البحث

عبارات مقترحة:

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

الرب

كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...

ميلاد رسول وحياة أمة

العربية

المؤلف حسان أحمد العماري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. ميلاد النبي الكريم ميلاد جديد للإنسانية .
  2. الحياة الحقيقية .
  3. خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
  4. واجبنا أن نشكر الله على تلك النعم والخصائص. .

اقتباس

وإن هذه الأمة قد تضعف لكنها لا تموت أو تنتهي أو ينقطع خيرها؛ لأنها أمة خير الأنبياء وخاتمهم، والله -سبحانه وتعالى- قد تكفل بحفظ كتابها ودستورها إلى يوم القيامة، وعلى كل فرد أن يستشعر مسؤوليته وواجبه حتى يكون لبنة صالحة في بناء هذه الأمة، ولن يضيع الله أجوركم وأعمالكم، فلا حياة بلا إيمان، ولا حياة بلا أخلاق، ولا حياة بلا قيم، ولا حياة بلا اتباع واقتداء لرسول البشرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

الحمد لله مجزل العطايا مسبل النعم، رافع البلايا دافع النقم، يعلم الخفايا ويرى ما في الظُّلَم، أحمده -تعالى- وأشكره خلقنا من العدم، وأكرمنا بالنعم، هدانا للإسلام، فلله الحمد من قبل ومن بعد. 

وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، مجيب الدعاء كاشف البلوى، عالم النجوى.

أنتَ الملاذُ إذا ما أزْمَةٌ شمـلَتْ

وأنتَ ملجأُ مَن ضاقت بِهِ الحِيَلُ
أنت المنادَى به في كُلِّ حـادثةٍ أنت الإلهُ وأنت الذخرُ والأملُ
أنت الرجاءُ لِمَنْ سُدَّتْ مذاهبُهُ أنت الدليلُ لمن ضّلَّتْ به السبلُ
إنا قصدناك والآمالُ واقعةٌ عليكَ والكُلُّ ملهوفٌ ومبتهلُ

وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانةَ، ونصح الأمّة، وجاهد في الله حقَّ
جهاده حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبِه ومن سار على نهجِه الأقوَم.

أما بعـد: عباد الله: لقد بُعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حين فترة من الرسل، وانقطاع من الوحي، فهدى الله به من الضلالة، وبصّر به من العمى، وأحيا الله على يديه هذا الإنسان التائه الحيران، فكان ميلاده -صلى الله عليه وسلم- ميلادا جديد لهذا الإنسان، ومبعثه حياة للبشرية جمعاء.

وجعل -سبحانه وتعالى- الاستجابة لدينه واتباع رسوله هو الحياة الحقيقية، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ وأَنَّهُ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال:24].

فكيف يدعونا الله إلى الحياة ونحن أحياء؟ وما هي الحياة الحقيقية؟ وهل تعني الحياة الأكل والشرب والعمل وبناء المدن وتشييد المباني وصناعة الآلات؟ وماذا يريد الله بهذا الخطاب؟.

إن الله -سبحانه وتعالى- يوجهنا في هذا الخطاب إلى أمر عظيم ألا وهو بيان أن حياة الإنسان الحقيقية تبدأ عندما يستجيب لأمر الله ورسوله، ويلتزم به، ويطبقه في واقع حياته، فما أرسلت الرسل، وما أنزلت الكتب، إلا لبيان واجب العباد تجاه ربهم، وتنظيم حياتهم، وهي حياة القلب والعقل، بالعقيدة التي تعمر القلب، فتملأ كيان الإنسان نوراً وهداية، قال -تعالى-: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:122].

وهي العقيدة التي تهدي العقل، وتضبط حركته وعمله، فتحميه من التيه والضياع، وهي حياة للروح والجسد، ولن تتحقق هذه الحياة إلا بوحي الله -سبحانه وتعالى-: (وكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ ولا الإيمَانُ ولَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشاءُ مِنْ عِبَادِنَا وإنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ أَلا إلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ) [الشورى:52-53].

فالذين يستجيبون لله وللرسول ظاهراً وباطناً هم الأحياء وإن ماتوا، وهم الأغنياء وإن قلَّت ذات أيديهم، وهم الأعزة وإن قلَّ الأهل والعشيرة، وغيرهم هم الأموات حقيقةً وإن كانوا أحياء الأبدان، يَسْعَوْنَ بين الناس ذهاباً وإيابا، (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ومَا يَشْعُرُونَ) [النحل:21]، وهم الفقراء، ولو امتلأت خزائنهم بالذهب والفضة.

وكان من فضائل اتّباع هذه الأمة أفراداً وجماعات وشعوبا ودولا لأمر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتطبيق هذا الدين في واقع الحياة، أنْ خصها وشرفها وميزها على سائر الأمم والأديان بالعديد من الخصائص والمزايا تفضلاً ورحمةً بها، وتكريماً لرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- المبعوث فيها رسولاً للعالمين، فكانت سمة التميز صفة بارزة في عبادتها وسلوكها وأخلاقها؛ بل حتى في مظهرها وأعيادها وعلاقاتها، لتعيش الحياة الطيبة والآخرة السعيدة، قال -تعالى-: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِللَّهِ) [آل عمران:110].

