الظاهر
هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...
العربية
المؤلف | أحمد بن ناصر الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
وعرف التسامح الإسلامي في التاريخ بصورة مشرقة لم تعرف البشرية له مثيلاً ولا نظيرًا في القديم والحديث، وشهادات المستشرقين والمؤرخين تؤكد ذلك، يقول المفكر الشهير غستاف لوبون: "ما عرف التاريخ ديناً فاتحاً متسامحاً كالإسلام، وما عرف التاريخ... قال أنس: فضرب، فوالله! لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما رفع عنه حتى تمنينا أن يرفع عنه، ثم قال عمر لعمرو: مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ قال: يا أمير المؤمنين...
الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض، ولم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديراً.
وأشهد ألّا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر المسلمين بالتمسك بالبر والتقوى، ونهاهم عن ظلم الآخرين، وإن كانوا أعداء فقال -جل وعلا-: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة:8].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله ليخرج الناس من عبادة الشيطان والهوى، إلى عبادة العلي الأعلى، صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه الأتقياء النجباء، ومن سار على نهجه، واقتفى أثره إلى أن يرث الله الأرض والسماء.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي الوصية التي مَن التزم بها سار إلى ربه سيراً حميداً، وعاش عيشاً سعيداً.
عباد الله: واستكمالاً لما سبق؛ فإن الإسلام ضمن حرية الاعتقاد للمسلمين أولاً، ومنع الإكراه على الدين ثانيًا، وقرر التسامح الديني مع سائر الأديان، مما لا يعرف التاريخ له مثيلاً.
ويظهر ذلك في المبادئ التالية:
أولا: حرية الاعتقاد لغير المسلم: فالإسلام لا يلزم الإنسان البالغ العاقل على الدخول في الإسلام، مع القناعة واليقين بأن الإسلام هو الدين الحق المبين، وأن عقيدته هي الصواب والصراط المستقيم، وأنها المتفقة مع العقل. قال -تعالى-: (لا إِكْرَاهَ فِى الدّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ) [البقرة:256].
ثانيا: احترام بيوت العبادة: فالإسلام يترك لغير المسلم حرية ممارسة العبادات التي تتفق مع عقيدته، ويحرِّم على المسلمين الاعتداء على بيوت العبادة أو هدمها أو تخريبها، أو الاعتداء على القائمين فيها، سواء في حالتي السلم والحرب.
ثالثا: المعاملة الحسنة من المسلم لغير المسلمين: يطلب الإسلام من المسلم أن يعامل الناس جميعًا بالأخلاق الفاضلة، والمعاملة الحسنة، وحسن المعاشرة، ورعاية الجوار، ومعاملتهم بالبر والإحسان.
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزور أهل الكتاب، ويحسن إليهم، ويعود مرضاهم؛ وسار المسلمون على سنته ونهجه طوال التاريخ، وكان هذا السلوك القويم أحسنَ وسيلة للدعوة للإسلام، والترغيب فيه، والتحبيب بأحكامه، مما دفع الملايين إلى اعتناقه.
وكانت هذه المعاملة الأدبية الإنسانية مع غير المسلمين سببًا رئيسًا في ترغيب الناس في الإسلام، ودخولهم في العقيدة، ومشاركتهم في الدين، وانضوائهم تحت راية الإسلام.
ونتيجةً لذلك عاش غير المسلمين في ظلال الخلافة الإسلامية، وفي أحضان المجتمع الإسلامي طوال الأحقاب والقرون ينعمون بالأمن والأمان، والعدل والإحسان، والحرية الدينية، والمشاركة في شؤون الحياة المالية والعلمية والوظائف كما ينعم المسلمون.
وعرف التسامح الإسلامي في التاريخ بصورة مشرقة لم تعرف البشرية له مثيلاً ولا نظيرًا في القديم والحديث، وشهادات المستشرقين والمؤرخين تؤكد ذلك، يقول المفكر الشهير غستاف لوبون: "ما عرف التاريخ ديناً فاتحاً متسامحاً كالإسلام، وما عرف التاريخ أمة فاتحة منتصرة متسامحة كأمة الإسلام".
عباد الله: والأمثلة في عدالة المسلمين وإنصافهم كثيرة لا تحصى، ويكفي في ذلك القصة المشهورة, حينما جاء رجل من أهل مصر يشكو ابن عمرو بن العاص والي عمر بن الخطاب على مصر قائلاً:
يا أمير المؤمنين! عائذ بك من الظلم. قال عُذْتَ معاذا. قال: سابقتُ ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين، فكتب عمر إلى عمرو -رضي الله عنهما- يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه.
فقدم عمرو فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب، فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين.
قال أنس: فضرب، فوالله! لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما رفع عنه حتى تمنينا أن يرفع عنه، ثم قال عمر لعمرو: مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ قال: يا أمير المؤمنين، لم أعلم، ولم يأتني.
فيا له من عدلٍ وإنصافٍ لم يشهد التاريخ الحديث له مثيلاً! أمير المؤمنين يأمر بإحضار أمير مِصْرَ بسبب شكوى واحدة من نصراني كافر! فهل وصلت حضارة الغرب إلى هذا المستوى؟.
عباد الله: إن السبب الرئيس في دخول الناس للإسلام قديما وحديثا ما وجدوه في الإسلام من صفاء العقيدة, وموافقته للفطرة السليمة.
وأما السيف فما كان إلا حارساً, ما كان إلا كاسراً لسطوة الطغاة, الذين يمنعون شعوبهم أن تسمع قولة الحق.
والذي يدلك على هذا أن الأقطار التي كانت تدين بغير دين الإسلام لا يزال كثير من أهلها إلى هذا اليوم متمسكين بدينهم, دون أن يعدوَ عليهم أحد, أو يجبرهم أحد على الدخول في دين الإسلام.
هذه مصر التي فتحت في العشرين سنة الأولى من الهجرة النبوية, لو كان المسلمون قد أدخلوا الناس بالإكراه في دينهم... لما رأيت لهم وجوداً في مصر أبدا, ولم تر كنيسة واحدة فيها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا, وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد الله رب العالمين, ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, الملك الحق المبين, وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفى الأمين, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله: ولنقارن بين ما يقوم به المسلمون من التسامح، والعدل، والمعاملة الحسنة، مع غيرهم، وبين ما يقوم به الغرب تجاه المسلمين.
يقول مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي: إن الولايات المتحدة شهدت في عامِ ألفينِ وثمانية: أكثر من تسعة آلاف جريمة "كراهية" مدفوعة بالتحيُّز لدينٍ أو عرق أو جنس ضد آخر. هذا ما تم إبلاغه ورصده، وما خفي أعظم.
وقارن بين ما فعله المسلمون في البلاد التي افتتحوها عبر التاريخ كله, وبين ما يفعله أعداء الإسلام إذا دخلوا بلداً إسلامياً، فهذه الأندلس, حين فتحها المسلمون أبقوا على كنائسهم, ومعابدهم، ولم يجبروا أهلها على الدخول في الإسلام؛ بل أسلم أكثرهم طوعا واختيارا.
لكن؛ حينما أخذ الكفار الأندلس واحتلوها لم تمض مائة سنة حتى نُسخ منها كل شيء له صلة بالإسلام، ولم يبق فيها مسجد واحد؛ والمسلمون إما مقتول, وإما محروق, وإما مُتنصِّرٌ إكراهاً, وإما مطرود من البلد، وأولادهم أُخذوا منهم قهرا لتُربِّيهم الكنيسة على النصرانية.
عباد الله: وها هي فلسطين الجريحة المحتلة، كيف يمارس في حق شعبها ومقدساتها أبشع الجرائم والقتل؟ على مرأى ومسمع من منظمات العالم، ودول الغرب؛ بل ووقف كثير من هذه الدول في صف اليهود الغاصبين يبررون جرائمهم.
وها هي غزة المحاصرة منذ خمس سنوات؛ بل ويقصف شعبها بالطائرات، ويضربون بالدبابات، ويرمون بالبارجات, حصار وتجويع وإرهاب، وقطع للكهرباء، وقتل للأبرياء، فأين الأمم المتحدة؟ أين حقوق الإنسان؟.
تأتي سفينة محملة بالطعام والدواء, لإنقاذ هذا الشعب الأعزل، فتقصف ويقتل تسعة من أصحابها! ولا زالت الدول الغربية صامتة لا تحرك ساكناً.
وكم من دولة يتنقَّص أهلها القرآن، ويشتمون نبيَّ الإسلام، وحسبك ما فعلوه في سجونهم من الخزي والعار، ويكفي شاهداً على ذلك: سجن "أبو غريب"، ومعتقل "كوبا"، فكم من الفظائع والجرائم ارتكب فيهما!.
وصدق الله: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120].