البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المعاملات |
فخذ مثلاً: الوجبات السريعة التي تجدها في كثير من المطاعم، كم فيها من الأضرار والأوبئة والفساد! هل حصل مراقبة على هذه المطاعم ونحوها؟ هل عرف حالهم وحال من يطهو هذه الأطعمة؟ أهو مؤهل صحيًا وعلمياً أم لا؟ فإن كثيراً من هؤلاء يغشون في هذه المطعومات التي ابتلي بها شبابنا، يتناولونها بأعلى الأسعار، وهي ضرر في نفسها، مكوناتها قد لا ترضاها لنفسك؛ لكن القوم لا يبالون، فلا بد من رقابة صارمة صحية على هذه المطاعم وأمثالها، والبحث...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله: إن من الأمور المهمة التي تهم المجتمع المسلم وجود أسواق للبيع والشراء يتبادلون فيها السلع والبضائع فيما بينهم، وللأسواق شأنها حتى قبل الإسلام فقد كان في الجاهلية قبل الإسلام للعرب أسواق كالمجنة ومجازي وعكاظ.
ولما بعث الله محمداً -صلى الله عليه وسلم- تحرج المسلمون عن تلك الأسواق، فأنزل الله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة:198]، فأباح لهم دخول الأسواق، والبيع والشراء فيها والاتجار: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) [النساء:29]، وقال -جل وعلا-: (فَإذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) [الجمعة:10]، وقال: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) [النور:37].
ولقد حظيت الأسواق بشأن كبير من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان مراقبا ومشرفا عليها، وضع لها الضوابط، وسنّ لها الآداب والأحكام؛ وكان -صلى الله عليه وسلم- يتفقد أسعار السوق بنفسه، ويسأل عن الأسعار والاحتكار.
أتى السوق يوماً فأدخل أصبعه في طعام فرأى في أسفله بللاً فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟" قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: "ألا وضعتَه فوق الطعام كي يراه الناس! مَن غَشَّنَا فليس مِنَّا".
وإذْ أباح الإسلام الاتجار في الأسواق، إلا أنه طهَّرَها من بعض بيوعات الجاهلية المشتملة على الضرر، والغرر، والجهالة؛ ومنع المسلم من بيع الأمور المحرمة، فمِن آدابِ الإسلام آدابٌ وأحكامٌ في السوق، منها آداب عامة، ومنها آداب تخص المشتري، وآداب متعلقة بالبائع نفسه.
فالآداب العامة: أولاً: شرع الإسلام للمسلم ذكر الله في الأسواق، وأن يكون الذكر مقرونا بالاكتساب: (فَإذا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة:10]، ...فذكر الله يحيي القلوب ويقوي الإيمان فيها.
ومن آداب السوق أيضاً: إفشاء السلام، فإن السلام يسبب المحبة، ويقوي الروابط، ويزيل الوحشة بين الناس، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والجلوس في الطرقات!"، قالوا: يا رسول الله، مجالسنا لا بد، نتحدث فيها. قال: "إن أبيتم إلا ذلك فأعطوا الطريق حقه"، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: "غض البصر، وإفشاء السلام، وكفّ الأذى، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر".
ومن آداب السوق أيضاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يخلو السوق من صخبٍ وأقوال باطلة وكذبٍ وأيمانٍ فاجرة، والمسلم مأمور بأن يأمر بالمعروف على قدر استطاعته: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ) [آل عمران:110]، فإذا أمر بالمعروف ونهي عن المنكر اختفت الرذائل والأمور الدنيئة، وعلا الحق؛ وإذا أهمل الناس هذا الجانب ظهرت الرذيلة والشرور والفساد.
ومن الآداب أيضاً: المنع من الصخب، والأصوات المؤذية، والكلام البذيء الذي لا خير فيه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر: "إن الله يبغض كل جعظري جواظ صخاب بالأسواق".
ومن صفات النبي -صلى الله عليه وسلم- في الكتب السابقة: "ليس بالفظّ ولا بالغليظ ولا بالصخاب في الأسواق"، ونهى -صلى الله عليه وسلم- عن الإساءة في الأسواق.