أيها المؤمنون عبـــاد الله: وإن أعظم خُصُوصية لهذه الأمة هي التوحيد، فالمسلم يعتقد أن الخالق والرازق والمدبر هو الله، وأنه هو المستحق للعبادة والخضوع والذل والخشوع بين يديه، (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [الأنعام:102].

فلم تضل هذه الأمة عن ربها، وما زالت عقيدة التوحيد هي السمة البارزة في حياتها، ومَن ينظر إلى أمم الأرض يجد هذه الحقيقة، فلا توجد اليوم أمة توحد الله في أسمائه وصفاته في الأرض غير أمة الإسلام، فاليهود والنصارى قد انحرفوا قديماً عن هذا الصراط، وعبدوا غير الله، قال -تعالى-: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [التوبة:30].

الهندوس يعبدون البقر، والصينيون واليابانيون وبعض دول آسيا يعبدون بوذا، وهناك أمم وقبائل في أفريقيا وغيرها يعبدون الخرافات والشعوذة، وهناك أمم وقبائل تعيش حياة الوثنية والجاهلية الأولى.

وخص الله هذه الأمة في أداء العبادات من صلاة وصيام وحج وغيرها، وحتى في قبلتها، فقد ظل المسلمون ثلاث سنوات يصلون إلى المسجد الأقصى، وقد كان اليهود يصلون إليه فقالوا: لو لم يكن ديننا وقبلتنا حقا لما صلى إليها محمد، فكان -صلى الله عليه وسلم- يحزن من كلامهم هذا، فأراد الله -سبحانه وتعالى- أن تتميز هذه الأمة فأنزل قوله -تعالى-: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) [البقرة: 144].

وخصها أن جعل صفوفها في الصلاة كصفوف الملائكة، ولم يكن هذا لأمة قبلها، فقد جاء في الحديث الذي رواه حذيفة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قـال: "فضلنا على الناس بثلاث"، وذكر منها: "جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة" رواه مسلم.

وميزت هذه الأمة بنصرها بالرعب، وأحلت لها الغنائم، وجعل الله لها الأرض مسجداً وطهوراً، وأعطيت الشفاعة، فالنبي يشفع لها، والأولاد الصغار والصالحون يشفعون لآبائهم وأمهاتهم، والشهداء يشفعون، وحفظة القرآن يشفعون.

فعن جابر -رَضيَ اللهُ عنهُ- قال: قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أُعطيت خمساً لم يُعطهن أحد من الأنبياء: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ، وأحلت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأُعطيت الشفاعة، وكان النَّبيّ يبُعث إلى قومه خاصَّة وبُعثت إلى النَّاس عامة" رواه البُخاريُّ.

ومن خصائص أمتكم أمة الإسلام أن الله قبل شهادتكم وجعلكم شهداءه في أرضه، فقد جاء في حديث أنس بن مالك أن جنازة مرت فأُثني عليه خيراً فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وجبت وجبت"، ثم مرت أخرى فأثني عليها شراً فقال النبي: "وجبت وجبت"، فلما سأله عمر عن ذلك قال: "مَن أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض" رواه البخاري ومسلم.

فالمسلم الحق هو من يحسن علاقته بربه وبالناس من حوله، ويؤدي الحقوق والواجبات التي عليه، ويبتعد عن الحرام، ويكف يده عن أخذ حقوق الناس وأموالهم، ويحفظ دماءهم، حتى ينال هذه الشهادة التي تكون سبباً في سعادته وراحته في الدنيا والآخرة.

بل نشهد لمحمد -صلى الله عليه وسلم- أنه بلغ رسالة ربه، ونشهد للأنبياء، فعن أبي سعيدٍ -رضي الله عنه- قال: قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يجيء نوحٌ وأمته، فيقول الله - تعالى-: هل بلغت؟ فيقول: نعم، أي ربِّ! فيقول لأمته: هل بلّغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبيّ! فيقولُ لنوح: من شهد لك؟ فيقول: مُحمَّد -صلى الله عليه وسلم- وأمته، فنشهد أنه قد بلغ، وهو قوله -جَلَّ ذكره-: (وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على النَّاس)" رواه البخاري.

ومن خصائص هذه الأمة المحمدية أنها محفوظة من الهلاك والاستئصال فلا تهلك بالسنين، ولا بجوع ولا بغرق، ولا يسلط عليها عدو من غيرها فيستبيح بيضتها ويستأصلها؛ فعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي ألا يهلكها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم. وإن ربي قال: يا محمد، إني إذا قضيت قضاء لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامـة –أي: قحط- وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم مَن بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضا" رواه مسلم.

عباد الله: ومما اختص الله به أمتكم أمة الإسلام أن جعلها أقل الأمم عملاً وأكثرها أجراً، فالحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والعمل الصالح بنية صادقة قد يكون سبباً في دخول العبد جنة ربه ورضوانه، فالصلاة والصيام والحج والصدقة وبذل المعروف وتقديم النفع وغيرها من الأعمال ولو كان يسيراً قد يبلغ بصاحبه رضوان الله ورحمته وجنته.

خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن صلى الفجر وقعد وقام ليدخل بيته فوجد جويرية -رضي الله عنها- من بعد الفجر جالسة كما هي، سألها: "ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟"، قالت: نعم، قال: "لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم - أي: طيلة الوقت هذا الماضي- لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته" رواه مسلم.

وانظروا إلى هذا العمل السهل اليسير، لو قام به كل واحدٍ منا بنية صالحة وعمل خالص لهذبت النفوس، وتآلفت القلوب، وانشرحت الصدور، وزادت الأجور، وغفر الله به الذنوب.

فعن حذيفة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن المؤمن إذا لقي المؤمن، فسلم عليه وأخذ بيده، فصافحه، تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر" أخرجه الطبراني في الأوسط، وله شواهد، وصححه الألباني.

بل حتى الكلمة الطيبة يؤجر العبد عليها، والبسمة يؤجر عليها، وحتى النية الصالحة يؤجر عليها؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه -تبارك وتعالى- قال: "إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هَمّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة" رواه البخاري.

اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطـبة الثانـية:

عباد الله: إنها رحمة الله بنا، وإنها نعم ينبغي شكر الله عليها بالتزام شرعه ومنهجه، والاقتداء برسوله -صلى الله عليه وسلم-، وحب هذا الدين، والتضحية من أجله، والتخلق بأخلاق الإسلام.

وإن كل هذه الخصائص وغيرها ليست ميراثاً يورث، وإنما هي عمل صالح يكتسب، والله -سبحانه وتعالى- لا يبالى بمن حاد عن منهجه في أي وادٍ هلك.

فأخلِصوا النيات، وأحسنوا الأعمال، واغنموا مواسم الطاعات، وأوقات القبول للدعوات، ولنحذر من الظلم والعدوان على بعضنا البعض، ولنصلح ذات بيننا، فقد حذر -عليه الصلاة والسلام- من ذلك فقال: "فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدِّينَ" صححه ابن حبان، وحسنه المنذري.

فالنزاعات والخصومات على هذه الدنيا قد تذهب الدين والإيمان من القلوب، وما فائدة الحياة وقد فقد المرء دينه وخلقه وأمانته؟ ولنكن على الخير حتى نرد الحوض على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- القائل: "ترد عليّ أمتي الحوض، وأنا أذود النَّاس عنه كما يذود الرّجل إبل الرّجل عن إبله"، قالوا: يا نبي الله! أتعرفنا؟ قال: " نعم، لكم سيما ليست لأحدٍ غيركم، تردون عليّ غرّاً محجَّلين من آثار الوضوء" رواه مسلم.

وإذا كانت هذه الخصائص والمزايا من صفات هذه الأمة بسبب ما تحمله من قيم وأخلاق ومبادئ بها تميزت على سائر أمم الأرض، فإنه يجب على المسلمين أفرادا وجماعات، حكاما ومحكومين، رجالاً ونساء، أن يتميزوا بتزكية نفوسهم بالإيمان والتقوى ومراقبة الله، وعليهم جميعاً أن يتميزوا في عباداتهم والمحافظة عليها واتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- والاقتداء بسنته، وحب أصحابه مشاعل الهدى ومصابيح الدجى رضي الله عنهم أجمعين.

وعلى المسلمين أن يتميزوا بأخلاقهم الفاضلة وسلوكهم الحسن مع جميع الناس من حولهم، وعلينا كذلك أن نتميز بالقيام بالمسؤوليات التي تحملناها في البيت والعمل من حسن الرعاية وأداء الأمانة، يستوي في ذلك الحاكم والمحكوم.

ثم إن علينا كذلك أن نتميز في عطائنا الحضاري وتقديم النفع والخير لأمم الأرض من حولنا في شتى جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعلمية، وهكذا بنت أمتنا مجدها، وسطرت تاريخها.

وإن هذه الأمة قد تضعف لكنها لا تموت أو تنتهي أو ينقطع خيرها؛ لأنها أمة خير الأنبياء وخاتمهم، والله -سبحانه وتعالى- قد تكفل بحفظ كتابها ودستورها إلى يوم القيامة، وعلى كل فرد أن يستشعر مسؤوليته وواجبه حتى يكون لبنة صالحة في بناء هذه الأمة، ولن يضيع الله أجوركم وأعمالكم، فلا حياة بلا إيمان، ولا حياة بلا أخلاق، ولا حياة بلا قيم، ولا حياة بلا اتباع واقتداء لرسول البشرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

فاللهم إنا نسألك أن توفقنا إلى ما تحب وترضى، وأن ترزقنا الاستمساك بالعروة الوثقى، أكرمنا يا كريم، ومن علينا يا منان، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

هذا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].

والحمد لله رب العالمين.