الحي
كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...
العربية
المؤلف | محمد بن سعد الدبل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن مما يحث عليه شرع الله في كتابه وسنة رسوله امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وإن ما حضّ وحثّ عليه شرع الله الإسلام، النظافة، بل إنها علامة الإسلام ومعناه ومدلوله، وليس هناك من دين أو قانون أو نظام حثّ أهله على النظافة كدين السلام الطاهر الطهور المرتضى للأمة جمعاء. وإن العلامات الدالة على نظافة هذا الدين وأمره بالنظافة حسًّا ومعنى، تشريعاته الحكيمة ومثله الرشيدة، وأحكامه العادلة، وأول علامة ..
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما، العزيز الحكيم خلق الكون كله ابتداءً، وعلى غير مثال سابق، بيده مقاليد كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه. نحمده ونشكره ونستزيده من فضله وإنعامه، ونشهد أن لا إله في الوجود سواه. ونصلي ونسلم على خير من بعثه الله إلى الثقلين هاديًا ومعلمًا ومبشرًا ونذيرًا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله الذي خلقكم والذين من قبلكم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا؛ فإن حساب الله شديد، وأخذه وعقابه أليم، وثوابه جزيل عظيم لما اتقى وصبر وامتثل.
عباد الله: إن مما يحث عليه شرع الله في كتابه وسنة رسوله امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وإن ما حضّ وحثّ عليه شرع الله الإسلام، النظافة، بل إنها علامة الإسلام ومعناه ومدلوله، وليس هناك من دين أو قانون أو نظام حثّ أهله على النظافة كدين السلام الطاهر الطهور المرتضى للأمة جمعاء.
وإن العلامات الدالة على نظافة هذا الدين وأمره بالنظافة حسًّا ومعنى، تشريعاته الحكيمة ومثله الرشيدة، وأحكامه العادلة، وأول علامة من علامات النظافة التي يدعو الشرع الحنيف إلى امتثالها وتطبيقاتها مشروعية الصلاة، فانظر -أخي المسلم- على الكيفية التي يدعوك إليها هذا الدين لإقامة الصلاة؛ فإن أول ما يُفرض لإقامتها الوضوء خمس مرات على عدد خمسة أوقات ما لم تحدت ما يوجب الوضوء، وإنما تطهر بالماء على الأطراف، فإذا قمت لأداء كل صلاة مفروضة أو نافلة فلتتبين حالك وتتعهدها بنظافة الباطن، أي خلو النفس والقلب والروح من درن الدنيا والتفكير فيها، وتلك العلامة من أسمى علامات النظافة؛ لأنها دليل النظافة في الظاهر.
ومن علامات النظافة مع فريضة الصلاة أن لا يقربها المصلي جنبًا، وأن يخلي بينه وبين كل ما يبعث على التقزز وكراهة من طعام أو شراب كأكل البصل وما شابهه من الأطعمة، كالثوم والكراث وما أشبههما. وهذا كله في مجال النظافة مع ما لله من الحقوق المفروضة في جانب المحسوسات.
وإذا أنت -أخي المسلم- فتشت عن مفهوم النظافة مع الله في جانب المعنويات ألفيت أمرًا عجبًا لا يتسم به سوى الإسلام، فانظر مثلاً إلى فريضة الصيام كيف طلب الإسلام من المسلم في صيامه أن يكون نظيفًا في مظهره ومخبره، حيث حرّم على الصائم الشتم والسباب وخلق النميمة، وفي ذلك نظافة معنوية ترقى بالمسلم درجات عليا في معاده ومعاشه، ومعلوم أن هذه الخلال محرمة في الصيام وفي غير الصيام.
وانظر حين فرض الزكاة شرع لها السرية في الإنفاق لتتطهر من الرياء والسمعة، وأباح لإخراجها العلن شحذًا لعزائم الأغنياء على الإنفاق.
وانظر حيث شرع الحج جعل من تمامه تجنب الرفث والفسوق والظلم والعصيان، وهذه القيم كلها ميزان لمعنى النظافة التي حث الشرع الحكيم عليها.
وشرع السواك في الصلاة وفي غير الصلاة، وأمر بالمبالغة في المضمضة والاستنشاق للماء من الخيشوم لغير صائم، وختم هذه المعاني السامية والقيم الرفيعة لمفهوم النظافة، ختمها بأن جعل خمسًا من الفطرة: نتف شعر الإبط، وحلق العانة، والختان، وقص الشارب، وتقليم الأظفار.
منهج إسلامي واسع كبير شامل قرّره الإسلام على يد محمد -صلى الله عليه وسلم- منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان وزيادة، قرّره وأقره وأمضاه وطبّقه في حياة الناس قبل هذه الدراسات المعاصرة التي كتبها بعض المفكرين وعلماء التربية والاجتماع من غير المسلمين، دراسات ألفوها في معنى النظافة وأسسها ظنًّا منهم أنها من بنات أفكارهم، وجهلوا أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بشرع الله الإسلام قد سبقهم إليها، لأنه جاء لهذا الوجود ولإنسان هذا الوجود بكتاب سماوي قال فيه منزله سبحانه: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام: 38]، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر: 7].
منهج إسلامي في النظافة أقرّه وقرّره الإسلام صيانة لحياة المسلمين والإنسانية جمعاء، وهذا في جانب ما يتعلق بالجسد، ولو أردنا أن نستقصي مفهوم النظافة وفق ما حدده وبيّنه الشرع الإسلامي لما أتينا على شيء منه في خطبة أو خطبتين أو أكثر.
وسأحمل لكم -أيها المؤمنون- موضوعات النظافة في الإسلام فيما يتعلق بالإنسان نفسه حفاظًا على صحته ومظهره ومخبره، ثم أعود إلى معنى النظافة ومفهومها في البيئة من حول هذا الإنسان الآدمي الضعيف، وأنه إن لم يأخذ بها كانت بيئته من حوله مصدر شر ووباء وداء، لا يسلم من هذا المرض حتى يسلمه إلى مرض آخر بسبب الإهمال في نظافة البيئة.
أما موضوعات النظافة في الإسلام فيما يتعلق بصحة الإنسان وجسده فقد راعى الإسلام ما يلي:
جعل خمسًا من الفطرة: نتف الإبط، والاستحداد، والختان، وقص الشارب، وتقليم الأظفار. كما أسلفنا.
وسنَّ الاكتحال في العينين وترًا، أي وضع الكحل في العينين ثلاث مرات أو خمس مرات أو مرة واحدة كل ثلاثة أيام أو خمس أو سبع إلى ما شاء الله من عدد الأيام الفردية، ولا عيب في الاكتحال -أيها الإخوة المسلمون-؛ لأنه من سنة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو نظافة للعينين وجلاء لهما وقوة في الإبصار.
شرع الوضوء لكل صلاة ما لم يكن المسلم على طهارة وضوء الصلاة السابقة، وحضّ على المبالغة في المضمضة والاستنشاق والاستنثار لغير صائم، وأوجب الغسل من الجنابة، وشرعه لصلاة الجمعة والعيدين والدخول في الإسلام.
حثّ على استعمال السواك -عرضًا-، وقد أثبتت الدراسات الحديثة التي تعنى بعلاج الأسنان والفم أن السواك أجود في التنظيف وأقوى للأسنان من الفرش والمعجون، وذلك أن المادة المطهرة التي يحتوي عليها عود الأراك أصلية فيه ليست مصطنعة مستحدثة من مواد أخرى تكون عرضة للنتن والتعفن لو تركت دون استخدام، ولأن الذي أمر بالسواك هو المعلم الأول طبيب الإنسانية كلها من درن الأمراض الحسية والمعنوية، رسول الهدى -صلوات الله عليه-.
وحثّ الإسلام على نظافة الثياب والانتعال، فحين سأله أحد أصحابه: "إن الرجل يجب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا"، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله جميل يحب الجمال". أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-.
ونظّم الإسلام نظافة الحائض والنفساء، ونظّم استعمال الحمام لقضاء الحاجة، فشرع الاستنجاء بالماء لا بالمناديل كما يفعله المتفرنجون اليوم، وشرع الاستجمار بما هو طاهر من أحجار وأخشاب ونحوهما لا بعظم ولا برجيع دابة، "يا رويفع: أخبر الناس أن من استنجى بعظم أو برجيع دابة فإن محمدًا بريء منه". حديث شريف.
أمر الإسلام بتطهير الإناء إذا ولغ الكلب فيه سبع مرات بالماء، كما جاء في حديث أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات". فأين هذه النظرة الإسلامية في النظافة من نظرة المجتمعات الغربية والأوروبية مربية الكلاب، هؤلاء الذين يمعنون عن جهل وعن علم بتقريب هذا الحيوان النجس وتربيته في منازلهم والاضطجاع معه ومؤاكلته والتبرك به، إن هذا والله جنون الجهل إن كان في الجهل جنون.
عباد الله: أنتم الأعلون في كل شيء، أنتم حزب الله المفلحون إذا تمسكتم بدينكم وطبقتم تعاليمه في النظافة وفي كل شيء.
أما نظرة الإسلام إلى النظافة في البيئة من حول مجتمعات المسلمين وأفرادهم وأسرهم، فهذا موضوع الخطبة الثانية -إن شاء الله تعالى-.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) [المائدة: 6] إلى آخر الآية، ويقول في آية أخرى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة: 222].
بارك الله لي ولكم في آيات القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما في كتاب الله من العظات والأحكام والتوجيهات والذكر الحكيم. أقول هذا القول وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على وافر نعمه ومننه وأفضاله، الحمد لله على نعمة الإسلام ونظام الإسلام وحكمه الذي لا يتغير ولا يتبدل ولا يزول، نحمده ونشهد أن لا إله إلا هو، ونصلي ونسلم على خير من دعا إلى الله على بصيرة، محمد المبعوث البشير النذير.
