القابض
كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...
العربية
المؤلف | ناصر العلي الغامدي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
الأنوثة" و"الذكورة" فطرة مغروسة في طباع الإنسان تقتضي أن يوجد الإنسان ليتحقق التكامل لا التساوي في جدلية العلاقة بين المرأة والرجل في هذا الكون، ولهذا... وأحكامٌ كثيرةٌ جدًّا، فالرجال يَنْكِحُون مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خافوا أَلَّا يعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهمْ، بينما المرأة ليس لها إلا زوجٌ واحدٌ؛ لئلا...
أيها الإخوة المسلمون: هل الذكرُ كالأنثى؟ هل الأنثى كالذكر؟ الجواب: هناك مساواة، وهناك فوارق.
عرفنا في الجمعة الفائتة أنَّ المرأة تساوي الرجل في أصل النشأة: (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) [النساء:1].
هناك مساواةٌ بين الذكر والأنثى في الكرامة الآدميَّة: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء:70]. وهناك مساواة في العقاب والجزاء وكثير من التكاليف الشرعية: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97].
ولكنْ؛ المرأة ليستْ كالرجل في كلِّ شيءٍ، (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) [آل عمران:36]. الإسلام دين العدل، هناك تمايُزٌ عادل بين الذكر والأنثى، هناك فروقاتٌ بين الرجل والمرأة حتى في بعض أحكام الشريعة.
ففي الشهادة على المعاملات المالية، شهادةُ امرأتين بشهادة رجلٍ واحدٍ؛ قال تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) [البقرة:282].
وفي الميراث ترث الأنثى نصفَ ميراث الرجل اذا كان عصبةً لها؛ لقوله -عز وجل-: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) [النساء:11].
وصلاة الجمعة والجماعة في المساجد واجبةٌ على الرجال دون النساء، بينما صلاة المرأة في بيتها أحبُّ إلى الله.
قال -صلى الله عليه وسلم- في أمر الرجال: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ" متَّفقٌ عليه.
وقال -صلى الله عليه وسلم- في شأن النساء: "لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وهو صحيح.
أيها الإخوة المسلمون: الجهاد فُرِضَ على الرجال: (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [التوبة:41].
بينما النساء، قالت عائشة -رضي الله عنها-: يا رَسُولَ اللَّهِ، على النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قال: "نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ" رواه ابن ماجه وهو صحيحٌ.
وقالت أُمُّ كَبْشَةَ -رضي الله عنها-: يا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَخْرُجَ مع جَيْشِ كَذَا وكَذَا قال: "لا"، قَالَتْ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي لا أُرِيدُ الْقِتَالَ، إِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ أُدَاوِيَ الْجَرِيحَ وَالْمَرِيضَ. قال: "لَوْلَا أَنْ تَكُونَ سُنَّةً، يُقَالُ: خَرَجَتْ فُلَانَة، لَأَذِنْتُ لَكِ، ولكنْ اجلسي في بيتك" صحَّحه الألباني.
وكذلك قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لأمِّ ورقةَ لما أرادتْ الخروجَ معه في غزوة بدرٍ تريدُ الشهادةَ، قال لها: "قَرِّي فِي بَيْتِكِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْزُقُكِ الشَّهَادَةَ" حديثٌ حسنٌ.
وفي السفر، الرجل يسافر بلا زوجة، والمرأة لا تسافر وحْدها، قال -صلى الله عليه وسلم-:"لاَ تُسَافِرِ المَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الحَجَّ، فَقَالَ: "اخْرُجْ مَعَهَا" رواه الشيخان.
المرأة تلبس الحرير والذهب، وهما حرام على الرجل. أَخَذَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- حَرِيرًا بِشِمَالِهِ، وَذَهَبًا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ رَفَعَ بِهِمَا يَدَيْهِ، فَقَالَ: "إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ" رواه ابنُ ماجه وهو صحيحٌ.
وفي اللباس المرأة ترخي ثيابها شبرًا بل ذراعًا في الأرض؛ لئلا تنكشف قدمُها، والرجل لا يجوز له إسبال الثوب أسفل الكعبين. قال -صلى الله عليه وسلم- في لباس الرجال: "مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْإِزَارِ فِي النَّارِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وقال في إسبال المرأة: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ:" يُرْخِينَ شِبْرًا" فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ، قَالَ:" فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لاَ يَزِدْنَ عَلَيْهِ" رواه الترمذيُّ وهو صحيحٌ.
المرأة تخرج ساترةً متحجِّبةً غير متبرِّجةٍ ولا متعطِّرةٍ، والرجل يتطيَّب ويكشف عن وجهه وكفَّيه.
وأحكامٌ كثيرةٌ جدًّا، فالرجال يَنْكِحُون مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خافوا أَلَّا يعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهمْ، بينما المرأة ليس لها إلا زوجٌ واحدٌ؛ لئلا تختلط الأنساب.
الرجل بيده عُقْدةُ النكاح يملك الطلاق ويصح منه، بخلاف المرأة. والرجل يتزوج من الكتابية، والمرأة المسلمة لا تتزوج إلا مسلماً.
يا عباد الله: لماذا جاءت هذه الأحكام الشرعيَّة مختلفةً بين الذكر والأنثى؟ أهي تعسُّفيَّةٌ معاذ الله! أهي تنقُّصية للمرأة؟ حاشا لله!.
ليس هذا التفريق تحيُّزًا إلى الرجل، أو تنقُّصًا لقدر الأنثى. إذنْ ما الأمر؟ .
الأمر باختصارٍ: رعايةً لطبيعة خِلقة المرأة وفطرتها ونفسيَّتها وأنوثتها وفتنتها، (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى)،
- ليس الذكر كالأنثى من الناحية السيكولوجية النفسانية.
- وليس الذكر كالأنثى من الناحية البيولوجية الجسمانية.
- وليس الذكر كالأنثى؛ فالرجل أكثر خشونة وصلابة وقوَّةً وتحملاً للأعباء بينما المرأة أكثر رقَّةً ونعومةً وعطفاً وحناناً! هذا حكم الله القدري، هذا حكمُ الأعلمُ بالحِكَمِ والمصالح: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14].
وبهذا نعلم -أيها المسلمون والمسلمات- أنَّ الضابط الأساس الذي قامتْ عليه تشريعات الإسلام في حقِّ المرأة هو العدل والرحمة بالرجل والمرأة؛ لأنَّ خروجهنَّ من بيوتهنَّ خلافُ الأصل، (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) [الأحزاب:33]، فيه فتنةٌ وشبهةٌ وشهوةٌ.
ولهذا قالت أمُّ المؤمنين الفقيهة العالمةُ الصديقةُ بنتُ الصديق عائشة -رضي الله عنهما-: "لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ المسْجِدَ" متفقٌ عليه.
يعني: لما رأتْ في نساء ذاك الزمان من إظهارِ الزينة ورائحةِ الطِّيْب قالتْ ذلك.
ولهذا؛ المرأة مأمورةٌ بالقرار في البيتِ وألا تتبرَّج بزينةٍ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ" متفق عليه.
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
يا مسلمون ويا مسلمات: عندما تكون الأنثى مدرسة أجيالٍ لتخريج قادةٍ أبطالٍ، حينئذٍ تستحقُّ الأنثى تفضيلاً على من تخلَّى من الرجال عن مسؤوليته تجاه أسرته.
عندما تكون الإناثُ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ صَّالِحَات حَافِظَات لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ، حينئذٍ تستحقُّ الأنثى تفضيلاً على من تخلَّى من الرجال عن دينه وأخلاقه.
وكم من أنثى نفع الله بها والديها ما لم ينفعهما بولدٍ ذكر، وتأملوا قول الله -عز وجل-: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) [الشورى:49]، كيف قدم هبة الإناث على الذكور!.
وقد كان الأنبياءُ آباءَ بناتٍ وأبناءَ أمَّهات، ألسنا نقول: عيسى ابن مريمَ -عليه السلام-، أليس شيخُ الإسلام هو ابن تيمية؟ يُنْسب إلى جدَّتِه الواعظةِ تيميةَ.
تاريخنا الإسلامي يزخر بأسماءٍ لامعةٍ لنسوة مثقفات شاعرات عالمات فقيهات محدثات فُقْنَ كثيرًا من الرجال، كأمَّهات المؤمنين والصحابيات، وكالخنساء، والزرقاء، وغيرهنَّ كثيرٌ، ولذا قيل: وراءُ كلِّ رجلٍ عظيمٍ امرأةٌ، فكفى بهذا شرفًا وفخرًا وقدْرًا.
فلو كان النساءُ كَمَنْ ذَكَرْنَا | لفُضِّلَتِ النساءُ على الرجالِ |
فما التّأنيثُ لاسمِ الشمسِ عَيْبٌ | ولا التذكيرُ فخرٌ للهلالِ |
نصوص كبرى في الكتاب والسنة كرَّمَتِ المرأة تكريما لا مثيل له في أيِّ تشْريعٍ، بل إنَّ امرأةً أميركيةً باحثةً قالت: أنا دخلت الإسلام من بابٍ واحدٍ، فلما سألوها عنه، قالت: قرأت القرآنَ كلَّه، ولم أجدْ في أيِّ كتابٍ آخرَ، لا في الإنجيلِ ولا التوراةِ ولا كتبِ الدياناتِ الكبرى، لم أجد فيها نصًّا في أيِّ مكانٍ منها يقول "إن المرأة خير كثير" إلا في القرآن الكريم، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء:19].
يا عباد الله: "الأنوثة" و"الذكورة" فطرة مغروسة في طباع الإنسان تقتضي أن يوجد الإنسان ليتحقق التكامل لا التساوي في جدلية العلاقة بين المرأة والرجل في هذا الكون، ولهذا "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ" رواه البخاري.
وما يحدثُ الآن في عصر الحضارة والتقدُّم العلمي من عمليات استنساخ الذكورة والأنوثة بالعبث في الجينات الوراثية لهو -حقيقةً- عدوانٌ على كلا الجنسين، وهو من عمل الشيطان المريد، الذي قال: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً) [النساء:119].
لا لخلط الأوراق، وتبادل الوظائف، لا لتوحيد الجنس، لا لجنسٍ ثالثٍ مخنَّثٍ مذبذبٍ لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، الذكر ذكر والأنثى أنثى.
كل ذلك من شأنه أن يقلب الفطرة، ويعكس السنن الاجتماعية، والكونية الإلهية، ويجعل عاليها سافلها.
عباد الله: صلوا وسلموا على نبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- فقد أمرنا بذلك ربنا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ...