البحث

عبارات مقترحة:

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

البارئ

(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

من مشاهد القيامة (الشفاعة العظمى)

العربية

المؤلف محمد بن مبارك الشرافي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
  1. من مشاهد القيامة .
  2. حديث الشفاعة .
  3. إظهار الحديث لفضل نبينا الكريم .
  4. أحكام تتعلق بالشفاعة .
  5. ضرورة معرفة تلك الأحكام .

اقتباس

إِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانَاً لِلشَّرَفِ الْعَظِيمِ الذِي يَنَالُهُ رَسُولُنَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَيْثُ...ثُمَّ إِنَّ اللهَ يُرِيحُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ الْعَصِيبِ بِشَفَاعَةِ رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشَّفَاعَةَ الْعُظْمَى، بَعْدَ أَنْ يَتَرَاجَعَ مِنْهَا أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، حَيْثُ إِنَّ كُلَّاً مِنْهُمْ يَخَافُ وَيُحْجِمُ عَنِ..

الخطبةُ الأولى:

الْحَمْدُ للهِ الذِي لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلا وَلَدَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ أَبَداً، وَأَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ إِلَهاً صَمَداً، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالْحَقِّ وَالْهُدَى، وَبِجِهَادِ الْعِدَا، وَبِالنَّجَاةِ مِنَ الرَّدَى، وَبِالشَّفَاعَةِ غَدَا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ مَا سَارَ رَاكِبٌ منْجِدا، وَمَا انْتَابَ مُؤْمِنٌ مَسْجِدا.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ حَيَاتَنَا هَذِهِ زَائِلَةٌ لا مَحَالَةَ وَأَنَّنَا إِلَى رَبِّنَا صَائِرُونَ، وَإِلَى خَالِقِنَا رَاجِعُونَ، إِنَّنَا سَوْفَ نُحْشَرُ جَمِيعَاً إِنْسَاً وَجِنَّا، عَرَباً وَعجماً، مُسْلِمِينَ وَكُفَّاراً، بَلْ حَتَّى الدَّوَابُ واَلْهَوَامُ وَالْوُحُوشُ وَالطُّيُورُ تُحْشَرُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [الأنعام:38].

إِنَّهُ مَنْظَرٌ رَهِيبٌ، وَمَوْقِفٌ عَصِيبٌ؛ إِنَّهُ يَوْمٌ يَشِيبُ فِيهِ الصَّغِيرُ، وَيَخَافُ فِيهِ الْكَبِيرُ، (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا) [المزمل:17].

إِنَّهُ يَوْمٌ تُسْقِطُ الْحَامِلُ فِيهِ حَمْلَهَا مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَتَنْشَدهُ الْمَرْأَةُ عَنْ طِفْلِهَا مِنْ عِظَمِ الْكَرْبِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج:1-2].

إِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَحْصُلُ فِيهِ الكَثِيرُ مِنَ الْكُرُوبِ وَالأَهْوَالِ، وَلا يَنْجُو إِلَّا مَنْ عَرَفَ اللهَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، فَوَحَّدَهُ، وَأَطَاعَهُ، وَاتَّبَعَ رُسَلَهَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلامُهُ، وَآخِرُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّهُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَجْمَعُ اللهُ الْخَلْقَ، وَيَلْحَقُهُمْ مِنْ الشِّدَّةِ مَا لا يُطَاقُ وَلا يُحْتَمَلُ، حَتَّى إنه جَاءَ في بَعْضِ الآثَارِ أَنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَرِحْنِي مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ وَلَوْ إِلَى النَّارِ! ظَنَّاً مِنْهُ أَنَّ جَهَنَّمَ أَهْوَنُ مِمَّا هُوَ فِيهِ، وَذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ الْكَرْبِ.

ثُمَّ إِنَّ اللهَ يُرِيحُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ الْعَصِيبِ بِشَفَاعَةِ رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشَّفَاعَةَ الْعُظْمَى، بَعْدَ أَنْ يَتَرَاجَعَ مِنْهَا أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، حَيْثُ إِنَّ كُلَّاً مِنْهُمْ يَخَافُ وَيُحْجِمُ عَنِ الإِقْدَامِ عَلَى الشَّفَاعَةِ مِنْ شِدَّةِ الْمَوْقِفِ وَهَوْلِ الْمَطْلَعِ.

وَتَعَالَوْا بِنَا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- نَسْتَمِع إِلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَيْثُ يَحْكِي لَنَا مَا سَوْفَ يَكُونُ مِنْ أَمْرِ الشَّفَاعَةِ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَشَ مِنْهَا نَهْشَةً، ثُمَّ قَالَ: "أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟.


يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمْ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنْ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ وَلَا يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟.


فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: عَلَيْكُمْ بِآدَمَ! فَيَأْتُونَ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلَام-، فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنْ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي! اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ.


فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي! اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ.


فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلَاثَ كذبات! نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي! اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى.


فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي! اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ.


فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ -وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا- نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي! اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ.


فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَخَاتمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟.


فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ-، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ.


فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ! أُمَّتِي يَا رَبِّ! أُمَّتِي يَا رَبِّ! فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ منْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ
".

ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنَّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: سَمِعْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ الْعَظِيمَ الذِي هُوَ كَائِنٌ لا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ الذِي أَخْبَرَ عَنْهُ مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، وَفِيهِ عِبْرَةٌ لِمَنِ اعْتَبَرَ، وَذِكْرَى لِمَنِ ادَّكَر.

إِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانَاً لِلشَّرَفِ الْعَظِيمِ الذِي يَنَالُهُ رَسُولُنَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَيْثُ يَخْتَصُّهُ اللهُ بِهَذِهِ الْمَنْقَبَةِ وَبِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ مِنْ بَيْنِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فَيَأْذَنُ لَهُ بِالشَّفَاعَةِ لِيُكْرِمَهُ وَيَنَالَ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ.

أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِيْ ولَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، الْحَمْدُ للهِ حَمْدَاً كَثِيرَاً طَيِّبَاً مُبَارَكَاً فِيهِ، وَالصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى أَزْكَى رَسُولٍ وَخَيْرِ نَبِيٍّ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَزَوْجَاتِهِ وَبَنَاتِهِ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ لِقَائِهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا الْمُوَحِّدُونَ: إِنَّ مَوْضُوعَ الشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُهِمٌّ لِلْغَايَةِ، وَمَعْرِفَةُ أَحْكَامِهِ ضَرُورَيَّةٌ، وَذَلِكَ لِأَمْرَيْنِ:

أَوَّلُهُمَا: لِكَيْ نَعْرِفَ كَيْفَ نَنَالُ هَذِهِ الشَّفَاعَةَ لِنَسِيرَ فِي دُنْيَانَا عَلَى هَذَا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيامَةِ صِرْنَا دَاخِلِينَ فِي هَذِهِ الشَّفَاعَةِ النَّافِعَةِ.

وَثَانِيهُمَا: لِأَنَّ ضَلالَ كَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدِيمَاً وَحَدِيثَاً هُوَ فِي مَسْأَلِةِ الشَّفَاعَةِ، حَيْثُ يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللهِ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَوْثَانِ أَوِ الصَّالِحِينَ وَالأَوْلِيَاءِ، وَيَتَقَرَّبُونَ إِلَيْهِمْ بِالذَّبَائِحِ وَالنُّذُورِ بِزَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ يَنَالُونَ بِذَلِكَ شَفَاعَتَهُمْ عِنْدَ اللهِ لِمَا لَهُمْ مِنَ الْجَاهِ وَالْمَنْزِلَةِ عِنْدَ اللهِ!.

وَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ الْعَظِيمُ الذِي أَرْسَلَ اللهُ الرَّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَلِمُحَارَبَتِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) [الزمر:3].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الشَّفَاعَةَ كُلَّهَا للهِ، لا يَمْلِكُهَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [الزمر:44].

فَالْمَالِكُ لِلشَّفَاعَةِ هُوَ اللهُ، فَلا تُطْلَبُ إِلَّا مِنْ عِنْدِهِ، وَمَنْ طَلَبَهَا مِنْ غَيْرِهِ ضَلَّ وَانْحَرَفَ؛ وَلِذَلِكَ سَمِعْنَا الْحَدِيثَ فِي الْخُطْبَةِ الأُولَى، حَيْثُ إِنَّ رَسُولَنَا مُحَمَّدَاً -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذِي هُوَ الشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ، وَسَيِّدُ النَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَمَعَ ذَلِكَ مَا اسْتَطَاعَ وَلا تَجَرَّأَ أَنْ يَشْفَعَ مُبَاشَرَةً، بَلْ خَرَّ سَاجِدَاً تَحْتَ الْعَرْشِ وَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَتَاهُ الإِذْنُ مِنَ الرَّبِّ الْعَظِيمِ وَالْمَلِكِ الْكَبِيرِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِيَرْفَعَ رَأَسَهُ وَيَتَكَلَّمَ وَيَشْفَعَ.

فَأَيْنَ أُولَئِكَ الْمَساكِين وَالضُّعَفَاء الضَّالُّون الذِينَ يَلْهَجُونَ بِأَسْمَاءِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِيَشْفَعُوا لَهُمْ عِنْدَ اللهِ بِحُجَّةِ أَنَّ لَهُمْ جَاهَاً وَمَكَانَةً عِنْدَ اللهِ! فَنَقُولُ: اطْلُبِ الشَّفَاعَةِ مِنْ رَبِّكِ الْمَالِكِ لَهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا تَفْعَلُهُ شِرْكٌ أَكْبَرُ مُخْرِجٌ لَكَ عَنِ الْمِلَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، فَأَنَّى لَكَ الشَّفَاعَةُ؟ وَكَيْفَ تَكُونُ لَك النَّجَاةُ؟.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: إِنَّكَ تَنَالُ الشَّفَاعَةَ بِطَلَبِهَا مِنَ اللهِ، وَبِاتِّبَاعِكَ لِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الدُّنْيَا، وَالسَّيْرِ عَلَى طَرِيقِهِ، وَتَعَلُّمِ سُنَّتِهِ، وَالْعَمَلِ بِهَا، وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا.

جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ كَذَلِكَ، وَثَبتنا عَلَى مَا يُحِبُّهُ مِنَّا حَتَّى نَلْقَاهُ وَهُوَ رَاضٍ عَنَّا.

اللَّهُمَّ يَا حِيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ ارْزُقْنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّكَ مُحَمِّدٍ وَاتَّبَاعَهَ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً، اللَّهُمَّ أَدْخِلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ، اللَّهُمَّ أَدْخِلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ، اللَّهُمَّ أَدْخِلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ.

اللَّهُمَّ أَسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ، وَاجْمَعْنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَوَالِدِينَا وَزَوْجَاتِنَا وَأَهَالِينَا وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.