صلى الله وسلم وبارك عليه، نبي الهدى والعلم والإيمان، نظّم الحياة بوحي من ربه، ودعا إلى العمل للآخرة بوحي من ربه.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة المؤمنون: تسعى الدولة جاهدة إلى المحافظة على سلامة البيئة ونظافتها انطلاقًا من هدي الإسلام الذي هو النظام الكامل الشافي الكافي للحياة، وأول قاعدة أساس في التمسك بأسباب النظافة التعليم؛ لأنه الجمال الأول في المحافظة على الأخلاق وسيادتها صفوف الناس، وها هي دور التعليم ومراكزه ومدارسه وجامعاته ومعاهده ودور الرعاية من حوله، يشترك مع الدولة في تيسير وتسيير رسالة هذه الدور ورجال التربية والتعليم لخلق مجتمع راق سليم نظيف في مظهره ومخبره.
وها هي دور الأعمال والمؤسسات والمصحات والمستشفيات متناثرة في كل حدب وصوب، وها هي الدوائر المتخصصة في المحافظة على نظافة البيئة والمجتمع كالبلديات ودور الرعاية الاجتماعية كلها تسهم في المحافظة على النظافة للتدليل على أن المسلمين هم الواجهة الحضارية بين الأمم والشعوب.
فقد أمروا بالمحافظة على النظافة في المظهر والمخبر، وما أسبوع النظافة الذي تعقده الجهات المعنية إلا دليل تحضُّر ووعي وعمل من أجل سلامة الفرد والجماعة. ولكنا نجد من بين كثير من الناس من يعكس هذا المفهوم بطريق اللا مبالاة نتيجة لجهل أو كسل أو تهاون، فتجد الباعة يرمون بالنفايات على أرضية الشوارع، وفي طرق المارة وفي ساحات البيع والشراء، على الرغم من التنظيم الذي أخذت به البلديات والشركات المتعاونة معها، بل نجد بعض الباعة لا يهتم بنظافة زيه وشكله؛ ما يبعث على التقزز والكراهية، وكل هذا يرفضه الذوق ويمجُّه وتستقبحه النفس، فضلاً عن إنكار الإسلام له.
إن على المسلم أن يكون جنديًا مجندًا في المحافظة على كل ما فيه نفع للمسلمين أفرادًا وجماعات، فيعين على نظافة بيته، ونظافة مسجده ومدرسته وطريقه، يغرس شجرته ويميط أذاه، انطلاقًا من هدي إسلامي يقول للناس: "إماطة الأذى عن الطريق صدقة".
وإن مما هو جدير بالذكر الحسافظة والرعاية من رجال النظافة أن يهتموا بتوعية أصحاب الورش وأماكن إصلاح السيارات في نظافة أنفسهم وزيهم وفي نظافة أماكنهم. وهناك شأن جدير بالتنبيه والمحافظة وهو تعاون الجار مع جاره في كل ما من شأنه نظافة البيت والولد والطريق، فإن هذا التعاون من أخلاق المسلم؛ لأنه يؤدي به حقًّا من حقوق جاره الذي أوصى به النبي الكريم خيرًا، بل كاد في الحديث أن يورثه من جاره، لكننا مع بالغ الأسف نجد هذا المفهوم قد انعكس إيذاءً؛ فلم يعد بين الجار وجاره احترام متبادل يقوم على تحقيق هذا الشأن، بل نجد أن بعض الجيران يؤذون جيرانهم -لأتفه الأسباب- برمي النفايات والقمامة والفضلات وراء أبوابهم وفي عرض طريقهم انتقامًا من خلاف أو ما أشبهه.
عباد الله: إن من زيادة إيمان المسلم وكمال خلقه أن يكون نظيفًا في مظهره ومخبره، ولا شك أن نظافة المظهر من أدلة نظافة المخبر الباطن، ونظافة الباطن من الحقد والضغينة والانتقام والتشفي وخلق النميمة والغش والكبر، والتزام الطريق السوي في العمل والتطبيق، كل ذلك مما يحبه الله ويرضاه: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم التي في صدوركم، ولا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء".
عباد الله: ادعوا الله مخبتين ضارعين مرددين: اللهم بعزتك أعز الإسلام والمسلمين، أذل الشرك والمشركين، ودمر اللهم أعداء الإسلام والمسلمين من يهود ونصارى وشيوعيين وأعوانهم.
اللهم أحبط كيدهم وأعمالهم، واردد حقدهم غصة في نحورهم، واجعل تدبيرهم في تدميرهم، اللهم وفق ولاة المسلمين وقادتهم إلى السير بما يرضيك، وارزقهم البطانة الصالحة التي تذكرهم بفعل الخير إذا نسوا، وتعينهم على فعل الخير إذا ادكروا.
وصلوا وسلموا على أكرم نبي وأشرف هادٍ، واذكروا الله العلي العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.