البحث

عبارات مقترحة:

المتين

كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

ذم الإسراف

العربية

المؤلف عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المهلكات
عناصر الخطبة
  1. ذم الإسراف .
  2. التحذير منه .
  3. آثاره ونتائجه .
  4. مفهوم الإسراف .
  5. من صوره .
  6. التوبة منه. .

اقتباس

أيها المؤمنون عباد الله: والإسراف في الأموال والمطاعم والمشارب والملابس هو كلُّ تعدٍّ في هذا الباب، سواء في سبُل تحصيلها، أو في طرائق إنفاقها وبذلها، فكل ذلكم يدخله الإسراف؛ إذ إنَّ كل تجاوز لحد الشرع في ذلك، سواء اكتساباً لهذه الأموال أو إنفاقاً لها، فهو من الإسراف، وصاحبه...

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، وأمينه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بعد: أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله -تعالى-؛ فإنَّ من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أيها المؤمنون: خَصلةٌ ذميمة، وخَلَّةٌ مشينةٌ، جاء ذمُّها في كتاب الله -تبارك وتعالى-، والتحذير من فِعلها، وذمّ أهلها، وبيان ما أعدَّ الله لهم من عقوبات في الدنيا والآخرة؛ ألا وهي: الإسراف.

وفي القرآن الكريم ما يزيد على العشرين موضعاً في التحذير من الإسراف وذمِّ المسرفين.

فأخبر الله -جل وعلا- أنَّه لا يحب أهل الإسراف؛ قال الله تعالى: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31].

وأخبر -جل وعلا- بأنَّ المسرفين هم أهل النار؛ قال الله تعالى: (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) [غافر:43].

وأخبر -جل وعلا- أنَّ الإسراف سببٌ لهلكة أهله، وحلول العقوبة بهم في الدنيا والآخرة؛ قال الله -تبارك وتعالى-: (ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) [الأنبياء:9]، وقال -تعالى-: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء:16].

وأخبر -جل وعلا- أنَّ الإسراف من تزيين النفس الأمَّارة بالسوء وتزيين الشيطان؛ قال الله تعالى: (كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [يونس:12].

وأخبر -سبحانه وتعالى- أنَّ الإسراف موجبٌ للحرمان من الهداية والتوفيق من الله -جل وعلا-، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) [غافر:28]، وقال الله تعالى: (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ) [غافر:34]، والآيات في هذا المعنى عديدة.

أيها المؤمنون عباد الله: والإسرافُ: مجاوزة القصد وحدِّ الاعتدال؛ ولا يختص في باب النفقة كما هو شائع لدى كثيرٍ من الناس، يقول إياس بن معاوية -رحمه الله تعالى-: "ما جاوزتَ به أمر الله فهو سَرَف"؛ وعليه -عباد الله- فإنَّ الإسراف له صورٌ كثيرة، وأنواعٌ عديدة، ولا يختص في جانب النفقة والمطعم والمأكل.

وإنَّ أخطر الإسراف وأشنعه: الكفر بالله رب العالمين، والإشراك به باتخاذ الأنداد وتكذيب الرسل والنبيين؛ قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) [طه:127].

ومن الإسراف: الإسراف في القتل؛ بأن يُقتل غير القاتل، أو أن يُتعَدَّى على ذوي القاتل ظلماً وبغيا، أو أن يُتعدَّى على القاتل نفسه تمثيلاً وتجاوزاً وتعدِّيا؛ فكل ذلكم إسرافٌ محرم، قال الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا)[الإسراء:33].

ومن الإسراف -عباد الله- فِعل الفواحش، واقتراف الرذائل، ولذا قال لوط -عليه السلام- في نصحه لقومه وتحذيره لهم: (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) [الأعراف:81].

وقال الله -جل وعلا- في ذكر سياق حلول العقوبة بهم: (قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) [الذاريات:31-34].

وعموماً -أيها المؤمنون- كل اقترافٍ للذنوب وارتكابٍ للخطايا والآثام فهو من الإسراف، وصاحبه معرض للعقوبة.

وأما الإسراف في النواحي المالية والمطاعم والمشارب والملابس ونحو ذلك فبابٌ مشهورٌ معلوم؛ قال الله -تبارك وتعالى-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31].

روى الإمام أحمد -رحمه الله- في مسنده بسندٍ صحيح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلَا سَرَفٍ".

وروى البخاري في صحيحه تعليقا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنَّه قال: "كُلْ مَا شِئْتَ، وَالبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ".

أيها المؤمنون عباد الله: والإسراف في الأموال والمطاعم والمشارب والملابس هو كلُّ تعدٍّ في هذا الباب، سواء في سبُل تحصيلها، أو في طرائق إنفاقها وبذلها، فكل ذلكم يدخله الإسراف؛ إذ إنَّ كل تجاوز لحد الشرع في ذلك، سواء اكتساباً لهذه الأموال أو إنفاقاً لها، فهو من الإسراف، وصاحبه معرض للعقوبة.

فأكل الربا، والرشوة، والميسر، والتحايل على الناس، وغشّهم في البيع والشراء؛ كل ذلكم إسراف في باب اكتساب الأموال.

وكذلكم -عباد الله- تناول ما حرَّم الله من مأكل أو مشرب؛ كتعاطي المخدرات وشرب الخمور وشرب الدخان ونحو ذلك، كلُّ ذلكم من الإسراف، فكم من أموال أُهدرت بيعاً وشراءً لهذه المحرمات! وكل ذلكم من الإسراف، وصاحبه معرض للعقوبة.

وفي باب الملبوسات -عباد الله -كم يقع الناس في صورٍ من الإسراف المحرمة، يتعدَّون فيها حدود الله، سواءً بلبس ألبسة محرمة في ذاتها؛ كالذهب والحرير على الرجال، أو بتجاوز حدِّ الشرع فيها كالإسبال في الثياب ولبس ثياب الشهرة ونحو ذلك، فكل ذلكم من الإسراف المحرم، وفاعله معرض للعقوبة.

ومن الإسراف -عباد الله- الإسراف في المناسبات والاحتفالات، ولا سيما مناسبات الزواج ونحو ذلك؛ فكم يقع فيها من صور شنيعة من الإسراف، ناهيك عما يقع من أفعالٍ محرمة وصورٍ منكرة وهي داخلةٌ في الإسراف، وفاعل ذلك معرض للعقوبة.

والباب عباد الله بابٌ واسع يدركه كلُّ متبصِّر، ويعرفه كلُّ متأمل.

ألا فلنتقِ الله ربنا -جل وعلا-، ولنتذكر أن مردَّنا إلى الله، وأننا سنقف بين يديه -جل في علاه-، وأنَّه سائلنا -سبحانه-؛ فلنعدَّ للمسألة جوابا، وليكن الجواب صوابا.

سدَّد الله خطانا أجمعين، وأصلح لنا شأننا كلَّه، إنَّه -تبارك وتعالى- سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمد الشاكرين، وأثني عليه ثناء الذاكرين، لا أحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله -تعالى-، وراقبوه -سبحانه- مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه.

أيها المؤمنون عباد الله: لقد دعا الله -تبارك وتعالى- في آية في القرآن - وُصفت بأنها أرجى آية في القرآن- عبادَه إلى التوبة إليه من الإسراف في كلِّ صوره وجميع أشكاله، منبِّهاً عباده أنَّه -سبحانه- يقبل توبة التائبين وإنابة المنيبين مهما كان الذنب، ومهما بلغ الجُرم.

قال الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].

ومن الدعوات في القرآن الكريم: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [آل عمران:147].

وثبت في صحيح مسلم أنَّ نبينا -صلى الله عليه وسلم- كان يقول بين التشهد والتسليم في صلاته: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ".

واعلموا -رعاكم الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وعليكم بالجماعة؛ فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذ شذَّ في النار.

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصُر من نصَر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-.

اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في أرض الشام وفي كل مكان، اللهم كن لهم ناصراً ومعِينا وحافظاً ومؤيدا، اللهم احفظهم بما تحفظ به عبادك الصالحين، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم آمن روعاتهم، واستر عوراتهم، واحقن دماءهم.

اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.

اللهم إنا نعوذ بك من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحُول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلِّغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا.

اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلِّط علينا من لا يرحمنا.

اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، ونسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، ونسألك قلباً سليماً ولساناً صادقا.

ونسألك شكر نعمتك، وحُسن عبادتك، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك مما تعلم، إنك أنت علام الغيوب.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

ربنا إنَّا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.