ومن الآداب العامة في البيع والشراء ما يلي: ... التوعية العامة للباعة بوسائل الإعلام بالنشرات المعروفة بالدعوات الصالحة ليكون الناس على وعي في بيعهم وشرائهم، فإن توعية الأمة وتبصيرها في أمور دينها ودنياها من الأمور المهمة.
ومن آداب البيع أيضا البعد عن كثرة الحلف ولو كنت صادقا، فمن حلف بالصدق يوشك أن يحلف كاذبا؛ ولهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب"، ومن الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة رجل جعل الله بضاعته، لا يبيع إلا بيمينه ولا يشتري إلا بيمينه، هذا كله غير لائق، بِعْ واشترِ واحذر اليمين، وحافظ عليها أيها المسلم.
ومن ذلك الكذب في البيع والشراء، الكذب في الأيمان لترويج السلع، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، ورجل ينفق سلعته بالحلف الكاذب"، فاحذر أخي من الأيمان الكاذبة لترويج سلعتك، احذر أن تحلف بيمينك، الزم الصدق، فرزق الله آت إن شاء الله.
ومن الآداب في الأسواق أيضاً: البعد عن الغش؛ فإن الغش حرام على المسلم، فمن آداب البيع المهمة أن يكون البائع بعيداً عن الغش في بيعه، يبيع بيعاً واضحا، وتكون سلعته سلعةً لا غش ولا خيانة فيها، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَن حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا".
... والغش أنواع كثيرة: غش في الإنشاءات؛ فقد يقيم متجراً ويقيم عمارات ويشيدها ويظن الظان أنها على أحسن المستويات لما يرى من تذويق في ظاهرها، إلا أن هذا المنشئ لها غاش في تكوينها، لا يبالي، لو كان هذا مسكنه أو عمله الخاص واستغلاله الخاص لأبدى فيه من القوة والانضباط ما يبدي، لكن؛ لما كان بيعاً تجارياً لا يبالي في الغش، فسرعان ما تظهر خيانته في هذا البيع، وتبدو في البيع عيوب كثيرة أصلها الغش...
ومن الغش أيضاً أيها -الإخوة- الغش في توريد السلع، فربما علم المورد أن هذه الأجهزة الموردة لا بد أن تنتهي في زمن يسير، وهو يعلم ذلك؛ لكنه لا يبالي، حيث إن الذي يستوردها قد يبيعها بأسعار خيالية أو قد يكسوها شعاراً غير شعارها الحقيقي، ترويجاً لها ودعوة إليها، وهو يعلم أنها خراب، وأنها سرعان ما تضعف وسرعان ما تتلف، لكنه لا يبالي؛ لضعف الإيمان في قلبه، وقلة الخوف من الله.
ومن الغش أيضاً -يا عباد الله- الغش بالسلع التي انتهى وقتها المحدد لها، فهو لا يبالي بذلك، فكل مطعوم أو مشروب انتهت صلاحيته حرام عليك أن تبيعه إلى إنسان، حرام عليك أن تبيعه وأنت تعلم أن صلاحيته قد انتهت.
وكم نسمع في الصحف من أن بعض الأمانات اكتشفت أطنانا من المطعومات مضى زمانها وانتهت صلاحيتها، إذا؛ أين الإيمان في قلبك أيها المسلم؟.
إن الغش في السلع الاستهلاكية أو المطعومات من أعظم البلاء، لا سيما الغش في المطعومات والمأكولات، فإن هذا من الغش الذي يهدد صحة الإنسان وسلامته وعافيته، وكثيرٌ من المأكولات التي تباع في المطاعم سبب لجذب أمراض كثيرة.
فخذ مثلاً: الوجبات السريعة التي تجدها في كثير من المطاعم، كم فيها من الأضرار والأوبئة والفساد! هل حصل مراقبة على هذه المطاعم ونحوها؟ هل عرف حالهم وحال من يطهو هذه الأطعمة؟ أهو مؤهل صحيًا وعلمياً أم لا؟ فإن كثيراً من هؤلاء يغشون في هذه المطعومات التي ابتلي بها شبابنا، يتناولونها بأعلى الأسعار، وهي ضرر في نفسها، مكوناتها قد لا ترضاها لنفسك؛ لكن القوم لا يبالون، فلا بد من رقابة صارمة صحية على هذه المطاعم وأمثالها، والبحث عنها وعن تكويناتها، والعلم التام بأن هؤلاء لا يقدمون شيئا فيه ضرر.
إن كثيراً من الأوبئة والأمراض سببها من المأكولات الغير صحية التي لا يبالي مقدموها بما يقدمون، المهم أن يأخذوا أموالاً، دون مبالاة، ولهذا كثرت وانتشرت في البلاد لكثرة دخلها وعظيم ربحها؛ لكن الواجب أن توضع رقابة صارمة صحية على هؤلاء، وأن يبحث عن هؤلاء، وهل هذه الوجبات صحية أم لا؟ وهل هي خالية من الأضرار التي تهدد صحة أبنائنا وبناتنا؟.
ومن آداب البيع أيضاً: صدق البائع في بيعه وصدق المشتري في شرائه، فالبائع يصدق في بيعه، لا يكون كاذبا ولا غاشاً ولا خائنا، بل صادقا يعرض السلعة سليمة من العيوب، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا؛ فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما".
فصدق البائع واضح في سلعته، وخلوها من العيوب، وسلامتها، وصدق المشتري -أيضاً- في وفائه في الثمن، وإعطائه في وقته، لا تكون شيكاته مزورة أو خالية من الرصيد، بل يكون رصيدها موجودا حتى لا يضر بذلك البائع.
ومن الآداب في البيع أيضاً: تقوى الله، والعدل في الوزن والكيل، يقول الله -جل وعلا-: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إذا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإذا كَالُوهُمْ أو وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين:1-6].
وقال عن شعيب إنه قال لقومه: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [هود:85]. فمن المصائب الإخلال بالمكاييل والموازين... وخداع الناس بذلك.
ومن الآداب في البيع: القناعة لدى البائع بما يسر الله له، فأنت -أيها البائع- لا بد أن تربح وتسعى في الربح؛ لكن، ليكن هذا الربح ربحاً واقعياً لا ربحاً تجاوزيا.
إن كثيراً من المبالغات في السلع التي يفرضها بعض الباعة مخالفة للواقع، فتكون السلعة مثلاً بكذا وترى الأرباح فيها أحيانا قد تصل إلى مائة في المائة، وأكثر من ذلك، فلا بد من قناعة لك أيها المسلم، وقناعة بالرزق الذي تحصل عليه، وأن يكون ربحك ربحاً طيباً، ربحا مباركا، لا ضرر فيه على الآخرين، وفي الحديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه".
ومن الآداب أيضاً: الالتزام بالعهود والعقود والوفاء بها، قال الله -جل وعلا-: (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [المؤمنون:8، المعارج: 32]، وقال: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ أن الْعَهْدَ كان مَسْئُولاً) [الإسراء:34]، والبيع والشراء عقد، والله يقول: (وَأَشْهِدُوا إذا تَبَايَعْتُمْ) [البقرة:282]، كل ذلك من أجل رفع الحرج، والوفاء بالعقود، وعدم الخيانة والخداع في ذلك.
ومن آداب البيع أيضاً: أن يكون المسلم بعيداً عن بيع كل أمر محرم، فكل أمر تحرمه الشريعة تكون بعيداً عنه؛ لأن الله يقول لنا: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2]، فمن التعاون على العدوان البيوع المحرمة، كبيع الخمور والخنزير والميتة والحيوانات الغير مأكولة، وغير ذلك.
ولقد روى أبو مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن. فنهى عن ثمن الكلب، ونهى عن مهر البغي، وما تُعطَى البغي -والعياذ بالله- على استحلال فرجها، ونهى عن حلوان الكاهن، ما يأخذه الكهنة خداعا وكذبا.
وفي حديث جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "حرم الله ورسوله بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام"، وفي الحديث الآخر: "قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم الشحوم جملوه فباعوه فأكلوا ثمنه، وإن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه".
ومن آداب البيع: أن يترك المسلم وقت سماع الأذان: "حي على الصلاة حي على الفلاح" بيعه وشراءه، ويقبل إلى المسجد لأداء هذه الفريضة؛ ليتمكن من الوضوء وإدراك تكبيرة الإحرام، وإدراك الجماعة، فذلك خيرٌ له من الدنيا وما عليها، قال الله -جل وعلا-: (فِي بُيُوتٍ إذنَ اللَّهُ أن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) [النور:36-37].
فيا أيها المسلم: عند سماع: حي على الصلاة حي على الفلاح؛ أغلق متجرك وأقبل على صلاتك، فذلك خير لك.
ومن الآداب أيضاً: السماحة في البيع والشراء، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "رحم الله امرءاً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى"، فالسماحة في بيعك وفي شرائك وفي اقتضائك أخلاق إسلامية يتحلى بها المسلم ويقوم بها.
فيا أيها المسلم: اتق الله في نفسك وفي بيعك، التزم آداب الإسلام في بيعك وشرائك، لتكون تجارتك تجارة صالحة صادقة، التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فلنتق الله في أنفسنا، ولنتأدب بآداب الشريعة.
وعلى مراقبة الأسواق والمسؤولين عنها أن يراقبوا الأسواق مراقبة جيدة، مراقبة إيمانية، فالمؤمن يحمله إيمانه على البعد عن الغش والخيانة، ومن لم يحمله إيمانه على ذلك فإن على المراقبة الأخذ على أيدي المتلاعبين والعابثين في الأسعار والعابثين بالمأكولات... يجب أن يأخذوا على أيديهم ليكون بين الناس تعاون على الخير والتقوى، تعاون على ما فيه المنفعة...
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقولُ قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ: فيا أيُّها النَّاس، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عباد الله: لغة العرب شعار الإسلام، وسبب لفهم الإسلام، واللغات عند كل الأمم هي عنوان للبروز والشأن.
إن العالم الإسلامي الذي يحافظ على اللغة العربية يدل على خير فيه؛ لأن لغة العرب هي اللغة التي جاء بها القرآن والسنة، فكتاب الله بلسان عربي، ورسول الله عربي، فهذه نعمة من نعم الله.
إننا حينما نستعرض أسواقنا الكبار في بلادنا نجد أن هذه الأسواق تحمل أسماء أجنبية بعيدة عنا، فلماذا أيها الإخوة؟ ماذا إذا أسميناها أسماء عربية إسلامية لنحافظ على لغتنا ولنحافظ على الشريعة العظيمة؟ فإن تسمية الأسواق بالأسماء الأجنبية البعيدة غير لائق بالمسلمين، نسأل الله الهداية والتوفيق.
أيتها المرأة المسلمة: أحب أن أوجه لك بعض النصائح: فاتقي الله في نفسك، عندما تخرجين إلى السوق فالزمي تقوى الله، ابتعدي عن السفور والتبرج وعن التعطر والتزين، وكوني على حذر في تعاملك مع الآخرين، كوني على حذر، والله يقول: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) [الأحزاب:32].
أقِلِّي الكلام إلا فيما ينفع، احذري في الأسواق الانتقال من سوق إلى سوق بلا داع ولا غرض ولا حاجة، اتقي الله في ذلك، وخاطبي عندما تخاطبين الرجل بخطاب فيه الحذر وعدم الانبساط، خاطبي بما يعود عليك بالنفع ويعود على سلعتك بالفائدة دون التوسع في القول، ودون كثرة الخطاب.
التزمي بالحجاب في الأحوال كلها، فحجابك عزتك وكرامتك: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) [النور:30-31].
فكوني على حذر، وكوني خائفة من الله، وكوني مراقبة لربك في الدخول في الأسواق والخروج منها، فإن هذا هو اللائق بك كامرأة مسلمة تخاف الله وتتقيه.
أسأل الله أن يحفظ الجميع بالإسلام، وأن يوفقنا جميعاً للتمسك بهذه الشريعة والتأدب بآدابها في أقوالنا وأعمالنا؛ إنه على كل شيء قدير.
واعلموا -رحمكم الله- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد...