالى- أن يقر أعين الجميع بصلاح نياتهم وذريتهم، إن ربي رحيم ودود.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك...